الرحمة في الإسلام

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-09-23 - 1444/02/27 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/منزلة الرحمة ومكانتها 2/رحمة الله الواسعة ومظاهرها 3/أسباب نيل رحمة الله 4/من آثار غياب الرحمة 5/بعض المفاهيم المغلوطة في الرحمة.

اقتباس

إِنَّ الرَّحْمَةَ كَمَالٌ فِي الطَّبِيعَةِ، وَجَمَالٌ فِي الْخُلُقِ، يَرِقُّ صَاحِبُهَا لِآلَام الْخَلْقِ، وَيَسْعَى لِإِزَالَتِهَا، وَيَأْسَى لِأَخْطَائِهِمْ وَجُنُوحِهِمْ؛ فَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ، وَيَتَمَنَّى لَهُمُ الْهِدَايَةَ وَالرَّحْمَةَ؛ فَالرَّحْمَةُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-...

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: صِفَةٌ كَرِيمَةٌ، وَعَلَامَةٌ أَصِيلَةٌ عَلَى طيبِ الْقَلْبِ وَصَفَاءِ النَّفْسِ، وَسَلَامَةِ الرُّوحِ، أَلَا وَهِيَ صِفَةُ الرَّحْمَةِ؛ بِهَا يَنْتَشِرُ الْوُدُّ، وَيَتَحَقَّقُ الْإِخَاءُ، وَيَسُودُ الْقِسْطُ، وَبِالرَّحْمَةِ تُرْعَى كَرَامَةُ بَنِي الْإِنْسَانِ، وَيَنْتَشِرُ الْعَدْلُ.. بِهَا تَسْتَعْلِي النُّفُوسُ إِلَى أَصْلِ فِطْرَتِهَا، وَبِفَقْدِهَا يَهْوِي الْإِنْسَانُ وَتَرْتَكِسُ فِطْرَتُهُ إِلَى مَنَازِلِ الْجَمَادِ الَّذِي لَا يَعِي وَلَا يَهْتَزُّ.

 

أَجَلْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-: إِنَّ الرَّحْمَةَ كَمَالٌ فِي الطَّبِيعَةِ، وَجَمَالٌ فِي الْخُلُقِ، يَرِقُّ صَاحِبُهَا لِآلَام الْخَلْقِ، وَيَسْعَى لِإِزَالَتِهَا، وَيَأْسَى لِأَخْطَائِهِمْ وَجُنُوحِهِمْ؛ فَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ، وَيَتَمَنَّى لَهُمُ الْهِدَايَةَ وَالرَّحْمَةَ؛ فَالرَّحْمَةُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَمَلَائِكَةُ السَّمَاءِ تَشْهَدُ بِذَلِكَ وَتَتَضَرَّعُ إِلَى خَالِقِهَا؛ (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ)[غافر:7]؛ بَلِ اللهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَيَشْهَدُ بِرَحْمَتِهِ كُلُّ مَنْ قَرَأَ: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء)[الأعراف:156]؛ إِنَّهَا رَحْمَةُ مَنْ يَقْتَدِرُ عَلَى الْأَخْذِ بِقُوَّةٍ؛ (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ)[الأنعام:147].

 

وَرَحْمَةُ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُ كَائِنٌ إِمْسَاكًا لَهَا أَوْ إِرْسَالًا؛ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ)[فاطر:2].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَرَحْمَةُ رَبِّي شَامِلَةٌ لِلْحَيَاةِ وَالْأَحْيَاءِ لِبَنِي الْإِنْسَانِ وَالْجِنِّ وَالْحَيَوَانِ؛ لِلْمُتَّقِينَ وَالْفُجَّارِ، لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَفِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَظَاهِرُ هَذِهِ الرَّحْمَةِ يُدْرِكُهَا مَنْ يَتَأَمَّلُ كِتَابَ اللهِ أَوْ يَنْظُرُ فِي مَلَكُوتِ اللهِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

تَسْخِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِيمَا يَنْفَعُ الْعِبَادَ؛ (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)[القصص:73].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ: رَفْعُ الْبَلَاءِ، وَإِنْ جَحَدَ الْمُبْتَلَوْنَ؛ (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا)[يونس: 21].

 

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ اللهِ: رَفْعُ الْحَرَجِ لِمَنْ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ حَاجَةٌ؛ (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة:91]، (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[البقرة:173].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِهَا: قَبُولُ التَّوْبَةِ لِلْمُذْنِبِينَ؛ (فتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة:37]، وَلَيْسَتْ قَصْرًا عَلَى آدَمَ وَحْدَهُ، بَلْ تَشْمَلُ غَيْرَهُ؛ (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة:74].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ اللهِ -أَيْضًا-: إِنْزَالُ الْغَيْثِ؛ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)[الشورى:28].

 

فَأَيُّ حَدٍّ لِرَحْمَةِ اللهِ! وَتَقْدِيرُهَا أَزَلِيٌّ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ؛ كَمَا قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ يَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ عَنْ أَسْبَابِ نَيْلِ رَحْمَةِ اللهِ؟ وَالْجَوَابُ نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَمِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مَا يَلِي:

الْإِيمَانُ بِاللهِ؛ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)[النساء:175].

 

وَتُنَالُ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِهِ؛ (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران:132]، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ)[الأعراف:156-157].

 

وَتُنَالُ بِالْإِحْسَانِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:56].

 

وَتُنَالُ بِالصَّبْرِ؛ (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة:156-157].

 

وَتُنَالُ بِالْمُجَاهَدَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ)[التوبة:20-21].

 

وَتُنَالُ رَحْمَةُ اللهِ بِرَحْمَةِ الْخَلْقِ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".

 

عِبَادَ اللهِ: تَلَمَّسُوا أَسْبَابَ نَيْلِ رَحْمَةِ اللهِ تَسْعَدُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاحْذَرُوا مِنْ غِيَابِهَا وَانْتِزَاعِهَا فَتَحُلُّ الْآثَارُ الْمُؤْلِمَةُ وَالْعَوَاقِبُ الْمُوجِعَةُ، وَالَّتِي مِنْهَا:

حِرْمَانُ رَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ: "لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ"، كَمَا أَنَّ مِنْ آثَارِ غِيَابِ الرَّحْمَةِ بَيْنَ الْخَلْقِ: حُصُولَ الشَّقَاءِ؛ كَمَا قَالَ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ"(حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللهِ: فَهَذِهِ رَحْمَةُ اللهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَى الْأَرْضِ لِيَتَرَاحَمَ بِهَا النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَرْحَمُوا بِهَا مَنْ دُونَهُمْ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهِيَ رَحْمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَصْلِ مِائَةِ رَحْمَةٍ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ -تَعَالَى-؛ كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ:" إِنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تِلْكَ رَحْمَةُ اللهِ بِصُورَتِهَا الشَّامِلَةِ الْوَاسِعَةِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَبْلَ الْخِتَامِ نَوَدُّ أَنْ نُنَبِّهَ إِلَى بَعْضِ الْأَفْهَامِ الْخَاطِئَةِ فِي شَأْنِ الرَّحْمَةِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ:

ظَنُّ بَعْضِ سُفَهَاءِ الْأَحْلَامِ: أَنَّ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا يُسْقِطُ بَعْضَ حُدُودِ اللهِ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ مَحْظُورًا؛ كَالْقِصَاصِ فِي الْقَتْلى وَجَلْدِ الزُّنَاةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[النور:2].

 

وَمَنْ تَأَمَّلَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فِي رَحْمَةِ اللهِ -تَعَالَى- الْوَاسِعَةِ يَجِدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَنَانًا لَا عَقْلَ مَعَهُ، أَوْ شَفَقَةً تَتَنَكَّرُ لِلْعَدْلِ وَالنِّظَامِ؛ كَلَّا! إِنَّهَا عَاطِفَةٌ مُتَّزِنَةٌ تَرْعَى الْحُقُوقَ كُلَّهَا، وَتُقِيمُ وَزْنًا لِمَصْلَحَةِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالْأُمَّةِ.

 

فَتَرَاحَمُوا -يَا عِبَادَ اللهِ-، وَانْشُرُوا بَيْنَكُمُ الرَّحْمَةَ، وَارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

المرفقات

الرحمة في الإسلام.pdf

الرحمة في الإسلام.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات