السياحة وسنن السفر

أحمد عبدالرحمن الزومان

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ الفرق بين السفر المباح والسفر المحرم 2/ من أنواع السفر المحبوب شرعًا 3/ الغرض الشرعي من السياحة وأقسامها 4/ وجوب اجتناب منكرات السفر والسياحة 5/ ذكر بعض آداب السفر.

اقتباس

الإسلام لا يقف حائلاً بين الناس وبين ترويحهم عن أنفسهم في السياحة أو في غيرها إذا لم يكن في ذلك مخالفة للأحكام الشرعية، لكن ليس وجود شواذ يرون أن السياحة لا تكون إلا بمعصية الله من حفلات غنائية واختلاط وجود هؤلاء ليس مبرراً لتجاوز حدود الله، والترخيص بهذه المنكرات بحجة إذا لم توجد لهم فسوف يسافرون بحثاً عنها؛ لأنَّ المتنكبين الطريق متباينون في شهواتهم المحرمة، فهل كل صاحب شهوة نوفِّر له شهوته مهما بلغت في القبح شرعًا وعرفًا حتى لا يسافر للبحث عنها؟! فهذا لا يقره عقل فضلاً عن الشرع.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

 

أَمَّا بَعْدُ.. فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

 

إخواني: السفر والسياحة في الأرض كغيرهما من أفعال المكلفين إذا اقترن بهما قصد مشروع كان العمل عبادة وقربة وإن كان الدافع أمرا مباحا فهما مباحان وإن أقترن بهما أمر منهي عنه حرما.

 

فسفر الطاعة ما تحصل به مرضاة الله وهو مأمور به، فمن ذلك السفر إلى مكة والمدينة وبيت المقدس -حررها الله من أيدي الغاصبين-؛ بنية الحج أو العمرة أو الصلاة في هذه الأماكن المقدسة.

 

ومما يؤخذ على البعض تجده حريصاً على الخير يستغل بعض وقت الإجازة في الذهاب إلى مكة والمدينة مستغلاً وقته بالطاعة من صلاة وقراءة قرآن وطواف وانتظار للصلاة بعد الصلاة وغير ذلك مما يحبه الله -عز وجل- ويرضاه.

 

إلا إنك تجده لا يتابع أولاده فتجدهم في الأسواق يفتنون ويفتنون أو في تجمعات شبابية لا يراعون لأحد حرمة فضلاً عن حرمة المكان أو تجدهم في غير ذلك من أماكن الريبة وصيانة الأولاد وحفظهم واجب فلا يقدم عليه النفل، فلا بد من العناية بهذا الجانب إما باصطحابهم معه أو مع زوجته أو ببقائه معهم أو السكن في أماكن بعيدة عن هذه التجمعات أو غير ذلك من الحلول التي تكفل الجمع بين صيانة الأولاد وحفظهم والتقرب لله بالطاعة.

 

ومن سفر الطاعة السياحة في الأرض للدعوة لله وطلب العلم وتعليم الجاهل وإعانة ذي الحاجة الملهوف ونشر العلم الشرعي (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122]، والدعوة لله مسؤولية الجميع ويستطيع أن يقوم بها الجميع صغارا وكبارا رجالا ونساء كل حسب قدرته ومن ذلك إهداء الشريط والمطوية والكتيب والأمر بالمعروف والناهي عن المنكر.

 

ومن السياحة المأمور بها السياحة في الأرض لأخذ العظة والعبرة في مشاهدة ديار الذين كفروا برسل الله وخالفوا أمر ربهم والاعتبار بما حل بهم، والخروج من ذلك بأن هذه سنة الله في كل من خالفوا أمره واستكبروا بالأرض بغير الحق (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [الأنعام: 11].

 

والسياحة على هذا النحو ولأجل هذا الهدف عبادة وقربة فبها تنزجر النفس عن ما نهى الله عنه خشية سخطه وأليم عقابه لكن كثيرا ممن يزورون هذه الأماكن تجدهم ساهين لاهين، فالزيارة عندهم مجال لأخذ الصور التذكارية لهذه الأماكن والضحك والاعتبار بالبنيان وكيف شيد ونحت وزيارة أماكن المعذبين بهذه الصورة نهى الشارع عنها فهي في أقل الأحوال مكروهة.

 

قارنوا حال كثير ممن يزورون مدائن صالح بحال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما مر بالحِجْر قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين؛ أن يصيبكم ما أصابهم ثم تقنع بردائه وهو على الرحل" (رواه البخاري ومسلم).

 وهذا الحديث ورد في مدائن صالح ويقاس عليها كل أماكن العذاب، والله أعلم.

 

وكذلك السياحة في الأرض بغرض التفكر في مخلوقات الله والنظر في عجائب هذا الكون وكيف كانت بدايته وإلى شيء سيؤول مما أمر الله به بقوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت: 20].

 

ومما أبيح السياحة في الأرض طلبا للرزق تكسبًا وبحثًا عن الحلال (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

 

الإسلام لا يقف حائلاً بين الناس وبين ترويحهم عن أنفسهم في السياحة أو في غيرها إذا لم يكن في ذلك مخالفة للأحكام الشرعية، لكن ليس وجود شواذ يرون أن السياحة لا تكون إلا بمعصية الله من حفلات غنائية واختلاط وجود هؤلاء ليس مبرراً لتجاوز حدود الله، والترخيص بهذه المنكرات بحجة إذا لم توجد لهم فسوف يسافرون بحثاً عنها؛ لأنَّ المتنكبين الطريق متباينون في شهواتهم المحرمة، فهل كل صاحب شهوة نوفِّر له شهوته مهما بلغت في القبح شرعًا وعرفًا حتى لا يسافر للبحث عنها؟! فهذا لا يقره عقل فضلاً عن الشرع.

 

وكذلك بعض الأماكن التي مر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أقام بها اتفاقا غير قاصد التعبد لا تجعل أماكن سياحية يقصدها الناس تعبدا لله فلو كان قصد هذه الأماكن مما تعبدنا الله به لسبقنا إليه خير القرون من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم.

 

بل إن الصحابة -رضي الله عنهم- أنكروا ذلك؛ فعن المَعْرُور بن سُوَيْد قال خرجنا مع عمر -رضي الله عنه- في حجة حجها فلما قضى حجه ورجع والناس يبتدرون فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعًا، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصلِّ، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل" (رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بإسناد صحيح).

 

عباد الله: بعض الأماكن التي تقصد للسياحة يشق على من عنده صلابة في دينه أن يتقي كل ما يراه من مخالفات شرعية في كل الأماكن التي يمر بها فكيف بمن عنده رقة في الدين فمن يذهب لهذه الأماكن لا شك أنه على خطر ولو لم يقع إلا في ترك إنكار المنكر لكفاه ذلك إثماً ويكون الأمر أعظم حينما يصطحب معه زوجته وأولاده قد خرج بهم من مجتمع العفة والطهر إلى تلك المجتمعات الموبوءة فربما أثر عليهم لا سيما مع كثرة هذه المشاهد وتكررها كل عام فهذا من الغش في الأمانة.

 

وإن المسلم ليعجب حينما يسمع أن فلانا ذهب بأهله إلى أحد بلاد الكفر بحجة السياحة فيمر هذا الحديث في مجالس الناس من غير إنكار ومن غير تذكر للمحاذير الشرعية في مثل هذا السفر، ويعظم الأمر حينما تطرح هذه الأحاديث من باب الإعجاب بها واستحسانها.

 

فإذا أراد المسلم السفر المباح عليه أن يختار المكان المناسب الذي يستمتع فيه ومن معه ولا يقعون في محاذير شرعية، وخير ما يختار للسياحة المباحة السياحة داخل المملكة، ويبتعد عن الحفلات والمهرجانات المحرمة وأماكن المنكرات إذا كان لا ينكرها لقوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68].

 

وفي الختام أذكِّر نفسي وإخواني ببعض سنن السفر التي قل العمل بها ومن ذلك.

 

صلاة النفل للمسافر السائر على السيارة أو الطائرة أو غير ذلك من وسائل النقل الحديثة. فيسن له التنفل ولو كان لغير القبلة وسواء كان سائقاً أو راكباً يركع ويسجد وهو جالس على المقعد يومئ إيماء برأسه في ركوعه وسجوده ويجع سجوده أخفض من ركوعه، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه وكان ابن عمر يفعله" (رواه البخاري).

 

ويسن للمسافر أيضاً أثناء سيره في الطريق إذا صعد مكانا مرتفعا قال الله أكبر وإذا هبط مكان منخفضا قال سبحان الله، فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: "كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا" (رواه البخاري).

 

فالتسبيح في الأماكن المنخفضة تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة، وأن المخلوق مهما علا وارتفع شأنه فالله أكبر هذه المناسبة، والله أعلم.

 

ومن السنة إذا رجع المسافر ووصل منزله أن يبدأ بالمسجد القريب إلى منزله فيصلي فيه ركعتين بنية صلاة القدوم من السفر لحديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم­- "كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس» (رواه البخاري ومسلم).

 

وعن جابر -رضي الله عنه- في حديثه الطويل قال: «وقدمت بالغداة فجئت المسجد فوجدته يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- على باب المسجد، فقال: الآن قدمت؟ قلت نعم يا رسول الله، قال فدع جملك وادخل فصل ركعتين فدخلت ثم رجعت» (رواه البخاري ومسلم)، ثم يذهب إلى بيته بعد صلاته الركعتين.

 

 

 

المرفقات

وسنن السفر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات