الرجبية

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-12-27 - 1446/06/25 2025-01-02 - 1446/07/02
عناصر الخطبة
1/التحذير من الابتداع في الدين 2/ تعظيم الأشهر الحرم 3/تعريف الأشهر الحرم 4/هل لشهر رجب مزايا وخصائص معينة؟ 4/التحذير من الرجبية 6/صلاة الرغائب من بدع شهر رجب 7/التذكير بقضاء الصيام الفائت.

اقتباس

وشهر رجب ليس له مزيَّة عَلَى غيره من الشهور بعبادة، وَإِنَّمَا هو شهرٌ حرَّمه الله... ولم يخصَّ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- شهر رجب بمزيد عبادة، لا بصيامٍ، ولا بصدقةٍ، ولا بصلاةٍ، ولا باحتفال، ولا بغير ذلك...

الخطبةُ الأولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: استمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فإنَّ أجسادنا وَإِيَّاكُمْ عَلَى النَّار لا تقوى.

 

واعلموا -عباد الله- أنَّ أعظم ما تقرب به العُبَّاد إِلَى الله -جَلَّ وَعَلَا- هو ما شرعه عَلَى لسان نبيه مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وأن شرّ ما يُفضي به العباد إِلَى ربهم ما ابتدعوه وأحدثوه في دينهم مِمَّا لم يشرعه -سُبْحَانَهُ- أو لم تشرعه رسله -عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

 

وأعظم ذلك -يا عباد الله- مِمَّا لم يشرعه الله، بل مِمَّا أحدثه النَّاس، أعظم ذلك: الشِّرْك بالله بأنواعه ووسائله وغاياته؛ (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى: 21].

 

 وأعظم ما أمر الله به، وجاءت به رسله -عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- هو توحيد الله -جَلَّ وَعَلَا-، وإنه مِمَّا بقي عند العرب من آثار دين إبراهيم الخليل -عليه وعَلَى نَبِيِّنَا وأنبياء الله أفضل صلاةٍ وأفضل سلامٍ-، تعظيم الأشهر الحرم.

 

والأشهر الحرم هي ثلاثة متواليات: شهر ذو القعدة، وشهر ذو الحجة، وشهر الله المحرَّم، وَالرَّابِع: شهر رجب الفرد، الكائن بين جمادى وشعبان، وقد نسبه النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مُضَر؛ لأنَّ مُضَر هذَا الجد العظيم من ولد عدنان كانوا يزيدون عَلَى عموم العرب في تعظيم هذَا الشهر، شهر الله رجب، شهر رجب المُحرَّم.

 

 وشهر رجب -يا عباد الله- ليس له مزيَّة عَلَى غيره من الشهور بعبادة، وَإِنَّمَا هو شهرٌ حرَّمه الله، أي: زاد فيه في شأن تحريمه، فقد قَالَ الله -جَلَّ وَعَلَا- في الأشهر الحرم كلها: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36]؛ نعم لأن الظُّلْم فيها مُضاعَف في كيفيته وفي قدره؛ لأنه شهرٌ حرام.

 

ولم يخصَّ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- شهر رجب بمزيد عبادة، لا بصيامٍ، ولا بصدقةٍ، ولا بصلاةٍ، ولا باحتفال، ولا بغير ذلك، وَإِنَّمَا كان يخص الصِّيَام -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في شهر شعبان، الكائن بعد رجب، وكذلك فضل صيام شهر الله المحرَّم، فقد سُئل عن أفضل الصِّيَام -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ فَقَالَ: "أفضل الصِّيَام بعد رمضان: صيام شهر الله المُحرَّم"، وقالت عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "كان النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يصوم شعبان كله، أو يصوم شعبان كله إِلَّا قليلاً"(أخرجاهما في الصحيحين).

 

فلم يُخص هذَا الشهر بعبادة، يخصها بها النَّاس، حَتَّى صارت عندهم عُرْفًا وعلمًا بالعبادة الرجبية، حَتَّى تزدحم بهم المساجد المعظمة، كالحرمين الشريفين، وَهذَا لا أصل له في هذَا الشهر، إِلَّا عند أهل البدع المخالفة لما بعث الله به رسوله مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

ولم يحتفل -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في شهر رجب بليلة إسرائه ومعراجه، هذِه الآية الَّتِي هي من آيات صدقه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في هذِه المعجزة العظيمة؛ حيث في ليلة واحدة أُسري به من مكة إِلَى بيت المقدس، ثُمَّ في تلك الليلة عُرج به إِلَى السَّماوات السبع، حَتَّى بلغ الجبار -جَلَّ وَعَلَا- وهو فوق عرشه فوق سبع سماواته.

 

وافترض الله عليه أعظم فرائض دينه، بعد توحيده -سُبْحَانَهُ-، وهي الصلوات الخمس، افترضها عليه لمَّا عُرج به -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ربه، ففيها مزيَّة هذِه الفريضة، وفيها عظمها، وفيها هذَا الشرف لنبينا ولأمته بهذا الإسراء والمعراج، ومع ذلك لم يُقِم فيه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- احتفالاً، ولا مهرجانًا، بل ولم يثبت أنَّ هذَا الإسراء والمعراج كان في ليلة السَّابِع والعشرين من رجب.

 

وَمِمَّا كان عند النَّاس من البدع في هذَا الشهر: صلاة الرغائب، في ليلة أول جمعة من رجب. وتخصيص هذه الليلة بإحيائها وقيامها من بين سائر الليالي؛ من البدع المحدثة الَّتِي لم يشرعها الله ولم يشرعها رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

 فاحذروا المحدثات في دينكم، واحذروا البدع في دينكم وعقائدكم يا عباد الله؛ لتسلم لكم سُنة نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وتلقوا ربكم بها، ثُمَّ تَرِدُوا حوضه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

 واعلموا أنَّ مِمَّن يُمْنَع ويُزاد من ورود حوضه في ذلك اليوم العصيب، في ذلك العطش الشديد أقوامٌ أحدثوا في دينه ما لم يشرعه؛ فإنَّ الملائكة تمنعهم، فيقول: "إنهم أمتي أمتي، فتقول الملائكة: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك".

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي أعاد مواسم الخيرات عَلَى عباده تترى، فلا ينقضي موسم إِلَّا ويعقبه آخر مرةً بعد أخرى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، أولي المكرمات والنهى، ما طلع ليلٌ وأقبر عليه نهارٌ وأدبر وأضحى.

 

أَمَّا بَعْدُ:  يا عباد الله: هذَا رجب وما أسرع أن ينقضي، وبعده شعبان، ثُمَّ سيهلّ عَلَى المؤمنين، سيهل عَلَى عباد الله روح من روح الله -جَلَّ وَعَلَا- بصيام رمضان، وقبل ذلك لَا بُدَّ من التهيؤ له، فمن كان عليه صيام قضاء من رمضان الماضي؛ فليبادر الآن إِلَى قضائه والمسارعة فيه قبل قدوم رمضان الجديد عليه.

 

ثُمَّ اعلموا أنَّ من النَّاس من قد يفرّط ويسوِّف، حَتَّى إذا بقي عَلَى رمضان أيام معدودة لا تكفي لصيامه، أشغل المشايخ بالاستفتاءات في هذَا الأمر، فبادروا -عباد الله- بتفقد أنفسكم، وتفقد أهليكم، ولا سيما نساءكم ممن عليهنَّ قضاء من رمضان الماضي، فليبادر الجميع إِلَى صيامه وقضائه، وليبادروا إِلَى ذلك، مع أنَّ الوقت -وَالحَمْدُ للهِ- وقت اعتدال وبارد في النَّهَار، وقِصَر في النَّهَار وطول في اَللَّيل، فالمبادرة إِلَى هذَا الصِّيَام أمر متأكد، ويزداد وجوبًا إذا قرُب من رمضان بقدر الأيام الَّتِي عليه.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذلاً تذلُّ به الشِّرْك والبدعة والكفر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أبرم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا في دورنا، اللَّهُمَّ آمنَّا في قلوبنا وديننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الوباء، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا وعن المسلمين الوباء، والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذَا خاصة، وعن بلدان المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا، اللَّهُمَّ من ضارّنا أو ضارّ المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد لنا فكد عليه يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين.

 

 اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصبٍ.

 

اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ ارحم هؤلاء الشيوخ الركع، وهؤلاء الأطفال الرضع، وَهذِه البهائم الرتع.

 

اللَّهُمَّ رحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، فلا تمنعنا إياها بفضلك يا ذا الجلال والإكرام.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

 

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.

 

المرفقات

الرجبية.doc

الرجبية.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
03-01-2025

من احسن مايكون جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء