الزكاة ركن الإسلام

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2025-01-30 - 1446/07/30
التصنيفات:

 

الشيخ حسين شعبان وهدان

 

الحمد لله أَغْنَى وأَقْنَى، وأمات وأحيا، وخَلَقَ الزوجينِ الذَّكَرَ والأنثى مِن نطفة إذا تمنى، وأشْهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، المَلِك الحَقّ المُبين، وأشْهدُ أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصَفِيُّه مِن   خلقِه وحبيبه، رحمة الله للعالمين، وخَاتم الأنبياء والمرسلين، اللهُمَّ صَلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعدُ:

 

فإنَّ الزكاة مِن بين أركان الإسلام شرعة الحقِّ، والتَّكَافُل الاجتماعي الذي يحفظ على المجتمع تَوَازُنه، بالعَطْف، والمودَّة، والإيثار، ونقاء السَّرِيرة، ونَبْذ سُمُوم الأَحْقَاد والتَّحاسُد، هذه منزلتها، وهذا أَثَرُها كما رَسَمه الإسلامُ العظيم لأَتْباعه؛ إلاَّ أن الواقع يُعطي شهادةً بالإدانة على الأغنياء لِصَالح الفُقَراء، فلو أعطى كلُّ غنيٍّ حقَّ الله مِن مال الله لِعِبَاده الفقراء، ما بقيَ في الدُّنيا فقيرٌ، ولا مسكين، ولا جائع، وأغنياء المسلمين في العالم لا يحدُّهمُ   التَّعداد مِن كثرتهم؛ ولكن أرقام الذين يُفارِقُون الحياة؛ بسبب الجُوع، أو المرض، يصيب النَّفْس بالهَلَع والغَثَيان، إضافة إلى قائمةِ الضَّرورات الحياتيَّة المهمَّة التى يَفْقِدُهاالمحرومون مِن أدنى الحُقُوق في أقطار المعمورة منَ المسلمين.

 

وإذا هدم الأثرياءُ منَ المسلمينَ ركنًا عظيمًا من أركان هذا الدِّين، فإنَّ إيمانَهم كلَّه في خطر، على اعتبار أنَّ   القائم بأركان الإسلام الخمسة، والمُراعي لها يُقيم الدِّين كله، قال النبيَّ الكريم صلى الله عليه وسلم: ((بُنيَ الإسلامُ على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصَوْم رمضان))؛ صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر، بِسَنَدٍ صحيح، رقم 16، وكيف ينسَى المؤمن حقًّا أَوْجَبَهُ الله عليه لأخِيه الفقيرِ: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 19]، فالزكاةُ هي بركة مال الغنيِّ، وسَدُّ حاجةِ الفقير، وبها يعيشُ الطَّرَفان في جوٍّ منَ الودِّ والمحبَّة.

 

فَضْل الزَّكاة:

 

وللزكاة فضائل مهمة، وآثار اجتماعيَّة، ومنافع دينيَّة، تُلَخِّصُ هدفَ الإسلام في إرساء قواعد البِرِّ، والتعاوُن المبني على أُسُسٍ شرعيَّة، ولذلك كانت من أهم وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، حين ابْتَعَثَهُم للبلاغ، وبيان الإسلام، فعنِ ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ معاذًا إلى   اليَمَن، فقال: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأنِّي رسول الله، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأَعْلِمهم أن الله افْتَرَضَ عليهم خمس صلوات في اليوم   والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تُؤْخَذ مِن   أغنيائِهم، وتُرَدُّ على فُقَرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإِيَّاكَ وكرائم أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب))؛ رواه التِّرمذي، أبواب الزَّكاة 621، وقال: حديث حسن صحيح.

 

وقد جَعَلَها الله تعالى طُهْرَة للمال، ولِنَفْس الغَنِي والفقير على السَّوَاء؛ حيث قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، فهي تُطَهِّر نُفُوس الأغنياء منَ الكِبْر والبَطَر؛ لِعِلْمه أن المال مال الله تعالى وتُطَهِّر كذلك نفوس الفقراء باجْتِثاث أُصُول الحقد على مالكي الأموال؛ بسبب الفاقَة والحِرْمان.

 

ومِن فَضْل الزَّكاة كذلك؛ أنها تملأُ جوانح النفس بالشعور بمعنى الأُخُوة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 11]، هذا هو منطوق الآية، ومِن مَفْهُومها أيضًا أنَّ المُفْسدين، وتاركي الصلاة، ومانِعي الزَّكاة لا أُخُوَّة لهم في دين الله - تعالى.

 

والزَّكاة تُدْخِلُ مُنفقها جنات الخُلُود، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ أعرابيًّا   أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلتُ الجنة، قال: ((تعبد الله ولا تُشْرِك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاة المَفْرُوضة، وتَصُوم رمضان))، قال: والذي نفسي بِيَده، لا أزيد على هذا، فلمَّا وَلَّى قال: ((مَن سَرَّه أنْ ينظرَ إلى رجلٍ من أهل الجنة، فَلْيَنْظُر إلى هذا))؛ صحيح البخاري، كتاب الزكاة (1/ 1333).

 

وقد وَعَدَ اللهُ أهلَ الزكاة بِإِحْراز الفَلاَح والنجاح في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 4]، ثمَّ أَرْدَفَ على ذلك مجموعة من صفات الفلاح، وَوَعَدَهُم وِراثة الفِرْدَوس الأَعْلَى، فقال سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 10، 11]، وإذا كانتِ الصلاةُ أهم أركان   الإسلام، وعموده الثاني، فإنَّ الزَّكاة تأتي في الأهميَّة بعدها؛ بل إنَّ القرآن الكريم   غالبًا ما يذكرهما معًا، يقول الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، وقد تَكَرَّرَ ذلك في القرآن الكريم أكثر من اثنتين وثمانين مرَّة، وقد يأتي التعبير   القرآني بالإنفاق أيضًا، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 3، 4].

 

والزَّكاة حِصْن مَنِيع، يقف دون الإفلاس والفَقر، فالمُزَكُّون يحرسُون مالَهم   من كلِّ الآفات، بِبَذْل الزكاة، وذلك مِصْداقًا لِمَا ورد عنِ الحسن مرفوعًا: ((حَصِّنُوا أموالكم بالزكاة، وداووا مَرْضاكم بالصَّدَقة، واستقبلوا أمواج البَلاء بالدُّعاء والتَّضَرُّع))؛ أورده   أبو داوود في "المراسيل" (210)، فمَن أَدَّى الزكاة فقد صان ماله منَ السَّرِقة، والتَّلَف، وسائر صور الهلاك، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أَدَّيْتَ زكاة أموالِك فقد أذهبتَ عنك شَرَّه))؛ رواه الحاكم في "مستدركه" (1439)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

 

الترهيب من مَنْع الزكاة:

 

وقد حذَّرَ الشَّرع - وبَالَغَ في التَّحذير - من مَنْع الزَّكاة؛ بل وَصَف مانِعيها بالخُرُوج منَ الإسلام، وذلك بِنَصِّ القرآن الكريم، والسُّنَّة المُطَهَّرَة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [فصلت: 6، 7]، فحَصَرَهم بين الشِّرْك أوِ الكُفر.

 

وعن أبي ذَر رضي الله عنه قال: جئتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في ظِلِّ الكعبة، فَرَآني مُقبلاً، فقال: ((همُ الأخسرون، ورب الكعبة يوم القيامة))، قال: فقلتُ: ما لي؛ لعلَّه أُنْزِل فيَّ شيءٌ، قال: فقلتُ: مَن هم فداك أبي وأمي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هم الأكثرون؛ إلاَّ مَن قال: هكذا، وهكذا، فحثا بين يَدَيْه، وعن يمينه، وعَن شِمَالِه، ثم قال: والذي نفسي بِيَدِه، لا يموت رجل فَيَدَع إِبِلاً، أو بَقَرًا، لم يُؤَدِّ زكاتها إلاَّ   جاءَتْهُ يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تَطَؤُه بِأَخْفافِها، وتنطحه بِقُرُونها، كلَّما نَفِدَتْ   أُخْراها عادَتْ عليه أُولاَهَا، حتى يُقْضَى بين الناس))؛ التِّرمذي، أبواب الزكاة (612)، وقال: حديث حسن صحيح.

 

هذا طَرَفٌ من عذاب مانعي الزَّكاة، يُبَيِّنُ بعضًا مِن عقوبة منع زكاة الأنعام، وفي تحذير نبويٍّ آخر يقرع النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأسماعَ، فيما يَرْوِيه   أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن صاحب ذَهَبٍ، ولا فِضة، لا يُؤَدِّي زكاتها، إلاَّ كانتْ يوم القيامة صُفِّحَتْ له صفائح من نار، فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم، فَيُكْوَى بها جَنْبه، وجَبِينه، وظَهْره، كلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يومٍ كان مقدارُهُ خمسينَ ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، فيُرى سبيلُه؛ إمَّا إلى الجنة، وإما إلى النار))؛ صحيح مسلم، باب إثم مانع الزكاة، (6/987).

 

ومِصْداق ذلك مِن كتاب الله قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35]، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يُوضع دينار على دينار، ولا درهم على درهم، ولكن يوسَّع جلده، حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته".

 

فإن قيل: لِمَ خصَّ الجِبَاه، والجُنُوب، والظُّهور بالكَيِّ؟ قيل: لأنَّ الغنيَّ   البخيلَ إذا رأى الفقير عَبَس وجهه، وزوى ما بين عينيه، وأعرض بجبينه، فإذا قرب منه وَلَّى   بظهره، فعُوقِبَ بكلِّ هذه الأعضاء؛ ليكونَ الجزاء من جِنْس العمل"؛ "الكبائر" للإمام الذَّهَبي (ص 41)، ط1، دار الحديث، 2004م، القاهرة.

 

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحدٍ لا يُؤَدِّي زكاة ماله، إلاَّ مثِّل له   يوم القيامة شجاعًا أَقْرَعَ، حتى يُطَوِّقَ عنقَه، ثمَّ قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مِصْدَاقه من كتاب الله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 180]؛ سنن ابن ماجَهْ، كتاب الزكاة (2/1784).

 

وكثيرًا ما حَذَّر النبي - صلى الله عليه   مسلم - من خُطُورة منع الزكاة، وذلك للآثار المدمِّرة للدِّين والدنيا، فعن عبدالله بن   عمر رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا معشر المهاجرين؛ خمس خصال، إذا ابْتُلِيتُمْ بهنَّ - وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ -: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها؛ إلاَّ فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التى لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان؛ إلاَّ أُخِذُوا بالسِّنينَ، وشِدَّة   المؤنة، وجَوْر السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلاَّ مُنِعُوا القَطْر منَ السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله؛ إلاَّ سلَّطَ الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويَتَخَيَّرُوا ممَّا أنزل؛ إلاَّ جعل الله بَأْسهم بينهم))؛ أخرجه المُنذري في "الترغيب والترهيب" (3/ 29)، بِسَند صحيح، أو حسن، أو ما يقاربهما.

 

وعلى هذا الفَهم مَضَى أصحابُه الكرام من بعده، فعنِ الأحنف بن قيس، قال: جئتُ إلى ملأٍ من قريش، فجاء رجل خشن الشَّعر، والثياب، والهيئة، حتى قام عليهم، فسلَّم، ثم قال: بَشِّرِ الكانزين بِرَضْفٍ يُحْمَى عليها من نار جهنم، ثم يُوضَع على حَلَمَةِ ثَدْي أَحَدِهم، حتى يخرجَ مِن نُغْضِ كَتِفِه، ويوضَعُ على نُغْضِ كتفِه، حتى يخرجَ من حلمة ثَدْيه، يَتَزَلْزَلُ، ثمَّ ولَّى، فجلس إلى ساريةٍ وتَبِعْتُه، وجلستُ إليه، وأنا لا أدري، مَن هو؟ فقلتُ: لا أرى القوم إلاَّ قد كَرِهُوا الذي قلتَ، قال: إنهم لا يعقلون شيئًا، قال لي خليلي، قلتُ: مَنْ خَلِيلُكَ؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر، أَتُبْصِرُ أحدًا؟)) قال: فنظرتُ إلى الشمس ما بقيَ النَّهار، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يرسلني في حاجة له، قلتُ: نعم، قال: ((مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ))، وإنَّ هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله، لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله"؛ "صحيح البخاري" (4/1342).

 

ولأجلِ ذلك كانتْ وقفة الصِّدِّيق أبي بكر رضي الله عنه لَمَّا منع الأعرابُ الزكاةَ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لَمَّا توفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدتِ العربُ، فقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: يا أبا بكر، أتُريد أن تقاتلَ العرب؟ قال: فقال أبو بكر: إنَّما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة))، واللهِ لو منعوني عَنَاقًا كانوا يُؤَدُّونَهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم لَأُقَاتِلنَّهم عليه، قال عمر: فلما رأيتُ رأيَ أبي بكر قد شرح عليه، عَلِمْتُ أنه الحق؛ "مستدرك الحاكم" كتاب الزكاة، 1427، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

 

الزكاة والضرائب:

 

قد يَتَعَلَّل أحد الناس بأنه يدفع كثيرًا منَ الضرائب التى تفرضها الدولة، وبالتالي يقوم بخصم نسبة الضَّرَائب من حَظِّ الزكاة، وهذا خلط للأمور، فإن الزكاة حقُّ الفقير في مال الغني، وهو حق ديني مقدَّس، أما الضرائب فهي حق الدولة، ويشترك في الانْتِفاع منها كلُّ الناس، المسلم وغير المسلم، والغني والفقير على السَّواء، فالضرائبُ لا تنوبُ عنِ الزكاة أبدًا.

 

مصارف الزكاة:

 

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]، هذه   هي المصارف الثمانية، التى حَدَّدَها القرآن الكريم لإنفاق الزكاة، ولا يجوز أن ننسى إخوتنا الذين أسلموا وجوههم لله رب العالمين بالعَطَاء، والرِّعاية، والسُّؤال، لا أن نَتْرُكَهم كأنهم يعيشون في صحراء؛ حيث يعيشون أزمة طاحنة بين الثبات على الإسلام، أو الرجوع إلى الكفر، والعياذ بالله.

 

قضاء الفوائت من الزكاة:

 

هناك فريقٌ منَ الناس ربما أنه نسيَ الزكاة سنين عددًا، فلم يُؤَدِّها على حقها، فَلْيَتَّقِ الله، ولْيُراجِع نفسه، ويخرجها كاملة غير منقوصة بحساب دقيق، قبل أن يعرضَ على الله تعالى في يوم عظيم، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾[الشعراء: 88، 89]، والحمد لله في بَدْء، وفي ختم.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات