الحوادث المرورية وأخطارها

الشيخ أ.د عبدالله بن محمد الطيار

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ منزلة حسن الخلق وكف الأذى 2/ ظاهرة الحوادث المرورية ومآسٍ مترتِّبة عليها 3/ أسباب تلك الظاهرة 4/ أهمية التعاون مع الحملات المرورية الأمنية 5/ بعض الصور المفزعة لعدم الالتزام بآداب المرور 6/ بعض النصائح للحد من تلك الصور

اقتباس

إنَّ الحوادثَ المروريةَ مشكلةٌ كبيرةٌ تعاني منها غالبُ البلاد، والسبب في ذلك ضعف وازع الإيمان في القلوب، ولهثُ كثيرٍ من الشباب بالجري وراء حب الظهور والثناء، وعدم حرصهم على ملء فراغهم بما يعود عليهم بالنفع، فظهرت تلك الحوادثُ المخيفةُ التي تُحزِنُ القلوب، وتُدمي العيون ..

 

 

 

 

الحمد لله الهادي إلى أحسن الأخلاق والأعمال والأقوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتَّصِف بالجلال والكمال والجمال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتدى به واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].

عباد الله: إن من أجمل الصفات التي يتحلى بها المسلم تقوى الله -عز وجل- وحسن الخلق، وهذه الصفات تجعله دائماً عبداً شكوراً لنعم ربه، والخلق الحسَن هو عنوان كمال الإيمان، وثمرة البر والإحسان، وأساس التعامل بين الناس، ومقياس الحياة في الأمم، ومصدر النهضة في الشعوب، فلا سعادة في الحياة إلا بالأخلاق الحسنة الكريمة، ولا هناء في العيش إلا بالشمائل النبيلة.

فالأخلاق الفاضلة هي المنارات المزدهرة التي تضيء الدنيا، وتشع على الوجود لتوصل النور والضياء لكل من يريد أن يهتدي إلى الحق، وينشد الإيمان والأمان والسلام.

والخُلُق الحسَن أجمل شيء يتحلى به المسلم، وهو أثقل شيء يوضع في الميزان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة" رواه الترمذي، وصححه الألباني، وقال أيضاً: "اتق الله حيثما كنت، وأتْبِع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسَن" رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

ومن أبرز شُعَب حسن الخلق كف الأذى عن المسلمين، ويكفي أن صاحبه لا يمكن أن تصدر منه أذية لمسلم أو غيره.

عباد الله: الناظر في أحوال المسلمين اليوم يجد أن الأخلاق عند بعضهم قد تدهورت بشكل خطير في شتى ميادين الحياة وصورها، ولعل من أقوى الأسباب لتدهور تلك الأخلاق هو ضعف الوازع الديني في النفوس، ذلك الزاجر الناهي الذي ينبعث من أعماق النفس البشرية، فيمسك بعنانها، ويتحكم في قيادها، ويسير بها إلى الطريق الذي يرضي الله، إنه وازع المراقبة والمحاسبة والخوف والحياء من الجليل المتعال.

والوازع الديني الصادق يحدث لصاحبه دائماً العمل الصالح الرشيد، والتصرف الواضح النبيل، وانتظار ثواب الآخرة.

وكثير من الناس يظن أن الأخلاق يمكن أن تغرس في نفوس أصحابها بالعقوبة والردع وسلطان القوة، وهذا الكلام له من الحقيقة نصيب، فكثير من الناس يمنعون أنفسهم من أمور محرمة خوفاً من العقاب أو خشية من كلام الناس؛ لكن الأهم هو الوازع الديني في قلب المؤمن حيث يحفظه في كل أوقاته من الوقوع فيما يغضب الله -تعالى-؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه أينما كان، فهذا الوازع يولد لدى الإنسان الإحساس العميق الموقن بجلال الله، وكماله، وسعة علمه، وإحاطته بكل شيء.

عباد الله: إن كثيراً من الناس في غالب بلدان العالم يبحثون عن الأمن والأمان والسلامة، ويضعون الأنظمة والقوانين التي تجلب لهم ذلك؛ بل ويحرصون عليها أشد الحرص لكي يأمنوا من العواقب الوخيمة التي تعود عليهم من جهة بعض الشباب المتهور ممن يركبون السيارات ويقومون بالتفحيط بها، وقطع إشارات المرور، والمشي في الاتجاه المعاكس، ورفع أجهزة الصوت في سيارتهم بالمنكرات مما يؤذي المسلمين، وغير ذلك من الأصوات غير الطبيعية التي تصدر عن حركات سياراتهم أثناء مشيهم بسرعات عالية في بعض الشوارع وعند بعض إشارات المرور، فلماذا يخالف هؤلاء الشباب أنظمة وضعت من أجل مصلحة الجميع، وحفاظاً على الأرواح والممتلكات؟.

عباد الله: إن إلحاق الضرر بالمسلمين ممنوع شرعاً، بل إنَّ مضارة الناس في طرقاتهم بمخالفة أنظمة السير بما يعرضهم للخطر أمر يحتاج من الجميع الوقوف أمام تلك الظاهرة الخطيرة، فنعمة هذه المركوبات من سيارات ودراجات نعمة عظيمة لا تقدر بثمن؛ ولكن مع الجهل وسوء الاستعمال تنقلب النعمة فيها نقمة، والمنحة محنة، وهذا هو حال كثير من الشباب مع السيارات، فالأرقام والإحصاءات التي تنشرها إدارات المرور عن تلك الحوادث تجعل الإنسان ينظر باستغراب لأحوال هؤلاء، فعدد الأموات والمصابين والمعاقين في المستشفيات، والأرامل والأيتام في البيوتات، خير شاهد ودليل.

عباد الله: إن الحوادث المرورية ظاهرة خطيرة نرى من خلالها التصرفات الرعناء، والحركات المهلكة، والأنفس المعصومة المهدرة، فكم من حبيب فُقِد! وكم من مصاب بُكي عليه! وكم من معاق على السرير نُسي! بل كم من زوجة ترمَّلَت، وطفلة تيتَّمتْ، وأسرة تشتَّتت، وطاقة تعطلت، وفاقد للوعي ومجنون! وكم من شاب سجن! خسائر مادية جسيمة، وخسائر نفسية واجتماعية كثيرة نشاهدها ونلمسها في واقعنا.

إنَّ الحوادثَ المروريةَ مشكلةٌ كبيرةٌ تعاني منها غالبُ البلاد، والسبب في ذلك ضعف وازع الإيمان في القلوب، ولهثُ كثيرٍ من الشباب بالجري وراء حب الظهور والثناء، وعدم حرصهم على ملء فراغهم بما يعود عليهم بالنفع، فظهرت تلك الحوادثُ المخيفةُ التي تُحزِنُ القلوب، وتُدمي العيون.

إن بعض الشباب -هداهم الله- ممن يتخذ سيارته أداة للفساد والإفساد، يقوم بالتفحيط في الشوارع، وإصدار أصوات من حركة السيارات تسبب الأذى للمسلمين، وتعرضهم للخطر، ومثل هؤلاء العابثين السفهاء طائشي العقول يجب الأخذ على أيديهم ونزع السيارات من تحت تصرفهم، وتأديبهم التأديب الرادع؛ حتى يرجعوا إلى عقولهم، ويذوقوا وبال أمرهم.

وإن كان الذي مكّن لهؤلاء هم أولياؤهم فيجب أن يؤدبوا معهم؛ لأنهم لا يقلون جرماً عنهم حتى يعلم الجميع أن للمسلمين حرمة، وأن للعابثين عقوبة، وأن لكل مجرم جزاءً، وأن هناك سلطةً عادلة تنتصر للمظلوم من الظالم.

عباد الله: إن الحملات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية بإرشاد الناس وتوجيههم إلى لزوم التنظيمات التي وضعها ولي الأمر من أجل الحد من هذه الحوادث المهولة التي تأكل الأنفس والأموال، لا تكفي وحدها؛ لكنها تحتاج إلى وقفة جماعية على مستوى المجتمع من جهة أولياء أمور هؤلاء الشباب، والمعلمين في المدارس والجامعات، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

ومما يؤسف له أن هناك من يتساهل في تطبيق هذه الأنظمة والسير عليها، بل وتعمد مخالفتها والسخرية ممن ينضبطون بها، وهذه انتكاسة ظاهرة تحتاج لجهد كبير في الحد منها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الأمن في الدنيا مطلب هام وضروري، والبحث عن السلامة وسيلة للعبادة، وحينما تنتظم الأمور، ويبادر الجميع إلى اتباع النظام الذي وضعه ولي الأمر من أجل الحرص على سلامة الناس يحصل من ذلك الخير العظيم، وهنا تقل الحوادث، ويسير الناس آمنين مطمئنين؛ لأنهم يعلمون أن تلك الأنظمة ما وضعت إلا من أجل الحفاظ على أرواحهم وأموالهم.

عباد الله: إن حصد الأرواح، وإتلاف الممتلكات، وانتشار الإصابات والإعاقات، كلها تحصل حين يغيب الوعي المروري بأنظمة السير وآداب الطريق، ويخطئ مَن يظنُّ أَنَّ هذه الأنظمة المرورية لا حرج في تجاوزها، ولا خير في الالتزام بها، وكيف يكون ذلك من مسلم عاقل لبيب؟ يعلم أن تلك الأنظمة إنما وضعت من أجل المصلحة العامة ولتنظيم حركة السير والمرور للجميع.

وهنا يقف العلماء الربانيون والعقلاء في المجتمع موقف التصحيح لتلك الصورة الخاطئة التي يظنها هؤلاء الأشخاص، يقول العلامة الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان وهو يفرق بين أنواع الأنظمة البشرية: النظام قسمان: إداري وشرعي، أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع، فهذا لا مانع فيه، ولا مخالف فيه من الصحابة فمن بعدهم، وقد عمل عمر -رضي الله عنه- من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ثم ذكر -رحمه الله- أمثلة لهذه الأنظمة، ثم ختم بقوله: فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس بها ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة. انتهى كلامه.

عباد الله: هناك نوعٌ من التهور تمارسه فئة من الشباب، والجميع يرى بعضاً من صور ذلك التهور غير المحمود، ففي بعض الإشارات تجد من يأتي مسرعاً ثم يقطع الإشارة متعمداً، وقد يؤدي ذلك إلى وقوع صدام عنيف بين من فتحت له الإشارة وهو يظن أنه يمر آمناً ثم يفاجئ بمن يصطدم به دون وجه حق فيسبب ذلك خسارة في الأرواح والممتلكات.

ومنهم من يأتي مسرعاً وقد فتحت الإشارة ثم يمسك فرامل سيارته فيدور دورة سريعة تصدر على إثرها أصوات مزعجة توقع الفزع في قلوب من حضر هذا الموقف، وربما يصطدم بأحد السيارات المارة بجواره بسبب تلك الحركات، والبعض منهم يكون واقفاً في الإشارة فإذا فتحت داس على البنزين بقوة فتجد عجلات سيارته تدور دورة سريعة تشم على إثرها روائح العجلات من شدة السرعة، فتُصدر على إثر ذلك صوتاً مفزعاً يخيف الكبير والصغير.

وفي بعض الأحيان تجد سيارتين تتنافسان على السباق في الطريق العام، فيسرعون سرعة مخيفة تسبب الارتباك لكل من يكون على نفس طريقهم.

والصور مما يحدث من هؤلاء الشباب كثيرة جداً، والشيء المفزع في ذلك هو وجود شباب صغار يركبون سيارات جديدة وغالية الأثمان، فلا يهتمون بها، ولا يحسنون ركوبها، فيتسببون في كثير من الحوادث المؤلمة.

فعلى جهات الأمن أن تتعامل مع هؤلاء المخالفين بكل جدية وحزم، وعلى الآباء والأولياء ألا يشفعوا لأصحاب هذه الممارسات الخاطئة المهلكة.

وعلينا جميعاً بالتعاون على توعية أبنائنا بخطورة تلك الممارسات، والحرص على الالتزام بأنظمة المرور لكي تحفظ الأرواح والممتلكات من الدمار والهلاك.

ولو زار هؤلاء الشباب الذين يقعون في تلك المشكلات المستشفيات ومراكز النقاهة ونظروا لحال المعاقين وأصحاب الإصابات بسبب تلك الأمور لكان ذلك رادعاً لهم من الوقوع في تلك الممارسات الخاطئة.

أسأل الله تعالى أن يهدي شبابنا لما فيه الخير لهم ولبلدهم ولأمتهم، وأن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح للجميع.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك، فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام. اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

المرورية وأخطارها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات