الزوج بين أم يريد برها وزوجة يريد إرضاءها

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) 2/ ظاهرة المشاكل بين الأم والزوجات 3/ أسباب المشكلة 4/ علاج المشكلة

اقتباس

اغتنم الأوقات المناسبة لتخبر فيها أمك بأن زوجتك سعيدة بها، وأنها تقوم أمامك بمدحها والثناء عليها، كما أن عليك أن تشعر زوجتك بأن أمك معجبة بتصرفاتها، أو بأسلوب تربيتها لأبنائها، أو حتى بالأطعمة والحلويات التي تصنعها، فإن ذلك يشعر ..

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد:

 

عباد الله: إن من طبيعة الحياة البشرية أن تحدث فيها بين الناس النزاعات، وتقع فيما بينهم المشاكل والخصومات؛ كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) [الفرقان:20]. هذه سنة الله في الحياة، وهكذا طبع الله الناس؛ فالصالحون فتنة للعصاة، والعصاة فتنة للصالحين، والفقراء فتنة للأغنياء، والأغنياء فتنة للفقراء، وهكذا سائر أصناف الخلق بعضهم لبعض فتنة في هذه الدار، دار الفتن والابتلاء والاختبار. والحكمة من تلك الفتنة هو الابتلاء والامتحان؛ ليعلم الله صبرنا ومدى قوة تحملنا، فقال: (أَتَصْبِرُونَ) هل تصبرون فتؤجرون وتغنمون، أم لا تصبرون فتخسرون وتندمون؟.

 

وإن من الفتنة والابتلاء النزاعات والمشاكل: الفتن الداخلية والمشاكل الأسرية التي تقع في البيوت، وتعج بها كثير من الديار اليوم، والتي قد تقع بين أقرب الأقرباء؛ كالمشاكل التي تكون بين الأخ وأخيه، أو بين الأب وابنه، أو بين الأم وابنتها.

 

ونحن اليوم نريد أن نتكلم عن نوع خاص من هذه المشاكل، وجزئية معينة من هذه النزاعات الأسرية، وهي المشاكل التي تقع بين الأم والزوجة في كثير من بيوتنا إلا من رحم الله، ووقع كثير من الأزواج في الحيرة والاضطراب تجاه هذا النوع من المشاكل.

 

فالزوج يكون ضحية بين أم يحبها، ويود برها، ويتمنى أن لا يعصيها أو يرد أمرها، وبين زوجة يكرمها ويحبها، ويريد إرضاءها، ويتمنى أن لا يجرح مشاعرها، أو يخدش سياج العلاقة والعواطف التي بينه وبينها.

 

قصص أليمة نسمعها، ومشاكل عويصة نعايشها، ونزاعات كبيرة بين بعض الأمهات والزوجات لا نتصورها، ولا يتوقع أحد أن تصل إلى مستويات عالية وأحداث أليمة تدمي الفؤاد، وتقطع القلب، وتؤرق العين، وتكسر الخواطر، وتذهب بهجة النفس وسرورها.

 

فكيف يتصرف الزوج؟ وماذا يعمل؟ ومن يرضي من الطرفين؟ هل يقدم أمه على زوجته أم يقدم زوجته على أمه؟ أم يسكت عن هذه وتلك ويكون لا إلى هذه ولا إلى تلك؟ لأنه إن مال مع أمه ظلم زوجته, وإن انحاز لزوجته أغضب أمه، والأم لا يجوز بحال عصيانها إن لم تأمر بالمنكر, والزوجة لا يجوز ظلمها؛ فكيف يفعل؟.

 

عباد الله: إن الخطأ يكمن في أن بعض الأزواج لديه حكم مسبق على أمه أو زوجته، فإما أنه يميل دائماً إلى أمه ويحكم بصوابها في كل شيء، ويرى أنها على الحق في كل قضية، وينظر إلى الزوجة بأنها من نساء العصر وبنات الدلع في هذا الزمان. وإما العكس يغلبّ زوجته على أمه، ويقف إلى جانبها، ويحكم دائماً بصوابها، ويرى صحة كلامها، ولا يستطيع أن يعارضها أو يحيد عنها، وينظر إلى أمه على أنها امرأة عاقلة، متمسكة بخرافات الأولين وأساطيرهم، وهنا تكبر المشكلة وتستفحل القضايا بين الأم والزوجة.

 

والسبب هو الزوج نفسه عندما يكون إمعة أو ضعيف الشخصية، لا يقف موقفاً عدلاً وسطاً، ولا ينظر إلى الأمور بنظرة ثاقبة وعين بصيرة، ولا ينظر في كل مشكلة أو نزاع على حدة، بدلاً من الحكم المسبق المتصلب مع هذه أو تلك، أو الوقوف المطلق إما مع الأم أو الزوجة.

 

وأحياناً يكون سبب هذه النزاعات بين الأمهات والزوجات هو ثقافة المجتمع النسوي نفسه، حينما ينظرن البنات إلى الأم نظرة سلبية بأنها هي دائماً سبب المشاكل الأسرية، وتترسخ في أذهان الفتيات صورة سلبية من قبل الزواج بأنَّ الخالة هي الشبح المتسلِّط الذي يعكِّر صفو الحياة الزوجيَّة، ويفرض تدخُّله في كافَّة شؤونها.

 

ولهذا إذا تقدم لهم شخص بدلاً من أن يفكروا فيه وينظروا إليه يفكرون في أمه وطبعها، وكيفية تعاملها، أكثر من تفكيرهم في الشخص الخاطب نفسه، وهذا خطأ فادح وتهويل خاطئ.

 

كما أن من أعظم أسباب هذه النزاعات هي الغيرة، فبعض الأمهات تشعر في نفسها أن ابنها هو فلذة كبدها، وهي من ربته من حين نشأ إلى أن تزوج، ولا تحب أن تأتي امرأة أخرى فتأخذ عليها عواطف ابنها، وتسرق منها المحبة التي كان يفردها بها، ولا يمكنها أبداً أن تتصور أن يتنكر الابن لكلِّ هذا السجل الزاخر بالعطاء والتضحيات فيفضلَ زوجته عليها.

 

وفي المقابل تغار الزوجة، وترى أن زوجها هو شريك حياتها الوحيد، وتحب أن تكون الشراكة بينها وبينه فقط دون تدخل شريكٍ ثالث، وتتمنى أن تخطط لحياتها وتتصرف في شؤون أسرتها معه فقط دون رقابة أو تدخل أو وصاية عليها من أحد، وتضغط على  زوجها؛ لكي يتخلص من التبعية القديمة لأمه وأخواته، ويلتفت إليها وحدها دون غيرها، ومن هنا تقع المشاكل وتثور بين الأم والزوجة، خاصة إذا خضع الزوج لضغوطات زوجته واستسلم لها.

 

ويدخل الشيطان في هذه المشاكل فيؤججها وينفخ فيها، لذلك قال الله: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء:53]، وقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) [المائدة:91].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي، بعده وعلى آله وصحبه وسلم.

 

وبعد:

 

أيها المسلمون: تكلمنا عن مظاهر النزاع بين الأمهات والزوجات، وبعض الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، ونتكلم في هذه الخطبة عن سبل معالجات هذه الظاهرة وكيفية حلها؟

 

إن الحل يكمن في يد الزوج نفسه، فيجب أن يكون حكيماً ناضجاً، مقلصاً لأسباب التوتر بين الزوجة والأم دون خسارة أحدهما، وإذا أراد ذلك فعليه أن يلتجأ إلى الله -سبحانه وتعالى- في الدعاء له بالتوفيق في ذلك، ومحاولة العدل بين الأم والزوجة.

 

كما أن عليه أن لا يظهر حبه لزوجته أمام أمه أو العكس، خصوصا عند مناداته لزوجته بالألفاظ العاطفية؛ لأن الأم تتحسس عندما يناديها بألفاظ عادية ويخاطب زوجته بالألفاظ المنمقة والكلمات الجميلة أو العكس.

 

أو ربما يفيض الزوج في وصف السعادة التي يعيشها مع زوجته، وأن حياته تغيرت إلى الأحسن والأفضل، ويقول مثل هذا الكلام دائماً أمام أمه وأخواته مما يثير حفيظتهن، ويشعل نار الغيرة في قلوبهن، ويزرع بذرة الشقاق بين زوجته وبينهن.

 

كذلك من الحلول لهذه المعضلة أن يربي الزوج زوجته على احترام أمه من البداية، وأن يجعلها عوناً له على تقديره لها، وإعطائها حقها، وإنزالها منزلتها، ويقنعها بشكل أو بآخر أن حسن علاقتها بأمه هو الأصلح له ولها، وأنها لو فعلت هذا فإن حياتهم ستكون مملؤة بالسعادة والحب والوفاء.

 

كما أن عليه أن يقنع أمه بشكل غير مباشر أن تتقبل الوضع الجديد، وتحرص دائماً على إبعاد المشاكل من أجل سعادته، وأن تنظر إلى زوجته كابنة لها وحبيبة لقلبها.

 

كما أن عليه هو أيضاً أن يحذر كلّ الحذر من نقل أيّ كلام بين الطَّرفين، كأن يحكي مشاكله مع زوجته لأمه أو العكس أو كلام كل طرف عن الآخر، بل عليه أن يمدح كلّ طرف للآخر حتى تبقى الصفحة بينهما بيضاء نقية؛ لأن الحديث إذا انتشر بين النمّامات من النساء فإن معنى هذا أن المشكلة في طريقها للاستفحال والتعقيد.

 

وعندما تخالفك والدتُكَ في بعض آرائك، وتتهم زوجتكَ بالتحريض، فلا تشتغل بالدفاع عن زوجتكَ، وتحسين صورتها أمام أمك، فهذا أكبر خطأ قد ترتكبه في علاقتكَ بها، وعِوَضًا عن ذلك غلِّف كلامك بمدْح والدتكَ، والتركيز على إيجابياتها قبل إخبارها بأن لك رأيَاً خاصاً، وإذا اتهمتك بأنك مجامل لزوجتك فحاول إشعارها بأنك ابنها، وهي مَن ربَّتْك وليس زوجتك!.

 

كما أن عليك أن لا تتدخل دائمًا في كل المشكلات القائمة بين والدتك وزوجتك؛ لأنَّ المشكلات قد تحدث بين الأخوات في البيت الواحد، ولا يستلزم الأمر دائمًا تدخُّل طرفٍ ثالث، فهذه المشاكل من طبيعة الحياة الاجتماعيَّة نتيجة القُرب الشديد، والضغوط النفسيَّة، وضُعْف الوازع الديني. يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه العظيم: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء:129].

 

اغتنم الأوقات المناسبة لتخبر فيها أمك بأن زوجتك سعيدة بها، وأنها تقوم أمامك بمدحها والثناء عليها، كما أن عليك أن تشعر زوجتك بأن أمك معجبة بتصرفاتها، أو بأسلوب تربيتها لأبنائها، أو حتى بالأطعمة والحلويات التي تصنعها، فإن ذلك يشعر زوجتك بالاعتزاز والتقرب والود لأمك، ومن الطبيعي أن تبادلها الشعور بنفس الحب.

 

وإذا تعسرت الأمور بينهن، وساءت العلاقة معهن، وأصبح لا مجال للتقريب بين وجهات نظرهن، ووصلت الطرق إلى أبواب مسدودة، خاصة إذا علم الزوج أن أمه قد تواجه مشكلة في تقبل الأخريات فعليه أن يحرص قدر الإمكان على أن لا يشارك أمه في السكن، ويبحث عن الأسباب التي تقنع أمه بذلك، ولا يكون هذا إلا كحل أخير، فقد يكون سكنه خارج منزل أمه يعتبر من البر بها؛ فالعبرة بما يحقق لأمه الأمن، والأمان، والاستقرار. (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:24].

 

هذه بعض المعالجات البسيطة لهذه المعضلة الواقعة في كثير من بيوتنا، ويبقى الأمر كله -بعد توفيق الله- بيد الزوج، وعند حسن إدارته للأمور وتدبيره لها. يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" [ابن ماجه:1977].

 

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا، واجعل زوجاتنا قرة أعين لهم، وأصلح ذات بينهم، وجنبنا وإياهم الأحقاد، والفتن، والأغلال، يا أرحم الراحمين.

 

 

 

 

المرفقات

بين أم يريد برها وزوجة يريد إرضاءها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات