الروض الندي في فقه اسم الله القوي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ أهمية استحضار اسم الله القوي وأثره على الناس 2/ اسم القوي في القرآن والسنة، وعلاقته مع باقي الصفات 3/ الفرق بين قوة الخالق والمخلوقين 4/ دلالات ومجالات قوة الله عز وجل 5/ الآثار الإيمانية لاسم الله القوي

اقتباس

ونظرا للحاجة الماسة والأكيدة لفهم وفقه اسم الله "القوي" في زمن الغربة، سوف ندخل الروضة اليانعة الغناء لاسم الله القوي؛ نفقه معانيه، ونفهم دلالاته، ونعيش ..

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، ومرسل النبيين، ناصر المؤمنين، وهازم الكافرين، جابر الضعفاء، وقاصم الجبارين، أنزل الكتب بحكمته، ورفع السماء بقدرته، ودحا الأرض بقوته، عليم بما ظهر وخفا، وبعد ودنا، وولج و علا، الجميع عنده سواسية، والسر عنده علانية.

 

وأصلِّي وأسلم على طبِّ القلوب ودوائها، وقوت القلوب وغذائها، وحبيب النفوس وكسائها، نبينا محمد بن عبد الله الهاشمي المطّلبي القرشي، خير البشر قاطبة، من عرب ومن عجم، وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فالوصية المبذولة لي ولكم هي تقوى الله العزيز الغفار، الذي يقبل توبة مسيء الليل والنهار، فما بعد التقوى من وصية، وما أرفعها من هدية! ولكنها تنال بالجهاد والنية.

 

عباد الله: كم تسربت للنفوس من جرعات من اليأس والتشاؤم، وهي ترى ضعف المسلمين واستطالة الكافرين، وكم تحطم قلب وجزعت نفس وهي ترى أعداء الإسلام يتطاولون على ثوابت الإسلام ومقدساته، ويستبيحون بلاد الدين وحرماته، فجسد الأمة مثل الأشلاء الممزقة، وبلادها مثل الأراضي المحرّقة، ولقد تجرعت الأرض من دماء المسلمين في كل مكان وشربت حتى الثمالة، من كثرة ما أريق من دمائهم الطاهرة وأرواحهم الزكية.

 

وهذا الاستضعاف الذي عليه الأمة جعل الهزيمة النفسية تضرب قلوب كثير من المسلمين، وهم يرون أعداء الأمة ظاهرين قاهرين متجبرين على المسلمين، وجعلهم يظنون أن أعداء الأمة قوة باطشة لا تقهر، ظن كثير من المسلمين أن أمريكا وحلفاءها لا يغلبون، وأن قوتهم أكبر من السقوط والانهزام.

 

وهذا اليأس القاتل والوهم الكاذب إنما تسرب للقلوب وعشش في النفوس بسبب غياب العلم بأسماء الله وصفاته، وضعف الفقه بمقتضيات ودلائل ومعاني أسمائه الحسنى وصفاته العلا.

 

ونظرا للحاجة الماسة والأكيدة لفهم وفقه اسم الله "القوي" في زمن الغربة، سوف ندخل الروضة اليانعة الغناء لاسم الله القوي؛ نفقه معانيه، ونفهم دلالاته، ونعيش في آثاره.

 

"القوي" في اللغة: الكَامِل الْقُدْرَة على الشَّيْء؛ تَقول: هُوَ قَادر على حمله، فَإِذا زِدْته وَصفاً قلت: هُوَ قويٌّ على حمله، أما القوي في حق الله وكاسم من أسمائه الحسنى، فتعني القوة الكاملة المرتبطة بالقدرة الشاملة والمشيئة النافذة.

 

وَقد وصف الله -عز وجل- نَفسه بِالْقُوَّةِ فَقَالَ -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58]، فالقوة لله جميعاً، يقهر من يشاء، ويذل من يشاء، وينصر من يشاء ويرزق من يشاء ويعز من يشاء، قال -تعالى-: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ  فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آلعمران:160]

 

وكلمة القوة في القرآن الكريم وردت في قوله -تعالى-: (وَلوْلا إِذْ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ إنا أَقَل مِنْكَ مَالاً وَوَلداً * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) [الكهف:39-40]، وكذلك في قوله على لسان نبيه هود -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلوْا مُجْرِمِينَ) [هود:52].

 

والقوي -سبحانه- الذي كتب الغلبة لنفسه ورسله فقال: (كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ إنا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:21]؛ قوي كامل القدرة لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، الموصوف بالقوة المطلقة، والكمال الدال على قوته وجبروته، فالله -تبارك وتعالى- القوي، الذي لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه راد، الذي ينفذ أمره وقضاؤه، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع، ولا يفوته هارب؛ الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له الخلائق، وخضعت له جميع الكائنات، وامتنع أن يناله أحد من المخلوقات.

 

وفي القرآن -يا عباد الله- نجد أن المولى -جل وعلا- قد قرن اسم القوي باسمين مخصوصين تتكامل بهما معاني ودلالات اسم الله القوي، هذا الاسمان هما: العزيز والمتين، فكثيرا ما يقترن اسم الله القوي باسمه العزيز؛ لأن قوته عن عزة وغنى، فالقوة دائما تتبعها مصلحة، وأصحاب القوة في العالم إما يحمون بها أنفسهم، أو يمنحونها لغيرهم طلبا لتبعيتهم وشراءً لذمتهم أو تهديدا لنهب ثرواتهم ومصا لدمائهم، أما القوي الغني عن العالمين، الذي يلطف بالخلق أجمعين، فقوته عن عزة وقدرة وحكمة: (اللهُ لطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [الشورى:19]، يطعم ولا يطعم، يرزق ولا يرزق، يجير ولا يجار عليه، لا ملجأ للخلائق منه إلا إليه: (الذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَليَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].

 

فالله هو القوي المتين، والقوة من صفاته العُظمى، فهو الغني بذاته لا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، وجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا به.

 

وقد جاءت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- متماشية مع النسق القرآني المتحدث عن أسماء الله وصفاته، مؤكدة على معانيه؛ توضح دلالاتها وتكشف مقتضياتها، فعن مُصْعَب بن سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أنه قَال: جَاءَ أعرابي إِلى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَال: عَلِّمْنِي كَلاَمًا أَقُولُهُ، قَال: "قُل لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالمِينَ، لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ"، قَال: فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّى، فَمَا لي؟ قَال: "قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي" رواه مسلم.

 

ومن حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ في سُجُودِ الْقُرْآنِ بِالليْلِ، يَقُولُ في السَّجْدَةِ مِرَارًا: سَجَدَ وجهي للذي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ" رواه أبو داود وصححه الألباني.

 

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ الليْلِ فَقال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ الحَمْدُ للهِ، وَسُبْحَانَ الله، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَالله أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله، ثُمَّ قال: اللهمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ" رواه البخاري.

 

عنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ"، قَالَ: "وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه أبو داود وحسنه الألباني.

 

وشتان بين قوة الخالق وقوة المخلوقين، فلا وجه بين القوتين، ولا رابط بينهما سوى الرابط اللغوي ورسم حروف العربية، وذلك من أوجه عديدة.

 

منها: أولا: إن كل قوة في الكون مصدرها الله -تعالى-، وكل قوة في الملائكة والروح والإنس والجن والحيوان، وكل قوة في السموات والأرض والنجوم والكواكب والجبال والبحار والحديد والنار، جميع قوة هذه المخلوقات لا تساوي ذرة بالنسبة لقوة الله -عز وجل-، بل قوة جميع تلك المخلوقات لو اجتمعت لواحد منهم، ثم كان جميعهم على قوة ذلك الواحد الأحد فإن قوة أولئك كلهم لا تساوي شيئاً بالنسبة لقوة الملك القوي العزيز الجبار: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:74].

 

ثانيا: قوة الله -تعالى- قوة أبدية لا تحول ولا تزول، ومهما رأيت من أقوياء فإنهم بعد حين يُرَدون إلى ضعف وعجز؛ قوة الشباب وقوة المال وقوة السلطان كلها تزول، ولا تدوم إلا قوة الحي القيوم، بل؛ ألم ير الخلق أنهم كانوا من قبل ضعفاء، وأنهم بعد حين سيعودون إلى ضعفهم؟ قال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم:54 ].

 

كم من أناس بين عشية وضحاها أصبحوا لا وزن لهم ولا قيمة، ولا خبر ولا أثر! فهذا قارون لما اختال بماله ومكانته، ونَصَحَهُ قومه ووعظوه: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص:78]، فكانت النتيجة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص:81].

 

وهكذا؛ كم ظالم عتا وبغى واهتزت الأرض تحت قدميه ثم هو اليوم صريع المرض والضعف والعجز! قال -تعالى-: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) [البقرة:165].

 

وبالنظر في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والتدبر في سير الأمم السابقة، ورحلة البشر وحركة التاريخ من لدن آدم -عليه السلام-، يتبين لنا -وبجلاء- معاني ودلالات قوة القوي العزيز ذي القوة المتين.

 

ومن هذه الدلائل:

 

أولا: قوة المشيئة النافذة في بطشه القادر على إتمام فعله، له مطلق المشيئة والأمر في مملكته، قوي في ذاته غيُر عاجز، لا يعتريه ضعف أو قصور، قيّوم لا يتأثر بوهن أو فتور، ينصر من نصره، ويخذل من خذله، قال -عز وجل-: (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].

 

والقُوَّةُ نقيض الضعف، فالله لما أوحى لنبيه موسى حين كتب له الأَلواح أمره أن يأخذها بقوة: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) [لأعراف: 145]؛ أَي خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك، وقال ليحيى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم:12]، أَي بِجِدّ وعَوْن من الله -تعالى-.

 

ثانيا: قوة إبداع الخلق، إحياء وإماتة، كل ذلك من قوته واقتداره، خلق السماوات والأرض، وخلق العرش والكرسي، وخلق الملائكة العِظام، وخلق السموات السبع الشداد، وخلق الأرضين السبع، وخلق الجبال الراسيات، والنجوم الزاهرات، والكواكب النيرات، والحيوان والنبات، والإنس والجان؛ فالقوي كما خلق الخلق فهو الذي يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون: (مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [لقمان:28]، (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه) [الروم:27]، وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات كلها مقصورة لله، خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته.

 

عباد الله: أليس في رفع السماء بلا عمد -مع ما تحمل من المخلوقات فوقها- أكبر آية وأعظم دليل على قوة الله البالغة؟ قال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر:41]، أيُّ قوي يستطيع أن يحرك الأرض حول نفسها بسرعة خمس وستين وأربعمائة متراً في الثانية؟ أي: ما يعادل ألفاً وستمائة وأربعة وسبعين كيلو متراً في الساعة.

 

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "قَرَأَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: " (وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)"، قَالَ: يَقُولُ اللهُ -عز وجل-: "أنا الْجَبَّارُ، أنا الْمُتَكَبِّرُ، أنا الْمَلِكُ، أنا الْمُتَعَالِي، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ ". قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ" رواه أحمد. نعم؛ إنها قوة عظيمة.

 

ثالثا: قوة إهلاك الكافرين والمجرمين: إن الحياة مليئة بشواهد قوته، منها منعته لأنبيائه وتأييده لأوليائه، وقصص الأنبياء خير شاهد، قال الله -تعالى-: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ إنا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:21].

 

كما تتجلي قوته في إهلاكه للظالمين وانتقامه من المجرمين، بأنواع من العقوبات، وقد خلت المثلات، وأنه لم يغن عنهم كيدهم، ومكرهم، ولا أموالهم، ولا جنودهم، ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لما جاءهم، وما زادوهم غير تتبيب، وخصوصاً في وقت حلوله، قال الله -تعالى-: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:52].

 

فهو -سبحانه- القوي القاهر الجبار، الذي قهر الجبابرة، وأذل كل متكبر جبار، القوي العزيز الذي: (أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم:50-55]، فأهلك القوي قوم عاد الجبابرة حين كذبوا الرسل، وعتوا واستكبروا في الأرض، واغتروا بقوة أبدانهم، وضخامة أجسادهم، وعظيم بطشهم في البلاد والعباد، قال -سبحانه-: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [فصلت:15]، فأرسل الله عليهم الهواء الذي يألفونه، ولا يستغنون عنه لحظة، ريحاً عظيمة عقيمة، لها صوت مزعج كالرعد القاصف، ما تذر شيئاً أتت عليه إلا جعلته كالرميم، ودمرهم ذو القوة والجبروت: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [الأحقاف:25].

 

وهو -سبحانه- القوي العزيز الذي أهلك ثمود لما كذبوا صالحاً، وكفروا بالله، فأهلكهم بصعقة واحدة كما قال -سبحانه-: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [فصلت:17-18].

 

وهو -سبحانه- القوي الذي أغرق قوم نوح لما كذبوا نوحاً، وكفروا بالله كما قال -سبحانه-: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) [الفرقان:37-38].

 

وقد أهلك الله القوي الجبار الأمم التي كفرت بالله وكذبت الرسل، وأفسدوا في الأرض، واستكبروا فيها، وما كان لهم، وجحدوا نعم الله عليهم من الملك والجاه، والمال والولد، والصحة والأمن، واستعملوا تلك النعم في معصية الله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [غافر:22]، فأنزل عليهم من عقابه ما أظهر عليهم قدرته وقوته وبطشه.

 

وكانت تلك العقوبات متفاوتة؛ فتارة بالماء وتارة بالريح، وتارة بالصيحة، وتارة بالخسف، وتارة بالنار، وتارة بالحصب بالحجارة وذلك كما حصل لقوم لوط.

 

وقال -تعالى- عن عاد وثمود وفرعون وقارون وهامان: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا) [العنكبوت:40].

 

اللهم إنا نسألك باسمك القوي المتين أن تقوي أمرنا، وتشد ظهرنا، وتكبت عدونا، وتنصر جندنا؛ إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، نبينا محمد صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

عباد الله: إن البشرية اليوم في أمس الحاجة لفقه أسماء الله وصفاته عامة، واسم القوي خاصة، ففقه وفهم هذا الاسم تحديدا يعيد للبشرية سلامها وأمنها ويضبط توازنها، وتستعيد البشرية به مرة أخرى إنسانيتها المفقودة بسبب الاغترار بالقوة والجبروت، فإن الغرور بالقوة والتقدم العلمي والصناعي والعسكري غر كثيراً من الدول، فتسلطوا على خلق الله شرقا وغربا، وعقلية عاد قوم هود أصبحت تسيطر على عقل أمريكا وحلفائها؛ عقلية "من أشد منا قوة؟" وهذا نذير هلاك سريع للبشرية كلها.

 

ولو فقهوا معنى القوة الحقيقية، ومَن المتصف بها على الحقيقة، لتواضعوا لله -عز وجل-، وكفوا عن العدوان على الناس، ولارتدعوا عن غيهم واستطالتهم على خلق الله.

 

لذلك؛ فإن الآثار الإيمانية لاسم الله القوي آثار تحتاج البشرية جمعاء لمعرفتها؛ لاستقامة الحياة واستمرار مسيرة الركب البشري والعمران الحضاري.

 

ومن أهم الآثار الإيمانية لاسم الله "القوي" ما يلي:

 

أولا: الاعتزاز بقوة الله -عز وجل-؛ وذلك بأن ينعكس هذا الاعتزاز بقوة الله على حياة المؤمن وسلوكه وأفعاله، فيصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، وإن همّ بالظلم تذكّر قوة الله، قال -تعالى-: (أَوَلمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) [فاطر:44].

 

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قوما، فَرَأَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: "اللَّهُ عز وجل"، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟" قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟". قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ. رواه أحمد.

 

ومع هذا الموقف الصعب يصمد القائد كالجبل الأشم ثابتاً لا يتزحزح، لم تهزه حماقة ذلك الأعرابي ولا أرعبه سيفه المسلول؛ لأنه يعلم أن قوة القوي مهيمنة ونافذة، وأن قوة الرجل مستمدة من القوي لذا فهو لا يملكها.

 

وعَنْ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُقَدَّسُ أُمَّةٌ لَا يُقْضَى فِيهَا بِالْحَقِّ وَيَأْخُذُ الضَّعِيفُ حَقَّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ" رواه الطبراني في الكبير.

 

ثانيا: وحسن التوكل على القوي والاستسلام لعظمته والتبرؤ من الحول والقوة إلا به، ينبغي أن يكون أثرا من الإيمان به، ولهذا كانت كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله جليلة الشأن، كبيرة القدر، عظيمة الأثر... عَنْ حَازِمِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: "يَا حَازِمُ، أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ" صححه الألباني؛ فهي كلمة استسلام وتفويض والتجاء وتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله، وأن العبد لا يملك شيئا من أمره، ومن قالها محققا ما دلت عليه من التوكل والتفويض كان أقوى الناس قلبا، وأحسنهم حالا ومآلا.

 

ثالثا: التواضع وترك الغرور؛ فمن خدعته قوته واغتر بنفسه أو جاهه أو سلطانه فليتذكر قوة القوي الجبار. عن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ"، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ"، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ"، قَالَ: فَقُلْت: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا" رواه مسلم.

 

أخي الكريم: إذا دعتك قوتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، لقد استحضر الحَجاج رجلاً ليعاقبه، فقال الرجل للحجاج: "أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي" فما كان من الحجاج إلا أن عفا عنه.

 

فلا يغترن عبد بما أمده الله من قوة، وإياك أن تعتد بقوة عضلاتك المادية أو قوة سلطانك وجاهك، وهذا الحال هو ما مقته -سبحانه- على قوم عاد فحاق بهم سوء العذاب، قال -تعالى-: (أَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [فصلت:15].

 

وعليك كلما رأيت لنفسك حجماً، ومكانة، وعلماً، وتميزاً، أن تقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، قال -تعالى-: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف:39].

 

رابعا: الاستخدام النافع للقوة الموهوبة؛ فعليك يا عبدالله، يا من بسط الله -تعالى- في قوتك من أي نوع منها أن تستغل قوتك في الحق، وأن تحفظ طاقتك في خدمة الواهب -سبحانه-، وأن تحمل هذا الجسد في التبتل إليه، وأن تذيب هذه القوة والفتوة في الدعوة إليه، فلك في السابقين قدوة، وفي سلفك أسوة؛ فعن أَبِى عَقْرَبٍ -رضي الله عنه- أنه قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الصَّوْمِ فَقَال: "صُمْ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ"، قُلْت: يَا رَسُول اللهِ زِدْنِي زِدْنِي إِنِّي أَجِدُنِي قَوِيًّا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ ليَرُدُّنِي، قَال: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" رواه النسائي وصححه الألباني.

 

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أنه قَال: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُهُ كُلّه فِي ليْلةٍ، فَقَال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُول عَليْكَ الزَّمَانُ وَأَنْ تَمَل، فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ"، فَقُلْتُ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرَةٍ"، قُلْت: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ"، قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، فَأَبَى" رواه ابن ماجه.

 

فسخر قوتك ونشاطك في طاعة الله -سبحانه- وفي عمارة الأرض بالخير والعمل الصًّالح، ولا تبخل بها في دعم مسيرة الدعوة إلى الله -عز وجل- إن كنت ممن يحسن ذلك، ولتكن رهن الاستجابة في الإشارة القرآنية في قوله: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) [القص:35]، أي: سنقويك به، وفي: (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى) [طه:31]. والأزر: القوَّة.

 

إن من يرغب في طاعة المولى -سبحانه- فالقوَّة عنده مرغوبة ومطلوبة، حيث لا يألوا جهدا في فعل الخيرات والمنافسة في الطاعات؛ رغبة في رضا الله، وطمعا في حبه وجنته، فالمؤمن القويّ محبوبٌ عند الله -سبحانه-، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ الْمُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيرٌ، احرص على مَا يَنفَعُكَ، وَاستَعِن بِالله وَلا تَعجِزْ" رواه مسلم.

 

اللهم إنا نعوذ بك من الفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء، ونعوذ بك من الصمم والبكم والجنون وسيء الأسقام.

 

اللهم إنا نعوذ بك من الهَم والحَزَن ونعوذ بك من العجز والكسل ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلَبة الدَين وقهر الرجال.

 

 

 

 

 

المرفقات

الندي في فقه اسم الله القوي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات