السعي والاستعانة بالله والرضا بقضائه

بندر بليلة

2022-09-02 - 1444/02/06 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/على المسلم أن يحرص على ما ينفعه ويستعين بالله 2/الطريق الصواب لنيل النفع في الدنيا والآخرة 3/المرء يسعى ويرضى بما يقدره الله تعالى 4/الصدق مع الله أنفع الأعمال

اقتباس

مدارُ النفعِ الدينيِّ على عِلْم نافع وعمل صالح، فالعلمُ حياةُ القلوبِ، وغذاء الأرواح، وبه الفوز في الدارينِ، وأنفَعُه وأشرَفُه العلمُ بالله وأسمائه وصفاته، وأوامره ونواهيه، وشرائعه وأحكامه وكتابه، وأمَّا العمل الصالح فهو عبادة الله وطاعته...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الكريم القادر، العظيم القاهر، خلَق فقدَّر، وشرع فيسَّر، فكلُّ إلى ما قدَّره وقضاه صائر، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه، لا شريك له، ولا ندَّ ولا مُظاهِر، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، المصطفى المطهَّر الطاهر، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه أُولي المكارم والمفاخِر، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى اليوم الآخر.

 

أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ- بتقوى الله؛ فاتقوا الله -رحمكم الله-، فالتقوى مصباح البصائر، ومفتاح الذخائر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

 

أيها المؤمنون: الدنيا للآخرة مزرعة، والأرواح والأموال فيها مستودَعة، والحصيف مَنِ انتهَز منها فرصته، واغتنم نفحته، وهذه وصية نبويَّة جامعة، ونصيحة محمديَّة نافعة، هي للمؤمن نبراس، ولعمله أساس، وبها بلوغ المطالب، ونَيْل المآرِب، أخرَج الإمامُ مسلمٌ في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "احرِصْ على ما ينفعُكَ، واستعنِ بالله".

 

معاشرَ الأخيارِ: لقد أُمر العبدُ بالجِدّ في تحصيل الأمور النافعة في دينه ودنياه، ولا يكون ذلك إلا بسلوك ما لها من السُّبُل والأسباب، وصِدْق اللُّجأ إلى المَلِك الوهَّاب، توكُّلًا عليه، واستعانةً به على إدراكها وتكميلها، فإذا لم يَرْمِ في مَيْدان الانتفاع بسهم فهو الفاتر الخاسر، فلا خيرًا أصاب، ولا عزًّا نال، ولا دُنيا أحرز، ولا دينًا أحرز، ولا دُنيا أدرك.

إذا ما علا المرءُ رامَ العُلَا *** ويَقنَع بالدُّون من كان دُونَا

 

عبادَ اللهِ: مدارُ النفعِ الدينيِّ على عِلْم نافع وعمل صالح، فالعلمُ حياةُ القلوبِ، وغذاء الأرواح، وبه الفوز في الدارينِ، وأنفَعُه وأشرَفُه العلمُ بالله وأسمائه وصفاته، وأوامره ونواهيه، وشرائعه وأحكامه وكتابه، وأمَّا العمل الصالح فهو عبادة الله وطاعته، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأداء الفرائض والنوافل والتطوُّعات، مُخلِصًا له فيها -سبحانه-، مُتابِعًا لرسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتلك الغاية الكبرى من الإيجاد والخَلْق؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56].

 

ولا يفت العبدُ حقَّه من النفع الدنيوي من عمل مثمر أو كسب حلال طيب، إعفافًا لنفسه، وصيانةً لماء وجهه، وقيامًا بواجب نفسه ومَنْ يعول؛ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الْمُلْكِ: 15].

 

وإذا بذَل في التماس النافع جهدًا واستفرَغ له وُسعَه، ولم ينل مطلوبه ومرغوبه فليتفيَّأ جنةَ الرضا، فيما قدَّر اللهُ وقَضَى، فبِذَا يزداد إيمانُه، ويطمئنّ قلبُه، وتَسكُن نفسُه، قال عليه الصلاة والسلام: "وإِنْ أصابكَ شيءٌ فلا تَقُلْ: لو أنني فعلتُ كذا كان كذا وكذا، ولكِنْ قُلْ: قدَّر اللهُ وما شاء فعَل، فإنَّ لو تفتح عملَ الشيطان"، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 148].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنَّه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، حمدًا نستمطر به رحماه، ونستدفع به غضبه وبلاه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهد أن محمدًا رسول الله، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن أجاب دعاه.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنَّه ليس شيء أحسن للعبد في الحرص على النافع من صِدقه مع ربه -سبحانه-، فيصدقه في عزمه وفعله، قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 21]، فصدقُ العزيمة جَمعُها وجَزمُها، وصدقُ الفعلِ استقصاءُ العملِ وعدمُ تخلُّف شيء من الظاهر والباطن عنه، وذاك معنى شريف كريم، من صحة الإخلاص وصدق التوكل وأصدقُ الناس مَنْ صحَّ إخلاصُه وتوكُّلُه.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بذلك فقال قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض الله عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد يا ربَّ العالمينَ، اللهم سَدِّدْ جندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، كن لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا.

 

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبَّلًا، اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 53]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 90-91].

 

 

المرفقات

السعي والاستعانة بالله والرضا بقضائه.pdf

السعي والاستعانة بالله والرضا بقضائه.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات