الدولة الصفوية (14) السعي لتدويل الحرمين

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ الموقف من الغيبيات بين أهل الإيمان وأهل الأهواء 2/ استطالة أهل الخرافة على أهل الحقائق الشرعية 3/ المحركات الحقيقية لأحداث الشام والقدس 4/ رغبة الروافض في التسلط على بلاد الحرمين 5/ شهادات أئمة الشيعة تطلعاتهم عن بلاد الحرمين 6/ معتقد الروافض في الحرمين الشريفين 7/ مفاسد الدعوة لتدويل الحرمين.

اقتباس

وَإِذَا كَانَتْ أَعْيُنُ الصَّهَايِنَةِ عَلَى الْقُدْسِ وَمَسْجِدِهَا؛ فَإِنَّ أَعْيُنَ الْبَاطِنِيِّينَ عَلَى أَرْضِ الْحِجَازِ وَمَسْجِدَيْهَا؛ يُظْهِرُونَ الْغَيْرَةَ عَلَى الْحُجَّاجِ وَهُمْ قَتَلَةُ الْحُجَّاجِ، قَتَلُوهُمْ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ، وَانْتَهَكَ أَسْلَافُهُمْ حُرْمَةَ الْحَرَمِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَاسْتَبَاحُوا الْحُجَّاجَ، وَالمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. وَلَوْ قَدَرُوا لَأَبَادُوا الْحُجَّاجَ كُلَّهُمْ؛ وَلَهَدَمُوا المَسْجِدَيْنِ، وَحَوَّلُوا الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ قَوْلًا بِلَا عِلْمٍ، وَلَا اتِّهَامًا بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا رَجْمًا بِالْغَيْبِ؛ فَإِنَّ أَئِمَّتَهُمُ المُعْتَمَدِينَ يَجْعَلُونَ قَتْلَ الْحُجَّاجِ وَهَدْمَ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ مِنْ عَقَائِدِهِمُ المُنْتَظَرَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا إِمَامُهُمُ المُسَرْدَبُ....

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ جَعَلَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ هُدًى لِلنَّاسِ وَنُورًا، وَجَعَلَ فِي أَخْبَارِ التَّارِيخِ عِظَاتٍ وَعِبَرًا؛ فَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ وُعِظَ بِهِ غَيْرُهُ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْهُدَى فَكَانَ عَمَلُهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيُهُمْ مَشْكُورًا، وَضَلَّ عَنْ صِرَاطِهِ المَخْذُولُونَ فَاجْتَهَدُوا فِي بَاطِلٍ ظَنُّوا بِهِ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوبَكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ فِي أَعْمَالِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ فِي زَمَنٍ فُتِحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الْفِتَنِ، وَتَوَالَتْ عَلَى المُسْلِمِينَ المِحَنُ، وَصَالَ فِيهَا الْكُفْرُ صَوْلَتَهُ، وَأَظْهَرَ النِّفَاقُ قَرْنَهُ، وَالْتَبَسَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. وَالثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ الصَّحِيحِ أَضْحَى كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى مَا يُرْضِيهِ إِلَى أَنْ نَلْقَاهُ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: لِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ وَنِحْلَةٍ عَقَائِدُ يَعْتَقِدُونَهَا، وَشَعَائِرُ يَلْتَزِمُونَهَا، وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الدِّيَانَاتِ وَالْفِرَقِ أُمُورٌ غَيْبِيَّةٌ يَنْتَظِرُونَهَا، وَمِنِ ابْتِلَاءِ اللَّـهِ -تَعَالَى- لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ أَنْ جَعَلَ فِي الْغَيْبِ المُنْتَظَرِ حَقًّا وَبَاطِلًا، كَمَا أَنَّ فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ حَقًّا وَبَاطِلًا.

 

وَأَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْحَقِّ يُؤْمِنُونَ بِمَا ثَبَتَ فِي الْإِخْبَارِ مِنَ الْغَيْبِ، وَلَا يَتَعَجَّلُونَ وُقُوعَهُ، وَلَا يَتَكَلَّفُونَ فِي تَنْزِيلِ وَاقِعِهِمْ عَلَى مَا جَاءَ فِي أَخْبَارِ الْغَيْبِ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مَزَلَّةُ قَدَمٍ؛ وَأَنَّهُمْ كُلِّفُوا بِالْعَمَلِ لَا بِكَشْفِ الْغَيْبِ.

 

وَأَمَّا أَهْلُ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُمْ لمَّا حَرَّفُوا الدِّينَ الصَّحِيحَ؛ انْحَازُوا عَنْ أَهْلِ الْحَقِّ بِنُبُوءَاتٍ يَنْتَظِرُونُ وُقُوعَهَا، نَسَجُوا حَوْلَهَا مِنَ الْأَسَاطِيرِ مَا يَضْحَكُونَ بِهِ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ صَدَّقُوا مَا نَسَجُوا مِنْ خُرَافَاتٍ، وَسَعَوْا بِقُوَّةٍ لِفَرْضِهَا عَلَى الْوَاقِعِ (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [الشورى: 17-18].

 

إِنَّ تَحْوِيلَ الْخُرَافَاتِ إِلَى حَقَائِقَ، وَمِنْ ثَمَّ حَشْدُ كُلِّ الْإِمْكَانِيَّاتِ لِوُقُوعِهَا كَانَ وَلَا يَزَالُ يَجُرُّ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ كَثِيرًا مِنَ الْوَيْلَاتِ، وَيُحِلُّ بِهَا النَّكَبَاتِ؛ لِيَكْتَوِيَ بِنَارِ الْخُرَافَاتِ شُعُوبٌ لَا ذَنْبَ لَهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ عَاشُوا فِي زَمَنٍ اسْتَقْوَى فِيهِ أَهْلُ الْخُرَافَةِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِيقَةِ، وَتَسَلَّطَ فِيهِ حِزْبُ الشَّيْطَانِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

 

وَمَا يَجْرِي فِي فِلَسْطِينَ المُحْتَلَّةِ، وَفِي الشَّامِ المُبَارَكَةِ هُوَ جُزْءٌ مِنْ نُبُوءَاتِ أَهْلِ الْخُرَافَةِ، طَالَ انْتِظَارُهُمْ لَهَا، فَسَخَّرُوا الْقُوَّةَ لِتَحْقِيقِهَا، بَلْ إِنَّ مَا يَقَعُ فِي المِنْطَقَةِ كُلِّهَا مَا هُوَ إِلَّا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ جُنُونِ الْخُرَافَةِ، تَشَابَكَتْ فِيهَا المَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ مَعَ النُّبُوءَاتِ الصَّهْيَوْنِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ.

 

وَمَا زُرِعَ الْيَهُودُ فِي فِلَسْطِينَ، وَلَا أُقِيمَتْ دَوْلَتُهُمْ فِيهَا إِلَّا لِخُرُوجِ المُنْتَظَرِ الَّذِي يَنْتَظِرُونَهُ، وَلَكِنَّ الصَّهَايِنَةَ اسْتَبْطَئُوا خُرُوجَهُ، فَصَنَعُوا الْأَحْدَاثَ لَهُ، وَيُرِيدُونَ هَدْمَ المَسْجِدِ الْأَقْصَى لِأَجْلِهِ، وَبِنَاءَ الْهَيْكَلِ لِظُهُورِهِ، وَهَكَذَا انْقَلَبُوا عَلَى عَقِيدَةِ الِانْتِظَارِ الْوَاجِبَةِ فِي دِينِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ تَعَوَّدُوا عَلَى تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَغْيِيرِ دِينِهِمْ حَسَبَ أَهْوَائِهِمْ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء: 46].

 

وَأَمَّا الْأُمَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ فَإِنَّهَا أَيْضًا تَنْتَظِرُ مُنْتَظَرًا يَخْرُجُ مِنْ سِرْدَابِهِ؛ لِيَقْتُلُوا بِهِ النَّاسَ وَيَحْكُمُوا الْعَالَمَ، وَلَكِنَّ انْتِظَارَهُمْ لِخُرُوجِهِ طَالَ، وَلَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا فِي كُتُبِهِمْ، فَانْقَلَبُوا عَلَى عَقِيدَةِ الِانْتِظَارِ بِوِلَايَةِ الْفَقِيهِ، وَجَعَلُوا الْوَالِيَ الْفَقِيهَ يَنُوبُ عَنِ الْإِمَامِ المَعْصُومِ فِي صُنْعِ الْأَحْدَاثِ لِتَهْيِئَةِ خُرُوجِهِ، وَهُوَ لَنْ يَخْرُجَ؛ لِأَنَّهُ كَذْبَةٌ افْتَرَاهَا شَيَاطِينُهُمْ، وَتَنَاقَلَهَا أَحْبَارُ السُّوءِ مِنْهُمْ، وَضَحِكُوا بِهَا عَلَى أَتْبَاعِهِمْ.

 

وَمَا يَجْرِي مِنَ اضْطِرَابَاتٍ فِي الدُّوَلِ المَنْكُوبَةِ هُوَ مِنْ آثَارِ السَّعْيِ لِفَرْضِ الْخُرَافَاتِ عَلَى أَرْضِ الْوَاقِعِ، تَسَلَّقَ عَلَيْهَا أَصْحَابُ المَصَالِحِ المَادِّيَّةِ لِزَعْزَعَةِ أَمْنِ الدُّوَلِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَتَشْرِيدِ الشُّعُوبِ، وَنَهْبِ الثَّرَوَاتِ، وَمُحَاوَلَةِ نَشْرِ الْفَوْضَى؛ لِتُصِيبَ كُلَّ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ.

 

وَإِذَا كَانَتْ أَعْيُنُ الصَّهَايِنَةِ عَلَى الْقُدْسِ وَمَسْجِدِهَا؛ فَإِنَّ أَعْيُنَ الْبَاطِنِيِّينَ عَلَى أَرْضِ الْحِجَازِ وَمَسْجِدَيْهَا؛ يُظْهِرُونَ الْغَيْرَةَ عَلَى الْحُجَّاجِ وَهُمْ قَتَلَةُ الْحُجَّاجِ، قَتَلُوهُمْ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ، وَانْتَهَكَ أَسْلَافُهُمْ حُرْمَةَ الْحَرَمِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَاسْتَبَاحُوا الْحُجَّاجَ، وَالمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.

 

وَلَوْ قَدَرُوا لَأَبَادُوا الْحُجَّاجَ كُلَّهُمْ؛ وَلَهَدَمُوا المَسْجِدَيْنِ، وَحَوَّلُوا الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ قَوْلًا بِلَا عِلْمٍ، وَلَا اتِّهَامًا بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا رَجْمًا بِالْغَيْبِ؛ فَإِنَّ أَئِمَّتَهُمُ المُعْتَمَدِينَ يَجْعَلُونَ قَتْلَ الْحُجَّاجِ وَهَدْمَ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ مِنْ عَقَائِدِهِمُ المُنْتَظَرَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا إِمَامُهُمُ المُسَرْدَبُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ خُرُوجُهُ نَابُوا عَنْهُ فِي شَرِّ أَعْمَالِهِ، وَلَنْ يَتَخَلَّوْا عَنْ هَذَا السَّعْيِ إِلَّا بِعَجْزِهِمْ عَنْهُ. وَهُمْ كَانُوا وَلَا يَزَالُونَ يُحَاوِلُونَ المَرَّةَ تِلْوَ المَرَّةِ.

 

وَمِنْ أَكْبَرِ أَئِمَّتِهِمْ عِنْدَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ الَّذِي عَاشَ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ الْهِجْرِيِّ، وَلَهُ كِتَابٌ عَنْ غَيْبَةِ الْإِمَامِ المَعْصُومِ ذَكَرَ فِيهِ رِوَايَاتِ هَدْمِ المَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَتْلِ بَنِي شَيْبَةَ سَدَنَةِ الْبَيْتِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ: «إِذَا قَامَ المَهْدِيُّ هَدَمَ المَسْجِدَ الْحَرَامَ... وَقَطَعَ أَيْدِيَ بَنِي شَيْبَةَ وَعَلَّقَهَا بِالْكَعْبَةِ وَكَتَبَ عَلَيْهَا: هَؤُلَاءِ سَرَقَةُ الْكَعْبَةِ».

 

 وَفِي نَصٍّ آخَرَ يَقُولُ: «يُجَرِّدُ السَّيْفَ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ يَقْتُلُ هَرْجًا، فَأَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ فَيَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ وَيُعَلِّقُهَا فِي الْكَعْبَةِ، وَيُنَادِي مُنَادِيهِ: هَؤُلَاءِ سُرَّاقُ اللَّـهِ، ثُمَّ يَتَنَاوَلُ قُرَيْشًا فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ وَلَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ» فَهَذِهِ نَوَايَاهُمُ الْخَبِيثَةُ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَأَهْلِهِ.

 

وَمِنْ أَكْبَرِ عُلَمَاءِ الرِّوَايَةِ فِي الدَّوْلَةِ الصَّفَوِيَّةِ الْأُولَى الَّتِي قَامَتْ فِي الْقَرْنِ الْعَاشِرِ الْهِجْرِيِّ مُحَمَّد بَاقِر المَجْلِسِيُّ، وَقَدْ أَسْنَدَ إِلَى إِمَامِهِمْ قَوْلَهُ: «كَأَنِّي بِحُمْرَانَ بَيْنَ أَعْيَنَ وَمُيَسَّرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْبِطَانِ النَّاسَ بِأَسْيَافِهِمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ» وَحُمْرَانُ وَمُيَسَّرٌ يَنْسِبُهُمَا الْإِمَامِيَّةُ لَهُمْ، وَيَعُدُّونَهُمْ مِنْ خَاصَّتِهِمْ.

 

وَأَعْظَمُ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَأَكْثَرُهُ جَمْعًا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَا يُسَاوِي شَيْئًا أَمَامَ الْوُقُوفِ عَلَى الْقَبْرِ الَّذِي يَزْعُمُونَهُ لِلْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ فَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: «إِنَّ اللهَ يَبْدَأُ بِالنَّظَرِ إِلَى زُوَّارِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ قَبْلَ نَظَرِهِ إِلَى أَهْلِ المَوْقِفِ؛ لِأَنَّ فِي أُولَئِكَ أَوْلَادَ زِنًا وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ زِنًا» قَاتَلَهُمُ اللهُ! جَعَلُوا كُلَّ الْحُجَّاجِ أَوْلَادَ زِنًا.

 

وَالمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ كَذَلِكَ سَيُهْدَمُ فِي رِوَايَاتِهِمْ، وَتُسْتَبَاحُ الْحُجْرَةُ، وَيُنْبَشُ الْقَبْرُ، وَمِنْ نُصُوصِهِمْ فِي ذَلِكَ: «إِنَّ الْقَائِمَ يَهْدِمُ المَسْجِدَ الْحَرَامَ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى أَسَاسِهِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ إِلَى أَسَاسِهِ».

 

وَقَدْ يَظُنُّ مَنْ يَقْرَأُ النَّصَّ أَنَّ المَقْصُودَ بِأَسَاسِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوَسُّعَاتِ عَبْرَ التَّارِيخِ، وَلَكِنَّ المَعْنَى أَنَّهُ يُسَوِّيهِ بِالْأَرْضِ فَلَا يُبْقِي لِلْمَسْجِدَيْنِ أَيَّ أَثَرٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ سَيُنْقَلُ -حَسَبَ رِوَايَاتِهِمْ- إِلَى الْكُوفَةِ، وَتُحَوَّلُ الْقِبْلَةُ إِلَيْهَا؛ وَلِذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَئِمَّتِهِمْ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ لَقَدْ حَبَاكُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَا لَمْ يُحْبَ أَحَدٌ مِنْ فَضْلٍ، مُصَلَّاكُمْ بَيْتُ آدَمَ وَبَيْتُ نُوحٍ وَبَيْتُ إِدْرِيسَ وَمُصَلَّى إِبْرَاهِيمَ.. وَلَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ حَتَّى يُنْصَبَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فِيهِ.

 

وَالسِّرُّ فِي التَّحَوُّلِ لِلْكُوفَةِ: أَنَّهَا مَنْشَأُ المَذَاهِبِ الْبَاطِنِيَّةِ عَلَى يَدِ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ سَبَإٍ الْيَهُودِيِّ. وَفِي تَعْظِيمِ أَمْرِ الْكُوفَةِ كَثُرَتْ رِوَايَاتُهُمْ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ: «إِنَّ الْكُوفَةَ حَرَمُ اللَّـهِ، وَحَرَمُ رَسُولِهِ، وَحَرَمُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَالدِّرْهَمُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ».

 

وَأَمَّا المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ فَلَنْ يُبْقُوهُ لَوْ قَدَرُوا، فَفِي رِوَايَاتِهِمْ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ بِخُصُوصِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ: «أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ الْقَائِمُ يُخْرِجُ هَذَيْنِ -يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ-، رَطْبَيْنِ غَضَّيْنِ فَيُحْرِقُهُمَا وَيُذَرِّيهِمَا فِي الرِّيحِ وَيَكْسِرُ المَسْجِدَ».

 

فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا تُفَسِّرُ اعْتِدَاءَاتِ الْبَاطِنِيِّيَن المُتَكَرِّرَةَ عَبْرَ التَّارِيخِ عَلَى مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَاسْتِبَاحَةَ الْحُجَّاجِ، وَنَوَايَاهُمُ الْخَبِيثَةَ فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ؛ فَهُمْ يَنْطَلِقُونَ مِنْ مُعْتَقَدٍ يَدِينُونَ بِهِ، وَمِنْ نُبُوءَاتٍ يَسْعَوْنَ فِي تَحْقِيقِهَا، وَلَا يَرُدُّهُمْ عَنْهَا إِلَّا عَجْزُهُمْ، وَهَذَا يُوجِبُ حَذَرَ المُسْلِمِينَ مِنَ النَّوَايَا الْخَبِيثَةِ لِلْبَاطِنِيِّينَ.

 

حَفِظَ اللهُ -تَعَالَى- مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ مِنْ شَرِّ أَعْدَائِهَا، وَجَعَلَهَا خَالِصَةً لِأَوْلِيَائِهَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا ....

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاعْرِفُوا حَقِيقَةَ أَعْدَائِكُمْ، وَمَاذَا يُرِيدُونَهُ مِنْكُمْ، وَلَا عَدَاوَةَ أَشَدُّ مِنْ عَدَاوَةِ المُنَافِقِينَ، وَلَا نِفَاقَ أَعْظَمُ مِنَ النِّفَاقِ السَّبَئِيِّ الَّذِي يُرِيدُ نَقْلَ النَّاسِ مِنْ دِينِ الْحَقِّ إِلَى خُرَافَاتِ الْبَاطِلِ (هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون: 4].

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ الْأُمَّةَ الْبَاطِنِيَّةَ فِي هَذَا الْعَصْرِ وَبِالْحِبَالِ المُمْتَدَّةِ إِلَيْهَا مِنْ كُفَّارِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ قَدِ اسْتَقْوَتْ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَهِيَ فِي عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِهَا لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهَا وَنَيْلِ مَآرِبِهَا. وَالدَّعْوَةُ إِلَى تَدْوِيلِ الْحَرَمَيْنِ هِيَ دَعْوَةٌ قَدِيمَةٌ حَدِيثَةٌ، يُحْيِيهَا الْبَاطِنِيُّونَ جَذَعَةً كُلَّ حِينٍ، فَيَصْنَعُونَ الْحَدَثَ ثُمَّ يُحَاوِلُونَ الِابْتِزَازَ بِهِ، وَيُعِينُهُمْ فِي هَذَا المَشْرُوعِ الْخَبِيثِ أَصْوَاتٌ عَلْمَانِيَّةٌ عَرَبِيَّةٌ تُمَثِّلُ النِّفَاقَ السَّلُولِيَّ؛ لِيَتَآزَرَ النِّفَاقَانِ مَعَ الْكُفَّارِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

 

وَالدَّعْوَةُ إِلَى تَدْوِيلِ الْحَرَمَيْنِ هِيَ خُطْوَةٌ أُولَى لِتَسْلِيمِهِمَا لِلْبَاطِنِيِّينَ، كَمَا فَعَلُوا بِالْقُدْسِ؛ فَإِنَّ الْقُدْسَ قَدْ فُرِضَتِ الْوِصَايَةُ الدَّوْلِيَّةُ عَلَيْهَا قَبْلَ احْتِلَالِ الْيَهُودِ لَهَا؛ لِنَزْعِ سَيْطَرَةِ المُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا احْتَلَّهَا الْيَهُودُ سَكَتَ المُجْتَمَعُ الدَّوْلِيُّ عَنْ قَرَارِ تَدْوِيلِهَا، وَلَوْ طَرَدَ المُسْلِمُونَ الْيَهُودَ مِنْهَا لَعَادُوا لِتَفْعِيلِ قَرَارِ تَدْوِيلِهَا، فَهُوَ قَرَارٌ صُنِعَ لِمَصْلَحَةِ أَعْدَاءِ الْأَقْصَى.

 

لَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ تَدْوِيلَ الْقُدْسِ فِيمَا مَضَى كَانَ خُطْوَةً أُولَى لِتَسْلِيمِهَا لِلْيَهُودِ، وَالْبَاطِنِيُّونَ يَسِيرُونَ سِيرَةَ الْيَهُودِ فِي الصِّيَاحِ بِتَدْوِيلِ الْحَرَمَيْنِ لِيُسَلَّمَا لَهُمْ، وَلَا يُلْدَغُ مُؤْمِنٌ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ.

 

يَجِبُ عَلَى الشُّعُوبِ المُسْلِمَةِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا أَنْ تَعِيَ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ؛ لِتَكُونَ قُوَّةً ضَاغِطَةً لِمَنْعِ تَلَاعُبِ المُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ بِالْحَرَمَيْنِ كَمَا تَلَاعَبَ بِالْقُدْسِ، وَيَجِبُ أَنْ يُولِيَ الْإِعْلَامُ هَذَا الْأَمْرَ عِنَايَةً كُبْرَى فِي تَوْعِيَةِ النَّاسِ بِخَطَرِ مَطَالِبِ الْبَاطِنِيَّةِ وَمَنْ وَقَفَ مَعَهُمْ.

 

وَمِمَّا يُطَمْئِنُ المُؤْمِنَ إِلَى أَنَّهُمْ لَنْ يَبْلُغُوا مُرَادَهُمْ دُعَاءُ الْخَلِيلَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- وَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ -تَعَالَى- لَهُمَا، أَمَّا دُعَاءُ الْخَلِيلِ فَقَوْلُهُ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا) [إبراهيم: 35]، وَلَنْ يَكُونَ آمِنًا فِي أَيْدِي الْبَاطِنِيِّينَ، وَأَمَّا دَعْوَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَوْلُهُ: «اللهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا» وَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِي الْبَاطِنِيِّينَ لَجَعَلُوهُ وَثَنًا.

 

 وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي المُؤْمِنَ لِمُقَاوَمَةِ المَشْرُوعَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ الْخَبِيثَةِ، وَيَطْرُدُ عَنْهُ الْإِحْبَاطَ وَالْيَأْسَ، وَيَدْفَعُهُ لِلْفَأْلِ وَالْعَمَلِ لِإِحْبَاطِ كَيْدِ أَعْدَاءِ اللَّـهِ -تَعَالَى- وَأَعْدَاءِ حَرَمَيْهِ وَمَسَاجِدِهِ؛ لِتَكُونَ خَالِصَةً لِأَهْلِ الْإِيمَانِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

        

 

 

المرفقات

الدولة الصفوية (14) السعي لتدويل الحرمين.doc

الدولة الصفوية (14) السعي لتدويل الحرمين - مشكولة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات