الحوثيون والمولد .. تسويق سياسي وترويج فكري

أ زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

لقد جعلت المليشيات الفارسية من ذكرى مولده كرنفالا أخضر وقطرنة حديثة بأموال الجياع وفتات عيشهم؛ ولم يكفهم ما خلفه انقلابهم البشع وحربهم الوحشي من مآس وآلام؛ فجعلوا شعبا بأكمله يستجدي دول العالم ومنظماته في لقمة عيشه وكفاف حياته، لم يكفهم قطعهم رواتب ملايين الموظفين وسرقتها دعما لمشروعهم الفكري الطائفي وتحقيقا لمنافعهم الخاصة؛ ثم ما لبثوا أن ابتدعوا للمجتمع مناسبات طائفية وأحيوا فيه ذكريات بدعية كانت مسوغا لفرض...

أيها الفضلاء: تفصلنا أيام ليست بالكثيرة عن مناسبةٍ تعد لها الجماعة الحوثية وغيرها (من فصائل الرفض التابعة لإيران فارس) العدة لتبني عليها آمالها الفكرية والعقدية وأطماعها السياسية والمالية، وقد رأيتم الإمكانيات المادية والبشرية الهائلة التي تسخرها مليشيات إيران لإقامة هذه المهرجانات والفعاليات، وما يصاحبها من تعاميم قاضية بدفع مبالغ مالية يتم جبايتها بقوة السلاح وبطريقة تعسفية من خلال فرق ميدانية، كما يتم إلزام أصحاب المحال التجارية والمؤسسات المدنية وغيرها بتبني فعاليات كرنفالية ومهرجانات فكرية خاصة، وتبنِّي ما تحتاجه من لافتات ولواصق ولوحات فيها شعاراتهم، كما يتم إجبارهم على صبغ المحال التجارية والمؤسسات وجدرانها باللون الأخضر، وتحشيد الناس لميادين واسعة تحت تهديدهم أو الوعيد بحرمانهم من بعض مقومات الحياة التي بأيديهم ..

 

وبعيدا عن الحكم الشرعي القاضي ببدعية الاحتفال بمولد البشير والهادي النذير النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أو بمشروعيته؛ كون لهذا كتاباته الخاصة ومساراته المستقلة، والخلاف فيه لا يزال يتجدد كل ربيع الأول منذ نشأة الفكرة وحتى اللحظة؛ وقد أُلفت في الحكم عليه المؤلفات، والكلام فيه كثير قديما وحديثا؛ لكننا هنا نود تسليط الضوء على هذه الاحتفالات الترويجية والتسويقية التي تقيمها أذرعة الفرس وأيادي الرفض في اليمن تحت مسمى المولد النبوي والمهرجانات المغلفة بغلاف ديني مكذوب وشرعي مصطنع؛ لكنها في الحقيقة سياسية ومادية وفكرية طائفية تحت شعار زائف.

 

والمتأمل -يا كرام- في مسيرة المليشيات الرافضية وسلوكها منذ نشأتها وحتى اللحظة يجد بما لا يدع مجالا للشك أنهم لا يمتون للنبي -صلى الله عليه وسلم- بصلة نسب ولا دين ولا يتصلون به في اتباع ولا اقتداء أو محبة أو اهتداء، واحتفالاتهم ليست سوى وسيلة يجنون من ورائها أموالا ويتكسبون منها ولاء، وأما النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فليس له فيه من ورائها أي اقتداء أو ولاء، ويقيمون فعاليات يخلدون فيها ذكرياتهم وليس للنبي من ورائها أي ذكرى، ومهرجانات يحشدون من ورائها اتباعا وليس للنبي من ورائها أي تابع، وتجمعات يكوِّنون منها مناصرين وليس للنبي من ورائها أي ناصر.

 

إنها احتفالات حوثية زائفة مع ما يصاحبها من منشورات خرقاء، ومهرجانات هيلمانية مع ما يزامنها من خطب جوفاء، زاعمين بهذا التحشيد حبه والتأسي به، ومدعين بهذا التجمهر تعظيمه والاهتداء به، يضللون بذلك على الدهماء ويذرون الرماد على الغوغاء، ويغررون على من لا يعرف أصل عقيدتهم وحقيقة أفكارهم وطبيعة سلوكهم أو من لا يحسن الربط بين تاريخهم واحتفالاتهم وعقيدتهم ومهرجاناتهم.

 

لقد جعلت المليشيات الفارسية من ذكرى مولده كرنفالا أخضر وقطرنة حديثة بأموال الجياع وفتات عيشهم؛ ولم يكفهم ما خلفه انقلابهم البشع وحربهم الوحشي من مآس وآلام؛ فجعلوا شعبا بأكمله يستجدي دول العالم ومنظماته في لقمة عيشه وكفاف حياته، لم يكفهم قطعهم رواتب ملايين الموظفين وسرقتها دعما لمشروعهم الفكري الطائفي وتحقيقا لمنافعهم الخاصة؛ ثم ما لبثوا أن ابتدعوا للمجتمع مناسبات طائفية وأحيوا فيه ذكريات بدعية كانت مسوغا لفرض جبايات باهظة؛ كان منها المولد النبوي والتي باتت هذه الذكرى الجميلة تشكل هاجسا مزعجا بسبب ما يصحبها من تعسفات صبيانية وإتاوات غير شرعية ولا قانونية...

ولقد كان يكفي نبينا -صلى الله عليه وسلم- من أدوات فارس أن يسلموه الأذى في عرضه ويجنبوه جرأتهم على صحبه؛ فتلك صدقة يتصدقون بها على أنفسهم، وكفى.

 

والحوثيون في حقيقة حبهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمهم له كذبة دجالون، ليس هذا تقولا عليهم أو تجنيا في حقهم؛ بل هذا ما صاغته أقلامهم ونطقت به ألسنتهم وتداولته وسائل إعلامهم، ويشهد به عليهم تاريخهم ومسيرتهم التي نسبوها للقرآن والقرآن عليها يلعنهم؛ فليس لهم من القرآن سوى الانتساب إليه (المسيرة القرآنية)؛ وحتى صرختهم من إغواء الله لهم أنها ليست سوى لعان وسباب، وما كان المؤمن بلعان ولا سباب.

 

واليوم حينما نتحدث عن احتفالات الحوثيين بذكرى المولد إنما يأتي ردا على ادعاءاتهم الكاذبة بحبه وتشبعهم المزيف بتعظيمه، إذ لا شهود له في حياتهم ولا دليل عليه في سلوكهم، وليس هذا من قبيل التهكم عليهم أو المزايدة؛ بل دلائل ذلك مستفيضة وشواهده في الواقع منثورة؛ منها:

·       إساءتهم للنبي –صلى الله عليه وسلم- نور الكون ومصدر إشعاعه. والسؤال لو كانوا يعدون احتفالهم بمولده هديا وقربة؛ فلماذا عليه الصلاة والسلام لم يوجه أمته إليه أو يقيمه بنفسه، وإن كان خشي أن يشق على أمته بالاحتفال بمولده فترك الأمر لهم؛ فكيف تجاوزه علي -رضي الله عنه- وغيره ولم يقيموه وهم من أكثر أمته حبا له وتعظيما واتباعا، وقد كان علي أول من آمن به كما أنه ابن عمه وهو زوج ابنته فاطمة. وغير علي ممن بقوا على إسلامهم (خصصت بالذكر علي؛ لأن الرافضة يتهمون جميع الصحابة بالردة بعد رسول الله إلا أربعة)؟!

وكيف جهله أبو عبدالله الحسين وأبو محمد الحسن وفرطوا في هذا الحدث العظيم وهم أهل عصمة -كما يدعون-، وهم أولى بالاحتفال بمولد جدهم رسول الله، وكذا بقية آل بيته الصالحون منهم؟!

·       كيف يزعمون حبه وهم يقولون في كتاب الله المنزل عليه بالتحريف والتبديل؛ حتى قال قائلهم في قناة (المسيرة إلى جهنم)؛ لم يعد القرآن كتاب هداية لأنه صار مبتذلا بأيدي عموم الناس فلم يعد تفسيره ونقله مقتصرا على الأئمة المعصومين، والله يقول: (‌إِنَّا ‌نَحۡنُ ‌نَزَّلۡنَا ‌ٱلذِّكۡرَ ‌وَإِنَّا ‌لَهُۥ ‌لَحَٰفِظُونَ)[الحجر: 9]؛ فهل هذا القدح وغيره من دلائل حبه وتعظيمه بل حتى الإيمان به؟!

·       كيف يزعمون حبه وهم يقولون في زوجه وعرضه الزور ويختلقون فيه الإفك المبين والبهتان العظيم، وليس هذا قول جاهل أو مجهول له قوله وعليه وزره، أو مستورا بل يرددونه في فعالياتهم وقنواتهم ومنابرهم منذ تولى كبر إفكهم عبدالله بن أبي. أليس الله طهرها بنص كتابه فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ ‌تَطۡهِيرٗا)[الأحزاب: 33]؟!

أما كفاهم تبرئة الله لها في آيات تتلى إلى يوم القيامة قال الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ ‌عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ) وحتى قوله تعالى: (ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ)[النور: 11-26]!

·       كيف يزعمون حبه وهم يسبون أصحابه وحواريه ومقربيه، والذين هم نجوم هذه الأمة ومنارات علمها وقدوات أعلامها، وما علموا أن سبهم لهم قدح في نبيه ودعوته وسيرته ونسف لجهده وجهاده قبل أن يكون قدحا لأصحابه أئمة الهدى، وهم بهذا يردون قول الله تعالى: (‌وَكُلّٗا ‌وَعَدَ ‌ٱللَّهُ ‌ٱلۡحُسۡنَىٰۚ)[النساء: 95] ومآت النصوص القاضية بعدالتهم!

·       كيف يزعمون حبه وتعظيمه وهم يعادون أهل دينه وملته ويوالون من كفر به وما جاء به؛ فهم منذ ظهور نبتتهم الخبيثة وبذرتهم القبيحة في خلافة علي -رضي الله عنه- ومن حينها وهم يعمِلون سيوفهم في أهل الإسلام قتلا! وما وضعوا يدهم يوما إلا بأيدي الكفار؛ لذلك وسائل الاستعمار الأجنبي الكافر ومهندسو احتلاله لبلاد الإسلام.

·       كيف يزعمون حبه وهم يزجون بأتباعه في السجون وينهون حياتهم في المعتقلات قتلا وتعذيبا، والناجي منهم ذهب شريدا لا يلوي على شيء بحثا عن وطن وملجئ! ثم يصادرون حقوقهم وما يقومون عليه من مؤسسات وقفية ومساجد وغيرها لصالحهم الخاص وفكرهم المحرف.

·       كيف يزعمون حبه وهم يهدمون بيوت الله التي عظمها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونسوا أن تشييدها كان أول مهمة حال دخوله طيبة الطيبة، وكانت مقر عبادته وتعليمه وقيادته وفتواه وقضائه، وكم دعا إلى تطهيرها وتقدسيها وكم رغّب في عمارتها، وكم توعد من سعى في خرابها أو منع روادها وصد عن ذكر الله فيها؛ قال الله: (وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ‌مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ)[البقرة: 114]!

بينما كان تفجيرها ونسفها هو أبرز إنجاز وأقوى انتصار حققته المليشيات على خصومها حال هجومه على بلدة أو اكتساحه منطقة.

·       كيف يزعمون حبه وهم لا يقدسون الكتاب الذي أنزل عليه؛ خير كتاب على خير رسول لخير أمة؛ وهو في ظل مسيرتهم لا أدامها الله: إما محرق أو ممزق أو مهان تحت ركام الدور التي بنيت لحفظه وتلاوته وتعلمه وتعليمه؛ بل حاربوه في كل مسجد ودار، وقتلوا حفظته والمهتمين به ومن له صلة به، والله يقول في الحديث القدسي: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب"!

·       كيف يزعمون حبه وهم ينزلونه منزلة أدنى من منزلة أتباعه من البشر؛ فالحسين عنهم أفضل وأطهر وأقدس!

·       كيف يدعون حبه وتمجيده وهم يصدون عن هديه ويحاربون شرعه وما جاء به، حاربوا العلم وضيقوا على العلماء وأغلقوا المساجد وأقفلوا حلقات القرآن ومنعوا حلقات العلم واستبدلوها بدورات صيفية طائفية حاقدة.

·       كيف يدعون حبه وتعظيمه ولا دليل على ذلك في سلوكهم ولا برهان عليه في تعاملهم؛ بل تجدهم قطاعا للصلاة قتلة مجرمين سرقا غاصبين، لا عهد لهم عهد ولا ذمة، عصاة فاسدين أهل عقوق وفجر وخيانة وغدر.

 

أيها القارئ الكريم: اكتفيت بهذا القدر فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وإلا ستحار وأنت تقرأ عنهم وتتعب وأنت تكتب عنهم. والخلاصة أنهم عمل غير صالح؛ حياتهم موبقة وشرهم مستطير؛ كيف لا وهي حافلة بالظلم والبغي، والخرافة والجهل، والشر والفساد، والعدوانية والانتقام..

لا الشرع عظموا ولا النظام أقاموا ولا العرف حكموا ولا العقل صانوا..

اللهم قنا شر عبادك واكفنا كيد خلقك وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ويمننا الذين هم مدد نبيك وحملة دينك ونصر شريعتك.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات

ما شاء الله 

وجزاكم الله خيرا