عناصر الخطبة
1/الخيانة صفة ذميمة في الكتاب والسنة ولدى الطبائع السوية 2/عاقبة الخيانة في الآخرة 3/الخيانة صفة متأصلة في اليهود وبعض صور ذلك 4/منع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لخيانة الكفار والأعداء 5/بعض جوانب خيانة الإنسان لله ولرسوله وللمؤمنين 6/قصة خيانة حصلت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزول القرآن في ذلكاقتباس
هذا الخائن، وإن اندس بين الناس، وإن عرف كيف يرتب أموره، بحيث لا يفتضح أمام عباد الله، فأين يذهب يوم القيامة؟ ألم يفكر في الفضيحة في ذلك اليوم؟ سوف ترفع له راية يوم القيامة أمام الناس زيادة في النكاية بـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].
الخيانة أمر مذموم في شريعة الله، تنكرها الفطرة، وتمجها الطبيعة السوية، ولا تقبلها حتى الحيوانات العجماوات: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ)[الأنفال: 58].
(وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)[يوسف: 52].
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[الحـج: 38].
(إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا)[النساء: 107].
"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا اؤتمن خان".
إن هذه النصوص كافية لمعرفة جريمة الخيانة ما مدى قبحها وشؤمها.
فالخائن لا يحبه الله، وذكرها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من آيات المنافقين، بل وقرن الله -جل وعلا- بين الخيانة والكفر في قوله جل وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[الحـج: 38].
هذا الخائن، وإن اندس بين الناس، وإن عرف كيف يرتب أموره، بحيث لا يفتضح أمام عباد الله، فأين يذهب يوم القيامة؟ ألم يفكر في الفضيحة في ذلك اليوم؟
سوف ترفع له راية يوم القيامة أمام الناس زيادة في النكاية به، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: "لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان".
وفي رواية مسلم: "لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة، يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة".
فكل من كانت ولايته أعم وأشمل، ثم خان من تحت ولايته، فلا شك بأن جرم هذا أكبر من جرم من هو أقل منه في الولاية.
وكلما كانت المسئولية أعظم ثم حصل الخيانة، كان الإثم أعظم -والله المستعان-.
أيها المسلمون: إن الخيانة من أخلاق اليهود المتأصلة فيهم، فأين ومتى وجد يهود، وجدت الخيانة، قال الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في سورة المائدة: (وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ)[المائدة: 13].
فمن خياناتهم: محاولتهم لاغتيال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد كان بينه وبينهم عهد أمان.
ومن خياناتهم: تواطؤهم مع الأحزاب وقد كان بينهم وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- عهد أمان، ولما كان أمر خيانة العهود والمواثيق أمراً خطيراً، أمر الله رسوله بأن يعلن للكافرين نبذ عهدهم، ويشعرهم بأن يستعدوا للمواجهة على صعيد سواء لا خيانة فيه ولا غدر، فقال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ)[الأنفال: 58].
الخيانة مذمومة حتى مع الكفار، حتى مع الأعداء، ولهذا أمر الله رسوله أن يرد إليهم عهودهم؛ لتكون القضية واضحة لا خيانة فيها.
ومما يذكرني في هذا المقام: أنه لما كان يوم فتح مكة، اختبأ عبد الله بن سعد ابن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: "أما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك؟ ألا أومأت إلينا بعينك قال: "إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين"[والحديث صحيح، رواه أبو داود وغيره].
فهنا امتنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، امتنع عن إشارة بعين في حق كافر لم يكن قد أسلم بعد، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يود قتله، واعتبر تلك الإشارة فيه خيانة، وهو كافر! فكيف بالذين لا يستعملون الإشارة، وإنما يلجؤون إلى طرق واضحة، وأساليب مكشوفة، تفوح منها رائحة الخيانة والغدر؟.
المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لم يرض أن يتخذ الخيانة وسيلة، حتى في حق كافر، محارب لله ورسوله، فما جرم أولئك الذين لا تكون لهم خياناتهم إلا في مسلمين؟ كيف بالذين لا تكون خياناتهم إلا في حق مؤمنين موحدين لا يرقبون فيه إلاً ولا ذمة؟
وفي المقابل هم مع الكفار كالقطط، إذا كان المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه- لم يرض، ولن يقبل، نقطة خيانة في حياته في حق فرد واحد، ولو قدر أنه حصلت مفسدة؟ ولا مفسدة، فهي في حق كافر واحد، فأين يذهبون وأين يفرون من الله يوم القيامة أولئك الذين خياناتهم على مستوى الأمة؟ والمفسدة فيها متحققة على المستوى العام؟ والضرر لاحق لا نقول بهذا الجيل فحسب، بل لأجيال متعاقبة والعلم عند الله؟
نسأل الله -جل وعلا- أن لا يكون ذلك.
بعض البشر يرتكب خيانات، وتخط يده بكلمات يضر بألوف مؤلفة، وهو يعلم في قرارة نفسه أنها خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن سَيَعْلَمُ: (الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشعراء: 227].
أيها المسلمون: قال الله -تعالى- في محكم تنزيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].
هذه الآية -أيها الأخوة- فيها تحديد شامل للجوانب التي نُهي المؤمنون من ارتكاب جريمة الخيانة في إطارها.
لا تخونوا الله، هذه واحدة، والرسول، هذه ثانية، وتخونوا أماناتكم، هذه ثالثة.
فخيانة الله، هي الإخلال بحقوق ما استأمننا الله عليه، وأعطيناه فيه عهد الأمانة؛ لأننا مسلمون.
فعدم تحقيق "لا إله إلا الله" في النفس وفي الغير، خيانة لله.
تعطيل فرائض الله، أو تعدي حدوده، أو انتهاك محارمه كلها، خيانة لله.
التخلي عن تكاليف الأمة المسلمة في الأرض، دعوةً وإصلاحاً وتقويماً وجهاداً، يعتبر خيانة لله.
عدم مصارعة أهل الباطل، مجاهدة أهل الكفر، ومحاولة التزلف والتقرب لهم، خيانة لله.
عدم تبني قضية الدين جملةً وتفصيلاً؛ لتقريره عقيدةً في القلب، وحركة في واقع الحياة، التخلي عن هذه القضية خيانة لله؛ لأن الله -جل وتعالى- قد أمرنا بكل ما سبق ذكره وبغيره.
أما خيانة الرسول، فحقوقه تابعة لحقوق الله، ومن حقوقه علينا:
الإيمان برسالته، واتباع شريعته، والتمسك بسنته، وعدم معصية ما أمر به، أو نهى عنه. فتقديم قول فلان، أو فلان، على قوله، تعتبر خيانة للرسول.
ترك سنته مع علمنا بها، خيانة للرسول.
أولئك الذين لهم جهود قوية وجادة في زعزعة الناس عن اتباع سنته، ومحاولة استبدالها بمناهج وأفكار علمانية، لا بد أن يكونوا على بينة أنهم خانوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسيكون عليه الصلاة والسلام خصمهم أمام الله يوم القيامة، فليعدوا لذلك الموقف جواباً، وإذا عُلم أنه ستنخرس ألسنتهم، فليدعوا ألسنة تنتشر بين الناس، ولا يحاولوا أن يحولوا بينها، وبين عباد الله.
أولئك الذين لهم جهود بالطعن في السنة، إما رواية أو دراية، أو الطعن في جملة السنة، سواءً كانوا الصحابة أو من أتى بعدهم من حملة الشريعة للناس، أو أولئك الذين دينهم سب الصحابة؛ لأنهم أوصلوا السنة للبشرية، فليعلموا أنهم خونة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
أما الثالثة: (وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ) خيانة الأمانات كلها، وهذه تشمل ما يتعلق بحقوق كل ذي حق، نحن مستأمنون عليه.
فليحذر الموظف من خيانة الأمانة، بتعاطي الرشوة، أو إتعاب أصحاب المعاملات وتأخيرهم بقصد التسلط، فإنها خيانة للأمانة، وليحذر أصحاب المناصب والمراكز من التخوض في المال العام دون وجه شرعي، فإنها خيانة للأمانة، وليحذر كل من الزوج والزوجة، من علاقة محرمة، أو اتصال بأجنبي، فإنها خيانة للأمانة، وليحذر كل راع مسؤول عن رعيته، من خيانة ما استؤمن عليه.
أيها الأحبة: الخيانة من صفات المنافقين، والأمانة من صفات المؤمنين، فاختر أي الطريقين شئت! وتخيّر أي الوصفين تريد! قال صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا عهد له، ولا دين لمن لا عهد له"[رواه الإمام أحمد].
إنه لا صلاح لأمة استشرى فيها الخيانة، ولا بقاء لمجتمع تفشى فيها الخيانة، ولا كرامة لأناس صارت الخيانة من أعمالهم وسلوكهم، هل يمكن لخونة أن يصلحوا وضعاً؟ أو أن يقيموا أساساً؟ أو أن يشيدوا عمراناً وحضارةً؟
لا يمكن أبداً.
يوسف -عليه السلام- عندما طلب من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض، وهو في مصطلحنا المعاصر وزيراً للمالية، كان يعلم من نفسه أنه ليس بخائن، ولا يمكن أن تخطر الخيانة بفكره أبداً -وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم- يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[يوسف: 55].
إن أوضاع مصر الاقتصادية كانت منهارة، ويوسف -عليه السلام- كان يعلم أنه من الأسس والقواعد الأساسية لإصلاح أي وضع اقتصادي منهار أن يتولى دفة الأمور الأمناء -الأمناء في دينهم الأمناء مع ربهم، الأمناء في التزامهم-.
أما الخونة، فلا مجال لهم أصلاً في مثل هذه المراكز -وإن وجدوا- فالدمار والخراب والتدهور الاقتصادي لوضع ذلك المجتمع: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[يوسف: 55].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
فهذه قصة خيانة جرت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل فيها قرآناً يتلى إلى قيام الساعة، فيها الكثير من التوجيهات للفرد والجماعة والأمة، والحاكم والمحكوم لمن تأملها وتدبرها.
تقول القصة: كان طعمة بن بشير بن أبيرق من مسلمة الأنصار، وكان بشير والد طعمة من المعروفين بالنفاق -والعياذ بالله-، فنقب طعمه جداراً لرفاعة بن زيد وسرق منه درعين ودقيقاً، وكان في جراب الدقيق خرقُ، فجعل ينتشر منه الدقيق، وكان ذلك أثراً مادياً دل على السارق، وعرف رفاعة بن زيد وأهله أن بني أبيرق هم الذين سرقوا الدرعين والدقيق، فجاء قتادة بن النعمان ابن أخي رفاعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشكا إليه أبيرق، وما كان منهم من سرقة، وشاع أمر بني أبيرق في المدينة، فأرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسيد بن عروة بن أبيرق، فقال: يا رسول الله إن هؤلاء قد عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين، فاتهموهم بالسرقة، ورموهم بها من غير بينة، وأخذ يجادل عن ذويه؟ فتنكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لقتادة بن النعمان ورفاعة بن زيد؛ لأنهم قد اتهموا بني أبيرق دون بينة، فأنزل الله عليه من الآيات ما بيَّن له فيه خيانة هؤلاء، ونهاه عن أن يدافع عن الخونة، أو أن يجادل لتبرئتهم، فهم مدانون بالخيانة، لاسيما وأمارتها تشير إليهم، ثم لم يقتصر أمر بني أبيرق على إنكار ما كان منهم من خيانة، وإنما رموا بها بريئاً فألصقوا به التهمة، وهذا البريء هو: لبيد بن سهل، فلما أنزل الله ما أنزل، وبرأ لبيداً من التهمة، هرب السارق من بين أبيرق إلى مكة ثم هرب إلى خيبر، ثم إنه نقب بيتاً آخر ذات ليلة ليسرق، فسقط الحائط عليه فمات. قال الله -تعالى- في شأن هذه القصة: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النساء: 105- 113].
إن في هذا النص القرآني معالجة تامة وأحكام وتوجيهات قضائية وإدارية لعمليات الخيانة في المجتمع المسلم.
منها: تحديد الله لرسوله مسؤوليته القضائية وسبيله في إصدار أحكامه على الناس، وتحذيره من الاندفاع بأكاذيب الخائنين وتضليلاتهم.
ومنها: توجب تحري الحكم بالحق من قبل القضاة والسلاطين والولاة.
وفي قوله تعالى: (وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا) نهي واضح وصريح عن المخاصمة لصالح الخونة، أو الدفاع عنهم، خصوصاً عند وجود بعض العلامات الدالة على خيانتهم.
وفي قوله: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) تأنيب من الله للخونة، وتحذيراً لهم من عاقبة هذه الفعلة الشنيعة، ثم نبههم بقوله: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).
وفي أواخر هذه الآيات الكريمات: باب أمل لكل خائن، ولكل من ارتكب عملاً خان فيه نفسه أو مجتمعه أو وظيفته أو أمته، بأن يرجع إلى الله ويتوب من وصمة العار التي لحقت به، والتي ستلاحقه وستدخل معه قبره، وسيراها يوم القيامة، وسينفضح هناك أمام الخلائق، باب أمل بالتوبة في قوله -عز وجل-: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
فاتقوا الله -أيها المسلمون- اتقوا الله -تعالى- ففي رقبة كل واحد منا أمانة، لا بد أن يؤديها، والتقصير وارد والتسويف حاصل، فليؤد كل منا أمانته، ولنبتعد عن طرق الخيانة، ونتب إلى الله ما دام في الأمل فسحة، قال عز وجل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طـه: 82].
اللهم إنا نسألك رحمة ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم