الرد على شبهة اتهام المسلمين بالقرصنة البحرية

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

القرصنة البحرية: كلمة القرصنة مشتقة من لفظة قرصان وهي كلمة معربة عن الأصل اليوناني Corsaire ومعناها خوارج البحر الذين يقطعون البحر على السفن المسافرة، ولتحديد معنى القرصنة حسب ارتباط الصفة بالموصوف أي بالطريقة الإجرائية فهي تطلق على كل عمل يقوم به فرد أو جماعة محدودة العدد بهجوم مسلح في البحر...

 

 

 

 

 

دأَبَ المستشرقون الأوروبيون-ومن لفَّ لفَّهم ودار في فلكهم-على تشويه الدين الإسلامي بشتى الطرق، ورميه بكل نقيصة ومذمة، ظنًا منهم أنهم سيطفئون نور الله -عز وجل-ويصدون الناس عن سبيله.

 

ويعتبر الجهاد الإسلامي من أكثر أركان الدين تعرضًا للتشويه والنقد والذم من قبل المستشرقين وأذنابهم، فوصفوه بأنه: دموية، ووحشية، وإجبار، للناس على ترك معتقداتهم، وقالوا: إن الإسلام قد انتشر بحد السيف، ومن المستشرقين صنْفٌ ماكرٌ يحاول مناقشة فكرة الجهاد من نواحي استراتيجية، كما ذهب لذلك المستشرق "أنتوني نتنج" وهو يصف الحملات الإسلامية وما أثمرته من فتوحات واسعة بأنها كانت: غارات عشوائية بلا أهداف محددة، وكذلك ذهب المستشرق" فليب حتى" وأضاف: أن الجهاد الإسلامي كان عبارة عن غارات لتنفيس الروح الحربية المتأججة في قلوب أبناء القبائل .

 

ومن الشبهات الخبيثة التي ألقاها المستشرقون على تاريخ الإسلام وحضارته وأدواته: وصف الجهاد البحري-الذي قام به المسلمون في أعالي البحار والمحيطات-بأنه قرصنة وسلب ونهب وقتل بشع، وهذه الشبهة-تحديدًا-ساهمت–بقوة-في رسم الصورة السيئة والمخيفة للمسلمين عامة، وسكان الشمال الإفريقي والمغرب العربي خاصة، حتى أن شبهة القرصنة تلك، قد مثلت أحد أبرز أسباب العداء بين نصارى أوروبا-خاصة أسبانيًا وإيطاليا-والعالم الإسلامي، وأفاض المستشرقون في التشويه لصورة الجهاد البحري حتى كُتبتْ الروايات، والقصص، والأشعار في ذلك، وأصبح الحديث عن القرصنة من أدبيات الثقافة القومية والشعبية في أوروبا-حتى وقتنا الحالي-ودخلت أفلام العرض السينمائي على خط التشويه، ففي سلسلة أفلام: "قراصنة الكاريبي" الشهيرة، والتي حققت شهرة مدوية وإيرادات مهولة، كان اسم القرصان الشرير فيها "بابروسا" وهو على اسم أمير البحار العظيم، وقبطان الأساطيل العثمانية الأشهر "خير الدين باشا بابروسا" الذي حقق انتصارات عالمية على الأساطيل الإسبانية والإيطالية، وقهر شاركان إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة.

 

لذلك كان من الواجب علينا وعلى كل المتخصصين، الرد على هذه الشبهة الخطيرة حتى لا ينساق المسلمون ورائها، ويصدقوا الأكاذيب، والأباطيل عن دينهم، وحضارتهم، وتاريخهم.

 

 الجهاد البحري الإسلامي:

 

       

 

القرصنة البحرية: كلمة القرصنة مشتقة من لفظة قرصان وهي كلمة معربة عن الأصل اليوناني Corsaire ومعناها: خوارج البحر الذين يقطعون البحر على السفن المسافرة، ولتحديد معنى القرصنة-حسب ارتباط الصفة بالموصوف-أي بالطريقة الإجرائية فهي تطلق على كل عمل يقوم به فرد أو جماعة محدودة العدد بهجوم مسلح في البحر مستخدمين السفن المسلحة لسلب ما تحمله سفن الغير، دون أن تكون هناك عداوة سابقة، أو حروب معلنة بين الطرفين، أي: بدون وجه حق من رد عدوان أو ثأر لعمل سابق.

 

الجهاد البحري الإسلامي: هو هجوم السفن الإسلامية ضد السفن النصرانية وغيرها، في أي موضع على وجه الأرض؛ لامتداد شعيرة الجهاد في كل أنحاء الأرض برًا وبحرًا، وذلك لرد الاعتداءات، وإزالة القوى المعادية؛ لسماع ونشر دعوة الحق.

 

ومع دخول القرن الثالث الهجري بلغ نشاط المتطوعة البحرية أوجُّ قوته، حيث نجح المتطوعة-وكان معظمهم من أهل قرطبة-في فتح جزيرة كريت (أقريطش) وأقاموا بها حضارة إسلامية عظيمة، ولم تلبث كريت أن تحولت إلى أكبر قاعدة إسلامية بغزو جنوب أوروبا وسواحل الدولة البيزنطية.

 

ومن مظاهر قوة النشاط البحري للمتطوعة، نزول جماعة من غزاة البحر-المسلمين-بالنزول في دلتا( نهر الرون) في فرنسا وأنشأوا قاعدة عسكرية؛ انطلقوا منها للإغارة على فرنسا وشمال إيطاليا وسويسرا، وفيما بين سنتي 278هـ - 281هـ تمكنت جماعة من غزاة البحر المسلمين من الأندلسيين من النزول في خليج (سان تروبنر) على شاطئ بروفانس في جنوبي فرنسا، وتحصنوا في جبل (فراكسنتوم) المطل على الخليج، وتضخم أعداد المتطوعين بها، واتسمت غاراتهم بالجراءة، حتى مدوا نشاطهم إلى سفوح جبال (الألب) وملكوا نواحي الممرات المتجهة إلى روما، حتى أنهم قد أغاروا على روما وفتحوا المدينة القديمة، وكادت روما أن تقع في أيديهم، واضطر "بابا روما" لدفع الجزية لهم حتى يعودوا عنها.

 

ظل المتطوعون الأندلسيون متمركزون في قاعدة (فراكسينتوم) فترة طويلة من الزمن، حتى نشأت فرق طيارة منهم؛ تخرج لضربات سريعة في مخارم جبال (الألب)، وفي سنة 328هـ وصل المتطوعون إلى مدينة (سان جالي) في قلب سويسرا، وحاول الأوروبيون الغربيون(الفرنج) صدهم ففشلوا، وفي سنة 332هـ تحالف هوجو "ملك إيطاليا" مع "رومانوس ليكابنيوس" إمبراطور من أجل إخراج هؤلاء المتطوعين الأبطال من قاعدتهم البحرية (فراكسنيتوم)، ولكنهم فشلوا، حتى أخرجهم "أوتو الأول" إمبراطور ألمانيا وهو في نفس الوقت إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة سنة 361هـ، ومع ذلك فلم تكن تلك نهايتهم، بل نجدهم يتفرقون في وديان جبال الألب، وكل فريق يواصل نشاطه حتى ذابوا في السكان مع الزمن واختفوا، وإلى يومنا هذا ما زالت وديان كثيرة في جبال (الألب) الجنوبية في سويسرا تحمل أسماء المغامرين الأبطال من متطوعي الأندلس.

 

ومن وجهة أخرى-غير نشر الإسلام-كان للنشاط البحري وجه آخر، وهو التصدي للعدوان الصليبي الذي بدأ الأسبان والبرتغاليون شنه على العالم الإسلامي، ومن ثَم فإننا نطلق على العمليات البحرية التي قام بها المسلمون في مياه البحر المتوسط ضد سفن أسبانيا والبرتغال، وفرسان القديس يوحنا، طوال القرون الخمسة الأخيرة من الخامس عشر حتى التاسع عشر بأنها: كانت جهادًا إسلاميًا، بدأ كرد على المجازر المروعة، والوحشية التي قام بها الصليبيون ضد مسلمي أسبانيا، بعد سقوط الأندلس، وإصرار الأسبان والبرتغاليين على ملاحقة المسلمين بعد فرارهم من الأندلس إلى عدوة المغرب، وكانت ملكة أسبانيا (إيزابيلا) دائمًا ما تقول لأبناء شعبها: إن تحرير أسبانيا (تعني إخراج المسلمين منها) لا يتم إلا بفتح أفريقيا (أي احتلال بلاد المغرب العربي) وجهاد أبنائها الكافرين (أي المسلمين) في سبيل العقيدة النصرانية.

 

وظهر ذلك الصراع-جليًا-بين الأسبان والبرتغاليين من جهة، وأقطار شمال أفريقيا المسلمة من جهة أخرى؛ باحتلال المدن والموانئ المغربية، فاحتل البرتغاليون مدينة "سبتة" المغربية سنة 1415م، واحتل الأسبان "المرسى الكبير" بالجزائر سنة 1505 ومدنه حجر باديس ووهران وبجاية سنة 1508، ثم احتلوا طرابلس الغرب سنة 1510م ثم تنازلوا عنها لفرسان القديس يوحنا القراصنة سنة 1535م. وكان لدخول الدولة العثمانية ميدان الصراع بين الإسلام والنصرانية في البحر المتوسط ابتداءً من سنة 1518م دور كبير في ارتفاع وتيرة الجهاد البحري.

 

هذه الحقائق التي لا يماري فيها أحد، تفضح أكاذيب المستشرقين وأذنابهم فالتاريخ شهد على أن العديد من المدن المسلمة في المغرب العربي: كانت أسيرة الاحتلال الأوروبي، ومع ذلك يصف المستشرقون والمؤرخون الأوروبيون جهاد المسلمين البحري لتحرير بلادهم ونيل الاستقلال: بأنها عمليات قرصنة، بينما هي في الواقع دفاعٌ مشروع عن الدين، والأرض، والعرض، وجهادٌ إسلامي خالص.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات