الدين شعائر وتعامل

سالم بن محمد الغيلي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة 2/الدين عبادات وتعاملات 3/الانفصام بين الدين والعمل 4/وقفات وتساؤلات لكل مسلم.

اقتباس

هل نهتك صلاتك عن الفحشاء والمنكر؟، هل أنت تكذب أو تنمّ أو تغتاب؟، هل أنت تنظر للحرام في الشاشات والجوالات والمواقع والشوارع والأسواق؟، هل في بيتك مع أهلك دش مفتوح؟، هل تعلم ما هي البرامج التي في جوال زوجتك أو بنتك أو ابنك؟ أم أنت في عالم وهم في عالم آخر؟، هل أنت تسمع الغناء بآذان خلقها الله للعبادة؟

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أشرف نبي وأعظم مرسل وخير قدوة، وأتقى الناس وأعبدهم لله صلى الله وسلم عليه ما بعدت عنا الشمس والسماء.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب:70].

 

عباد الله: إن الله بحكمته وعلمه وبرحمته اختار لنا دينا قويماً سهلاً ميسراً ليس على من تمسك به حرج (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)[الحج:78]. ليس على من تمسك به حرج، فالله أعلم بما شرح، والله أعلم بما أمر، والله أعلم بما حكم؛ دين كمال، دين سعادة، دين قوة، دين وحدة، دين نجاة، دين طهارة، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3]، الله رضيه لنا، ومن تأمل في الإسلام وتكاليفه وتعاليمه وجده على قسمين -إن جاز التقسيم-؛ قسم شعائر بينك وبين الله، قسم عبادات، وقسم بينك وبين الخلق، قسم معاملات، لا يستقيم إسلام عبدٍ إلا بهما، ولا يصلح شطر إلا بالشطر الثاني، والله -عز وجل- يأمرنا بذلك في كتابه فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)[البقرة:208].

 

الدين عبادات وتعاملات؛ هكذا الدين، وهكذا يجب أن يكون المتدين، وبشطري الدين تتحقق سعادتك، تشعر بها في صدرك، وفي أهلك، وفي سفرك وإقامتك، وقسم العبادات قد يتساوى فيه المسلمون، وفيه يتشابهون، وقد يتفاوتون، فنجد المسلمين يُصَلُّون، ويصومون، ويحجون، ويشهدون، ويزكون، وهذا في الغالب بغضّ النظر عن المتهاونين في الصلاة وفي الصوم وفي الزكاة وفي الحج؛ فإن هؤلاء في الهاوية قد هووا في الدنيا، وفي الآخرة أمرهم إلى الله.

 

فهل هذا الجزء من الدين يكفي، هل يكفي أن تنجو به بين يدي الله؟ هل يكفي أن تنجو به من النار؟ هل يكفي أن تدخل به الجنة؟ هل يكفي أن تصوم وتصلي وتزكي وتحج وتشهد؟

 

لا يكفي، لا يكفي وللأسف هذا حال كثير منا للأسف كثير منا ليس عنده إلا هذه العبادات، ثم تجده في الجانب الآخر، وفي الشطر الآخر من الدين يسرح ويمرح، وهنا مكمن الخطر. وهنا الكبر والبطر، شرعة الله كلها ليس يكفيك بعضها، الحذر كل الحذر؛ كيف تنجو من العقاب، والجزاء يوم الحساب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

ومن مفهوم الحديث أنها كانت مسلمة؛ إذ لو كانت كافرة لكان الكفر بالله أشد من حبس الهرة، فلم تشفع لها صلاتها ولا صيامها عند دخول النار، واللسان وما أدراك ما اللسان؟!، يقول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- ولنا: "كُفَّ عليكَ هذا"، فقُلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ، وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقالَ: "ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم"(صحيح الترمذي للألباني)، هذا اللسان بعيد عن الصلاة والزكاة والصيام والحج.

 

ومرَّ -صلى الله عليه وسلم- بقبريْن لمسلميْن كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبرين، فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أمّا أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، ثم قال: ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ثم غرز كل واحد منهما على قبر، ثم قال: لعله يخفف عنهما؛ ما لم ييبسا"، فأين الصلاة والزكاة والصيام والحج؟!

 

قال الله -تعالى-: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[الفلق:5]، الحسد والحاسدين، فأين الصلاة والصوم والحج والزكاة؟

 

وقاطع الرحم ملعون (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد:22-23]، فأين الصلاة والزكاة والحج والصوم؟

 

وآكل الربا محارِب لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وشارب الخمر ملعون وبائع الخمر ملعون، وحاملها ملعون، وساقيها ملعون، وآكل ثمنها ملعون، وصانعها ملعون، وقد يكون هؤلاء الملعونون من أهل الصلاة والزكاة والحج والصوم.

 

والزناة يعذبون في قبورهم إلى يوم القيامة، ثم الله أعلم بمصيرهم، يوضعون في تنور، يُعذَّبون فيه إلى يوم القيامة؛ (وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)[سورة الإسراء:32]، وقد يكونون ممن كان يصلي أو يحج أو يزكي.

 

الكاذب ملعون، والظالم ملعون، ولاعن والديه ملعون، ومن غيَّر منار الأرض ملعون، ومَن رمى بهيمة بقصد التسلية ملعون، ومن سبَّ الصحابة ملعون، والساحر ملعون، والراشي والمرتشي ملعون، فأين صلاة هؤلاء وزكاتهم وحجهم وصيامهم؟

 

فيا عباد الله: الأمر ليس بالسهل والدِّين ليس على المزاج والهوى، (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[الشورى:13]، فعلى كل مسلم أن يتقي الله في دينه يراجع أعماله ويراجع دينه، ويقف مع نفسه وقفات صدق ونصح ليعلم أين هو من دين الله؟ وأين دين الله منه؟

 

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم وفقنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى.

 

عباد الله: إن الجانب الآخر من الدين وهو جانب التعامل أو جانب المعاملات؛ مع الله ثم مع النفس، ثم مع الآخرين جانب عظيم جانب، قصَّر فيه الناس إلا من رحم الله، جانب رسب فيه خلق كثير، فيه تفاصيل دقيقة، وفيه أحكام كثيرة ومختلفة، وفيه للعلماء أقوال متعددة لا تحصى، لذلك أخفق فيه الناس وقصروا إلا مَن هدى الله.

 

والتعامل تعامل مع الله، وتعامل مع الناس، وتعامل مع النفس، تفقَّد تعاملك مع الله، مع ربك، كيف أنت تتعامل معه -عز وجل-؟، هل في قلبك شكّ في الله أو في دينه أو في رسوله أو في كتابه وما فيه، هل أنت يا مصلي يا صوّام يا حاجّ يا مزكٍ تدعو غير الله، تدعو الجن تقول: يا سبعة خذوه شلوه، اخذوا عقلك.

 

عطاؤك وزكاتك وصدقتك وكرمك، هل هي خالصة أم للمدح والظهور؟، حبك للناس وبغضك لهم هل هو في الله ولله أم للمصلحة وللدنيا وللقرابة وللقبيلة؟ تعاملك مع الناس يا صاحب الصلاة والزكاة والحج والصوم أين برك بأبيك وأمك؟ أين إحسانك إلى جيرانك، وصلتك لأرحامك وتنازلك لأقاربك؟، أين حفظك لجوارحك ولسانك عن غيبة المسلمين؟، هذا طويل وذاك قصير وذاك كفء وذاك ما يسوى؟ ماذا في قلبك لإخوانك المسلمين وخاصة الأقارب؟ هل حسدت أحدًا؟، هل حقدت على أحد؟ هل تبغض أحدًا؟ هل أعنت أحدًا؟ أقصد هل أرسلت عليه عينًا فأزهقت روحه أو سممت جسده أو أتلفت عقله أو بعثرت أهله؟، هل تسببت في سحر أحد أو مكرت بأحد أو خدعت أحدًا؟ أو أخذت جدار أحد أو ساقيته أو أرضه؟ يا صاحب الصلاة والزكاة والحج والصيام؟ هل تعاملك مع نفسك ومع أهلك وفق شرع الله أم وفق هواك وهوى شيطانك؟

 

تذهب إلى المسجد للصلاة عمل جميل، لكن هل نهتك صلاتك عن الفحشاء والمنكر؟، هل أنت تكذب أو تنمّ أو تغتاب؟، هل أنت تنظر للحرام في الشاشات والجوالات والمواقع والشوارع والأسواق؟، هل في بيتك مع أهلك دش مفتوح؟، هل تعلم ما هي البرامج التي في جوال زوجتك أو بنتك أو ابنك؟ أم أنت في عالم وهم في عالم آخر؟، هل أنت تسمع الغناء بآذان خلقها الله للعبادة؟ هل ملأت بطنك بالربا أو المخدرات أو الدخان؟ أجب أيها المصلي، أجب أيها الحاج، أشياء وأشياء وأمور وأمور، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)[الجاثية:23].

 

عباد الله: إن الله يسأل يوم القيامة عن مثاقيل الذرة فلا تستصغر المعصية ولا تتهاون بالذنب مهما صغر، ولنتمسك بالدين عبادة وتعاملاً، ولنتأمل قول الله -تعالى- عندما ذكر قصة لقمان الحكيم، وهو يعظ ابنه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[لقمان:16]، أي: أن الذنب لو كان مثل حبة الخردل فكان في صخرة أو في السماوات أو في الأرض لعلمه وأتى به وحاسب عليه؛ فكن على حذر.

 

اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت.

 

وصلوا وسلموا..

 

 

المرفقات

الدين شعائر وتعامل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات