الربا والديون الخارجية

ناصر بن محمد الأحمد

2013-09-24 - 1434/11/18
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/انتشار وباء التعامل بالربا 2/تحريم الربا في جميع الشرائع 3/ تحريم الإسلام للربا وتحذيره منه 4/وعيد المتعاملين بالربا 5/مفاسد الربا ومخاطره 6/عصمة المسلمين الأوائل من التعامل بالربا 7/الأعداء ينشرون الربا بين المسلمين 8/الارتباط الوثيق بين الديون الخارجية والربا 9/أرقام وإحصائيات حول أزمة الديون في الدول النامية 10/وسائل حل أزمة الديون الخارجية

اقتباس

جاء الإسلام مؤكداً ذلك التحريم الوارد في الديانات السابقة مشدداً فيه، فآذن متعاطي الربا بالحرب من الله ورسوله -صلى الله عليه -، ولعن آكله وموكله، وشاهديه وكاتبه، وعده من.. فكم من الرؤوس ستقطع في وقتنا هذا إذا طبقنا تلكم الآية على من يتعاملون بالربا؛ أخذاً وعطاءً، أو رضاً، أو إقراراً، أو تعاملاً، أو تهاوناً...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله....

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن من أعقد المشاكل التي تعرضت لها شعوب العالم "مشكلة الربا"، وما تزال ترزح تحت وطأة الربا والمرابين.

 

ولقد عم التعامل به حتى لا يكاد يسلم منه أحد، وذلك مصداق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام أحمد وغيره: "يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا" قيل له: الناس كلهم، قال: "من لم يأكله منهم ناله من غباره".

 

وقد تحقق ذلك في عصرنا الحاضر، فالناس يأكلون الربا ومن لم يأكله ناله من غباره، حتى صار الربا بلاء هذا العصر.

 

عباد الله: لقد جاء تحريم الربا قبل الإسلام في اليهودية وغيرها من شرائع العهد القديم، وذلك واضح من قوله تعالى: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ)[النساء: 161].

 

إلا أن اليهود حرفوا فحرّموه بينهم، وأباحوه مع غيرهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 75].

 

واشتمال شرائع الأنبياء قبلنا على تحريم الربا مشهور مذكور في كتاب الله -تعالى- كما تقدم، وكما في قوله -تعالى- في قصة شعيب مع قومه: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء)[هود: 87].

 

ثم جاء الإسلام مؤكداً ذلك التحريم الوارد في الديانات السابقة مشدداً فيه، فآذن متعاطي الربا بالحرب من الله ورسوله -صلى الله عليه -، ولعن آكله وموكله، وشاهديه وكاتبه، وعده من السبع الموبقات.

 

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 130].

 

ففي هذه الآية دلالة قاطعة على تحريم الربا، وبيان قبحه، وما فيه من ظلم شديد يؤدي إلى أن يأخذ الدائن الدين أضعافاً مضاعفة، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ) [البقرة: 275] إلى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278-279].

 

هذه الآيات من أواخر القرآن نزولاً، وقد جاء هذا السياق بعد سياق يصف حال المؤمنين الذين ينفقون أموالهم سراً وعلانية ومالهم من النعيم المقيم وعدم الخوف والحزن يوم القيامة، جاء هذا السياق ليبين لنا حال آكلي الربا يوم القيامة، وأنهم يقومون من قبورهم كما يقوم المصروع حال صرعه، وتخبط الشيطان له.

 

وهذا الوعيد ليس خاصاً بالأكل، قال ابن جرير الطبري: "وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل، إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآيات كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا، فذكرهم بصفتهم معظماً بذلك عليهم أمر الربا، ومقبحاً إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم.

 

وفي قوله جل ثناؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 278].

 

ما ينبئ على صحة ما قلنا في ذلك، وأن التحريم من الله وفي ذلك لكل معاني الربا، وأن سواءً العمل به أكله وأخذه وإعطاؤه كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ا. هـ.

 

عن جابر -رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، ومؤكله وكاتبه، وشاهديه" وقال: "هم سواء" [رواه مسلم].

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" [متفق عليه].

 

أيها المسلمون: إن أمة القرآن والمناداة بقول الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 278].

 

والمنذرة بقوله سبحانه: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)[البقرة : 279].

 

وقوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[البقرة: 275].

 

المتعاملة والمتقاضيه فيما بينهما بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا".

 

إن الأمة حسبها أن تتذكر جيداً أن من قال هذا في ذلكم الموقف هو القائل فيه: "كل الربا من ربا الجاهلية فهو موضوع بين قدمي هاتين، وأول ربا أضعه ربا عمي العباس".

 

أيها المسلمون: إن الآية التي يُقاضى عليها في هذه البلاد في من قطع طريقاً، أو عبث بأمن أو كان من مهربي المخدرات هي قوله سبحانه: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ)[المائدة: 33].

 

إن هذه الآية يُستدل بها على من سعى في الأرض فساداً، أو حارب الله ورسوله بأنه نوع من أنواع المحاربة.

 

وبالتأمل فيها نرى أنها تشمل أيضاً جاحد الربا وفاعله على بصيرة بدون جحود.

 

إن آية المحاربة فيها: (يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) [المائدة: 33].

 

وآية الربا فيها: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)[البقرة: 279].

 

وقد نبه على هذا شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله تعالى-[الفتاوى 28/470-471)].

 

فكم من الرؤوس ستقطع في وقتنا هذا إذا طبقنا تلكم الآية على من يتعاملون بالربا؛ أخذاً وعطاءً، أو رضاً، أو إقراراً، أو تعاملاً، أو تهاوناً.

 

أيها المسلمون: إن الربا يؤدي إلى إفساد الصلات والمكاسب، والمطاعم والمشارب، الذي قد يؤدي إلى عدم نفع الأعمال، وقبول الدعاء، وحصول التأييد والنصر على الأعداء، وبهذا عُلِل وجود آية الربا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً)[آل عمران: 130].

 

بين عدد كثير من آيات الجهاد التي نزلت في غزوة أحد في سورة آل عمران، إيماءً إلى أن من أسباب قبول الأعمال، وحصول النصر، تطهير الأموال التي تنفق في العبادات التي من أفضلها الجهاد في سبيل الله، وتطهير الأبدان التي تصدر منها تلك العبادات: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً".

 

أيها المسلمون: لقد عُصم المسلمون في الماضي من وباء الربا الذي يدمر المجتمعات الإنسانية بإفساد أخلاق أهلها، وقتل الصفات الفاضلة فيهم، وإحياء الصفات الذميمة، بحيث تصبح المجتمعات الإنسانية مرتعاً للكراهية والحقد والبغضاء، وميداناً للتنافس المذموم الذي تغتال فيه القيم وتعربد فيه الشهوات.

 

وحفظت أموال الأمة الإسلامية التي جعلها الله قياماً للمسلمين من أن يسيطر عليها المرابون، الذين يغتالون ثروات الشعوب، ويدمرون اقتصادها، ووجد المرابون أن اعتصام المسلمين بدينهم وابتعادهم عن التعامل بالربا، جدار صلب يقف في وجه مطامعهم الخبيثة.

 

ولقد حطمت الهجمة الشرسة التي شنها عباد الصليب على الديار الإسلامية بناء المسلمين المتداعي، وقد كان من آثارها المدمرة إقصاء الشريعة الإسلامية عن الحكم، وإبعاد الإسلام عن الهيمنة على حياة المسلمين، وإفساد مناهج التعليم، وتربية رجال هذه الأمة وفق مناهج الكفر، وكان من جراء ذلك انتشار الأمراض الخلقية والاجتماعية في ديارنا، وقام أولئك الذين رضعوا فكر الكفار وتغذوا بسمه الزعاف ينادون المسلمين كي يأخذوا قاذورات أوروبا، ويمتزجوا بحضارتها، وينصهروا في ثقافتها، وقال داعيتهم "طه حسين" يخاطب هذه الأمة: "سبيل النهضة بينة واضحة مستقيمة، ليس فيها عوج ولا التواء، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يُحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب".

 

دعوة صريحة واضحة إلى الضلال والكفر، وإلى الانسلاخ من القيم الإسلامية، والأحكام الشريعة، ولم يكتف الكفار بتنصيب طائفة من الذين هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، رجال فكر، ودعاة إصلاح، ليقودوا الأمة إلى الهاوية، بل وصلت أمراضهم الفكرية إلى بعض علمائنا المسلمين الذين تأثروا بما يطرحه المستشرقون، ودعاة الكفر بنسب متفاوتة.

 

لقد حزّ في نفوسهم أنهم وجدوا المسلمين بعد أن زال سلطانهم، لا يزالون يتمسكون بالإسلام، ويحرمون الربا، والربا أحد المنافذ التي تمكّن الأعداء من ثرواتنا، فما كان منهم إلا أن أغرقونا بسيل من الشبهات، وقد استعانوا في سبيل ذلك بتحريف النصوص، وتأويلها، لتوافق الضلال الذي يريدونه، واستخدموا في سبيل نشر ذلك بين المسلمين كل الوسائل والمخترعات الحديثة: الصحافة والكتب والنشرات، والمحاضرات والندوات، والإذاعة والتلفاز، وغير ذلك، ووقع عوام المسلمين في بلبلة وفتنة عظيمة، بل تعدت الفتنة العوام إلى المثقفين.

 

وعمل الذين أضلهم الله على علم، والذين اتبعوهم على جهل جاهدين على إقرار الأنظمة الربوية، وإقامة المؤسسات والبنوك الربوية في ديار المسلمين، وظن بعض هؤلاء أنهم هدوا للطريق التي ترقى بها أمتهم.

 

وها نحن اليوم بعد أن انتشر الربا في ديار المسلمين انتشار السرطان في الجسد، ولا زلنا نعاني من التخلف والقهر والاستعباد، ولا يزال أباطرة المال أكلة الربا يربضون على قلب الأمة الإسلامية في كل بشر من أراضيها.

 

لقد بلغ الحال بالأمة أن يقوم في بعض ديارها إتحاد ليس له هدف إلا ترويج الربا بين المسلمين، وأصدر هذا الإتحاد مجلة لتحقيق هدفه الخبيث، وكان ذلك في أوائل القرن الرابع عشر الهجري في الهند.

 

فنسأل الله أن يهدي ضال المسلمين...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن أسوأ حالات الإفلاس التي يمر بها الإنسان هي تلك الحالة التي يستدين فيها الإنسان ليأكل، حيث يتضاعف عجزه في كل يوم عن بلوغ مستوى من الحياة الكريمة.

 

وهذا هو حال الدول التي استمرأت الربا ومدت يدها إلى المصارف والمؤسسات المالي لتطعم شعوبها -زعموا- فكانت النتيجة؛ كما قال المولى -جل وعز-: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 276].

 

أيها المسلمون: إن هذه القضية من أعظم وأخطر القضايا التي تواجه دول العالم أجمع في مسألة الربا، وهي ما يسمى بالديون الخارجية.

 

إن الديون الخارجية على الدول، بل قل بوضوح إن الربا لم يعد ماحقاً لمالية الدول الإسلامية والعربية، بل إنه ليهدد اليوم أغنى الدول وأكثرها تمكناً في الأرض أمريكا، حيث يرى عدد من الباحثين الغربيين قرب عجز الحكومة الأمريكية عن سداد فوائد الديون على خزانتها، ليؤدي ذلك إلى ركوع سيد العملات الدولار- وربما انهيار النظام المصرفي العالمي كله.

 

وإليكم طرفاً من قصة الديون الخارجية التي أثقلت كاهل العالم الإسلامي عند لقمة القوت اليومية للشعوب الإسلامية، وعلى حرية قرارها السياسي، وعلى أمنها واستقرارها.

 

تبدأ حكاية الديون الخارجية بالسندات الربوية الداخلية التي صدرت سنة 1840م في الدولة العثمانية، حيث جعلت فائدة قدرها 8%.

 

واشتهرت تلك السندات وقتها باسم "التوائم".

 

وفي عام 1857م بدأ تدعيم التوائم بإصدار سندات جديدة، كانت تأتي في الوقت نفسه بفوائد وديون جديدة على الدولة.

 

كانت تلك السندات تُكوّن الإطار الذي يُمكّن الدولة أن تقترض من خلاله من الخارج.

 

ومن ثم فإننا نجد أن الديون الخارجية للدولة العثمانية كانت في عام 1858م تساوي خمسة ملايين ونصفاً من الليرات التركية.

 

وسلكت الولايات التابعة لتركيا المسلك نفسه، فبدأت الديون تتراكم عليها، فكانت ديون تونس عام 1859م نحواً من 12 مليون فرنك فرنسي، وهذا الرقم كان قبل أكثر من 150 سنة.

 

وحجم ديون مصر عام 1861م أي قبل 152 سنة كان نحواً من 7 ملايين جنيه استرليني.

 

وهذه الأرقام ما زالت في ازدياد، حتى يومنا هذا، ومعنى هذا أن مسألة الديون الخارجية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل مشاكل الدول، بل تزيدها تعقيداً، وركوعاً للدائن، وإلا فما تفسير أن تبقى دول في مشكلة واحدة أكثر من مائة وخمسين سنة، فباقي المشاكل كم تحتاج من الوقت لحلها.

 

أما تفسيرنا نحن فهو تفسير واحد:(يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 276].

 

لماذا جاء المحق وقلة البركة وغلاء الأسعار والأزمات الاقتصادية؟

 

لأن هذه الدول دخلت أبواب الربا من أوسع أبوابه.

 

أيها المسلمون: إليكم بعض الأرقام لتدركوا حجم وخطورة هذه القضية، وكلها أرقام عند الدول النامية، أو ما يسمى بدول العالم الثالث، وبالمناسبة فليس هناك رابع.

 

في عام 1955م كان إجمالي ديون 34 دولة نامية حسب تقرير البنك الدولي للإنشاء والتعمير هو 6 مليار دولار.

 

وقد قفز هذا الرقم إلى 59 مليار بعد أربع سنوات فقط، وفي سنة 83م وصل إجمال الديون الخارجية إلى 630 مليار دولار ليصل في عام 87م إلى 1080 مليار، وهكذا تضاعفت ديون ما يعرف بالعالم الثالث ما يقرب من 180 ضعفاً خلال عالم 32 سنة فقط.

 

ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن هذا الرقم هو للديون التي لم تدفع، فماذا حسبنا الديون التي دفعت والفوائد الربوية التي سددت عليها لكان المبلغ أكبر من ذلك بكثير.

 

أما ما يخص ديون دول العالم الإسلامي، ففي عام 78م كان أكثر من 82 مليار دولار، وقفز هذا بعد خمس سنوات إلى 144 مليار، وواصلت ارتفاعها لتصل عام 86م إلى 230 مليار دولار، وتدفع عنها فوائد ربوية سنوية تقدر بنحو 10 مليارات، أي زادت خلال 8 سنوات بنسبة 218% على الرغم من كل ما سدد من أصول تلك الديون وفوائدها.

 

أيها المسلمون: إن المشكلة الاقتصادية لم تعد هي الديون الخارجية في حد ذاتها، حيث يمكن أن يقال: أنها عبارة عن أرقام، ولكن المشكلة أنها صارت هذه الديون تلتهم نسبة كبيرة من صادرات الدول الإسلامية، بل زادت على الصادرات في بعض الأحيان، مما يجعل العجز عن الوفاء بها أمراً محتماً، فأصبحت تمثل بالنسبة لما شبحاً مخيفاً ماثلاً أمامها دائماً، وصدق الله العظيم: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)[البقرة: 279].

 

وبعضها صار يأتي على جميع الصادرات دون أن تفي بها، ليكون كل ما يستورد عن طريق قروض جديدة، وفوائد جديدة؛ تتوارثها الأجيال.

 

ثم من الذين يتحمل سداد هذه الديون؟

 

إنهم مئات الملايين من المسلمين الذين يكدحون كل يوم من أجل سداد فوائد الديون الخارجية.

 

فتسأل ما هو الحل؟

 

يجب أن نعلم أولاً بأن الربا والديون الخارجية والوسائل المحرمة لم تكن أبداً حلاً للأزمات، والله -عز وجل- لم يحرم شيئاً إلا وهو ضار للبشرية.

 

فالذي ينبغي أن تبدأ الدول وتنطلق من واقع إمكانيتها الذاتية، تبدأ بداية بسيطة متواضعة، وإن كان هناك شيء من الفقر، تتحمل الشعوب ذلك، وتبدأ في تطوير إمكانياتها ولو بحِرفٍ وأشياءٍ بسيطة، حتى يفتح المولى -جل وتعالى- من بركاته عليهم إذا علم صدقهم وإخلاصهم.

 

أما الاستدانة المحرمة من أجل اللحوق بركب الحضارة؛ كما يقال، فهذا يصادم السنن التي أوجدها الله، وكل مصادمة لهذه السنن فالنتيجة الدمار والهلاك، بل: (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)[البقرة: 279].

 

اللهم...

 

 

 

 

المرفقات

والديون الخارجية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات