عناصر الخطبة
1/رعاية الإسلام للحقوق الآخرين المادية والمعنوية 2/الواجب على المسلم أن يحرص على إبراء ذمته 3/خطورة أمر الديون 4/الإعانة على أداء الديون تستلزم النية الطيبة الصادقة 5/وصية لصاحب الديوناقتباس
أخي المسلم: كُنْ على عزيمة صادقة في أداء حقوق الخَلْق، واستحضِرْ نيةً طيبةً في السداد والوفاء، يجعل اللهُ لكَ مخرجًا، ويفتح لكَ أبوابًا مؤصدةً...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعَل لمن اتقاه فَرَجًا ومَخْرَجًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الأسماءُ الحسنى والصفاتُ العلا، وأشهد أن نبينا محمدا عبدُه ورسولُه النبيُّ المصطفى، والرسول المجتَبَى، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فمن اتقاه أسعده ولا أشقاه.
أيها المسلمون: من الأصول القطعية في الإسلام التأكيدُ على حقوق العبادة محافظةً وصيانةً، ومما يتساهل به بعض الناس عدم أداء الحقوق لأهلها لاسيما الدَّيْن الذي يكون على الإنسان مِنْ ثَمَنِ مبيع اشتراه، أو قَرْضٍ استقرضه أو أجرة أجير استأجره، ونحو ذلك.
فالواجب على المسلم أن يحرص على سلامة ذمته، وأداء ما عليه من حقوق لإخوانه، يقول الله -جل وعلا-: (وَلَا تَأْكُلُّوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[الْبَقَرَةِ: 188]، إن الفرض المتحتِّم على كل مسلم أن يؤدي حقوق الخلق كاملة غير مبخوسة، تامة غير منقوصة، ومن الإثم المبين والجُرْم العظيم التملُّص من أداء الدَّيْن، أو التهرب من أهله، ومماطلتهم والتسويف بأداء حقوقهم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ"(متفق عليه).
والمطل هو تأخير ما استُحِقَّ أداؤه، من غير عذر؛ فمن كان غنيًّا قادرًا على سداد أقساط الديون متمكنا من الوفاء ثم لم يَفِ، فقد ارتكب حراما، ووقَع في ظلم الخَلْق من أصحاب الديون، والظلمُ عاقبتُه وبالٌ وعارٌ دنيا وأخرى.
إخوة الإسلام: الدَّيْنُ أمرُه عظيمٌ، وشأنُه كبيرٌ في الإسلام؛ ولهذا جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يُؤتى بالرجل المتوفَّى وعليه الدَّيْنُ، فيسأل عليه الصلاة والسلام: "هل تَرَكَ لِدَيْنِهِ من قضاء؟" فإن حُدِّثَ أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: "صَلُّوا على صاحبكم"(متفق عليه).
فيا مَنْ لا تُلقي لأداء الديون اهتمامًا، ولا ترعى لأصحابها حقًّا، اتقِ اللهَ رَبَّكَ، والتَزِمْ بأداء حقوق غيرك، روى مسلمٌ في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّيْن"، فيا أيها المسلم أدِّ ما في ذمتك، واحَذْر من أن تماطل في أداء أموال الناس وأنتَ قادر على أدائها، بل بادِرْ قبل الفوات، وقبل ألا يبقى إلا المقاصة بالحسنات والسيئات، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان عندَه لأخيه مظلمة مِنْ عِرْض أو من شيء فليتحلله منه اليومَ قبلَ ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صلاح أُخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات صاحبه فحُمِلَتْ عليه"(رواه البخاري).
فاجتَهِدْ يا من تحمَّلْت دَيْنًا بالسداد والوفاء، وإلا فأنتَ ما دمتَ قادرًا على السداد وقمتَ بالمماطَلَة والعناد فأنتَ مُعَرِّضٌ نفسَكَ للخطر يوم التناد، روى النسائي بإسناد حسن عن محمد بن جحش -رضي الله عنه- قال: "كنا جلوسًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَرَفَعَ رأسَه إلى السماء ثم وَضَعَ راحتَه على جبهته ثم قال: "سبحان الله! ماذا نزل من التشديد، فسَكَتَ الصحابةُ وفزعوا من ذلك، فلما كان من الغد سألتُه: يا رسولَ اللهِ، ما هذا التشديد الذي نَزَلَ؟ فقال: والذي نفسي بيده لو أن رجلًا قُتِلَ في سبيل الله، ثم أُحْيِيَ، ثم قتل، ثم أُحْيِيَ، ثم قتل وعليه دَيْنٌ ما دخَل الجنةَ حتى يُقضى عنه دَيْنُه".
أخي المسلم: كُنْ على عزيمة صادقة في أداء حقوق الخَلْق، واستحضِرْ نيةً طيبةً في السداد والوفاء، يجعل اللهُ لكَ مخرجًا، ويفتح لكَ أبوابًا مؤصدةً.
قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ أموالَ الناسِ يريد أداءها أدَّى اللهُ عنه، ومَنْ أخَذَها يريدُ إتلافَها أتلَفَه اللهُ" (رواه البخاري).
وأنتَ يا صاحبَ الدَّيْنِ: كُنْ سمحا سهلا سخيا، فمن كان معسرا عن أداء الدَّيْنِ فالواجبُ إمهالُه إلى ميسرة؛ لقوله -جل وعلا-: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)[الْبَقَرَةِ: 280]، ومن فضائل الأعمال التجاوزُ عن المعسرين، والعفو عن المعوزين، قال صلى الله عليه وسلم: "كان تاجرٌ يُدَايِنُ الناسَ فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوَزُوا عنه، لعلَّ اللهَ أن يتجاوزَ عنا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عنه"(متفق عليه).
وفي رواية لمسلم: "قال الله -عز وجل-: نحن أحقُّ بذلك منه، تَجَاوَزُا عنه".
وفي الحديث (المتفق عليه) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسٍر يَسَّرَ اللهُ عنه في الدنيا والآخرة".
فاظْفَرْ -أخي المسلم- بالرحمة بمن أَعْسَرَ تأخيرا للأجل، أو بالمسامَحة والإبراء، فذلك أعظم أجرًا، وأجزل ثوابًا، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أن يُنْجِيَهُ اللهُ من كُرَبِ يومِ القيامةِ فليُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ أو يضع عنه" (رواه مسلم).
اللهم أَغْنِنَا بحلالِكَ عن حرامِكَ، وبفضلِكَ عمَّن سِوَاكَ، اللهم صلِّ وسلِّمْ على نبينا ورسولنا محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وليِّ الصالحين، وأشهد ألا إله إلا الله الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، الوفاء بأجرة الأجير؛ فيحرم بخس حقه أو التسويف في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، -وفي رواية في غير البخاري-: ومن كنتُ خصيمَه خصمتُه، وذَكَرَ رجلًا منهم قال: استأجَرَ أجيرًا فاستوفَى منه ثم لم يُعْطِهِ أجرَه"(رواه البخاري).
ثم إن الله -جل وعلا- أمرَنا بأمر عظيم؛ ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا ورسولنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل أجمعين، وعن الصحابة ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم اغفر لنا وللمسلمين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم فرج همومنا، اللهم نَفِّسْ كرباتهم، اللهم اشف مرضانا ومرضاهم، اللهم يَسِّرْ للمَدِينِينَ ما تقوم به حاجتهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وَفِّقْ وليَّ أمرنا ونائبه لما تحبه وترضاه، اللهم وَفِّقْ ولاةَ أمور المسلمين لما فيه خدمة رعاياهم.
اللهم نسألك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الغني الحميد، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم