عناصر الخطبة
1/ وقفة مع قوله تعالى: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) 2/(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) 3/صور من السيئات الجارية والتحذير منها 4/كيف تكسب مليون سيئة سريعاً؟! 5/استهانة الناس بنشر المحرمات وخطورة ذلك 6/انتشار المحرمات من أسباب الهلاك 7/الترغيب في الحسنات الجارية بعد الموت.اقتباس
يفاجئ الإنسان بسيئاتٍ عظيمة, لم يكن عملها هو بنفسه, ولا باشرها بيده, لكنها كتبت عليه, سيئات كالجبال مهلكةٍ لصاحبها, من أين أتت؟ وكيف كتبت؟! إنها السيئات الجارية, وما أدراك مالسيئات الجارية؟!. السيئات الجارية؛ سيئات تكتب على صاحبها وهو في قبره, سيئات مستمرة متواصلة لا تتوقف أبداً, يموت صاحبها وينقطع عن هذه الدنيا, ولا تزال تكتب وتسجل كل يوم, بل إنها تتضاعف بمرور الأيام والليالي, وهو محبوس في قبره, لا يستطيع أن يوقفها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نحمده سبحانه, ونتوب إليه, ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نستجلب بها نعمه، ونستدفع بها نقمه، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه واتباعه.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، فبتقواه تستجلب معيته ونصره وتأييده كما قال ربنا –سبحانه وتعالى- (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
أيها المؤمنون: يقول الله -تبارك وتعالى- (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: 12] قال المفسرون: "نسجل عليهم أعمالهم التي عملوها في الدنيا سواء أكانت هذه الأعمال صالحة أم غير صالحة. ونسجل لهم -أيضا- آثارهم التي تركوها بعد موتهم سواء أكانت صالحة كعلم نافع أو صدقة جارية ... أم غير صالحة كدار للهو واللعب، وكرأيٍ من الآراء الباطلة التي اتبعها من جاء بعدهم، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون من ثواب أو عقاب (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أي: وكل شيء أثبتناه وبيناه في أصل عظيم، وفي كتاب واضح عندنا".
في يوم عظيم مهول شديد, تعرض فيه الأعمال التي سجلتها الملائكة, (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) في هذا اليوم العظيم ينبأ الإنسان بجميع أعماله, (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة: 7 - 13] يفاجئ الإنسان بسيئاتٍ عظيمة, لم يكن عملها هو بنفسه, ولا باشرها بيده, لكنها كتبت عليه, سيئات كالجبال مهلكةٍ لصاحبها, من أين أتت؟ وكيف كتبت؟! إنها السيئات الجارية, وما أدراك مالسيئات الجارية؟!.
السيئات الجارية؛ سيئات تكتب على صاحبها وهو في قبره, سيئات مستمرة متواصلة لا تتوقف أبداً, يموت صاحبها وينقطع عن هذه الدنيا, ولا تزال تكتب وتسجل كل يوم, بل إنها تتضاعف بمرور الأيام والليالي, وهو محبوس في قبره, لا يستطيع أن يوقفها.
يقول الله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25]. والأوزار جمع وزر وهو الشيء الثقيل, والمراد بها الذنوب والآثام التي يثقل حملها على صاحبها يوم القيامة، وكيف لا تكون ثقيلة وهي تتضاعف كل يوم؟! وكيف لا تكون ثقيلة وهي متواصلة مستمرة إلى يوم القيامة؟! كما قال- تعالى-: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت: 13] وعبر عن الخطايا بالأثقال؛ للإشعار بغاية ثقلها، وفداحة حملها، وعظيم العذاب الذي يترتب عليها. قال ابن كثير: "أي يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم لغيرهم، واقتداء أولئك بهم".
عباد الله: إن هؤلاء لم يكتفوا بفسادهم، بل تسببوا في إفساد غيرهم, لقد زينوا الباطل للناس ودعوا إليه ونشروه, فكان هذا جزاؤهم, كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم قال رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "... وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ, كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا". وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ قَالَ: "أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ فَاتُّبِعَ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
قال الشيخ المنجد: "إذا مات العبد وقد فعل أفعالا مخالفة للشرع، فاقتدى به فيها غيره من ولد أو صاحب أو جار أو غيرهم, فإن عليه وزر ما فَعَل، ووزر من فَعَل فعله مقتديا به فيه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء؛ لما رواه مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ".
جاء في [دليل الفالحين شرح رياض الصالحين]: "ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة": معصية وإن قلَّت، بأن فعلها فاقُتِدي به فيها، أو دعا إليها، أو أعان عليها "كان عليه وزرها" أي: وزر عملها "ووزر من عمل بها من بعده". وقال الشيخ ابن عثيمين: "فيه التحذير من السنن السيئة، وأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، حتى لو كانت في أول الأمر سهلة ثم توسعت فإن عليه وزر هذا التوسع".
وعليه تعلم -ياعبد الله- خطورة سن المعاصي والذنوب, ونشر المحرمات, وكيف أن صاحبها يأتي يوم القيامة محملاً بذنوب غيره, ممن اقتدى به أو ضل بسبب ما نشره, ولذا جاء في الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ". قال الإمام النووي" :وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام, وَهُوَ أَنَّ كُلّ مَنْ اِبْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّرّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْل وِزْر كُلّ مَنْ اِقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة".
عباد الله: من هذه الآيات والأحاديث يتبين لنا أن هناك سيئات الجارية, تجري على صاحبها بعد موته وهو في قبره, ومن تلك السيئات الجارية:
الدعوة إلى المعتقدات الباطلة, أو نشر الأفكار المنحرفة التي تحارب الفضيلة وتدعو للرذيلة؛ سواءً عن طريق الصحف والمجلات, أو الكتب والقنوات, أو بالقصص والروايات, أو بالأشعار أو المقالات, فكل من نشر عقيدة أو فكراً مخالفاً لتعاليم الإسلام, فعليه وزر من انحرف بسبب هذه الأفكار إلى يوم القيامة.
ومن السيئات الجارية: نشر صور النساء المتبرجات, وما أكثر من يفعل ذلك في زماننا؛ مع كثرة وسائل الاتصال وتنوعها, فيتساهل البعض فينشر صور النساء المائلات المميلات, المثيرة للشهوات, فيكون حظه من الوزر أن يكتب عليه ذنب كل من نظر إلى تلك الصور التي نشرها.
عبد الله: هل تريد أن تكسب مليون سيئة, نعم مليون سيئة في وقت قصير؟! هل تريد أن تكون حمَّال أوزار؟! هل تريد أن تكون من أصحاب السيئات الجارية؟! الأمر يسير جداً وأسهل مما تظن!!.
ضع في صورتك الشخصية في الفيس أو الواتس أو غيرها من وسائل التواصل, أو انشر صورةً لفتاة متبرجة أو صورةً محرمة وما أكثرها, وما أكثر من ينشرها مع الأسف, والنتيجة أن تحمل وزر كل من ينظر إليها إلى يوم القيامة, وقد تموت وتبقى هذه الصور ويبقى الإثم عليك مستمراً متواصلاً, فلو رأى شخص واحد صورة محرمة نشرتها؛ كتب عليك من الإثم مثل إثمه وذنبه, ثم لو أخذها غيرك من صفحتك فنشرها, ونشرها آخرون غيره؛ تضاعف وزرك وكثرت ذنوبك!!.
هذا بمجرد النظر إليها فقط, لكن قد يترتب على هذه الصورة محرمات أخرى!!, فكيف لو وقع شخص في الفاحشة والفجور بسبب هذه الصورة, أو فسد وترك الطاعة بسببها؛ فيكتب عليك مثل ذنبه وأنت لا تعلم!!. وهذا حال أولئك الذين ينشرون المقاطع الجنسية التي تدعو للزنا والفاحشة -عياذا بالله-, كحال بعض الشباب يحمِّل هذه المقاطع والصور في جواله, ثم ينقلها إلى جوالات أصدقائه, والأصدقاء ينقلونها إلى أصدقائهم, وهكذا تزداد الدائرة ويتضاعف الإثم على من حمَّل ونشر وتستمر سيئاته بعد وفاته.
فكم حُمِّل من وز؟!, وكم كتبت عليه من سيئة؟!, وكم أُثبت عليه من ذنب, وهو غافلٌ لا يعلم؟!, وصدق الله إذ يقول: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الزمر: 47، 48].
فيا لله!! قد خاب وخسر من نشر الصور المحرمة, خاب وخسر من نشر المقاطع الخليعة؛ ففتن بها الشباب والفتيات, وأوقعهم في الزنا والمحرمات, يأتي يوم القيامة وقد كتب في سجله من المعاصي والذنوب مالم يفعل هو بنفسه, لكنه يُحمل آثام غيره؛ لأنه تسبب في فسادهم وانحرافهم.
عباد الله: اقرؤوا هذه الآية وتأملوها جيداً :(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19]. إن هذه الآية نزلت في قصة الإفك وبرآءة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، فجاءت هذه الآية تنديدا بالذين يحبون أن نشر أخبار السوء, وأفعال القبح والفواحش في أوساط المؤمنين.
من أحب نشر أخبار الفواحش توعده الله بهذا: (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ), فكيف بمن يعمل ذلك؛ بنشر الصور الخليعة, والمقاطع الخبيثة التي تثير الشهوات, من صور نساءٍ عاريات, أو قبلاتٍ وأحضان, وأعظم منه من ينشر من صور جنسية فاضحة ماجنة. إن نشر الفواحش هي من صفات المنافقين الذين قال الله فيهم: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة: 67].
عباد الله: لقد استهان بهذا الأمر كثير من الناس في زماننا هذا استهانةً عظيمة, مع أن الله يقول في حق الذين يتناقلون أخبار الفواحش بألسنتهم فقط (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) [النور: 15] فكيف بمن يتجاوز القول باللسان إلى الفعل فإذا هو ينشر ويروج؟! سواءً كان ذلك عن طريق البيع أو الإهداء أو التبادل أو النشر أو غير ذلك, كل ذلك مما يجعل أصحابه من أهل السيئات الجارية بعد الموت.
أيها المؤمنون: هناك من يفني عمره ويقضي معظم أوقاته في ذلك, وبعضهم يبدد أمواله نشراً للفساد في المجتمعات عن طريق الأفلام والمسلسلات, والأفلام والبرامج الخبيثة, التي تدعو للاختلاط والرذيلة.
إن بعض الناس لم يشكر نعم الله التي أنعم به عليه, بل راح يستخدمها في الشر وإضلال المسلمين, وحرفهم عن الفضيلة, فانظروا كيف تنفق الأموال الطائلة تشجيعاً للغناء والمغنين, وللرقص واللهو والفنانين, أصحاب القيم الهابطة, والأخلاق الفاسدة؟!, بينما لا يجد حفاظُ القرآن من أطفال وشباب المسلمين معشار ما ينفق في نشر الفساد والرذيلة.
انظروا إلى البرامج الهابطة, المفسدة للأخلاق, المشجعة على الاختلاط والتبرج والسفور, المحاربة لكل فضيلة, كيف ينفق عليها الملايين, من مسابقات الغناء والرقص كستار أكاديمي وعرب أيدول وغيرها من برامج المجون والانحلال التي تبثها بعض القنوات؟!.
أيها المؤمنون: إن انتشار المحرمات بين الناس, وفشوها في المجتمعات, من أسباب هلاك الأمم، فكم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم أحلَّت من بلية, فعن زينب بنت جحش -رضي الله عنها-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوماً فزعاً يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب: فقلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث" [رواه البخاري ومسلم]. فإذا كثر الخبث وانتشر وفشا في الناس فإن الله يهلك القوم جميعاً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 19، 21].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله: إن العبد سيحاسب يوم القيامة عن أوقاته وعمره, وعن كل درهمٍ أنفقه, قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:" لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرِهِ، فِيمَ أَفْنَاه ؟ وعَنْ شَبَابِهِ، فِيمَ أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ، مِنْ أَيْنَ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟". [رواه الترمذي].
فاحذر -ياعبد الله- أن تكون عوناً للمفسدين في نشر الفساد في مجتمعات المسلمين, وإياك أن تغتر بكثرة الهالكين, احذر أن تتصل بهذه البرامج الهابطة تشجيعاً لمتسابقٍ؛ فتنفق مالك في تفاهة وسفاهةٍ؛ فيكون هذا عليك وبالاً يوم القيامة, احذر أن تستخدم جوالك في نشر الفساد والشر, احذر أن تكون صفحتك على الفيس أو الواتس أو تويتر أو غيرها سيئات جارية, احذر أن تتحسر في قبرك وأنت ترى السيئات تصلك إلى بعد موتك وتتضاعف عليك؛ بسبب ما خلفت من آثام, اقتدى غيرك بك فكنت سبباً في ضلاله وفساده.
عباد الله: شتان بين من ينشر المعاصي والآثام, وبين من ينشر الخير والحق, شتان بين من يستخدم وقته في الدعوة إلى الله, وبين من يستخدم وقته في الدعوة إلى الباطل, شتان بين من يستخدم وسائل الاتصال ومواقع التواصل في صلة الأرحام ونشر الخير, ومن يستخدمها في المعصية ونشر الفساد, شتان بين من ينفق أمواله في طرق الخير فتجري عليه الحسنات, وبين من ينفق ماله في الباطل فتجري عليه السيئات.
ألا طوبى لعبدٍ أجرى الله الخير على يديه قال رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ، مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ". [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
عباد الله: كما تجري السيئات على أصحابها بعد وفاتهم, فكذلك الأعمال الصالحة تجري لأصحابها بعد وفاتهم, فطوبى لعبدٍ أنفق ماله فيما ينفعه بعد موته, ووفقه الله لبابٍ من أبواب الخير, فجرت حسناته بعد مماته, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ عِلْمًا علمه ونشره, وَولدا صَالحا تَركه, ومصحفا وَرَّثَهُ, أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ, أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ, أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ, أَوْ صَدَقَةً أخرجهَا من مَاله فِي صِحَّته وحياته, يلْحقهُ من بعد مَوته". [رَوَاهُ بن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ, وحسنه الألباني].
ألا صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم ,والقائد الكريم, (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم