الذكر في الجمعة – الصلاة والسلام على رسول الله

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-12-20 - 1446/06/18 2024-12-25 - 1446/06/23
عناصر الخطبة
1/من فضائل ذكر الله تعالى 2/يوم الجمعة وذكر الله تبارك وتعالى 3/الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله 4/فضائل الصلاة والسلام على رسول الله 5/ أفضل صيغ الصلاة والسلام عليه.

اقتباس

لو قيل لك: إنك لو مدحتَ ملكًا أو عظيمًا أو تاجرًا أو رئيسًا من أهل الدنيا، أنه سيعلم بذلك ويفرح به؛ لَلَهج لسانك بذلك في كل أوان، ألا وإن رسوله -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خير من هؤلاء جميعًا، وأفضل وأكرم عند الله منهم، صلاتكم -أَيُّهَا المؤمنون- معروضة عليه -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

الخطبةُ الأولَى:

 

إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ -أَيُّهَا النَّاس- فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

 

عباد الله: إنَّ ذِكْر الله -جَلَّ وَعَلَا- عبادة يسيرة عَلَى عباده وأوليائه، وهي ثقيلة عَلَى الأشقياء من هؤلاء، وإنَّ من ذِكْر الله -جَلَّ وَعَلَا- الَّذِي أمر الله -جَلَّ وَعَلَا- به المؤمنين، حيث قَالَ: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا)[الجمعة: 10].

 

ومن ذِكر الله في هذَا اليوم يوم الجمعة: الإكثار من الصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد بن عبد الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؛ حيث أمر الله بذلك عباده، بعدما ذَكَرَ أنه يَذْكر نبيه ويصلّي عليه، وأنه يصلّي عليه ملائكته أَيضًا، وحثّ المؤمنين على ذلك؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 إنَّ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، والسلام عليه هو مِن ذِكْر الله -سُبْحَانَهُ-؛ لأنك تدعو الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يُثْنِي عَلَى رسوله في ملئه الأعلى، وأن يُسلّم عليه، أي: يجعله سالمًا من النقص كلّه، دقيقه وجليله، كثيره وقليله؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

وقال نَبِيّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إذا كان يوم الجمعة وليلتها، فأكثروا من الصَّلَاة عليَّ، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ"، وهو أكرم عباد الله، وهو خيرهم -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، إذا صلى عليه المؤمن في أيّ وقتٍ كان، وفي أيّ مكانٍ، عَرَضَ الله -جَلَّ وَعَلَا- بواسطة مَلَكٍ من الملائكة صلاته عَلَى رسوله؛ فيذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

لو قيل لك: إنك لو مدحتَ ملكًا أو عظيمًا أو تاجرًا أو رئيسًا من أهل الدنيا، أنه سيعلم بذلك ويفرح به؛ لَلَهج لسانك بذلك في كل أوان، ألا وإن رسوله -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خير من هؤلاء جميعًا، وأفضل وأكرم عند الله منهم، صلاتكم -أَيُّهَا المؤمنون- معروضة عليه -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

 

 وفي السنن وفي مسند الإمام أحمد من حديث زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- أنه رأى أعرابيًّا يجيء إِلَى فرجةٍ في حجرات النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فيدخل فيها رأسه، فلما رآه منصرفًا ناداه، أن هلمَّ إِلَى الغداء أَيُّهَا الأعرابي، وكان باب علي بن الحسين مفتوحًا، وهو في بيت جده علي بن أبي طالب، فأقبل الأعرابي، فسأله علي بن الحسين زين العابدين: "إني أراك تأتي فتصنع كذا وكذا، تدخل رأسك في هذِه الفرجة، فما تصنع؟"، قَالَ: "أُسلّم عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-".

 

 فَقَالَ علي بن الحسين: "ما أنت يا أخي ومن بالأندلس إِلَّا سواء، فقد حدثني أبي عن جدي عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "ما من امرئٍ من المسلمين يصلي عليَّ إِلَّا وكَّل الله ملكًا يبلغني سلام أمتي عليَّ"؛ صلوات الله وتسليماته عليه وعَلَى أنبياء الله جميعًا.

 

وإذا صليتم وسلمتم عَلَى نبيكم مُحَمَّدٍ -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فاذكروا معه سائر أنبياء الله ورسله، فإنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- ختم سورة الصافات بقوله: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].

 

روى الإمام أحمد في مسنده بإسنادٍ جيد عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إذا سلَّمتم عليَّ؛ فسَلِّموا عَلَى الأنبياء والمرسلين؛ فَإِنَّمَا أنا رسول من المرسلين"؛ صلوات الله وتسليماته عَلَى سائر أنبيائه ورسله، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذَا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ؛ الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

 أَمَّا بَعْدُ: يا عباد الله: إن الإكثار من الصَّلَاة والسَّلام عَلَى نَبِيِّنَا فيها زيادة في درجاتكم، وثقل في موازينكم، وأجر عند ربكم -جَلَّ وَعَلَا-، وقرب من نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، واستحقاقكم لشفاعته يوم القيامة؛ "إنَّ أولاكم بي: أكثركم عليَّ صلاةً"؛ قاله -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

 

ولما سُئل: من أحق النَّاس بشفاعتك؟ قَالَ: "أكثرهم عليَّ صلاةً".

وفي يوم الجمعة وفي ليلتها من غروب شمس يوم الخميس إِلَى غروب شمس هذَا اليوم يوم الجمعة؛ فإنَّ من ذِكر الله المشروع الَّذِي يُشرع الإكثار منه هو الصَّلَاة والسَّلام عَلَى نَبِيِّنَا -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

 

وفيه من المنافع العظيمة: أنه يُغفر ذنبك، وأنه يُفرّج همك، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في الحديث لمَّا قَالَ له الرجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ كم أجعل لك من صلاتي؟ أي: من دعائي؟ قَالَ: "ما شئت"، قَالَ: نصفها؟ قَالَ: "ما شئت"، قَالَ: كلها؟ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إذًا يُكفى همك، ويُغفر ذنبك"؛ أي: جعل دعاءه كله دعاءً إِلَى الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يصلي ويسلم عَلَى رسوله -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

 

 وفي حديث عبد الله بن مسعود قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"، فَهذِه هي أفضل صيغ السلام وَالصَّلَاة عليه -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

 

 ومن أذكار الصباح والمساء صلاتكم عشرًا عَلَى نبيكم مُحَمَّد -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، "من صلَّى عليَّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا؛ حلَّت له شفاعتي"؛ قالها -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ تَسْلِيمًا، اللَّهُمَّ وارضَ عن الصَّحَابَة والقرابة، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الشِّرْك والكفر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ اجعلنا من الذاكرين لك كَثيرًا والذاكرات، اللَّهُمَّ اجعلنا ممن رقت درجاتهم، وثقلت موازينهم، بذكرك يا ربنا، وبصلاتنا وسلامنا عَلَى نبيك مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ اجعله لنا شفيعًا، اللَّهُمَّ أوردنا حوضه، اللَّهُمَّ احشرنا في زمرته، اللَّهُمَّ اجعله قائدنا إِلَى عوالي جنانك جنان النعيم، لنا ولكم ولوالدينا ووالديكم ومشايخنا وأحبتنا من المؤمنين.

 

 اللَّهُمَّ إنَّا نسألك الهُدى والتُّقى والعفاف والغنى، نسألك علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، وشفاءً من كل داء.

 

اللَّهُمَّ اجعلنا مستمسكين بدينك، معتصمين بسنة نبيك مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، غير مبدلين ولا محرفين ولا مغيرين، وأمتنا وأنت راضٍ عنَّا يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وقوموا -رَحِمَكُمُ اللهُ- إِلَى صلاتكم.

 

المرفقات

الذكر في الجمعة – الصلاة والسلام على رسول الله.doc

الذكر في الجمعة – الصلاة والسلام على رسول الله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات