السراج الوهاج

تركي بن عبدالله الميمان

2022-10-21 - 1444/03/25 2022-10-23 - 1444/03/27
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/أعمال الشمس 2/غياب الشمس وانتشار الشياطين 3/الاعتبار من الشمس

اقتباس

وَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ أَنْ جَعَلَ الشَّمْسَ لِلْأَرْض، كَالسِّرَاجِ لِلْعَالَم! يَتَوَهَّجُ ضَوْؤُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَقْتَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا، وَتَغِيْبُ عَنْهُمْ وَقْتَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -عز وجل-؛ فَهِيَ سَبَبُ الفَلَاح، وَمَصْدَرُ النَّجَاح! (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)[الأنفال:1].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهُ سِرَاجٌ سَاطِعُ، وضِيَاءٌ لامِع، وآيَةٌ كَوْنِيَّة، دَالَّةٌ عَلَى إِفْرَادِ اللهِ بِالْوَحْدَانِيَّة، يَرَاهَا الجَمِيْع، وَلَا يَتَفَكَّرُ فِيْهَا إِلَّا القَلِيل: إِنَّهَا الشَّمْس، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوْرًا وَقَدَّرَهُ منَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِنِيْنَ وَالحِسَاب مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ)[يونس:5].

 

وَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ أَنْ جَعَلَ الشَّمْسَ لِلْأَرْض، كَالسِّرَاجِ لِلْعَالَم! يَتَوَهَّجُ ضَوْؤُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَقْتَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا، وَتَغِيْبُ عَنْهُمْ وَقْتَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا، قال تعالى: (وَجَعَلْنا سِرَاجًا وَهَّاجًا)[النَّبَأِ: 13].

 

وَالشَّمْسُ تُشْرِقُ وَتَغْرُبُ، مُنْذُ أَنْ خَلَقَهَا اللهُ في دِقَّةٍ عَجِيْبَة، وَحِكْمَةٍ جَلِيْلَة، قالَ تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ)[إبراهيم:33].

 

قالَ المُفَسِّرُوْن: "يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْكُمْ بِاللّيْلِ والنَّهَار؛ لِصَلَاحِ أَنْفُسِكُمْ وَمَعَاشِكُمْ. وَقِيْل: دَائِبَانِ في طَاعَةِ الله؛ فَإِنَّ الشَّمْسَ سُلْطَانُ النَّهَار، وَلَوْلَا الشَّمْس: لَمَا حَصَلَتِ الفُصُوْلُ الأَرْبَعَة، وَلَوْلَاهَا: لَاخْتَلَّتْ مَصَالِحُ العَالَم".

 

وَالشَّمْسُ تَجْرِي فِي مَدَارٍ خَاص، لا تَصْطَدِمُ بِغَيْرِهَا، وَلا تَخْتَلُّ في سَيْرِهَا! (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس:40].

 

وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ جِهَةِ المَشْرِق، فَإِذَا أَذِنَ اللهُ بِنِهَايَةِ العَالَم، وَقِيَامِ السَّاعَة: أَمَرَهَا أَنْ تَطْلُعَ مِنْ جِهَةِ المَغْرِب، قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)[الأنعام: 158]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ: آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)[الأنعام: 158]"(رواه البخاري ومسلم).

 

وَانْطِفَاءُ نُوْرِ الشَّمْس عَلامَةٌ لانْقِضَاءِ الدُّنْيَا، وَقِيَامِ القِيَامَة، قالَ تعالى: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)[الْقِيَامَةِ:9].

 

قالَ العُلَمَاء: "جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي ذَهَابِ ضَوْئِهِمَا، وَهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا مُنْذُ خَلَقَهُمَا الله! فَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ القِيَامَة، ثُمَّ يُقْذَفَانِ فِي النَّار".

 

وَالشَّمْسُ لَها عُبُوْدِيَّةٌ تَلِيْقُ بِهَا! فَهِيَ تُسَبِّحُ اللهَ وَتَسْجُدُ لَه! (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [الحج: 18]، قالَ -صلى الله عليه وسلم- لِأَبِي ذَرٍّ -حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ-: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟" فقال: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قال: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ! فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: "ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ"؛ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا! فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[يس: 38]"(رواه البخاري) . 

 

 وَفي يَوْمِ القِيَامَةِ: تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الخَلَائِقِ: و"يَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ" (رواه البخاري ومسلم).

 

وَيَخْتَصُّ اللهُ بَعْضَ المُؤْمنِين، وَيَقِيْهِمْ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَأَذَاهَا؛ فَيُظِلّهُم تَحْتَ ظِلِّه، يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه!

 

وَخَلَقَ اللهُ لِلْشَّمْسِ نُوْرًا سَاطِعًا؛ أَقْوَى مِنْ نُوْرِ القَمَر؛ ليُبْصِرَ النَّاسُ في ضَوْئِهَا، وَيَتَصَرَّفُوا في مَعَاشِهِمْ، وَيَحْسِبُوا أَوْقَاتَهُمْ، فَلَوْ كانَ نُوْرُ الشَّمْسِ كَنُوْرِ القَمَر؛ لَمَا عُرِفَ الوَقْت! قال تعالى: (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ). قال مُجَاهِدٍ: "الشَّمْسُ آيَةُ النَّهَارِ، وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ".

 

وَعِنْدَ غُرُوْبِ الشَّمْس تَنْبَعِثُ الشَّيَاطِين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ؛ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ"(رواه مسلم). وفي الحَدِيْثِ الآخَر: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ؛ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ"(رواه البخاري ومسلم). وَمَعْنَى: "كُفُّوا صِبْيَانَكُمْ". قالَ النَّوَوِي: "أَيْ: امْنَعُوْهُمْ مِنْ الخُرُوْجِ ذَلِكَ الوَقْتِ؛ خَوْفًا مِنْ إِيْذَاءِ الشَّيَاطِيْن؛ لِكَثْرَتِهِمْ حِيْنَئِذٍ".

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: مَنْ تَفَكَّرَ في غُرُوْبِ الشَّمْس، وَانْقِضَاءِ النَّهَار أَيْقَنَ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَار! (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النور:44]".

 

واللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَعْمَلانِ فِيك؛ فَاعْمَلْ فِيهِمَا، قالَ ابْنُ مَسْعُوْد: "ما نَدِمْتُ على شَيءٍ؛ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُه: نَقَصَ فِيهِ أَجَلِي، وَلَمْ يَزِدْ فِيْهِ عَمَلِي".

 

وَمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ، إِلا وَعَظَتْ بِأَمْسٍ! وَفِي تَعَاقُبِ الشَّمْسِ والقَمَر: ذِكْرَى لِلْبَشَر، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الفرقان:62].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

 

 

المرفقات

السراج الوهاج.pdf

السراج الوهاج.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات