الزكاة ومصارفها

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-04-26 - 1445/10/17 2024-05-13 - 1445/11/05
التصنيفات: الزكاة
عناصر الخطبة
1/فضائل الزكاة 2/الأصناف التي تجب فيها الزكاة 3/التحذير من تأخير الزكاة 4/الزكاة نماء وبركة 5/الحث على إخراج الزكاة والصدقات 6/زكاة الأسهم والشركات 7/المحرم إعطاؤهم من الزكاة.

اقتباس

والصَّدَقَة الواجبة هي زكاة المال، يليها زكاة الفطر، فأخرجوا زكواتكم طيبة بها نفوسكم، واعلموا أنها نماءٌ لكم، ودفعٌ للبلاء عنكم، وأنها راحة لكم من هذَا المال في همه وعبئه، فإنَّ الله جعلكم عليه مؤتمنين؛ لينظر ما تصنعون؛ فأدوا -يا رعاكم الله- حق الله في أموالكم.

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

 

عباد الله: مع سرعة مرور الأيام واقتراب الأعمار من نهايتها، ورغم توالي الفرص والنُّذر ما يزال أهل الغفلات في غفلاتهم، وما يزال أهل المسابقة من أهل الإيمان وأهل القرآن في مسابقاتهم ومسارعتهم، فاختر لنفسك يا رعاك الله مع أيّ الفريقين تريد أن تكون، ومع أي أهل الحالين تريد أن تصير.

 

عباد الله: الزَّكَاة هي ركن الدين الْثَّالِث الآتي بعد الصَّلَاة وبعد الشهادتين، قرن الله -عَزَّ وَجَلَّ- الزَّكَاة مع الصَّلَاة في نيِّفٍ وأربعين آية في القرآن؛ تنويهًا بها، وتأكيدًا عَلَى فضلها وشرفها ومكانتها.

 

واعلموا -عباد الله- أنَّ الزَّكَاة واجبة في الأموال الخمسة: في الذهب إذا بلغ نصابًا وهو ثمانون جرامًا، وفي الفضة إذا بلغت نصابًا، وهي ما يعادل خمسمائة وتسعين جرامًا، وكذلك ما يندرج تحتهما من العملات النقدية الَّتِي يتعامل بها النَّاس في هذِه الأيام، من الريالات والجنيهات والدنانير والدراهم ونحوها.

 

وكذلك تجب الزَّكَاة في الخارج من الموز، إذا كان مكيلاً مدخرًا، وبلغ خمسة أوسق، أي: ثلاثمائة صاع، طنًّا إِلَّا مائة كيلو؛ فإنَّ الزَّكَاة واجبةٌ فيه في التمور والثمار، وكل مكيلٍ مدخر.

 

وكذلك في زكاة بهيمة الأنعام، من الإبل والبقر والغنم بأنواعها إذا بلغت نصابها، فَهذِه الزَّكَاة واجبة.

 

وكذلك -يا عباد الله- في عروض التجارة، وهو ما أعدَّه الإنسان للبيع، من أيّ سلعةٍ كانت مباحةً ويجوز استعمالها؛ ففي حديث جابر بن سمرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الَّذِي رواه أبو داود وغيره، قَالَ: "أمرنا النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أن نخرج الزَّكَاة مِمَّا نعده للتجارة"؛ أي: مِمَّا نعده للبيع والشراء.

 

وَهذَا يكون بجرد ما عنده من عروض التجارة، من سيارات، أو بيوت، أو آلات كهربائية، أو غيرها، يجردها عند نهاية الحول، ثُمَّ يُثمّنها بقيمتها، ويُخرج ما عليه من الديون الحالّة بها، وأجور محلاته الَّتِي حلَّت، ثُمَّ يزكّي بعد ذلك المال الزكوي المتبقي، بأن يقسمه عَلَى أربعين، وهو ما يعادل اثنين ونصف بالمائة، وهو ربع العشر، كما قدره النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

 واحذروا -عباد الله- احذروا هذَا التماهي، واحذروا التسويف والتأخير، واحذروا عدم إخراج زكاة أموالكم، فإنها ركنٌ من أركان الدين، توعَّد الله -عَزَّ وَجَلَّ- من كنز الذهب والفضة، ولم ينفقها في سبيل الله بعذابٍ أليم.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ؛ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة: 34، 35].

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده -سُبْحَانَهُ- وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مقرًّا بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عادى به أو جحد وكفر، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سيد البشر، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ومن سلفهم من أنبياء الله ورسله، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: -عباد الله- فَالزَّكَاة واجبةٌ في أموالكم، وهي نماءٌ لكم؛ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)[التوبة: 103]، قَالَ نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ما نقصت صدقة من مال"؛ بل تزيده.

 

والصَّدَقَة الواجبة -يا عباد الله- هي زكاة المال، يليها زكاة الفطر، فأخرجوا زكواتكم طيبة بها نفوسكم، واعلموا أنها نماءٌ لكم، ودفعٌ للبلاء عنكم، وأنها راحة لكم من هذَا المال في همه وعبئه، فإنَّ الله جعلكم عليه مؤتمنين؛ لينظر ما تصنعون؛ فأدوا -يا رعاكم الله- حق الله في أموالكم.

 

واعلموا أن الأموال المرصودة في البنوك، سواء للادخار أو غيره، وكذلك في حساباتكم الجارية، أو حسابات التوفير، أو جرى مجراهما؛ فإنَّ الزَّكَاة واجبةٌ فيه بأن تنظر إِلَى حولك، وهو مرور عام هجري كامل، ثُمَّ تكشف ما فيها، وتزكيها بأن تقسم جميع المال عَلَى أربعين، فالناتج هو ربع العشر.

 

وكذلك الأسهم -يا عباد الله- فإن كانت الأسهم معدة للاستثمار؛ فإنه في نظام بلدنا -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ- أنها تُلزم الشركات بإخراج الزَّكَاة عنها، أما إن كنت مضاربًا تنتقل من شركة إِلَى شركة، عبر الشاشات وعبر صالات التداول؛ فإنَّ الزَّكَاة واجبةٌ عليك أنت أَيُّهَا المضارب، بما بلغت إليه هذِه الأسهم ارتفاعًا أو انخفاضًا في يوم تمام حولها، تقدرها وتسيلها، ثُمَّ تخرج عنها زكاتها ربع العشر.

 

واعلموا -عباد الله- أن الزَّكَاة تولَّى الله -جَلَّ وَعَلَا- بيان أصنافها، في أصنافها الثمانية المشمولة في قوله -جَلَّ وَعَلَا- من آية التَّوبَة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60].

 

 فأدوا زكاتكم إِلَى مستحقيها، من غير مجاملة لأقاربكم، أو لمعارفكم وأصدقائكم، وَإِنَّمَا من كان من أهل الزَّكَاة؛ دُفعت له الزَّكَاة، ولا يجوز أن يدفعها الوالد لأصوله، كآبائه وأمهاته، ولا لفروعه كأولاده وأولادهم، وكذا كل من تلزمه نفقتهم، فإن بعض النَّاس من الحِيَل يريد أن يعطي زكاته لأولاده أو بناته، أو لأولادهم أو لأولاد بناتهم، وهم ممن تلزمهم نفقتهم، فلا يجوز له.

 

 أما إذا كان أولاد البنات أزواجهم وآباؤهم فقراء؛ فتُدفع الزَّكَاة إِلَى هؤلاء الفقراء، وإن كانوا أنسابه وأصهاره بأزواج بناته.

 

واعلموا -عباد الله- أنَّ من لم يعرف هؤلاء الَّذِينَ يستحقون الزَّكَاة، فليصرفها إِلَى الجهات المسؤولة، وقد نصَّ أهل العلم عَلَى أنَّ ولي الأمر إذا طلب الزَّكَاة لم تبرأ الذِّمَّة إِلَّا بدفعها إليه، وهو يتحملها في إخراجها إِلَى مستحقيها.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن العشرة وأصحاب الشجرة، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذلاً تذلُّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ إنَّا نسألك من خير هذِه الريح، وخير هذِه الأعاصير، وخير ما فيها، وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أُمرت به.

 

اللَّهُمَّ إنَّا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللَّهُمَّ اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الزلازل والأعاصير والرياح، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا نقمك، اللَّهُمَّ عنَّا الغلاء والوباء.

 

اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك، اللَّهُمَّ من ضارنا أو شاقنا أو مكر بنا أو بالمسلمين، اللَّهُمَّ فامكر به يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الرِّبَا والزِّنا والزَّلازل والمِحَن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذَا خاصَّة، وعن بلدان المسلمين عامَّةً يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.

 

المرفقات

الزكاة ومصارفها.doc

الزكاة ومصارفها.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات