عناصر الخطبة
1/ الرياضة في الإسلام 2/ تناقضات في عالم الرياضة 3/ التعصب الرياضياقتباس
إنَّ الإسلامَ يُقِرُّ ويَحُضُّ على الرِّياضةِ الهادفةِ النَّظيفةِ، التي تُتَّخَذُ وسيلةً لا غايةً، وتُلْتَمَسُ طريقاً إِلىَ إيجَادِ الإنْسانِ الفاضِلِ المتميِّزِ بجِسْمِهِ القوِيِّ، وخُلُقِهِ النَّقِيِّ، وعَقْلِهِ الذَّكِيِّ، فمن حقِّنا أن نتمتَّعَ بالرياضةِ، إذا كانت وسيلةً لا غايةً، واسْتِمْتاعاً لا تَعَصُّباً، وإنما المحظور الواقع في بعض انواع الرياضات اليوم ما يشوبها من المحظورات الشرعية ..
الحمد لله الذي له ما في السماوات... البشير النذير
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس.
أما بعد: في عالم يموج بالقلاقل والفتن، ويضطرب بالدواهي والمحن،.. وفي الوقت الذي يلقى فيه إخواننا على أرض فلسطين أبشع ألوان الجوع والحصار، وتسلط الأعداء الفجار، وبينما يئن العراق تحت وطأة الفوضى والاحتلال.. في هذا الوقت الساخن، تتوجه اليوم أنظار الملايين في شتى دول العالم إلى الحدث الكبير، ألا وهو ما يسمى العالم.
وبهذه المناسبة نقول: يجب أن نعترف أن الرياضة، وخاصةً كرةَ القدم، أصبحت تشكل اهتماماً عالمياً عند أكثر شعوب العالم، ومنها الشعوب الإسلامية، وهذا واقع لا مفر منه، ولا جدال فيه.
ولكن السؤال الذي يهمنا في هذا المقام هو: هل الإسلام ضد الرياضة؟ ولماذا يتعامل كثير من أهل التربية والإصلاح مع الرياضة بشيء من التخوف والحذر؟
أما الكلام في أصل الرياضة وممارستها، فقد جاء في بعض النصوص الشرعية ما يشير إلى الحث على ممارسة بعض أنواع الرياضة كوسيلةٍ للصِّحَّةِ والقوةِ... ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُـؤْمِـنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُـلٍّ خَيْرٌ...". ومنْ وسائلِ اكتسابِ القوةِ، ممارسةُ بعضِ الأنشطةِ الرياضيةِ التِي تُنمِّي الجسـمَ وتقوِّيهِ، كالرمايةِ، والسِّباحةِ، والمصارعةِ، والعدْوِ، ونحْوِ ذلكَ... وبهذا جاءتْ توجيهاتُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابَتِهِ الأبرارِ... وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ". قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ".
وكانَ الصَّحابةُ رضيَ اللهُ عنهمْ يتسابقونَ على الأقدام، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّهُمْ عليهِ، ويُرْوَى أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صارعَ رجُلاً معروفاً بقوَّتهِ يسمى رُكانةَ، فصَرَعَهُ النَّبِيُّ أكْثَرَ من مرَّةٍ، كما شَهِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتفالاتِ المبارزةِ، فقدْ رَوَتْ عَائِشَةُ زوجُ النبيِّ الكريمِ: "كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَنْظُرُ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ" رواه البخاري.
وقالَ عمرُ رضي الله عنه: "عَلِّمُوا أولادَكُمُ السِّباحةَ والرِّمايةَ، ومُروهُمْ فَلْيَثِبُوا على ظهورِ الخيلِ وَثْباً".
فهذه ألوانٌ من اللهوِ، وأنواعٌ من الرِّياضَةِ كانتْ معروفةً عندَهُم، شرَعَها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمينَ، لمُزاوَلَتِها أو للفُرجَةِ، ترفيهاً عنهُمْ، وترويحاً لَهُمْ، وهي في الوقتِ نفسِهِ تُهَيِّءُ نُفُوسَهُم للإقبالِ على العباداتِ والواجباتِ الأُخْرَى، ليكونوا أكْثرَ نشاطاً وأشَدَّ عزيمةً.
ومن هنا نقول: إنَّ الإسلامَ يُقِرُّ ويَحُضُّ على الرِّياضةِ الهادفةِ النَّظيفةِ، التي تُتَّخَذُ وسيلةً لا غايةً، وتُلْتَمَسُ طريقاً إِلىَ إيجَادِ الإنْسانِ الفاضِلِ المتميِّزِ بجِسْمِهِ القوِيِّ، وخُلُقِهِ النَّقِيِّ، وعَقْلِهِ الذَّكِيِّ، فمن حقِّنا أن نتمتَّعَ بالرياضةِ، إذا كانت وسيلةً لا غايةً، واسْتِمْتاعاً لا تَعَصُّباً، وإنما المحظور الواقع في بعض أنواع الرياضات اليوم ما يشوبها من المحظورات الشرعية.
فرياضة المصارعة حلالٌ كما تقدم، ولكنْ عندما تتحوَّلُ إلى استعراضٍ للعُريِ، فإنَّ هذا النَّوعَ من المصارعةِ يدخلُ قائمةَ المحظوراتِ من الرِّياضاتِ، فضَرورةُ سَتْرِ الأجْسادِ لا تحتاجُ إلى دليلٍ، يكفي قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي سعيد : "لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ"رواه مسلم.
وسِباقُ الخيلِ حلالٌ، ولكن عندما يُصْبِحُ السِّباقُ بُؤْرَةً للمراهَناتِ، فإنَّ السباقَ يدخلُ دائرةَ المَيْسِرِ والقِمارِ المُحَـرَّمِ والمَنْهِيِّ عنه، وكُرَةُ القدمِ من أنواعِ الرياضةِ المباحةِ، ولكنْ شريطةَ ألا تَشْغَلَنَا عنْ واجباتٍ ثِقالٍ تلاُحِقُنا من يمينٍ وشِمالٍ.
والملاحظ أن الرياضةَ ـ وخاصَّةً كرةَ القدمِ ـ صارتْ كالبلاءِ أو السُّعارِ، حتى انحرفتْ عنْ طَريقِها المقبولِ، وزادتْ عن حدِّها المعقولِ، فالجماهيرُ الغفيرةُ منَ الناسِ تتْرُكُ أعمالَهَا من أجلِها، والألوفُ تتجَمَّعُ حَوْلَ أَجْهِزَةِ التلفزيونِ لمشاهدة مبارَياتِها بِحِرْصٍ وشَغَفٍ، وضَّجيجٍ وصَّخب، ومناقشةِ حادَّةِ، وتَّعصُّبِ مقيت، يجر أحياناً إلى خلافٍ عنيفٍ، أو إلى خصومةٍ هائجةٍ، بين الأصدقاءِ والمعارفِ، وبين الأزواجِ والزَّوْجاتِ، وبين الأبناءِ والآباءِ، وقدْ تبلغُ حدَّ التقاذُفِ بالتُّهمِ والشتائمِ.
ومن التناقضات أن بعض الشباب يحفظ أسماء اللاعبين ومراكزهم، وأرقام فانيلاتهم، وآخر أخبارهم، أعظم من حفظه لقصار السور من القرآن.
وبعض المشجعين لا يمكن أن تفوته أي مباراة، وتفوته الصلاة أو أكثر من صلاة في اليوم الواحد.
وفي بعض المباريات الهامة تكتظ المدرجات قبل المباراة، وفي أوقات الصلاة، وترى الكثير من الشباب لا يفكرون في التحرك من أماكنهم ليؤدوا الصلاة.
وإذا انتهت المباراة عُقِدت المجالسُ الطويلة والنقاشات الحادة حول تحليلِ المباراة، وأخطاءِ الحكم، وقد تنتهي هذه المجالس بالنزاع وإثارة البغضاء في القلوب.
وتطالعنا الصُّحُفُ والإذاعاتُ بأخبار من يموتُ بالسَّكْتةِ القلبيةِ لأنَّ فريقَه الذي يشجعه قدِ انهزمَ، وبأخبار الـزَّوْج الذي ضَـرَبَ أو طلَّقَ زوجتَهُ غيْظاً، أو كسَّرَ تِلْفازَهُ غضباً وسُخطاً، وفي بعض المساجد ربما قل عدد المصلين وخاصة الشباب، في الأوقاتِ التي توافقُ بثَّ المبارياتِ، حتىَّ جاء منْ يسْألُ ويَسْتفْتِي: هل يجوزُ تأخيرُ الصلاةِ إلى أن تنتهيَ المُباراة؟ لأنَّه سَيُحْرَمُ من مُشَاهَدَتِها، أو على الأقَلِّ سيُحْرَمُ من شَوْطِها الأولِ.
سبحان الله.. ألِهَذِهِ الدَّرَجَةِ أصبح حرصُ بعضنا على مُشاهَدَةِ المُبارَيَاتِ أشدَّ من حرصه عَلَى الصَّلاة؟
عباد الله: إنَّ من شَغَلَتْهُ الرياضة عنِ الصَّلاةِ، أو أجَّلَ وأخَّرَ الصَّلاةَ عن وقتِها من أجْلِها، عليه أنْ يُرَاجِعَ نفسه، ويخشى على إيمانه، ويَعْلَمَ أنَّ طاعَتَهُ للهِ ورَسُولهِ ناقصة.
قال اللهِ تعالى: (وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التّجَـارَةِ وَللَّهُ خَيْرُ الرزِقِينَ).
أما ما يسمى بالتعصب الرياضي، فهو عالم غريب، وأذكر أنني أجريت بحثاً حول التعصب الرياضي، ووقفت على بعض المأسي المتعلقة بسلوكيات الشباب اللا أخلاقية بعد المباريات.. من إغلاقٍ للشوارع، وممارسةٍ للسرعة والتفحيط، ورفعٍ لأصوات الموسيقى، ورقصٍ في الشوارع، وإيذاءٍ للناس والعوائل، ومضايقةٍ النساء، وتعدٍ على الممتلكات، وغيرها من المظاهر.
لماذا يا شباب؟ أين الخوف من الله؟ أين شكر نعمته؟ أين الخوف من سطوته؟
إنَّ الإسلامَ لا يمنع الرِّياضةَ، بلْ هو يدعو إليها، ويحثُّ عليها، ولكنَّهُ يُريدُها وسيلةً للتَّربيةِ والتهذيبِ، لا أن تكونَ مدعاة لضياع الحقوق والواجبات، أو التجرؤِ على الحرمات.
فنقول لكل شاب: احرص على ما ينفعك، وكن متوازناً في ممارسة الرياضة والاهتمام بها، وإياك والتعصب، وإيذاءَ العباد، والإفسادَ في البلاد، (