الزلازل عبر وآيات

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2023-02-10 - 1444/07/19 2023-02-16 - 1444/07/25
عناصر الخطبة
1/الحكمة من إرسال الآيات 2/وجوب الاستسلام لأمر الله وعدم الاعتراض 3/الابتلاء سنة الله في الخلق 4/أقسام الناس عند حاول المصائب

اقتباس

إِنَّنَا لَنَسْمَعُ مِنَ الْبَعْضِ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَصَائِبِ مَا يَنْقَبِضُ لَهُ الْقَلْبُ، وَيَقْشَعِرُّ لَهُ الْبَدَنُ كَقَوْلِ الْبَعْضِ: لِمَاذَا أَنَا الذِي أُصَابُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ؟ مَاَذا فَعَلْتُ حَتَّى يَقَعَ عَليَّ َكَذَا وَكَذَا؟ وَمَا ذَنْبِي؟ وَلَرُبَّمَا رَمَى اللهَ بِالظُّلْمِ! فَإِذَا وَقَعَتِ الْمُصِيبَةُ عَلَى أَطْفَالٍ مَثَلًا، تَجِدُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الذِي لا يُمَانَع، الْقَوِيِّ الذِي لا يُغَالَبْ، الْحَكِيمِ الذِي لا مُعَقِّبَ لَه، الْكَوْنُ كُلُّهُ فِي قَبْضَتِه، وَالنَّاسُ تَحْتَ سَطْوَتِه، يَفْعَلُ مَا يَشَاءَ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيد، لا مَانِعِ لِمَا أَعْطَى وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَع، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّنَا -سُبْحَانَهُ- يُرْسِلُ بِالآيَاتِ لِيَسْتَيْقِظَ الْغَافِلُ، وَيَتُوبَ الْمُذْنِبُ، وَيَعُودَ الْمُعْرِضُ، يُرْسِلُ لَهُمْ مَا يُخَوِّفُهُمْ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59]، فهو -سُبْحَانَهُ- الْمُدَبِّرُ لِلْكَوْنِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ، لا يَكُونُ شَيْءٌ فِيهِ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْكُلُّ سَمِعَ بِالزِّلْزَالِ الذِي ضَرَبَ تُرْكِيَا وَسُورِيَا، فَهَلْ أَخَذْنَا الْعِبْرَةَ مِنْ ذَلِكَ، أَمْ مَرَّتْ عَلَيْنَا -كَمَا يَقُولُونَ- بِأَنَّهَا ظَوَاهِرُ كَوْنِيَّةٌ؟! وَلا زِلْنَا فِي غَفْلَةٍ عَنْ آيَاتِ اللهِ، كَمَا قَالَ -سُبْحَانُهُ-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)[يوسف: 105].

 

إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ لا يُغَالَبُ، عَزِيزٌ لا يَذَلُّ، حَكِيمٌ فِي تَدَابِيرِهِ وَقَدَرِهِ، وَإِنَّ الْمُتَأَمِّلَ لِهَذَا الْكَوْنِ يَرَى ذَلِكَ جَلِيًّا بِلا امْتِرَاءٍ وَلا رَيْب، فَأَيْنَ قُوَى الْعَالَمِ التِي تَفْخَرُ بِقُوَّتِهَا؟ ألا يَتَّعِظُونَ بِقُدْرَةِ اللهِ؟  قَالَ -تَعَالَى-: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[فصلت: 15].

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ هَذَا الزَّلَازَلَ جُنْدٌ مِنْ جُنْدِ اللهِ، قَالَ -سُبْحَانَه وَتَعَالَى-: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)[المدثر: 31]، فَهَذَا مِنْ العَذَابِ وَالنِّقْمَةِ التِي يُسَلِّطُهَا اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَمِنَ الزَّلازِلِ الْخَسْفُ وَالرَّجْفَةُ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ -تَعَالَى-: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)[النحل: 45]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا)[الإسراء: 68]، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)[الملك: 16].

 

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ر-َضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَسْخٌ، وَخَسْفٌ، وَقَذْفٌ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ)، "فيِ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، قِيلَ: مَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَتِ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ، وُشُرِبَتِ الْخُمُورِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

فَمِنْ هَذِهِ الآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ يَتَبَيِّنُ لَنَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ هَدَّدَ عِبَادَهُ بِالْخَسْفِ، وَكَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْذَرَ النَّاسَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِمْ إِذَا ارْتَكَبُوا الْمَعَاصِي، فَلَيْتَ النَّاسَ إِذَا مَسَّهُمُ الْبَلَاءُ تَضَرَّعُوا لِرَبِّهِمْ، وَخَافُوا مِنْهُ، وَعَرَفُوا النِّعْمَةَ التِي هُمْ فِيهَا مِنْ قَرَارِ الْأَرْضِ، وَإِنَّ الْمُسْلِمَ الْمُوقِنَ يَعْلَمُ أَنَّ مَا حَدَثَ بِتِلْكِ الْبِلَادِ إِنَّمَا هُوَ بِقَدَرِ اللهِ، وَأَنَّ أَقْدَارَ اللهِ لا تَنْفَكُّ عَنْ حِكْمَةٍ، عَلِمَهَا مَنْ عَلِمَهَا، وَجَهِلَهَا مَنْ جَهِلَهَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَظُنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ سَبَبَ حُدُوثِ الزَّلازِلِ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى عَمَلِيَّةٍ جُيُولُوجِيَّةٍ بَحْتَةٍ، وَلا عَلَاقَةَ لَهَا بِمَا يُعْمَلُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا لَيْسَ صَحِيحًا، وَلَكِنْ لا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ التِي يُهَيِّئُهَا اللهُ لِحُدُوثِ الزِّلْزَالِ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ الرَّئِيسُ لِحُدُوثِ الزِّلْزَالِ هُوَ كَمَا سَبَقَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، وَيُعَاقِبُ بِهَا، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59]، قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُخَوِّفُ النَّاسَ بِمَا شَاءَ مِنَ الآيَاتِ؛ لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ وَيَتَذَكَّرُونَ وَيَرْجِعُونَ" ا.هـ.

 

وَإِنَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الْجُيُولُوجِيَّةَ لَيْسَتْ بِضَرُورِيَّةٍ، أَنَّهُمْ يَذْكُرونَ أَنْ أَرضَ الْحِجَازِ مِنْ أَصْلَبِ الْأَرَاضِي وَلَيْسَتْ مُعَرَّضَةً لِلزَّلازِلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ الْمَدِينَةَ زُلْزِلَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرَّاتٍ، فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: "أَحَدْثَتْمُ، وَاللهِ لِئَنْ عَادَتْ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ"، وَفيِ رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِنْ عَادَتْ لا أُسَاكِنُكُمْ فِيهَا"، وَقَالَ قَتَادَةُ -رِحِمَهُ اللهُ-: "ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا لَنَسْمَعُ مِنَ الْبَعْضِ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَصَائِبِ مَا يَنْقَبِضُ لَهُ الْقَلْبُ، وَيَقْشَعِرُّ لَهُ الْبَدَنُ كَقَوْلِ الْبَعْضِ: لِمَاذَا أَنَا الذِي أُصَابُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ؟ مَاَذا فَعَلْتُ حَتَّى يَقَعَ عَليَّ َكَذَا وَكَذَا؟ وَمَا ذَنْبِي؟ وَلَرُبَّمَا رَمَى اللهَ بِالظُّلْمِ! فَإِذَا وَقَعَتِ الْمُصِيبَةُ عَلَى أَطْفَالٍ مَثَلًا، تَجِدُ الْبَعْضَ يَقُولُ: بِأَيِّ جُرْمٍ أَصَابَهُمْ ذَلِكَ وَهُمْ أَطْفَالٌ؟ أَوْ يَقُولُ: هَلَكَ مِنَ الْأَبْرِيَاءَ كَذَا وَكَذَا، وَكَأَنَّ اللهَ ظَلَمَهُمْ -تَعَالَى- اللهُ عَنْ ذَلِكَ، وَنَحْوَهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ التِي تَدُلُّ عَلَى التَّضَجُّرِ وَعَدَمِ الرِّضَى بِأَقْدَارِ اللهِ، أَوْ تَدُلُّ عَلَى نِسْبَةِ تِلْكَ الظَّوَاهِرِ لِغَيْرِ اللهِ كَقَوْلِهِمْ: كَوَارِثَ طَبِيعِيَّةً أَوْ غَضَبَ الطَّبِيعَةِ!.

 

وَلَكِنْ مَنْ عَلِمَ أَنَّ اللهَ لَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَالْمَشِيئَةُ النَّافِذَةُ، فَإِنَّهُ يُقْبِلُ عَلَى شَأْنِهِ، وَيُمْسِكُ لِسَانَهُ، وَيَرْضَى وَيُسَلِّم؛ (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف: 49].

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اللهِ: لِنَسْتَيْقِظْ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَلِنَتُبْ إِلى اللهِ، فَواللهِ إِنَّا لَنَخْشَى الْعُقُوبَةَ مِنَ اللهِ، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْمَعَاصِي غَارِقُونَ، وَأَهْلُ الْخَيْرِ لا يُنْكِرُونَ، فَمَا الذِي يمَنْعُ عَنَّا عَذَابَ اللهِ، وَحَالُنَا كَمَا قَالَ -سُبْحَانُهُ-: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)[الإسراء: 60].

 

عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يُحَاسِبَ خَاصَّةَ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَقُومُ بِرِعَايَةِ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ، وَإِذَا رَأَى مُنْكَرًا غَيَّرَهُ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَافِعًا لِعَذَابِ اللهِ عَنِ الْأُمَّةِ.

 

اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطَبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى رَسِولِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَالْمُسْلِمُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ يَتَعَرَّضُ لِلنَّكَبَاتِ وَالْمَصَائِبِ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الابْتِلاءِ وَالامْتِحَانِ؛ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)[العنكبوت: 2]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 155]، وَللهِ -جَلَّ وَعَلا- أَنْ يَبْتَلِيَ عِبَادَهُ كَمَا شَاءَ؛ فَالْخَلْقُ خَلْقُهُ، وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ.

 

وَالنَّاسُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمَصَائِبِ وَالْكَوَارِثِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُمُ الذِي يَصْبِرُ وَيَحْتَسِبُ، وَهَذَا مَثَلَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ الذِي يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، قَالَ عَلَقْمَةُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي قَوْلِهِ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن: 11]: "هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَيَرْضَى وُيُسَلِّم".

 

وَقِسْمٌ يَضْجَرُ وَيَعْتَرِضُ عَلَى الْقَدَرِ، وَيُلْقِي بِاللَّوْمِ عَلَى خَالِقِهِ وَمَوْلاهُ، وَيُخْرِجُ كَلَمَاتِ السَّخَطَ وَالْعِتَابِ، وَهَذَا لِلْأَسَفِ هُوَ السَّائِدُ عَلَى النَّاسِ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رِحِمَهُ اللهُ-: "وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّونَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ، وَلا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَرِفَ اللهَ وَأَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وُمُوجِبَ حِكْمَتِهِ وَحَمِدَهُ"، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ بِتَوْجِيِهٍ كَرِيمٍ مِنْ خَادِمِ الحَرَمِينِ الشَّرِيفَينِ المِلك سَلْمَان بن عَبْدِ العَزِيزِ وَصَاحِبِ السُّمُوّ الملَكِي الأَمِيرِ محمد بنِ سَلمان -حَفِظَهُمُ اللهُ-، تَقُومُ حُكُومَتُنَا بِتَسْيِيرِ جِسْرٍ جَوِّيٍ لِتَقْدِيمِ مُسَاعَدَاتٍ صِحِّيَّةٍ وَإِيوَائِيَّةٍ وَغِذَائِيَّةٍ لِتَخْفِيفِ آثَارِ الزِّلْزَالِ، وَتَنْظِيمِ حَمْلَةٍ شَعْبِيَّةٍ عَبْرَ مِنَصَّةِ (سَاهِمْ) لِمُسَاعَدَةِ الضَّحَايَا فِي البَلَدِينِ الشَّقِيقَينِ، وَالوُقُوفِ مِعَ إِخْوانِنَا فِي هَذَا المُصَابِ، فَجَزَاهُمُ اللهُ خَيرًا وَكَتَبَ أَجْرَهُمْ، وَبَارَكَ فِي جُهُودِهِمْ، وِلِلَّهِ الحَمْدُ وِالمنَّةُ أَوْلًا وَآخِرًا، فَأَللهَ أَللهَ فِي احْتِسَابِ الأَجْرِ وَالمسَاهَمَةِ كُلٌّ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ.

 

الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

المرفقات

الزلازل عبر وآيات.pdf

الزلازل عبر وآيات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات