الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة

عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي

2021-04-02 - 1442/08/20 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/يوم القيامة عظيم الأهوال 2/شدة العطش يوم القيامة 3/لكل نبي حوض يوم القيامة 4/وصف حوض النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه 5/صفات الواردين على الحوض والمُبعَدين عنه.

اقتباس

فسُحقاً لمن ارتدَّ عن دين الله، سُحقاً لمن أحدث في دين الله ما لا يرضاه، فما أحرى هؤلاء بالطرد عن الحوض! سحقًا لمن طعن في الصحابة الكرام.. والويل للظلمة المعتدين على حقوق الضعفاء، وللمعلنين بكبائر الذنوب المجاهرين بها بلا حياء. يُخشى على هؤلاء جميعًا أن يكونوا عن حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- مطرودين.

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أيها المسلمون: إن يوم القيامة يومٌ عظيمُ الأهوال:

يومٌ تشقَّقت السماءُ لهولِهِ *** وتَشيبُ فيه مفارقُ الوِلدانِ

يومٌ عبوسٌ قمطريرٌ شرّه *** في الخلق منتشرٌ عظيمُ الشانِ

 

يقوم الناس لرب العالمين حفاةً غيرَ منتعلين، عراةً غيرَ لابسين، غرلًا غيرَ مختونين. يَفِرُّ الإنسان مِن أحبّ الناس إليه، من أمه وأبيه، وأخيه وزوجته وبنيه.

 

تدنو فيه الشمس قَدْر ميل، وتزدحم فيه الأممُ يبحثون عن ظل ظليل، و"يَعرقُ الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقُهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويُلجمهم حتى يبلغَ آذانَهم"؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يبلغُ الناسَ من الغمِّ والكربِ ما لا يطيقون وما لا يحتملون".

 

وعلى إثرِ هذه الأهوال في هذا اليوم الطويل العظيم، يبلغ بهم العطشُ مبلغًا عظيمًا يحرق أكبادَهم، فيبحثون عما يروِّي ظمأهم.

 

فأما الكفار والمنافقون فيا خيبتهم! ويا حسرتهم! ويا سوء عاقبتهم!؛ فأعمالهم (كَسَرابٍ بِقيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمآنُ ماءً حَتَّى إِذَا جاءَهُ لَم يَجِدهُ شَيئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَريعُ الحِسابِ)[النور: 39].

 

ويَمُنُّ ربنا المنان الكريم على عباده المؤمنين؛ فيجعل في أرض المحشر أحواضَ ماءٍ للواردين، يوقِفُ عليْها الرُّسلَ والنبيين: قال -صلى الله عليه وسلم- "إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وإنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أيُّهُمْ أكْثَرُ وارِدَةً، وإنِّي أرْجُو أَنْ أَكُونَ أكْثَرَهُمْ وَارِدَةً".

 

فهذا حوض نوح، وهذا حوض إبراهيم، وهذا حوض موسى، وهذا حوض عيسى، وحوضُ نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أعظمها ماء، وأكثرها واردة.

 

الحوض -أيها المؤمنون- مأوى أهل الإيمان قبل دخول الجنة؛ يُروى عنده الظمأى، ويَأمن عنده الخائفون، ويَسعد عنده المحزونون.

 

وحوض النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم سَعته على الحقيقة إلا الله -تعالى-، حدَّثنا عنْه -صلى الله عليه وسلم- فقال: "حَوْضِي مَسِيرةُ شَهْرٍ، وزَوَاياهُ سَوَاءٌ، طوله مسيرة شهر وعرْضه مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللَّبن، وريحُه أطْيب من المسك، وآنيتُه كنجوم السَّماء في عددِها ونورِها ولمعانِها، وهو أبْردُ من الثَّلج، وأحْلى من العسل. مَن شرِب منه شربةً لا يظْمأ بعدها أبدًا، ولم يسودَّ وجهه أبدًا".

 

إنها صفات عظيمة، تأخذ بلُبِّ المؤمن وقلبِه، وتقوِّي صلتَه بربِّه، وتزيدُه إيمانًا ويقينًا بوعده.

 

إن الحَوض -عباد الله- أرضٌ واسعةٌ في أرض الموقِف، يملؤُها الله ماءً من نهر الكوثر، يصُبُّ في هذا الحَوض ميزابان من ذهبٍ وفضة من نهر الكوثر، قال -صلى الله عليه وسلم- عن الكوثر: "نهر من الجنة يَسيل في حوضي"، وماء الحوض عظيمٌ لا ينقص، وكثير لا ينتهي، يشرب منه المؤمنون لذةً وهناءةً ونعيمًا.

 

حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- حوض عظيم ومورد كريم، يَرِدُه أهل الحق الذين يتمسكون بسنته ويعملون الصالحات، يرده المحافظون على الوضوء والصلوات.

 

سأل الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف تعرفُ من لم يأتِ بعدُ من أمتك؟! قال: "أَرَأَيْتم لَوْ أَنَّ رَجُلا لهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحجَّلَةٌ بيْنَ ظهْريْ خَيْلٍ دُهْمٍ بِهْمٍ، أَلا يعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بلَى يَا رسولُ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يأْتُونَ غُرًّا مَحجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأَنَا فرَطُهُمْ على الحوْضِ".

 

الله أكبر.. بشراكم يا أهل الوضوء والصلوات، بشراكم يا عُمّار المساجد والجماعات؛ خصَّكم الله بخصيصة ليست لغيركم؛ يعرفكم بها نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَرِدون عليّ الحوضَ غرًّا محجِّلين من آثار الوضوء، ليست لأحد غيركم".

 

يرِدَ الحوضَ المستقيمون على طاعة الله، والمتَّبعون لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويُذاد عنه المرتدون المحدثون.

 

قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ ، فَلَيُقَطَّعَنَّ رِجَالٌ دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ".

يُقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "سحقاً سحقاً، لمن بدّل بعدي".

 

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ؛ أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا"؛ فسُحقاً لمن ارتدَّ عن دين الله، سُحقاً لمن أحدث في دين الله ما لا يرضاه، فما أحرى هؤلاء بالطرد عن الحوض!

 

سحقًا لمن طعن في الصحابة الكرام، سحقاً لمن خرج عن جماعة المسلمين ونازَعَ الإمام. والويل للظلمة المعتدين على حقوق الضعفاء، وللمعلنين بكبائر الذنوب المجاهرين بها بلا حياء. يُخشى على هؤلاء جميعًا أن يكونوا عن حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- مطرودين.

 

اللهم اجعلنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين، ولحوض نبيك -صلى الله عليه وسلم- من الواردين، وإلى جناتك من أول الداخلين.

 

 

الخطبة الثانية: 

 

الحمد لله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد أيها المسلمون: إن ورود الناس الحوض وشربَهم منه يوم العطش الأكبر بحسب ورودهم لسُنته -صلى الله عليه وسلم- وشربهم منها، فمن وَرَدَ سنته في هذه الدار وشرِب منها وتضلَّع: وَرَدَ هناك حوض النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وشرِب منه وتضلَّع.

 

فَلَهُ -صلى الله عليه وسلم- حَوْضانِ عَظِيمانِ: حَوْضٌ في الدُّنْيا وهو سُنَّتُهُ وما جاءَ بِهِ، وحَوْضٌ في الآخِرَةِ، فالشّارِبُونَ مِن هَذا الحَوْضِ في الدُّنْيا هُمُ الشّارِبُونَ مِن حَوْضِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، فَشارِبٌ ومَحْرُومٌ، ومُسْتَقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ .

 

فما أعظمَ فوزَ مَن منَّ الله عليه بوُرود الحوض فشرِب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا!، وما أعظمَ خسارةَ من حُرِم من شُربه وطُرِد عنه، ولا يظلم ربك أحدًا!.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

 

المرفقات

الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات