الزلازل والأعاصير آية وعبرة

محمد بن إبراهيم السبر

2023-09-15 - 1445/02/30 2023-09-21 - 1445/03/06
عناصر الخطبة
1/من أسرار الآيات الكونية 2/عظمة الله تعالى وقهره 3/رسائل وآيات للتخويف والإنذار 4/ الزلازل والأعاصير من آيات ﷲ تعالى 5/ من آثار رحمة الله بعباده 6/نجدة المنكوبين وإغاثة الملهوفين.

اقتباس

آيات الله -تعالى- في الكون رسالة ربانية؛ فيها إيقاظ للغافلين، وتنبيه للمُعرضين المقصرين في حق ربهم، ودعوة إلى عدم الاغترار بالدنيا، أو التعلق بالنِّعم؛ فقد يسلبها في لحظة، وقد يأتي الموت على حين غرة!

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله القاهر القوي القادر، ذي العظمة والملكوت والكبرياء والجبروت، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، حي لا يموت، وقيوم لا ينام، الأرض أرضه، والسماء سماؤه، والخلق خلقه (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الإسراء: 44].

 

وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخيرتُه من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة، وتركَنا على المحجَّة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالِك، فصلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المُؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

​أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عباد الله: لِلّهِ -تعالى- آياتٌ كونية تدل على قهره وجبروته وتصرُّفه الكامل بمخلوقاته، على الوجه الذي يريده -سبحانه-، لا مُعقِّب لأمره وحكمه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وكما قال -سبحانه-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمران: 190].

 

آيات تدل على عظمة الله -تعالى-، وإبداع صُنعه، وبالغ حكمته في مخلوقاته، وأنه الخالق وحده، المُدبِّر للكائنات في السماوات والأرضين، فسبحانه ما أعظمه!

 

وفي كل شيء له آيةٌ *** تدلُّ على أنه واحدُ

 

آيات الله -تعالى- الكونية جعلها للتخويف والإنذار، وإشعار الإنسان بقدرة الله وقوّته -سبحانه-، فالمُوفَّق يتذكر والمحروم يتكبر؛ (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)[الإسراء: 60].

 

وإذا غفل العباد أو نسوا قدرة الله -تعالى- وتدبيره لكونه؛ فإنه يُريهم بين الحين والآخر شيئاً من قدرته؛ من خسوف أو كسوف أو صواعق أو ريح عاصف أو فيضانات أو زلازل أو غير ذلك مما يخوِّف الله -تعالى- به عباده، لعلهم يتقون، ويتعظون، أو يحدث لهم ذكراً.

 

آيات الله -تعالى- في الكون رسالة ربانية؛ فيها إيقاظ للغافلين، وتنبيه للمُعرضين المقصرين في حق ربهم، ودعوة إلى عدم الاغترار بالدنيا، أو التعلق بالنِّعم؛ فقد يسلبها في لحظة، وقد يأتي الموت على حين غرة!

 

الزلازل والأعاصير من جملة آيات ﷲ -تعالى- التي يحدثها في الكون؛ إذ في ثوان معدودة يحدث مثل هذا التغيُّر العظيم والدمار الجسيم، الذي لا تستطيع قوة في الأرض مهما عظمت أن ترده.

 

آيات يُخوِّف بها عباده؛ (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59]، ومن تتبَّع النصوص الشرعية الواردة في الآيات يدرك أن لها حِكمًا، والله يحكم لا مُعقِّب لحكمه وهو سريع الحساب، فقد أهلك الله بالرجفة بعض الأمم، كما قال -تعالى- عن قوم شعيب -عليه السلام-: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ)[العنكبوت: 37]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والزلازلُ من الآيات التي يُخوِّف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف وغيره"(الفتاوى: 24/264).

 

وقد تكون الآيات عتاباً من الله لعباده وتذكيراً؛ ليؤوبوا إليه ويرجعوا عما كانوا عليه من العصيان والتمرد، لما رجفت الأرض في الكوفة قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أيها الناس! إن ربَّكم يستعتِبُكم فأعتِبُوه"؛ أي: فاقبَلُوا عتبَه، "وتوبوا إليه قبل ألا يُبالِيَ في أي وادٍ هلكتُم".

 

وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كانت الريح الشديدة عُرف ذلك في وجهه، قال الحافظ ابن حجر: "لما كان هَبُوبُ الرياح الشديدة يُوجِبُ التخويفَ المُفضِي إلى الخُشوع والإنابَة، كانت الزلزلةُ ونحوُها من الآيات أولَى بذلك، لا سيَّما وقد نصَّ الخبرُ أن كثرةَ الزلازلِ من أشراط الساعة".

 

وقد تزلزلت الأرض على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "أيها الناس، ما كانت هذه الزلزلة إلا عند شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده إن عادت لا أساكنكم فيها أبداً"(رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح).

 

الزلازل والأعاصير، آيات لها أسبابها، ومُسبِّب الأسباب هو الله، ولولا الله لما قام السبب، وعجبٌ أمر من ينسب الزلازل للظواهر الكونية البحتة، أو غضب الطبيعية، ويُجرّدها عن مشيئة الله، فيُعظِّم السبب وينسب المشيئة له متناسيًا قدرة الله الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، فسبحان من إذا أراد شيئًا هيَّأ أسبابه؛ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[يس: 82- 83].

 

وإنه مع ما في الزلازل والأعاصير والفيضانات من بلايا وآلام، ونقص في الأموال والأنفس وخراب العمران؛ فإنها لا تخلو مع ذلك من آثارِ رحمةِ الله بعباده، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أمّتي هذه أمّةٌ مرحومة، ليس عليها عذابٌ في الآخرة، عذابُها في الدنيا الفِتَن والزّلازل والقتل"(أخرجه الإمام أحمدُ وأبو داود)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من يرِدِ الله بِه خيرًا يصِبْ منه"(رواه البخاريّ)؛ أي: ينزل به مِن ألوانِ المصائب ما يكون كفّارةً لذنوبه إذا صبَر واحتسب.

 

كثرة الزلازل مُذكِّرة بالزلزلة الكبرى؛ زلزلة الساعة، والعاقل اللبيب من يتذكر بهول زلزال الدنيا عظمة زلزلة يوم الدين؛ (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا)[الواقعة: 4-6]، (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا)[المزمل: 14]، (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا)[الزلزلة: 1- 2].

 

وتأمل أحوال الناس مع زلازل الدنيا ومشاهدها المروّعة وحوادثها المؤلمة، لكن زلزلة الساعة أكبر من هذا وأفظع؛ (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج: 1-2].

 

اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وردنا إليك رداً جميلاً، يا ذا الجلال والإكرام.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله -عباد الله-، والتمِسُوا رحمتَه وعفوَه، واتقوا أسباب غضبه وسخطه، وتخلقوا بخلق أهل الإيمان في المصائب والنوازل، كما قال نبيكم – عليه الصلاة والسلام-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

 

واعلموا -عباد الله- أن قِيامَ المسلمين بنَجدةِ المنكوبِين وإغاثةِ الملهوفِين ممن نزَلت بهم الكوارث هو من أفضل القربات، ومن صنائعِ المعروف التي تقي مصارع السوء، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.

 

وإن قيام ولاة الأمر-أيدهم الله- بإغاثة مصابي الزلزال في المغرب والفيضان في ليبيا من خلال مد جسر جوي، وتقديم مساعدات طبية وإغاثية، ليس بمستغرَب عليهم في قيامهم بحق إخوانهم المسلمين، فهي امتداد لمواقف المملكة -حرسها الله- في إغاثة المنكوبين، فجزاهم الله خيراً، وزادهم إحساناً وتوفيقاً.

 

فبادروا -أيها الإخوة- بالمساهمة بالمستطاع؛ لنجدة إخوانكم المنكوبين، عبر الجهات المعنية؛ فهم في كربة وغربة، مع بذل الدعاء وصدق الرجاء برفع محنتهم، والله لطيف بعباده، لا يرد سائلاً سأله بصدق وإخلاص.

 

اللهم الطف بعبادك المنكوبين في المغرب وليبيا، وأنجِ عبادك المستضعفين، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وحفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، ومساكين فارحمهم يا راحم المساكين.

 

اللهم وَفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..

 

اللهم أعذنا من الفتن والشرور، يا عزيز يا غفور.

 

المرفقات

الزلازل والأعاصير آية وعبرة.pdf

الزلازل والأعاصير آية وعبرة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات