الرؤيا

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ كثرة وقوع الناس في مهاوي الأحلام 2/ الموقف الشرعي من الرؤى والأحلام 3/ أقسام ما يراه العبد في منامه 4/ فضل الرؤيا الصالحة 5/ الآداب المطلوبة ممن رأى رؤيا أو حلمًا 6/ صدق الرؤيا في آخر الزمان وأصدق الناس رؤيا 7/ ضوابط مهمة في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام 8/ الموقف الشرعي من أضغاث الأحلام المخوفة 9/ مفاسد تهافت الناس على تأويل الرؤى بغير علم 10/ أخطاء بعض المؤولين وخطورة الكذب في الرؤى.

اقتباس

إن مما يؤسف له: تهافت الناس على تأويل الرؤى بغير علم، وقد علمنا أنها من أجزاء النبوة، ولما علم ابن المسيب أن قومًا يؤولون بغير علم قال: "أبالنبوة يتلاعب؟!"، وإن مما يُؤسف له حقًّا أن بعض الناس يرى الرؤيا فلربما مرض منها وأهمَّته، وذلك لجهل الكثير بالسنة النبوية، وقد بينا ذلك. ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس: أنهم إذا فسروها أيقنوا بوقوعها فأهمتهم، إن كانت سيئة، واغتروا بها إن كانت حسنة. رأى بعض الصالحين الإمام مالك وهو يسير خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويضع خطاه على خطى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أخبره بها بكى -رحمه الله-، وقال: "الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره".

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله....

 

أما بعد: عباد الله: إن الحياة في هذه الأيام تتكفؤ الناس يمنة ويسرة، وقليل منهم الناجي، وما ينجو أحد منها إلا بتوفيق من الله وفضل.

 

وسقوط الناس في مهاوي تكفؤها يختلف بحسب سرعة الناس في تهاويهم في معتركها، حتى أصبح الناس يتلقفون كل ما يظنون به تفريجًا لهم أو كاشفًا عن المغيب عنهم.

 

 وإن مما سقط فيه الناس بل جعلوه من اليقين الذي لا مرية فيه تلك الأحلام والرؤى حتى كثر المؤولون، بل أصبح الضغط عليهم، وسؤالهم أكثر من السؤال عن مهمات أمور الدين، وهذا نذير شم وبلاء.

 

أيها المؤمنون: لا بد من عرض مجمل عن موقف المسلم من هذه الرؤى والأحلام؛ حتى لا يضيع العبد في طرق الشيطان وأحابيله.

 

 فمما ينبغي معرفته أن ما يراه العبد في منامه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فرؤيا بشرى من الله، ورؤيا حديث النفس، ورؤيا تخويف من الشيطان.

 

كما جاء ذلك في جامع الترمذي من حديث أبي هريرة، فأما الرؤيا الصالحة فمن الله تعالى، وهي جزء من أجزاء النبوة، كما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءًا من النبوة".

 

 وهي من المبشرات للمؤمن؛ كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث ابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس! إنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرَى له".

 

فإذا رأى المسلم ما يحب؛ فإنه يحمد الله، ولا يقصّها إلا على عالم أو ناصح؛ كما أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح".

 

ومن السنة أن يفسرها كما أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها وليخبر بها"، وأخرج البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مِمَّا يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فَلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا".

 

وإن من علامات الساعة صدق الرؤيا في آخر الزمان، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثًا؛ كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا الرجل المسلم تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا".

 

أيها المؤمنون: دل هذا الحديث على أن الرؤيا قد تصدق وقد تكذب؛ فقد تكون رؤيا كاذبة. فمن صدق في حديثه؛ صدقت رؤياه، ومن كذب في حديثه كذبت رؤياه.

 

ومما ينبغي التنبيه عليه رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقد أخرج  البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي".

 

فإن البعض يفهم هذا الحديث على غير وجهه، والمعنى الصحيح لهذا الحديث أن من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- بصفاته التي وردت في السنة؛ فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما من رأى شخصًا وقال: إنه الرسول، أو ظن أنه الرسول وهو على غير الصفات الواردة؛ فليس هذا بالرسول، كما أن رؤية الرسول في المنام لا تدل على فضيلة الرائي، ومن لم ير النبي في المنام فلا يدل على فساده أو ضعف إيمانه، ولكن لله حكمة في ذلك.

 

اللهم اجعلنا من الصادقين, ووفقنا لما تحب وترضى يا أرحم الرحمين..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم..

 

أما بعد: عباد الله: تبين مما مضى أن من الرؤى حديث نفس يحدّث العبد بها نفسه في اليقظة، ثم تتصور له في منامه، فهذه أضغاث أحلام لا علاقة لها بالرؤى الصادقة.

 

 ومنها كذلك الأحلام، وهي من الشيطان؛ ليحزن بها المسلم، فما هو موقفنا من هذه الأضغاث، أولا: أن يعلم العبد أنها من الشيطان، ويستعيذ بالله منه، ويتفل عن يساره ثلاثًا، ولا يخبر بها أحدًا، وليتحول عن شقه الذي هو عليه إلى الشق الآخر، ولا يفسرها ولا يهتم بها فإنها لا تضره؛ كما أخرج البخاري من حديث أبي سعيد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها؛ فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره؛ فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله، ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره".

 ‌

أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".

 ‌

معاشر المؤمنين: إن مما يؤسف له: تهافت الناس على تأويل الرؤى بغير علم، وقد علمنا أنها من أجزاء النبوة، ولما علم ابن المسيب أن قومًا يؤولون بغير علم قال: "أبالنبوة يتلاعب؟!".

 

وإن مما يُؤسف له  حقًّا أن بعض الناس يرى الرؤيا فلربما مرض منها وأهمَّته، وذلك لجهل الكثير بالسنة النبوية، وقد بينا ذلك.

 

ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس: أنهم إذا فسروها أيقنوا بوقوعها فأهمتهم، إن كانت سيئة، واغتروا بها إن كانت حسنة.

 

 رأى بعض الصالحين الإمام مالك وهو يسير خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويضع خطاه على خطى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أخبره بها بكى -رحمه الله-، وقال: "الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره".

 

وكذلك مما يقع فيه بعض المؤولين: جزمهم بوقوع ما أولوه، مع أن الرؤيا قد تكذب حتى إن البعض ليجزم بتاريخ وقوعها وساعته.

 

ومما يقع فيه البعض -وينبغي الحذر منه-: الكذب في المنام، فيقول: لقد رأيت كذا وكذا وهو كاذب، وما علم أن ذلك من كبائر الذنوب؛ أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تحلم بحلم لم يره كُلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل" وفي رواية "أفرى الفرى أن يُري الإنسان عينيه ما لم تريا".

 

عباد الله: إن مما ينبغي للعبد أن يكون عليه أن لا ينام إلا على ذكر لله، وأن يقرأ الأذكار الواردة؛ فإنه يبعد عنه تلاعب الشيطان.

 

اللهم وفقنا لاتباع السنة.. اللهم أعذنا من نزغات الشياطين، ونعوذ بك ربنا أن يحضرون.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

اللهم أنج المستضعفين.... اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات...

 

 (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات