الشائعات (1)

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2018-05-04 - 1439/08/18 2024-11-03 - 1446/05/01
عناصر الخطبة
1/خطورة الشائعات 2/التحذير من نقل الكذب والإشاعات والأقوال المغرضة 3/من وسائل نقل الشائعات وأهدافها 4/وجوب الحرص على وحدة الصف واجتماع الكلمة.

اقتباس

اتقوا الله -عباد الله-، وانظروا ما يخرج من ألسنتكم، وما يخطّه بنانكم، وما تلقونه في أجهزة تواصلاتكم، وراقبوا الله -جَلَّ وَعَلَا- فيها، واحذروا أن تكون سببًا في هلاككم في الدنيا، أو في عقوباتكم في الآخرة....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين؛ (وَلَقَدْ وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131].

 

تقوى الله -يا عباد الله- هي المنجية في الدنيا، وهي المنجية في الآخرة؛ منجية في الدنيا من الضلال، ومنجية في الآخرة من الهلاك في النَّار، ولمَّا سُئل أبو هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كيف نتقي الله يا صاحب رسول الله؟ قَالَ: "أترى الأرض المشووكة؟" أي: الَّتِي كلها شوك، "كيف تصنع إذا مشيتَ فيها؟" قَالَ: "أتقي هذَا الشوك"، قَالَ: "فاتَّقِ الله -جَلَّ وَعَلَا- كذلك"؛ أي: بأن تتقي محرمات الله ولا تقع فيها، وتتقي واجبات الله -جَلَّ وَعَلَا- فتبادر إليها.

 

ويا عباد الله: إنَّ من أعظم ما يفتُّ المجتمعات وينشر قالة السوء بين الأفراد والجماعات: نقل الكلام من غير تثبُّتٍ، ومن غير تدبُّرٍ فيه، وافتراء الكذب والشائعات، وقد قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "بئس مطية الرجل زعموا!"؛ كما نسمعه في مجالسنا، وعبر وسائط التواصل الاجتماعية: يقولون، ويُذْكَر، حَتَّى ترك النَّاس هذِه العبارة الَّتِي هي رواية بصيغة الإضعاف والتمريض، فتركوا "يقولون"، وتركوا "يذكرون، وسمعنا"، إِلَى نقل الخبر عَلَى جهة أنه واقعٌ حقيقي، وأنه صدق لا مرية فيه.

 

 ثُمَّ إنَّ هذَا الناقل للخبر سواء كان مباشرةً أو عبر هذِه الوسائط، إذا اعترض عليه معترض؛ طار الموضوع في أنفه، واستكبر وعاند، وكابر، كيف يُرَدُّ كلامه الَّذِي نقله أو خبره الَّذِي أتى به؟!

 

وفي الصحيحين من حديث سمرة بن جُندب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه: "أتاه آتيان في منامه فانطلقا به"، وأنه في حديث قَالَ: "فأقبلت عَلَى رجلٍ وآخر معه كلُّوب، فيشرشر فاه إِلَى قفاه، ومنخره إِلَى قفاه، وشدقه إِلَى قفاه، فقلت: سُبْحَانَ اللَّهِ ما هذان؟ فَقَالَا: هذَا الرجل يخرج من بيته فيلقي بالكلمة فتطير في الآفاق، فلا يزال يُعذَّب إِلَى أن تقوم الساعة".

 

نعم -يا عباد الله- جاءت هذِه الوسائط والوسائل في تواصلات النَّاس الاجتماعية في الواتس آب، وفي التويتر، والآن في جيل الشباب في السنابات، وسيأتي غيرها، ما هو مدعاة لنقل الكذب والإشاعات والأقوال المغرضة، من غير تثبُّت النَّاس فيها.

 

واعلموا -عباد الله- أن الكلام في النَّاس في أفرادهم، أو في دولهم، أو في حكامهم وعلمائهم، أو في جماعتهم، أنه كَالشَّاهِدِ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في هذِه الشَّهَادَة: "أترى هذِه الشَّمْس؟" قَالَ: نعم يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "عَلَى مِثْلها فاشهد أو دَعْ".

 

نعم -يا عباد الله-؛ "عَلَى مثلها فاشهد أو دَعْ"، فاتقوا الله -عباد الله-، وانظروا ما يخرج من ألسنتكم، وما يخطّه بنانكم، وما تلقونه في أجهزة تواصلاتكم، وراقبوا الله -جَلَّ وَعَلَا- فيها، واحذروا أن تكون سببًا في هلاككم في الدنيا، أو في عقوباتكم في الآخرة.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذَا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيّدنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، وأحبهم وذَبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إنَّ من صور الشائعات: ما تتناقله وسائل الإعلام من أخبار كاذبة، وترويج هذَا الكذب، والزيادة فيه، حَتَّى يُصدِّق الكذبةَ قائلُها! وَحَتَّى يصدق النَّاس هذِه الأكاذيب من كثرة تواردها في وسائل الإعلام.

 

وإنَّ أعظم ما صُوِّبت به السهام إِلَى بلادنا، وَإِلَى اجتماع كلمتنا هذه: الكذب والشائعات، الَّتِي ما كانت وسائل الإعلام في الفضائيات والإذاعات، وفي وسائل التواصل الاجتماعية ما كانت إِلَّا من أعظم وسائلهم ليفتُّوا عضد هذَا الاجتماع في وحدة الكلمة الَّتِي منَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- بها علينا في بلادنا، فأُمِّنت السبل، ورُغِّد العيش، وجُلبت لنا الخيرات من كل مكان.

 

فالله الله -عباد الله-؛ ألَّا يأتينا عدونا من بيننا، واحذروا أعداءكم من بينكم من المنافقين، وأعداءكم من خارجكم من المغرضين أن يفتُّوا في هذَا الاجتماع، في وحدة الكلمة بهذه الشائعات والدعايات المغرضة الَّتِي لا تخفى عَلَى اللبيب، بل ويعرفها من عنده أدنى مسكة من عقل.

 

ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذلاً تذلُّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعلنا وإياه هداةً مهديين، ممن يقول بالحق وبه يعدلون.

 

اللَّهُمَّ كُن للمسلمين في كل مكان، كُن لهم وليًّا ونصيرًا وظهيرًا، اللَّهُمَّ اشفِ مرضاهم، اللَّهُمَّ اغفر لموتاهم، اللَّهُمَّ عافِ مبتلاهم، اللَّهُمَّ كُن لجنودنا المرابطين عَلَى حدودنا، اللَّهُمَّ أنزِل عليهم نصرك المؤزَّر يا ذا الجلال والإكرام، وكُن لعبادك المجاهدين في سبيلك، والمستضعفين في أرضك، أنزِل عليهم نصرك العاجل يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ اجعل ما أنزلته علينا بلاغًا إِلَى رحمتك، وسببًا لرضوانك يا ذا الجلال والإكرام.

 

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

وقوموا -رَحِمكم اللهُ- إِلَى صلاتكم.

 

المرفقات

الشائعات (1).doc

الشائعات (1).pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات