الحكمة من كسوف الشمس

عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الحكمة من الكسوف 2/ الاتعاظ والاعتبار من الكسوف 3/ الاستعداد لفتنة القبر 4/ من الموبقات التي حذر منها صلى الله عليه وسلم في الكسوف الزنا.

اقتباس

إن إنساناً من البشر حين يتوعد ويزبد ويرعد ويهدد ويحدد يحسب له الناس ألف حساب ويصبح تهديده وتحديده حديث مجالسهم ومجال شوراهم وميدان اقتراحاتهم ونصائحهم؛ فمن الذي خوفنا بالخسوف العظيم؟ ألا إنه رب العالمين ألا إنه إله الأولين والآخرين ألا إنه من يقول للشيء كن فيكون ومن بيده ملكوت السماوات والأرض..

 

 

أما بعد:

فيا عباد الله: إن الله عز وجل يري عباده في الآفاق ما من شأنه أن يذكرهم إن كانوا يؤمنون: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ) [فصلت:54]

ثم يلفت نظرنا إلى آياته في السماوات وفي الأرض - لنتذكر بذلك قرب النهاية فنستعد للرحيل ونترك التسويف ونعلم قصر الدنيا مهما طالت وقرب الآخرة بانتهاء الأجل أو بقيام الساعة، وإذا مات الإنسان فقد قامت قيامته حيث لا عمل ولا استدراك إنما هو الحساب في دار البرزخ ثم دار القرار: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) [الأعراف :185] ثم ينعى على من لم يتعظ بالآيات المبثوثة بالآفاق في قوله جل وعلا: (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) [الأعراف:186]

وفي السورة الأخرى يقول -جل وعلا-: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ثم ينعى على من لم يتعظ بهذه الآيات بقوله: (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون)، [يونس:ثم يحذر سبحانه من أخذه الشديد بقوله -جل وعلا- بعدها مباشرة: (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ).[يونس 102: 103]

فكم لله من حكم في خلق السماوات والأرض ولكن كما قال: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) كم نذارة أرسلها الله على ألسنة رسله وكم نذارة بثها -سبحانه- في الآفاق ولكن كما قال -جل وعلا-: (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)..

وإن من آخر النذر التي شهدناها جميعاً كسوف الشمس أمس الأول؛ فهل خفنا أم هل تبنا أم هل راجعنا حياتنا؛ لنقيمها على ما يرضي ربنا سبحانه؟!

أناشدكم الله -يا عباد الله- هل اختلفت حياتنا قبل الكسوف عنها بعد الكسوف؟! هل حسّنا أحوالنا وراجعنا ربنا -سبحانه- وأقلعنا عن ذنوبنا؟!

صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة والدعاء والاستغفار" فهل استجبنا لتخويف ربنا لنا فخفنا ثم أدلجنا؟!

وقد صح عنه صلى لله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا وإن سلعة الله غالية ألا وإن سلعة الله الجنة" أم صح علينا قول الله سبحانه -نعوذ بالله أن نكون كذلك- (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ).

إن إنساناً من البشر حين يتوعد ويزبد ويرعد ويهدد ويحدد يحسب له الناس ألف حساب ويصبح تهديده وتحديده حديث مجالسهم ومجال شوراهم وميدان اقتراحاتهم ونصائحهم فمن الذي خوفنا بالخسوف العظيم؟ ألا إنه رب العالمين ألا إنه إله الأولين والآخرين ألا إنه من يقول للشيء كن فيكون ومن بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يجير ولا يجار عليه لا تخفى عليه منا خافيه يعلم سرنا كما يعلم علانيتنا: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [يونس:61]

ألا إنه من يضع السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن، ويقول: "أنا الملك أنا الجبار أين الجبارون أين المتكبرون أين ملوك الأرض"؟

ألا إنه من عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59] (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) يعلم السر وأخفى سنعرض عليه يوم القيامة كما قال: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة:18]

وإن من استجابتنا لتخويف ربنا لنا أن نخاف فنعمل صالحاً ونحذر طالحاً ونستغفر ونتوب من سائر الذنوب وندعو ونذكر ولا نطغى ونفجر ونتصدق كثيراً ونخشى سعيراً حتى يثبتنا الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة كما قال سبحانه: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم : 27]

في الحياة الدنيا أي في القبر حين ترد الروح إلى الميت حين ترد روح الميت إلى جسده، وإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين، فيأتيه ملكان شديدا الإنتهار؛ فينتهرانه ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ما علمك؟؛ فأما المؤمن فيقول: ربي الله. ديني الإسلام. نبيي محمد صلى الله عليه وسلم. قرأت كتاب الله؛ فآمنت به وصدقت. وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله جل وعلا: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

وأما الفاجر فيقول: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون ذاك. فيقال: لا دريت ولا تليت.

فلنأخذ للأمر أهميته، ولنستعد لفتنة القبر بالاستعاذة منها؛ كما أمرنا بذلك -صلى الله عليه وسلم- حين وقع الكسوف فقال: "تعوذوا بالله من عذاب القبر"، وعلمنا الاستعاذة منه دبر كل صلاة نقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال".

وإن من الموبقات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم لما وقع الكسوف - الزنا حيث قال صلى الله عليه وسلم: "يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً".

فلنحذر الزنا وأسبابه -يا عباد الله-، ولنغلق أبوابه؛ فما من أحد بأغير من الله؛ فلنحذر سخطه، ونبتعد عن كل ما يقرب من الزنا؛ امتثالاً لأمره -سبحانه-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء:32] ونغض أبصارنا عن النظر إلى ما حرم الله كما أدبنا ربنا بذلك في قوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) [النور:30]

متى يتعظ من لم يتعظ بنذر الله ومتى يرعوي عن غيه من غفل قلبه فهو لاه لاه أننتظر الفاجعة: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [المؤمنون 99: 100]

صح عنه صلى الله عليه وسلم حين وقع الكسوف أنه قال: "ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريباً من فتنة الدجال" نعوذ بالله من فتنة القبر. نعوذ بالله من فتنة المحيا والممات. نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال.

لا أحد أحلم من الله وهو القائل: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] لا أحد أصبر من الله وهو القائل: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) [طه:81] من بارز الله بالمعاصي فهو الخاسر: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقات

942

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات