عناصر الخطبة
1/ فضائل مكة البلد الحرام 2/ الحج عبادة عظيمة من أجل العبادات 3/ معاني التوحيد في الحج 4/ أحكام الإنابة في الحج 5/ الحث إلى المبادرة إلى الحج وعدم تأخيره.اقتباس
إن الحج عبادة عظيمة من أجل العبادات، وقربة من أعظم القُربات، فيه انطراح بين يدي الواحد العلام، وتجديد العهد مع الله على الإسلام، وبه تُمحى الخطايا والآثام، ويُباهي الله –تعالى- بعباده ملائكته الكرام، وقبل ذلك وبعده هو الركن الخامس من أركان الإسلام. الحج فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب، وزيادة الحسنات، في البلد الحرام، على صعيد منى وعرفات وفي المزدلفة وعند الجمرات...
الخطبة الأولى:
مكة أم القرى ومهبط الوحي، ومنبع الرسالة ومركز النـور، من مكة انبعث النور، وقام سوق العدل ونُصِب ميزان القيم، ورُفع منبر الحق وبزغ فجرُ الفضيلة.
وعلى رمالها عُفر الشرك، ومزّق الوثن، وفي أوديتها أُزهِق الباطل، وعلى صُخورِها تحطمت جماجم الملاحِدة.
بدأ التاريخ غضّاً من مكة، وترعرع الزمن متألقاً من مكة، ووقع نور السماء على بساط مكة.
خرجت لا إله إلا الله من مكة وعاش محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة. مكة ليست كغيرها من البلاد دارُ النُسك ومتعبد الخلق وحرمُ الرب –تعالى- الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد، فهي وقف من الله –تعالى- على العالمين وهم فيها سواء، وفي الحديث "مِنَى مناخ من سبق".
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25].
يحنُ إلى أرض الحجاز فؤادي *** ويحدو اشتياقي نحو مكة حادي
ولي أمل ما زال يسمو بهمتي *** إلى البلدة الغراء خير بلادِ
بها كعبة الله التي طاف حولها *** عباد هُم للهِ خير عبادِ
مكة البلد الحرام، أحب البقاع إلى الله، فقد اختار الله البلد الحرام وفضله على سائر البقاع وأقسم به في كتابه العظيم، قال تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) [البلد: 1].
وقال جل وعلا: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين: 1- 3]، وجعل قصده مكفِّراً لما سلف من الذنوب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه).
وقال -صلى الله عليه وسلم- : "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (متفق عليه).
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تابعو بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكيرُ خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" (رواه الترمذي والنسائي).
وهي أحب البقاع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قال -صلى الله عليه وسلم- وهو خارج من مكة والأسى يعتصرُ فؤاده: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضِ الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت".
لله درُّ ركائب سارت بهم *** تطوي القفار الشاسعات على الدُّجى
رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا *** قلبُ المتيم منهم ما قد شجا
نزلوا بباب لا يخيب نزيلُهُ *** وقلوبهم بين المخافةِ والرجا
عباد الله : إن الحج عبادة عظيمة من أجل العبادات، وقربة من أعظم القُربات، فيه انطراح بين يدي الواحد العلام، وتجديد العهد مع الله على الإسلام، وبه تُمحى الخطايا والآثام، ويُباهي الله –تعالى- بعباده ملائكته الكرام، وقبل ذلك وبعده هو الركن الخامس من أركان الإسلام.
الحج فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب، وزيادة الحسنات، في البلد الحرام، على صعيد منى وعرفات وفي المزدلفة وعند الجمرات.
في الحج ينزل المتعبون ما أنهك قلوبهم من أوضار الذنوب، وأثقال المعاصي، فيرجعون منها خفافاً كيوم وُلدوا، ويتحقق في الموفق منهم قوله عليه الصلاة والسلام "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
يا راحلين إلى منى بقيادي *** هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي *** الشوق أقلقني وصوت الحادي
حرمتموا جفني المنام ببعدكم *** يا ساكنين المنحنى والوادي
تالله ما أحلى المبيت على منى *** في ليل عيدٍ من أبركِ الأعيادِ
ضحوا ضحاياهم وسال دماؤها *** وأنا المتيم قد نحرت فؤادي
لبسوا ثياب البيض شارات الرضى *** وأنا الملوّع قد لبستُ سوادي
يا رب أنت وصلتهم صلني بهم *** فبحقكم يا رب فُك قيادي
في الحج تتجلى معاني التوحيد، فالقلوب تتجه خاضعة لله، والألسن تلهجُ بالتلبية، والأكف ترتفع ضارعة متوسلة، فأيّ منظر أبهى وأحلى من منظر العبيد، يحققون التوحيد تحت راية العقيدة الواحدة، التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان والأوطان.
رفعوا الأكف وأرسلوا الدعوات *** وتجردوا لله في عرفات
شعثاً تجللهم سحائبُ رحمة *** غبراً يفيض النور في القسمات
هذي ضيوفك يا إلهي تبتغي *** عفواً وترجو سابغ البركات
تركوا وراء ظهورهم دنيا الورى *** وأتوك شوقاً وفي إخبات
فاقبل إله العرش كل ضراعة *** وامح الذنوب وكفرِ الزلاتِ
عباد الله: إن الله دعاكم إلى بيت حرام في بلد حرام في شهر حرام فأجيبوا دعاء الملك الجليل على لسان إبراهيم الخليل (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27].
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
ففي الحج ينكشف الغطاء، وتُفتح أبواب السماء، فيتوجه قُصّادُ بيت الله بقلوب انزاحت عنها ظلمة الشهوات والأهواء (لبيك اللهم لبيك) في الحج يجتمع المسلمون في صعيد واحد، لباسهم واحد، يتوجهون إلى رب واحد ويلهجون بلسانٍ واحد (لبيك اللهم لبيك).
إلهنا ما أعدلك *** مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك *** لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك *** ما خاب عبدُ سألك
أنت له حيث سلك *** لولاك يا رب هلك
لبيك إن الحمد لك *** والملك لا شريك لك
والليل لما أن حلك *** والسابحات في الفلك
وكل من أهل لك *** سبح أو لبى فلك
يا مخطئاً ما أغفلك *** عجل وبادر أجلك
اختم بخير عملك *** لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك *** والحمد والنعمة لك
عباد الله : قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يقول: إن عبداً صححت له في جسمه، وأوسعت له في المعيشة فمضى عليه خمسة أعوام لا يقصد إليَّ لمحروم".
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أكمل لهذه الأمة شرائع الإسلام، وفرض على المستطيع منهم حج بيته الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وزكى وحج وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً.
أما بعد معاشر المسلمين:
اتقوا الله تعالى وأدوا ما فرضه الله عليكم، وتعجلوا الحج إلى بيت الله الحرام ما دام في العمر فسحة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له، فإن الحي يموت، والصحيح يمرض، والغني يفقر، والفارغ يُشغل، والآمن يخاف، واعلموا أن الحج واجب على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع مرة واحدة في العمر، وكذا المرأة، إذا وجدت محرماً فإن لم تجد فلا يجب عليها.
قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله فرض عليكم الحج فحجوا"، فقال رجل أفي كل عام يا رسول الله، فسكت حتى قالها ثلاثاً، ثم قال: "ذروني ما تركتكم ولو قلت نعم لوجت ولما استطعتم" (رواه مسلم).
والحج واجب على الفور لمن استطاع الحج، وكانت عنده قدرة بدنية ومالية، فإن مات وهو لم يحج مع قدرته على الحج فهو على خطرٍ عظيم، ورجح ابن القيم -رحمه الله- أن لا يُحَجّ عنه.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جِدَة – أيّ غنى – ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين".
وقال عليّ -رضي الله عنه-: "من استطاع الحج فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانياً"، لكن لا ينبغي أن يستدين ليحج، ولا أن يأخذ الزكاة ليحج، ومن كان قادراً بماله وهو مريض فإن كان مرضه يرجى برؤه انتظر حتى يشفى، وإن كان لا يُرجى برؤه فإنه يوكل من يحج عنه، لكن ينبغي أن يختار الأدين، والذي يعرف أحكام الحج. ويجوز أن يتوكل الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل.
وأخذ النيابة في الحج، إن كان بقصد المال والتكسب فهذا حرام؛ لأنه جعل العبادة وسيلة للكسب الدنيوي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من حج ليأخذ فليس له في الآخرة من خلاق".
وبعض الناس يتوكلون عن شخص ثم يوكلون غيرهم بقيمة أقل، وهذا محرم وغش لمن وكله.
عباد الله: ألا وإنه مما يُنكر أن أناساً لا تمضي عطلة عن العطل إلا ويسافرون إما داخل البلاد أو خارجها، لكنهم لم يحجوا بل لم يدخلوا البيت العتيق من عشرات السنين، مع أن بعضهم قارب الخمسين، أو جاوزها فبأي لسان يعتذر هؤلاء؟!
فبادروا -رحمكم الله- إلى الحج قبل غلق الباب، وطي الكتاب، واستعينوا بالله على بلوغ المقصود، فهو المستعان وعليه التكلان.
ثم صلوا وسلموا -رحمكم الله- على صاحب الطلعة البهية والنفس الرضية..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم