الخطيب وصناعة الأمة ..رؤية استراتيجية-الجزء الأول

محمد الأمين مقراوي الوغليسي - عضو الفريق العلمي

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: مقالات

اقتباس

وهل يعي الخطباء أن المسجد هو المكان الوحيد الذي تتوجه إليه كل شرائح وفئات المجتمع، من الرجال والنساء والشيوخ والعجائز والأطفال والشباب والشابات، هو المكان الوحيد الذي يقصده رغبة ومحبة: الجاهل والمتعلم، الطبيب والمهندس، والصحفي والشرطي والعسكري والمسؤول والمعلم والطيار والمحامي، وباقي شرائح المجتمع، هل يمكن أن يحدث مثل هذا في مكان آخر غير المسجد؟ هل تأمل الخطيب كل ذلك؟..

 

 

 

 

إن كان العلماء والمفكرون عقل الأمة الإسلامية، فإن الخطباء قلبها النابض، وإن كانت المصانع السلة الغذائية للأمة، فإن المساجد هي الرئة التي تتنفس بها، فهي التي تعيد شحن الأمة أسبوعيا، وتوفر للأمة الشروط المعنوية والروحية للإقلاع الحضاري، ولا يمكن لأي مؤسسة اجتماعية مهما قويت أن تحل محل المساجد في تأثيرها على المسلمين أفرادا وجماعات، وهيئات ومنظمات؛ لأنها الحصن الحصين للمسلمين عبر التاريخ الإسلامي.

 

وقبل الحديث عن الرؤية الاستراتيجية التي يفترض أن يملكها كل خطيب سخّر نفسه لخدمة المسجد والمسلمين، فإنه من الضروري إعادة بعث الوعي في عقل الخطباء  -والمخاطبين أيضا- بأهمية المساجد ودورها الشرعي والاجتماعي والحضاري والتربوي والثقافي في الأمة الإسلامية، ولا يمكن أن نقفز على هذه القضية دون أن نرسخ حقيقة ظلت راسخة في الوعي الجمعي للمسلمين في القرون الماضية، وغابت وغُيّبت عن نفوس الكثير من المسلمين عقودا طويلة.

 

المساجد القوة التي يخشها الأعداء:

ولقد أدرك المستشرقون والمستعمرون أهميتها وخطورتها على قوى الاستعمار والاستدمار فراحوا يهدمونها في كل الدول التي احتلوها، فهدموا مساجد الجزائر ومساجد القوقاز ومساجد التتر، ومساجد الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وهم يظنون أن هدمها سيحقق لهم أهدافهم العقدية والاقتصادية؛ لاعتبارهم قضية اختفائها بمظاهرها الإسلامية أول خطوة نحو هزيمة الروح الإسلامية.

 

ولا تزال الدول النصرانية تهاب المساجد فهذه أوروبا وأمريكا ودول الغرب قاطبة تمنع الآذان من الارتفاع في سماء أوروبا؛ لأنها تدرك قوته وقوة المصدر الذي ينطلق منه، وها هي روسيا مع ما لها من قوة وعسكر وغطرسة تخشى رؤية المساجد في مدنها، فموسكو التي تساوي في حجمها دولا تحتضن أربعة مساجد فقط، وترفض أن تبنى فيها مساجد أخرى، وهذا مفتي شرق روسيا نفيع الله عشيروف يقول: "لقد طالبنا بحقنا في بناء مسجد في منطقة سخالين بروسيا لمدة عشرين سنة ولم يسمح لنا بذلك". فهل يتصور عاقل أن هذا المنع عبثي وغير مدروس، وهو يرى هذا الإصرار على رفض الترخيص ببنائها؟

 

وخطورة منع الناس من المساجد تكمن في كون المنع سببا مباشرا لفساد فطر الناس، واندثار المعروف، وتلاشي سحب الخير من سماء الناس؛ ولأجل ذلك جاء الخطاب الرباني شديدا في حق كل من حاول منع المساجد ماديا أو معنويا، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:115]. فلا ظلم أشد على النفس من حرمانها من  منبع الهادية والاستقرار النفسي  والسلام الذاتي والاجتماعي الذي يعطيه المسجد للمسلمين.

 

وكما أدرك الأعداء التاريخيون والحضاريون للمسلمين قوة المساجد، أدرك المسلمون قيمة المسجد في البناء الحضاري، والإصلاح الاجتماعي، وليس غريبا أن يكون أول عمل يقوم به النبي -عليه الصلاة والسلام- في المدينة بناء المسجد، عن أنسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ".. وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلأ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ :"يَا بَنِي النَّجَّار، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا " قَالُوا : لا وَاللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا من اللَّهِ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ. -فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِع. فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إِلا خَيْرُ الآخرة *** فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ والمهاجرة".

 

فهو مأوى الأفئدة والنفوس، وفيه تتصل القلوب بالسماء، وفيه تصنع الضمائر، وتصقل الأخلاق، ومنه تخرج السرايا، وفيه تسترجع الحقوق، وفيه تظهر المواقف والمواهب.

 

وفي عصرنا هذا نماذج عديدة تتحدث عن أهمية تأثير المساجد في المجتمع، ومنها النموذج الذي يحكي قصة مالك بن نبي مع مسجد الجامعة، فبعد استقلال الجزائر سيطر الشيوعيون على الجامعات ومختلف الهيئات، فطالب مالك الطلبة بفتح ما سمي وقتها بمسجد الجامعة، لكن الشيوعيين رفضوا وحدثت صدامات عنيفة، وتصاعد الصراع حتى وصل إلى السلطات العليا، فجاء الاقتراح من السلطات بالسماح للطلبة ببناء مسجد خارج الجامعة، لكن المفكر مالك بن نبي كان له رؤية أخرى، فهو يعرف أهمية وجود مصلى للطلبة داخل الجامعة، فقال لهم فيما معناه: "إن مترين داخل الجامعة خير من مسجد كبير خارجها"، وفعلا افتتح مسجد الجامعة، وكان أحد أهم وأبرز العوامل التي جعلت الصحوة الإسلامية تظهر في الجزائر، وكان أبرز عامل ساهم في سقوط الأفكار الشيوعية؛ لقد كانت نصيحة مالك بن نبي نصيحة رجل يعرف قيمة المسجد، ولا يعتبره مكانا للعبادة فقط، فقد كان هذا المسلم يفهم جيدا الشعار الذي أرادت به العلمانية الغربية إطفاء وهج ونور المساجد "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، شعارٌ يعتبر إعلانَ حرب على رسائل المسجد الإيمانية والتربوية والسياسية والتثقيفية، وهي حرب آتت أكلها اليوم في العالم الإسلامي، بعدما تمت السيطرة على المساجد ودورها من خلال إضعاف وعي الخطيب بقيمة وعظمة مهمته والمكان الذي تنطلق منه رسالته، وفصله عن باقي وظائف المساجد، فصارت المساجد لا تؤدي دورها؛ لأن من يقوم عليها غالبا لا يملك رؤية أو استراتيجية تليق بمكانة المسجد في حياة الأمة الإسلامية.

 

هل يعي الخطباء حقيقة المسجد؟

عندما يمنع الروس والصينيون وغيرهم بناء المساجد، ويرفض الغرب وغيره الترخيص برفع الآذان، فإنهم يعملون على ما يرونه مراقبة انتشار الأفكار، والحرص على مراقبة كل ما يعبر إلى المجتمع، فالآذان -وما بعده- بالنسبة إليهم أفكار غير مناسبة للمجتمع غير المسلم، وتأثيره قد يمتد لعقول وقلوب وبيوت كثيرة؛ لهذا لا يتسامحون مع مرور ما يرونها أفكارا تضاد أفكارهم.

 

ونفس الأمر يقال عن المسجد، فالروس مثلا أو الصينيون يرون في المسجد المصنع الذي تخرج منه الأفكار المضادة لسياساتهم وأنظمتهم الاجتماعية، ويعون جيدا أن الإسلام دين سماوي يحمل للمجتمعات رسائل واضحة، تحث على العدل والرحمة وتنبذ الطبقية والظلم والطغيان؛ لذلك يصرون على هدم ما أتيح لهم هدمه، ويلحون على أن تكثر المساجد والمصليات في بلادهم، وهذا يدخل تحت ما يسمى: الصراع الفكري والحضاري.

 

حتى الأنظمة التي عادت الإسلام فعلت نفس ما فعله المستعمرون، ففي تركيا الكمالية تمت محاربة رسالة المسجد، ومحاربة الآذان، لماذا؟ لأن الجميع يدرك أن بيت الله هو مصنع الإيمان والرجال والمصلحين، وفي ذلك خطر عليهم.

فهل يعي الخطيب أهمية المسجد؟ هل يعي قيمة المكان الذي أقامه الله فيه؟ هل يعي الخطباء اليوم عظمة الأمانة التي وُضعت بين أيديهم؟ سؤال يستحق التأمل من كل خطيب صادق سليم القلب.

 

الخطباء والقوة المهدورة في الأمة:

ينفق العالم أجمع أموالا ضخمة جدة على الحملات الانتخابية المعدودة؛ حتى تحضرها الجماهير، وتقام حملات وملتقيات ومؤتمرات، تنفق عليها أموال طائلة، ثم يدب الحزن إلى قلوب من نظمها إلى وهم يرون قلة الحاضرين، وبعض الخطابات يجبر الناس بالابتزاز والقوة والإغراء على حضورها، وبعض التجمعات تدفع للناس أموالا لقاء حضورهم.

 

لكن المساجد هي المكان الوحيد على الأرض الذي تتدفق إليه الجموع يوميا، مئات المصلين يتوجهون نحو المساجد ليعمروها، وليشهدوا الخطب والجمع والأعياد، يأتون إليها دون أن يصرف على ندائهم دينار واحد، بل نداء واحد يكفي لأن يتركوا كل ما في أيديهم،  ويتركوا النوم والعمل والمال والملذات ليخرجوا قاصدين بيت الله، لا يوجد على الأرض ما يشبه هذا ولن يوجد. فهل يعي الخطيب أي قوة للمسجد؟ هل ينتبه الخطباء لهذا الخير العظيم الذي يأتيهم ولا يصرفون عليه درهما واحدا ولا يعلقون الإعلانات ولا يشترون ساعات إشهارية في التلفزات، هل يعرفون حقا قيمة هذا المكان العظيم؟

 

وهل يعي الخطباء أن المسجد هو المكان الوحيد الذي تتوجه إليه كل شرائح وفئات المجتمع، من الرجال والنساء والشيوخ والعجائز والأطفال والشباب والشابات، هو المكان الوحيد الذي يقصده رغبة ومحبة: الجاهل والمتعلم، الطبيب والمهندس، والصحفي والشرطي والعسكري والمسؤول والمعلم والطيار والمحامي، وباقي شرائح المجتمع، هل يمكن أن يحدث مثل هذا في مكان آخر غير المسجد؟ هل تأمل الخطيب كل ذلك؟

 

هل يعرف الخطيب أن كل التجمعات واللقاءات والمنتديات والدورات في كل العالم تتمنى أن يحضر إليها خيرة أبناء المجتمع؟ وقد تصرف نظير حضورهم ملايين على سفرهم ومبيتهم وأكلهم لمجرد حضورهم، وكلامهم فيها دقائق معدودة.

 

الخطباء والأمن المسجدي:

هل يعي الخطيب اليوم أن الأمن أحد أهم متطلبات الحياة السعيدة؟ الأمن يشكل محور النجاح الاقتصادي والرفاه، ويشكل الركيزة التي يبنى عليها الأمن الغذائي؛ ولذلك جاء التركيز عليه ظاهرا في سورة قريش: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [سورة قريش]  فقد تضمن هذه السورة العظيمة ركائز الحضارة، وأسس البناء الاجتماعي، فلا تجارة ولا اقتصاد، ولا حياة اجتماعية دون وجود الأمن الذي يعتبر ضرورة حياتية تفسد دونها الحياة.

 

ويرى الخطيب أن كل المرافق الهامة التي يأوي إليها الناس، أو يجتمعون فيها تنفق أموالا طائلة في السنة؛ لأجل حمايتها، أما المساجد فإنها بيوت الله الآمنة، من دخلها شعر بالأمن والأمان، فلا يتصور فيها شجار، أو كلام فاحش، أو خصومات فاجرة، فهل يعي الخطيب بعد هذا قيمة المسجد؟ من أين حصل المسجد الذي ترتاده جميع فئات المجتمع على هذا الأمن؟ بل من أين حصل له هذا الأمن حتى في غسق الليل، حيث يحضر الناس إلى الصلاة فجر كل يوم؟ إن هذه النعمة العظيمة تيسر على الخطيب عمله، فهو في مكان مقدس وآمن، ولو أراد أحد الشر بالمسجد لتداعى الناس إلى حربه وقتاله، فهلا أدرك خطباء المسلمين النعمة التي يعيشونها؟ إنها دعوة للتأمل في حقيقة الأمن الذي يحيط بالمسجد، الامن المادي والاجتماعي، ولنقل حتى الأمن المالي، فأغلب بيوت الله قد بنيت على نفقات أهل الإحسان وعلى نفقة الشعوب، وأي خير بعد هذا الخير؟ مساجد آمنة دون أن يصرف على أمنها دينار واحد.

 

كنوز المساجد من الذي غيّبها؟

ومن الحقائق المغيبة والغائبة عن وعي بعض الخطباء، أنّ أحسن القلوب والعقول في المجتمع المسلم هي التي تأوي إليها، بل ولا ترتادها ثم تذهب بعد أداء العبادات، بل إنّ أرواحها معلقة بالمساجد، وهذه الفئة الخَيِّرة هي القلب النابض للمجتمع الإسلامي، وقوته الضاربة، وقد نالت مدحا وثناء من الله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ? يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ? وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)،  وقد كرر الخالق مدح هذه الفئة مدحا عظيما، وشهد لها بالإيمان، فقال: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ? فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18]. وهذه النقطة من أبرز النقاط التي يغفل عنها المشتغلون بالدعوة في المساجد، وعلى رأسهم الخطباء، إنهم كنوز المساجد، مصابيح الخير في المجتمع، هذه الفئة الصالحة المصلحة لم تنل حقها من الالتفات والرعاية، رغم أن الذي شهد لها بالخير هو خالقها والعالم بحقيقتها.

 

وصدق الشاعر محمد الحلوي حين يقول:

قـم باسـم ربـك بانيـا ومشيـــدا  ***  وارفع على تقواه هـذا المسجــدا

واسمع نــداء الله فـوق منـــاره  ***  لحنـا سماويـا وطيـرا منشــدا

ينسـاب في أعمـاق كـل موحــد  ***  فيضـا ونـورا للحيـاة مجــددا

لا صوت أكبـر منـه أو أعلـى ولا ***   تفنى جلالتـه على طـول المـدى

خيـر البقـاع مساجـد معمــورة   ***   تلقـى بهـا الأرواح أفضل منتدى

تسمو بها نحو الفضيلـة والتقــى ***  وتنيلهـا العيش الهني الأرغــدا

يهوى سكينتهـا المنيـب وينجلـي  ***   عن نفسه  وقد استجار بها  الصدا

ينسى بهـا دنيـاه وهـو مكبــر  *** ويـرى حقيقـة نفسه متجـــردا !

جافت جنوب الصالحين مضاجعـا ***  وقضـوا ليالهـم قيامـا سجدــدا

وسعوا إليهـا في الظـلام يحثهم   ***  شوق يهـز قـويهـم والمقعــدا

يتلـون آي اللـه في محـرابها   *** والفجر يـوشك نـوره أن يولـدا

 

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل استثمر الخطباء في العالم الإسلامي في هذه الفئة الهامة والشريفة؟ هل استطاع الخطباء تحويل هذه الفئة إلى قوة إصلاح وتغيير فعالة وبناء؟ الجواب الذي يشهد له الواقع والصديق والعدو: أننا نشهد فشلا حقيقيا في الاستثمار فيها، ولو استثمرت لتغير حال العالم الإسلامي، كيف لا وهي تأتي طوعا ورغبة، وفي أعماقها حب للبذل والاجتهاد والعطاء.

 

هذا ما سنحاول لفت القلوب والعقول إليه في الجزء الثاني، بعد أن حاولنا في هذا المقال تنبيه الخطباء النجباء إلى عظمة المسجد، وإعطاء رؤية حقيقية لقيمة المساجد في حياة المسلمين.

 

الخطباء المصلحون طليعة الأمة:

إن الخطيب الواعي ليدرك حق الإدراك أنه طليعة الأمة، وعيه العميق يعطي إصلاحات عميقة، وجهودا أعمق، تستهدف إنتاج طاقات اجتماعية تشبه تلك الطاقات التي تخرجت من مسجد قباء، وبداية الوعي امتلاك رؤية ثم استراتيجية، وحسن توجيه، فالوعي والرؤية غير كافية دون التوجيه الصحيح؛ ولهذا سطرت هذه الكلمات لعل الوعي المسجدي يرتقي إلى آفاقه العليا.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات