الدعاوى الكيدية والتحذير من الأذية

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2021-01-08 - 1442/05/24 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/تحريم التعدي على الآخرين وإيذائهم 2/دوافع الدعاوى الكيدية وأهدافها 3/ذمّ الفجور في الخصومة 4/من كمال إسلام المسلم 5/ طريق إلى السعادة.

اقتباس

فمن خاصم غيره بالباطل كيداً وظلماً فإنَّه لا يزال في سخط الله حتى يترك وينتهي عن مخاصمته، وسخط الله عظيم، فيا خسارة وبوار من سخط الله عليه!، وكذلك من قال في مؤمن ما ليس فيه ذمَّاً وافتراءً، فإنَّه مستحقّ أن يسكن ردغةَ الخبال حتى يخرج ممَّا قال...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أمَر عباده بالأخلاق الحسنة ونهاهم عن سيئها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ عياذاً بالله منها.

 

عباد الله: إنَّ التعدي والإيذاء أمر منهي عنه، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ ‌يُؤْذُونَ ‌الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]، قال السمعاني -رحمه الله-: "أَي: يقعون فيهم، ويعيبونهم بِغَيْر جُرْمٍ وُجِدَ مِنْ قِبَلِهم"(تفسير السمعاني: 4/306). وقال قتادة -رحمه الله-: "إيَّاكم وأذَى المؤمن؛ فإنَّ الله يحوطه، ويغضب له"(تفسير الطبري: 20/324). وقال ابن كثير -رحمه الله-: "الْبُهْتُ الْبَيِّنُ أَنْ يُحْكَى أَوْ يُنْقَلَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ، عَلَى سَبِيلِ الْعَيْبِ وَالتَّنَقُّصِ لَهُمْ". (تفسير ابن كثير: 6/480).

 

عباد الله: إنَّ من الإيذاء الدعاوى الكيدية، ومن دوافعها: البغض والحقد والحسد والغل، ومن أهدافها: تشويه سمعة المدَّعى عليه وإلحاق الضرر به بغير حقّ، وهي ظلم وإثم وتَجُرّ إلى الكذب والمكر والخداع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الظلم ظلمات يوم القيامة"(رواه الشيخان)، وقال الله -تعالى- في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ ‌الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا"(رواه مسلم).

 

 والمخاصِم بالدعاوى الكيدية الباطلة، فإنَّه ينال سخط الله حتى يترك ويتوب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ‌خَاصَمَ ‌فِي ‌بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عنه، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ"(رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني). والردغة: الوحلُ الشديدُ. وجاء في تفسير "ردغة الخبال": أنَّها عصارة أهل النار. (ينظر سنن أبي داود: 5/450).

 

فمن خاصم غيره بالباطل كيداً وظلماً فإنَّه لا يزال في سخط الله حتى يترك وينتهي عن مخاصمته، وسخط الله عظيم، فيا خسارة وبوار من سخط الله عليه!، وكذلك من قال في مؤمن ما ليس فيه ذمَّاً وافتراءً، فإنَّه مستحقّ أن يسكن ردغةَ الخبال حتى يخرج ممَّا قال ويتوب منه.

 

عباد الله: إنَّ الذي يخاصم بالباطل آثِمٌ متوعَّدٌ بالعقاب، سواء صدر لصالحه حكم أم لم يصدر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي ‌الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا"(رواه البخاري: 2458، ومسلم: 1713).

 

قال النووي -رحمه الله-: "مَعْنَاهُ إِنْ قَضَيْتُ لَهُ بِظَاهِرٍ يُخَالِفُ الباطن فهو حرام يؤول بِهِ إِلَى النَّارِ"(شرح النووي على مسلم (12/ 6).

 

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يحكم بينهم بالظاهر، وأعلمَ المبطِلَ في نفس الأمر: أنَّ حكمه لا يُحِلُّ له أخذَ ما يُحكَم له به، وأنَّه مع حكمه له به، فإنَّما يقطع له ‌قطعة ‌من ‌النار"(إغاثة اللهفان: 2/ 777).

 

عباد الله: إنَّ الفجور في الخصومة من خصال النفاق، وتورث البغض والحقد والكراهية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ"(رواه الشيخان). وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ ‌الأَلَدُّ الخَصِمُ"(متفق عليه). قال النووي -رحمه الله-: "الألد شَدِيدُ الْخُصُومَةِ... وَأَمَّا الْخَصِمُ فَهُوَ الْحَاذِقُ بِالْخُصُومَةِ، وَالْمَذْمُومُ هُوَ الْخُصُومَةُ بِالْبَاطِلِ"(ينظر شرح النووي على مسلم: 16/ 219).

 

عباد الله: إنَّ الألد الخصِم يبغضه الله ويبغضه الناس، فلا يجالسونه اتقاءً لشرّه وسوء خُلقه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ‌مَنْ ‌وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ"(رواه مسلم).

 

عباد الله: إنَّ من الصفات التي حثَّ عليها الإسلام أن يخالق المسلم الناس بالخُلُق الحسن وأن يسلم المسلمون من لسانه ويده، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ ‌مِنْ ‌لِسَانِهِ ‌وَيَدِهِ"(رواه الشيخان). فمن كمال إسلام المرء سلامة المسلمين من لسانه ويده، فلا يغتاب مسلماً ولا يسخر أو يهزأ به، ولا يؤذيه بأيّ نوع من الأذية القولية أو الفعلية، ولا يعتدي عليه، قال -تعالى-: (وَلَا ‌تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[المائدة: 87].

 

عباد الله: إنَّ خيار الناس هم أحاسنهم أخلاقاً، وبحسن الخلق مع الناس يثقل ميزان المؤمن يوم القيامة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا"(رواه الشيخان). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ"(رواه الترمذي بسند صحيح).

 

عباد الله: إنَّ التعامل الحسن مع الناس طريق إلى السعادة؛ رِفْقٌ في التعامل، وصدقٌ وإخلاصٌ وعفوٌ وتسامحٌ وعونٌ وإيثارٌ وتكافل وتراحم وبِرٌّ وصلة وإحسان وتعاون على البر والتقوى، وإذا عمَّ التعامل الحسن بين أفراد المجتمع فإنَّه يكون قوياً مترابطاً يسوده المحبة والألفة.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

المرفقات

الدعاوى الكيدية والتحذير من الأذية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات