الرسول -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الحث على اتباع السُّنّة 2/ سنة النبي صلى الله عليه وسلم كسفينة نوح 3/ حرص الصحابة وسلف الأمة على اتباع السنة وتعظيمها 4/ دليل محبتنا لرسولنا الله -صلى الله عليه وسلم- 5/ تعظيم الأئمة الأربعة للسنة النبوية 6/ وجوب الأخذ بالسنة واتباعها والإعراض عن الجدال المذموم.

اقتباس

سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، وإنك إذا تأملت اليوم في اتباع الناس لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حركاته، في أقواله، في نومه، في شربه، في مشيه، لتجدن كثيرا منهم لا يكاد يطبق من السنة إلا قليلا، حتى بدأت السنة تغيب عن حياة الناس، انظر كم عدد الناس يطبّق سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في كيفية منامه، فينام طاهرا ويقول أذكار النوم قبل نومه، وينام على جنبه الأيمن، ويضع كفه الأيمن تحت خده الأيمن. مَن مِن الناس اليوم يحرص على تطبيق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في طعامه أو في شرابه فلا يأكل متكئًا، ويشرب في ثلاثة أنفاس، ويأكل بيمينه، إلى غير ذلك من السنن..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير.

 

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين ببصر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: إن ربنا -جل في علاه- شرع الشرائع وسن الأحكام وبعث الله -تعالى- الرسل رسلاً بينه وبين الناس يعلمونهم الدين ويفقهونهم التنزيل، وأمر -تعالى- بطاعة الرسل في كتابه، أمر بطاعة الرسل عامة، وأمرنا ربنا -جل وعلا- بطاعة رسولنا وسيدنا وقرة أعيننا محمد -صلى الله عليه وسلم- خاصة فقال -سبحانه وتعالى- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) وقال -تعالى-: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ)، وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، وقال سبحانه: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ).. إلى غير ذلك من الآيات..

 

وقد ذكر الله -تعالى- الأمر بطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من ثلاثين موضعًا من كتابه، بل ذكر الله -جل في علاه- أن الأنبياء كانوا يقولون لأقوامهم اتقوا الله وأطيعون.

 

أيها الأحبة الكرام إن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، وإنك إذا تأملت اليوم في اتباع الناس لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حركاته، في أقواله، في نومه، في شربه، في مشيه، لتجدن كثيرا منهم لا يكاد يطبق من السنة إلا قليلا، حتى بدأت السنة تغيب عن حياة الناس، انظر كم عدد الناس يطبّق سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في كيفية منامه، فينام طاهرا ويقول أذكار النوم قبل نومه، وينام على جنبه الأيمن، ويضع كفه الأيمن تحت خده الأيمن.

 

مَن مِن الناس اليوم يحرص على تطبيق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في طعامه أو في شرابه فلا يأكل متكئًا، ويشرب في ثلاثة أنفاس، ويأكل بيمينه، إلى غير ذلك من السنن..

 

مَن مِن الناس اليوم يطبق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مشيه وفي طريقة كلامه وفي طريقة دعائه.. إن كنت محبًّا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحرص على تطبيق سنته، وإذا جاءك الأمر من أمره أو النهي من نهيه فلا تشغل نفسك بقولك هل الأمر للوجوب، هل النهي للتحريم؟ كلا (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ).

 

كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأيتهم وجدتهم نماذج من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأيت وجه أحدهم أو رأيت لباسه أو رأيت طريقة كلامه أو رأيت منامه وشرابه علمت أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

في صحيح مسلم يقول أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-، وهو يحدث عن قصة تحريم الخمر ونعلم أن الله -تعالى- قد حرم الخمر على ثلاث مراحل ففي المرحلة الأولى بيّن الله -تعالى- أن فيها ضرر، ثم في المرحلة الثانية قال: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، ثم في الثالثة أنزل الله -تعالى- التحريم القطعي، قال أنس بن مالك: "كنت ساقي القوم –يسقي القوم الخمر لما كانت حلالا- في بيت أبي طلحة وأبو طلحة هو زوج أم أنس بن مالك، قال: فأقبل رجل من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يصيح بالناس يقول: ألا إن الخمر قد حُرمت، ألا إن الخمر قد حرمت، ثم تلا عليهم الآيات (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ). قال أنس: فوالله إن بعضهم إن شربته كانت في يده والله ما رفعها إلى فيه، قال فسكبوا ما في أيديهم حتى جرى عند أقدامهم، فلما كانت حلالا كانت مكرمة في أيديهم فلما حرمت أهينت تحت الأقدام.

 

 قال: ثم أصابوا من طيب لأم أنس للرميساء،  ثم خرجوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله ما راجعوا المخبر في كلامه، لم يقولوا هل النهي للتحريم، هل هي سنة، هل هو واجب، هل هو مستحب، ما كانوا يفعلون مثل ذلك.

 

بل في حديث ابن عمر في الصحيح لما أنزل الله -تعالى- تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كانوا يصلون في المسجد قال: فأقبل رجل من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وكان ذلك في صلاة العصر: "ألا إني أشهد أني صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الكعبة"، قال فكانوا في الصلاة قال فتحولوا وهم يصلون؛ اتباعا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

كانوا يأخذون أوامره عليه الصلاة والسلام على الإجلال والتكريم والطاعة التامة له ألم يقل الله -تعالى-: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ).

 

في صحيح البخاري أن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- كان جالسا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فكان المسجد له أبواب فأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى باب منها وقال: "لو تركنا هذا الباب للنساء" لم يأمرهم بذلك إنما مجرد اقتراح، تدخل منه النساء وتخرج منه النساء، فظل الصحابة لا يدخلون من الباب، لا يحتاج إلى أن يقول يجب وواجب وافعل!

 

مجرد اقتراحاتك يا رسول الله هي أمر، أمنياتك يا رسول الله أوامر، قال فتركه الناس للنساء، فلما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ووسع المسجد في عهد أبي بكر ثم وسع أكثر في عهد عمر، ووسع أكثر في عهد عثمان وتوسع المسجد وصار للنساء مداخل خاصة وقسم خاص كان ابن عمر إذا أراد أن يدخل يلف من وراء المسجد ويدخل من باب آخر فيقولون: يا ابن عمر هذا الباب أقرب لك؟ فيقول: لا كيف أدخل منه وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لو تركنا هذا الباب للنساء"؟ قالوا: يا ابن عمر إنما كان للحاجة، وإنما النساء لهن أبواب أخرى، خلاص انتهينا، فيقول لا كيف أدخل منه وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول "لو تركنا هذا الباب للنساء" قالوا فما كان يدخل منه ولا يخرج منه إلى أن مات -رضي الله تعالى عنه-.

 

وكانوا لمحبتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس فقط يطيعونه ويتبعون سنته في صلاته وقراءته ودعائه، كلا بل حتى فيما يحبه -صلى الله عليه وسلم- من طعام أو شراب هم يحبونه.

 

في البخاري يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أكلت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاما قال فرأيته -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء –يعني القرع- قال: فوالله ما زلت أحب الدباء منذ رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبه.

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- مبجلا فيما يأمر وفيما ينهى، لما أقبل رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه خاتم دهب رآه فغضب، وقال: "أيسرك أن يبدلك الله جمرة من نار، أو قال: ما لي أرى عليك حلية من أهل النار"، ثم نزعه -صلى الله عليه وسلم- من يديه وألقاه على الأرض ثم استمر المجلس وأكمل النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثه للناس ثم انفض المجلس بعد وقت وقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام الرجل وترك الخاتم من ذهب، فقال له الناس: لو أخذته فانتفعت به، لا تلبسه، أعطه زوجتك، أعطه ابنتك هذا ذهب، قالوا لو أخذته فانتفعت به، قال: "لا والله لا أخذه وقد ألقاه النبي -صلى الله عليه وسلم-".

 

ما دام النبي -صلى الله عليه وسلم- نزعه وألقاه على التراب والله ما آتي وأرفعه أنا من التراب.

 

وفي البخاري لما أكل -صلى الله عليه وسلم- طعاما مع بعض أصحابه وكان أحدهم يأكل بشماله، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "كل بيمينك" فمنعه الكبر، ما يريد يتبع السنة، يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل بيمينه والرجل متكبر لا يريد أن يضع يده الأخرى فقال: "لا أستطيع" لا أريد، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما استطعت" قالوا فوالله ما رفعها بعدها إلا فيه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما منعه إلا الكبر".

 

كانوا يرون أن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي السبيل الذي يوصّل إلى رب العباد -جل في علاه- فلا سبيل ولا طريق يوصل إلى الخالق -سبحانه وتعالى- إلا طريق الرسل، حتى قال سفيان الثوري -رحمه الله تعالى-: "إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر" يعني إلا بدليل وسنة "فافعل".

 

ولما أقبل رجل إلى الإمام مالك -رحمه الله تعالى- إمام دار الهجرة وقال له يا إمام "من أين أحرم؟" وهو المدينة والمدينة معروفة من أين يحرمون، فقال: من حيث أحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذي الحليفة، فقال: إني أود أن أحرم من المسجد، وأمر على قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلم عليه ثم أمضي إلى الحرم يعني إلى مكة، فقال له: لا، بل أحرم من ذي الحليفة، قال سبحان الله لِمَ؟ يعني ما المشكلة لِمَ، قال: إني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة إنما هي أميال أزيدها، كلها ثلاثة أربعة كيلو زدتها، بدلاً من أن أحرم من الحليفة أتقدم قليلا وأحرم من المسجد، قال: أي فتنة إنما هي أميال أزيدها، فقال له الإمام مالك "سبحان الله! وأي فتنة أعظم من أن تشعر أنك أتيت بشيء أفضل مما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- "؟!

 

وسعيد بن المسيب رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر يعني بين الأذان والإقامة السنة لا يصلي المسلم إلا ركعتين، سنة الفجر ثم تُقام الفريضة، فليس من السنة الإكثار من الصلاة أو الإطالة حتى هاتين الركعتين تخففان.

 

فرأى سعيد بن المسيب رجلاً يصلي ما بين الأذان والإقامة ويكثر الصلاة فلما سلم من ركعتيه قال له سعيد: يا رجل ماذا تفعل؟! إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يفعل ذلك، صلي ركعتين فقط، فقال الرجل يا أبا المسيب مما تخشى علي؟ لماذا يعني تنهاني؟ قال أخشى أن يعذبك الله، قال سبحان الله يعذبني الله -تعالى- يا أبا محمد على الصلاة؟! أنا أصلي ويعذبني الله -تعالى- عليها، قال: "لا إنما يعذبك على خلاف السنة" كما عند البيهقي.

 

يقول يعذبك أنك تشعر أنك أحسن من النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينكرون فقط على من يترك السنة لا، بل من يفعل أشياء يظن بها أنه أفضل من السنة ينهونه؛ لأن السنة طريق مستقيم ينبغي للمرء أن يسير عليه.

 

ولما أقبل ثلاثة نفر إلى بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شباب متحمسون يريدون الخير يريدون الجنة، فلما سألوا زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عبادته كم يصوم؟ كم يقوم من الليل؟ كم يقرأ من القرآن؟ كيف حياته الخاصة؟ فتقالوها، قالوا فقط يصلي كذا إحدى عشر ركعة، فقط يصوم كذا وكذا، يأكل ويشرب ويتلذذ بجميع اللذائذ، ثم جعل بعضهم ينظر إلى بعضه رسول لا يقوم الليل كله ولا يصوم يوميا! ثم بدءوا يبحثون عن عذر للنبي -صلى الله عليه وسلم- يظنون فعله تقصيرا، يقولون: هذا رسول قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لذلك يقل من العبادات، أما نحن مساكين لم يغفر لنا من ذنبنا ما تقدم وما تأخر فبدؤوا يقترحون أفعالا، قال الأول أنا أقوم الليل ولا أنام من اليوم وما بعده أقوم الليل ولا أنام، وقال الثاني وأنا لا أتزوج النساء، أمنع نفسي من هذه المتعة، أو لا أكل اللحم، وقال الثالث أما أنا فأصوم ولا أفطر يوميا أصوم.

 

فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- خبرهم غضب وقام على المنبر، وقال: "ما لأقوم يتنزهون عن أفعال أفعالها أنا أتقاكم لله أنا أخشاكم لله"، وجعل -عليه الصلاة والسلام- يشدد عليهم في ذلك ضبطا لمنهجهم، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "وأنا أقوم وأنام، وأنا أصوم وأفطر، وأكل اللحم وأتزوج النساء"، ثم قال: "فمن رغب سنتي" من رغب عن سنتي لم يأكل كما آكل ولم يشرب بالطريقة التي أشرب بها ولم يلبس كاللباس الذي ألبسه فرفع إزاره عن كعبيه ولم يجعل وجهه كوجهي ولم يعفِ لحيته وحف شاربه ولم ينم كما أنام ولم يمشِ كما أمشي ولم يتكلم كما أتكلم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب:21].

 

قال: "فمن رغب عن سنتي" الذي يعلم أن هذه سنن ويتركها جانبا ويسير في طريق آخر قال: "فمن رغب عن سنتي فليس مني"، يفعل ذلك -عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يبين للصحابة أن الجميع لابد أن يكونوا ورائي يضعون أقدامهم حيث وضعت قدمي ويتكلمون كما تكلمت ويمشون كما مشيت.

 

من اتبع سبيلا غير سبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- ضل.

عبد الله بن المغفل -رضي الله تعالى عنه- كما في الصحيحين رأى أحد أصحابه يخذف، يأخذ حجرا صغيرا بسبابته اليمنى أو اليسرى ويضعه على سبابة اليد الثانية ثم يضغط بها عليه ويرميه، فلما رآه يخذف قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الخذف "لا تخذف".

 

فانتهى هذا الرجل أياما ثم عاد يخذف مرة ثانية، فقال سبحان الله سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الخذف، فانتهى هذا الرجل أياما ثم عاد يخذف مرة ثانية، فقال سبحان الله سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الخذف ويقول إنها لا تنكأ عدوا ولا تصيد صيدا، وإنما تفقأ العين وتكسر السن، هذا خلاف السنة لا تخذف.

 

ثم رآه بعدها يخذف فغضب غضبا شديدا وقال: "أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتعود وتخذف، والله لا كلمتك أبداً"، وتغير وجهه –رضي الله عنه-. كيف أقول لك نهى -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وتعود وتفعل ما نهيتك عنه؟!

 

وعمران بن حصين -رضي الله عنه- قام مرة في أصحابه فحدثهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: "الحياء خير كله" فقام بشير بن كعب واحد من الجالسين قام وقال: "يا أبا حصين إنا نجد في الكتب أو في الحكمة أن الحياء منه سكينة ووقار ومنه ضعف" يعني ليس كله خير فيه ضعف يمنعك حقك، فقال له عمران: "سبحان الله! أقول لك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "الحياء خير كله"  الحياء كله خير انتهى، فعاد بشير مرة أخرى وقال: نعم يا عمران، لكن نحن نعلم أن الحياء منه سكينة ووقار لله ومنه ضعف فتغير وجهه والتفت عليه قال له: ألا أراني أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعترض، الآن أقول لك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا وأنت تأتي لي من حكمك وكتبك وأنت تعترض عليه، قال وجعله يسبه سبًّا شديدا، قال حتى جعلنا نهدئه ونقول يا عمران: إنه ليس به بأس، إنه واحد منا، يعني هذا من أصحابنا وطالب علم ارأف به. والحديث في الصحيحين وكانوا يشددون في ذلك.

 

ولما قال عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله إذا استأذنكم إليها" فقام بلال بن عبد الله وقال: والله لنمنعهن، قال فالتفت إليه عبد الله بن عمر وقال: أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يقول: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وتقول تمنعهن" وجعل يكرر أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول لا، قالوا فسبه سبًّا لم نسمعه يسب أحدًا قبل.

 

لأجل أن يبين له أن هذا خط أحمر لا يجوز المرء أن يتلاعب بها، بالله عليك تعال اليوم لبعض من يكتب في الجرائد أو ربما يتحدث في بعض الفضائيات أو في غيرها وهو ربما رويبضة وأجهل من حمار أهله، وإذا تكلم عن أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول هذا الحديث ضعيف، ومن أدرانا أن البخاري صدق ومن أدرانا أن الإمام مسلم فعل ذلك وهو لا يدري الفرق بين الحديث الصحيح والضعيف، ومع ذلك تجد أنه يرد سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكأنه يفعل شيئا يسيرا!!

 

وفي البخاري عن نافع عن ابن عمر قال كانت امرأة لعمر -رضي الله تعالى عنه- تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة وكانوا يعلمون من عمر شدة وغيرة على امرأته فقالوا لها: لِم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني، يعني عمر لو يكره ذلك نهاني، قال يمنعه قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" يمنعه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهاه أن ينهاكِ فهو لا يستطيع أن ينهاكِ اتباعًا للسنة لكنه في داخله يغار عليك أن تخرجي أمام الرجال في كل مرة وترجعين.

 

وعمر -رضي الله تعالى عنه- رأى رجلين يسبحان بعد العصر، يصليان بعد العصر وهو وقت نهي، فدعاهما، فقال لهما تعلمان أنه منهي عنه؟ قالوا: نعم نعلم أنه منهي عنه، فأمر بهما فجُلدا، لماذا تخالفان السنة وأنتم تعلمونها؟!

 

ورأى عمر رجلين عند قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفعان أصواتهما فدعاهما وقال: سبحان الله ألم تعلما أن الله -تعالى- قال: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) من أين أنتم؟ وغضب وكاد أن يعاقبهما، قالوا نحن من الأندلس، فقال والله لو كنتما من المدينة لأوسعتكما جلدا، الأصل في أهل المدينة أنهم أعلم من غيرهم، يعلمون أنه لا ينبغي رفع الصوت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الأحبة الكرام إن الخير كل الخير في اتباع سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

تعصي الرسول وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادق لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

 

دليل محبتنا لرسولنا الله -صلى الله عليه وسلم- أن نحب ما يحب وأن نكره ما يكره، وأنك إذا صليت رأى الناس صلاتك وفق السنة وإذا أكلت رءوا أكلك وفق السنة، وإذا قرأت القرآن رءوا قراءتك وفق السنة، وإذا تكلمت، وإذا مشيت...

 

وما يمنعك أن تتعلم كيف كان -صلى الله عليه وسلم- يفعل في أحواله كلها، اقرأ في الشمائل المحمدية، اقرأ زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، فقد ذكر لك كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل على جميع أحواله حتى كأنما جالس معه تراه في جميع أحواله -عليه الصلاة والسلام- في حركاته وسكناته.

 

اسأل الله -تعالى- أن يجعلنا ممن يتبعون سنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- على جميع أحواله، أستغفر الله العظيم استغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن صار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

 

أيها الإخوة الكرام: إن عددًا من الناس اليوم قد يدفع نفسه ويرد سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب تعصبه لمذهبه، فإذا أقبلت إليه بعدما يأكل مثلا لحم إبل ثم يريد أن يقوم إلى الصلاة فتقول له: توضأ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة لما قيل يا رسول الله: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ وإن شئت لا تتوضأ، وقال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم توضأ.

 

فتحدث بهذا الحديث كما وقع لي مع أحدهم في رمضان أقول هذا كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ، فيقول نعم أشكرك يا شيخ لكن أنا مذهبي شافعي!

 

سبحان الله! وإذا كان مذهبك شافعيًّا لا تتبع النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو تقول لأحدهم مثلا يا أخي لا يجوز أن تربي كلبًا عندك في البيت؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، وقال في الحديث الصحيح: "من ارتبط كلبًا لغير صيد أو حراسة نقص من أجره كل يوم قيراط" فيقول لك: نعم، جزاك الله خيرًا، لكن أنا مذهبي مالكي، والإمام مالك يرى جواز ذلك.

 

سبحان الله ! وإذا كان مذهبك مالكيا هل هذا يعني أنك تفعل مثل ذلك، الشافعي -رحمه الله تعالى- هو نفسه يأمر باتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والإمام مالك بل كل الأئمة -رحمهم الله تعالى- كان يؤكدون على مثل ذلك، خذ شيئًا مما كانوا يقولون.. يقول الإمام أبو حنيفة: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، ويقول: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه" لا تأخذ بقولي أنا بشر حتى تعلم ما هو دليلي في ذلك.

 

ويقول أبو حنيفة: "إذا قلت قولا يخالف قول الله -تعالى- وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتركوا قولي".

 

وقال الإمام مالك: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه".

 

وقال الإمام مالك: "ليس أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا يؤخذ من قوله ويترك".

 

أي إنسان يفتي فتاوى، بعض الفتاوى توافق الشريعة وبعضها مخالفة ربما جهلا منه بالحديث، خطأ منه في الاجتهاد، قال: "ما في أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-".

 

وقال الشافعي: "أجمع المسلمون على أنَّ من استبان له سُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد".

 

وقال الشافعي: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوا ما قلت".

 

وقال الإمام أحمد: "من رد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو على شفا هلكة".

 

وقيل للإمام أحمد: يا أبا عبد الله ما تقول في رجل لا يصلي الوتر مع كثرة الأحاديث الحاثة على صلاة الوتر، صلاة الوتر ليست واجبة عموما، لكن توجد أحاديث كثيرة تحث عليها جدًّا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يترك الوتر في سفر ولا حضر، فقيل للإمام أحمد ما تقول في رجل لا يصلي الوتر؟ قال: "أعوذ بالله، هذا رجل سوء" يعني ما دام يعلم بالأحاديث الواردة ومع ذلك لا يهمه ولا يلتفت إليها وهو يعلم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحافظ على الوتر إلا مؤمن" ويعلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى الفجر"، ومع ذلك يقول لا يهمني ذلك، قال "هذا رجل سوء".

 

الشافعي يوما قال له الحميدي واحد من طلابه سأله في مسألة، فالشافعي ما أجاب السؤال حدَّث بحديث مباشرة قال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا..

 

فالرجل يريد مذهب الشافعي، يريد رأي الشافعي في الحديث، فقال: هل تأخذ بالدليل الذي دل عليه أم عندك أحاديث تعارضه، أو الحديث منسوخ مثلا، أو معنى غير معناه الظاهر..

 

قال هذا الرجل بكل طيبة نفس، قال يا أبا عبد الله "وتأخذ به" يعني أنت حدثت بهذا الحديث أنت تأخذ به أم تأخذ برأيك؟ قال فالتفت إلي الشافعي وتغير، قال "وهل رأيتني خرجت من كنيسة وعليَّ زِنَّار؟" يعني أنت تراني نصراني أم تراني مجوسي ألبس الزنار!! قال: "وهل رأيتني خرجت من كنيسة وعليَّ زِنَّار؟، أقول لك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وتسألني أخذ منه أم لا تأخذ"؟! يعني معقول أقول لك الحديث ويكون لي رأي برد هذا الحديث، هذا من شدة اتباعهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ).

 

يقول الإمام الطحاوي -رحمه الله-: "لا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام"، يعني لا يمكن أن يثبت أحد على الإسلام إلا إذا سلم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستسلم لهذه الشريعة.

 

إذا جاءك النص دع عنك كلمات: والله ما دخل مزاجي، والله ما اقتنعت بهذا الحديث، أكيد هذا حديث صحيح، ما أدراكم أن البخاري وهو بينه وبين الرسول سنين ما أدراكم أنه رواه... إلى غير ذلك.

 

كما قال لأحدهم مرة في مجلس وسأل رجل عن جواز الأخذ من الأظافر والشعر في عشر ذي الحجة فحدثتهم بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث ابن عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره"، والحديث في البخاري ـ ورواياته متعددة.

 

فقال رجل جالس ما هذا الحديث؟ قلت سبحان الله هذا حديث كيف تريدني أكتبه لك ولا أشرحه لك، ماذا تريد؟! هذا حديث، قال أحاديثكم كلها ضعيفة، قلت كيف ضعيفة أقولك رواه البخاري، قال وين رواه البخاري أحادثكم ضعيفة، فقلت طيب أريدك أن تشرح لي كلمة حديث ضعيف، بيِّن للجالسين ما معنى كلامك الذي تقوله يدل أنك طالب علم وبارك الله فيك ما دام تعرف الصحيح والضعيف علمني ما معنى حديث ضعيف، فسكت لا يدري، قلت خبرني، والتفت إليه الناس وقالوا يلا خبر الشيخ ما معنى حديث ضعيف، فقال: يعني ليس قويا وأشار بيده! هل المسألة مصارعة حديث ضعيف وحديث قوي !

 

قلت طيب خبرني ما هي أقسام الحديث الضعيف، سكت، ما معنى حديث صحيح، سكت، قلت: سبحان الله رجل عمرك فوق الأربعين وتتكلم في كلام لا تعقل معناه؟!

 

ينبغي أيها الأحبة إذا جاءك كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرأة إذا جاءها كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجابها في كل شيء أن نقول سمعنا وأطعنا، سمعنا وأطعنا اقتنعنا ما اقتنعنا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون.

 

أقبل رجل إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- جاءه حجا من اليمن يستفتي قال يا ابن عمر ماذا أفعل إذا أتيت الحجر؟ قال قبِّله، رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلمه ويقبله، قال أرأيت إن زحمت، قال فاستلمه بيدك، قال أرأيت إن لم أستطع؟ قال أشر إليه، قال أرأيت.. وأكثر عليه الافتراضات التفت إليه ابن عمر وقال "إذا جئت حاجًّا فدع أرأيت في اليمن" أرأيت هذه خلها في اليمن، دون احتمالات أعطيتك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فاتبع ولا تبدأ تعطيني اقتراحات.

 

وسأله رجل عن قيام الليل كما عند ابن ماجه فقال له ابن عمر "قال النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الليل مثنى مثتى الوتر ركعة"، حديث واضح ما يحتاج شرح صلي ركعتين ثم أوتر بواحدة، فقال أرأيت إن غلبتني عيني؟ قال: "صلّ ما تيسر لك" قال أرأيت إن نمت؟ أرأيت... أرأيت، فلما جعل يناقش في السنة وهي واضحة، قال "يا رجل إذا أتيت تسألني فاجعل أرأيت عند النجم"، ألقها عنك بعيدا واتبع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

أسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من حزب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين يتبعون سنته بل من الذين يحيون سنته عند إماتتها..

 

 

 

المرفقات

الرسول -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات