الزكاة وضرر منعها

ناصر بن محمد الأحمد

2010-09-22 - 1431/10/13
التصنيفات: الزكاة
عناصر الخطبة
1/ الزكاة حق الفقراء في أموال الأغنياء 2/ تحديد الإسلام لمصارف الزكاة 3/ عاقبة مانعي الزكاة 4/ ما نقص مال من صدقة 5/ استحباب أن يلي المسلم توزيع زكاته بنفسه

اقتباس

والزكاة في الإسلام حق الفقراء في أموال الأغنياء، وهذا الحق أوجبه الله -عز وجل-، وهذا الحق معلوم قد حددت الشريعة مقاديره وأنصبته المختلفة في أنواع الأموال، ولم يترك تحديده لضمائر الناس، وهذا الحق كذلك على الدولة جبايته وتوزيعه، وعلى الحاكم أن يؤدب بما يراه من عقوبة على من يمتنع عن أداء هذه الفريضة بعد أخذها عنوةً ...

 

 

 

إن الحمد لله...

أما بعد:

أيها المسلمون: الزكاة -عباد الله- هي الركن الثالث من أركان هذا الدين، قال النبي –صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلاً". وهي قرينة الصلاة في كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-.

قال الله -عز وجل-: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]، وقال -عز وجل-: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة: 5].

وفي الصحيحين عن ابن عباس أن النبي –صلى الله عليه وسلم-بعث معاذًا إلى اليمن فقال له: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". وفي الصحيحين كذلك عن ابن عمر أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، يؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله". ولذا قال الصديق –رضي الله عنه-: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها. وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إذا جاء رمضان خطب الناس وقال: هذا شهر الزكاة، فأخرجوا فيه زكاة أموالكم.

أيها المسلمون: والزكاة في الإسلام حق الفقراء في أموال الأغنياء، وهذا الحق أوجبه الله -عز وجل-، وهذا الحق معلوم قد حددت الشريعة مقاديره وأنصبته المختلفة في أنواع الأموال، ولم يترك تحديده لضمائر الناس، وهذا الحق كذلك على الدولة جبايته وتوزيعه، وعلى الحاكم أن يؤدب بما يراه من عقوبة على من يمتنع عن أداء هذه الفريضة بعد أخذها عنوةً، وأي فئة ذات شوكة تتمرد على أداء هذه الفريضة، فمن حق الإمام بل من واجبه أن يقاتلهم حتى يؤدوا حق الله وحق الفقراء في أموالهم، وإن قصرت الدولة في المطالبة بالزكاة وتقاعس المجتمع عن رعاية هذه الفريضة لا يسقط ذلك وجوبها على الأفراد، فيجب عند ذلك على الأفراد إخراج الزكاة المفروضة في مصارفها الشرعية، وإن تعدّت بعض الدول وأخذت من الأفراد الضرائب الباهظة، لا يسقط ذلك فرض الزكاة في أموالهم؛ لأن الضرائب لا تؤخذ تحت شعار الزكاة، ولا تنفق في مصارف الزكاة التي حددتها الشريعة.

وحصيلة الزكاة لا تترك للأهواء، بل حدد الإسلام مصارفها في قول الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60].

أيها المسلمون: وقد ورد الترهيب الشديد والوعيد الأكيد لمانعي الزكاة؛ قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34، 35].

إن هذه الأموال لما كانت أعزّ الأموال على أربابها، كانت أضرّ الأشياء عليهم في الدار الآخرة، فيحمى عليها في نار جنهم، وناهيك بِحرِّها فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. قال أهل العلم: لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم، ولما طووا كشحًا عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقةً بها واعتمادًا عليها كويت ظهورهم. وقد بينت سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- كيفية هذا الكي؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بَرَدَت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار". وروى البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مُثّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنـزك. ثم تلا النبي –صلى الله عليه وسلم- الآية: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران: 180]، أي إن المال يمثل له في صورة شجاع أقرع، والشجاع الحية الذكر، والأقرع الذي طال عمره وسقط شعره، والزبيبتان نقطتان سوداوان فوق العينين، وهو أخبث الحيات، يطوقه ثم يأخذ بشفتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنـزك.

ولم يقف الشرع -عباد الله- عن حد الوعيد بالعقاب الأخروي، بل هدّد بالعقوبة الدنيوية كل من يبخل بحق الله -عز وجل-؛ قال الله تعالى: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [القلم: 17-33]، فمانع الزكاة مهدد في الدنيا كذلك بزوال ماله، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين"، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا".

أيها المسلمون: في إيجابِ الزكاة مواساةٌ للفقراء، ومَعونة للبُؤَساء والضعفاء، وصِلة بين ذوِي الحاجاتِ والأغنياء، وعونٌ على مجانبة البخل والشّحِّ والإباء عن العطاء، كم سدَّت مِن خلّة، وكَم جبرت من فاقَة، وكم فرَّجت عن معسرٍ كُرِبَ، فضائلُها لا تعَدّ وبَركاتها لا تُحَدّ.

يجِب إخراجُها علَى الفَور بوضعِها في مواضِعها، وصرفِها في مصارِفها، وإيصالها إلى مستحقِّيها، وهم ثمانِيَةُ أصناف، لا يجوز صرفُها إلى غيرِهم مِن بناء المساجد والقناطِر وتكفينِ الموتَى ووَقف المصاحف وغيرِها من جِهات البر والخير. مَن جحَد وجوبَها كفَر، ومن منعها أخِذَت منه قَهرًا، ومَن حبسها تهاونًا، وأمسَكَها تكاسلاً، وكتمَها بخلاً، وغيَّبها شحًّا، أو أنقَصَها أو أخَّرها عن وقت وجوبها، مع إمكانِ أدائها وداعي إِخراجها، فهو عاصٍ وآثم ومعتدٍ وظالمٌ، لا يسلَم مِن تبِعَتها، ولا يخرج من عُهدتها إلاّ بإخراجِ ما وجَب في ذمّتِه منها وتعلَّق بماله من حقِّها، ومَن مضَت عليه سنون لم يؤدِّ زكاتَها لزِمَه إخراجُ الزكاة عن جميعها، والتّوبةُ والاستغفار عن تأخيرِها.

فيا مَن جمع المال وأوعَاه، وكنـزه وأخفاه، سَتَنال عِقاب ما بخِلت، وستُعايِن شؤمَ ما عمِلتَ.

يا مانِع الزَّكاة: أنسِيتَ أن الأموالَ عارِية عند أربابها، وودِيعة عند أصحابها؟! أنَسيتَ أنّ الزّكاة يعود نفعُها عليك ويرجِع ثوابها إليك؟! فحذارِ حذار أن تكونَ ممّن يراها نقصًا ويعدّها غُرمًا وخسارًا، فلا ينفِق إلاّ كرهًا، ولا يرجو لما يُعطي ثوابًا.

يا أهلَ المال والرِّياش والكسب والمعاش: ارحموا السائلَ المحروم، وأَعطوا الفقيرَ المعدوم، وتصدَّقوا على المسكين المهموم الذي لا يجِد ما يقوم به وكِفايَتِه وكفاية من يعول.

يا أهلَ البَذل والسّخاء والإنفاق والعَطاء: أبشِروا بحسنِ الجزاءِ والخَلَف والبركة والنّماء، فقد قال الصادق المصدوق –صلى الله عليه وسلم-: "ما نقَصَت صدقةٌ من مال". أخرجه مسلم.

عباد الله: إن تكاليف الحياة كثيرة ومتزايدة، التكاليف ترهق الكاسب وتفتن الكاسد، الكاسب تتضاعف عليه النفقة، فما الحال بالمعدم الكاسد؟! وصفهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: "ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يُفطن له فيُتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئًا"، كما قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّف) [البقرة: 273].

كم في الناس -عباد الله- من أرملة تضمّ أيتامًا لا عائل لهم، ولا تستطيع الكسب فتنفق عليهم. كم في الناس من شيخ كبير وهن منه العظم، وما عنده ما يستعين به على عجزه، ولا ولد بارّ يسعفه في شيخوخته، كم في الناس من عاجز أُقعد عن الكسب، أولئك -عباد الله- ومن على شاكلتهم في حاجة إلى التخفيف من متاعبهم في زمن عضّهم فيه الفقر وأثقلت كواهلهم النفقات.

روى الإمام أحمد وغيره عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال: أتيتُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد فقلت: يا رسول الله: فما الصدقة؟! أي: ما ثوابها؟! قال: "أضعاف مضاعفة، وعند الله مزيد"، قال: قلت: أيها أفضل يا رسول الله؟! قال: "جهد من مقل، أو سرّ إلى فقير".


وأنت -يا عبد الله- يا مَن وفَّقك الله لأدائها وأعانَك على إخراجها، جعلها الله لك طَهورًا ونورًا وقربَة وهناءَةً وسرورًا، وآجَرك الله فيما أعطَيتَ، وبارك لك فيما أنفَقتَ، قال -جل في عُلاه-: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ) [الروم: 39].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما قلت، فإن كان صوابًا فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأستغفر الله إنه كان غفارًا...

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه...

أما بعد:

أيّها المسلمون: يُستحَبّ للمسلِم أن يلِيَ توزيع زكاته بنفسِه، وله أن يَعهَد بتوزيعها إلى مَن يثِق به مِن الأُمَناء الأقوياء، ولا يجوز للوكِيلِ استثمارُ أموالِ الزكاة ولا الاتِّجارُ بها، ويجِب على من وُكِلَ إليه توزيعُ مالٍ زكويّ أن يعجّلَ بإخراجه لمستحقِّيه، ولا يجوز له تأخيرُه بلا مَصلَحةٍ معتبرة.

ومن تولَّى قِسمةِ زكاةٍ نيابةً عَن معيَّن فلا يُعَدّ من العاملين عليها، ولا يستحِقّ فيها، ولا يجوز له الأخذ مِنها، إلاّ أن يكونَ فقيرًا فيُعطَى منها قَدرَ كِفايته. وأمّا العاملون عليها الذين هم من أهلِها فهم جُباتها وسُعاتها وحُفّاظها وقُسَّامها الذين يبعثهم الإمام لأخذها ويولِّيهم على تحصيلِها.

أيّها المسلمون: الزّكاةُ أنواع وأقسامٌ ومسائِل وأحكام، فاسأَلوا أهلَ العلم عمَّا أشكَل، وراجِعوا أهلَ الذّكر عمَّا أقفَل، واستعينوا بالعلم على أداءِ الواجب، وبالصّبر على شكرِ الواهِب القائِلِ في الكتاب المجيد: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

عباد الله: المطر نعمة لا يعدلها نعمة، به حياة الأرض، وبه حياة الأبدان، إذا جاء المطر فرح به الناس، حتى وإن كانوا في طرق معبدة وبيوت متقنة، وما ذاك إلا تيمّنًا منهم بما يعود به المطر من المعاني التي تصاحبه عند نزوله، ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا رأى سحابةً احمرّ وجهه وتغيّرت حاله، فإذا أمطرت السماء سُرّي عنه، وقال: "إن قومًا فرحوا بالسحاب فأصابهم ما أصابهم"، وإن حرمان البلدان من الأمطار ما هو إلا إنذار وتهديد من الله لعباده ليعودوا إلى رشدهم وينظروا في أنفسهم؛ قال الله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].

عباد الله: يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "خمس خصال إن ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنّ"، وذكر منهنّ: "ولم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا". رواه ابن ماجه والبزار والبيهقي عن عبد الله بن عمر. فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا التوافق، لمّا منع الناس إخراجَ ما بأيديهم من الزكاة منع الله القطرَ أن ينـزل من السماء: (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن: 16]، كثيرًا ما يستسقي الناس في خطبهم وفي صلواتهم فلا يسقون في الحال، بل ربما أقاموا صلاة الاستسقاء مرة بعد مرة، فلا يظهر لهم معالم استجابة، أفلا يكون هذا الأمر رادعًا لأصحاب الأموال أن يخرجوا ما بأيدهم رحمةّ بأنفسهم، وأداءً لواجب في أعناقهم وتبرئةّ لذممهم؟!
 

 

  

 

المرفقات

وضرر منعها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات