الحث على شكر النعماء والصبر عند البلاء

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية شكر النعم 2/ الابتلاء وثمرته

اقتباس

وإن مما يستوجب الشكر للواحد الديان، ويزيد الدين آمنوا من الهدى والإيمان - هذا الغيث الذي حلت بينكم بوادره، ولاحت بشائره، جعله الله شاملاً ومدراراً، نافعاً يغيث به العباد والبلاد بعد طول قحط، فكانت الفرحة به شاملة ووجب عليه الشكر للمولى العظيم، صاحب النعم الضافية ..

 

 

 

 

الحمد لله، مالك الملك، كاسر الأكاسرة، وقاصر القياصرة، ومهلك الجبابرة، له الحمد في السماوات وفي الأرض، وفي الأولى وفي الآخرة، أحمده سبحانه، وأشكره على نعمه العظيمة، وعطاياه الكريمة، وآلائه الجسيمة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الملك والملكوت، والعزة والجبروت، وهو الحي الدائم القاهر الذي لا يموت، من اتقاه وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن فر إليه أجاره وحماه، فلا معبود بحق سواه.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، وخيرته ممن خلق، إمام المتقين، وسيد المتوكلين، وأحسن الخلق ظنًّا برب العالمين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى والدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروه فلا تعصوه، واذكروه فلا تنسوه، واشكروه فلا تكفروه، علم أن لن تحصوه، يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً، يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفاً. وتذكروا أن الله بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه سبحانه قريب الغير يعجب ربك من قنوط عباده وقرب خيره، ينظر إليكم أزلين قنطين وهو يعلم أن ما بكم سينكشف عن قريب. ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [الشورى:19]. ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) [الحج:38].

أيها المسلمون: قال -تعالى-: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) [الطلاق:2-3]. ويقول سبحانه: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) [الطلاق:4]. ويقول: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) [الطلاق:5].

فمن تدرع بالتقوى نجا، ومن عرف سعة رحمة الله وعظيم عفوه رجا، ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.

أيها المسلمون: إن الله -تعالى- يبتلي العباد بأنواع من البلاء كما قال -تعالى-: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) [البقرة:155]؛ لينظر منهم صدق الولاء، وعظيم الرجاء، وذل الدعاء، فينيل الصادقين كريم الجزاء، وعظيم الثناء، ورفعة الدرجة في الدنيا وفي الأخرى، ويستحق المكذبين المصرين على الخطيئة، المعرضين عن التوبة، المستكبرين عن العبادة من الذم والعقوبة ما يليق بهم ما داموا على تلك الحال، فيتبين بالابتلاء -ونسأل الله العافية من الابتلاء- صادق الإيمان من مدعيه، ومتبع الحق من المجادل فيه، وولي الله من متولي أعاديه، وحسن الظن بالله عظيم الرجاء له من مسيئه والمرتاب فيه، فلله في ذلك على عموم الخلق الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، وعلى أوليائه الصابرين الشاكرين النعمة السابغة في الدنيا والآخرة، فاعبده وتوكل عليه، وما ربك بغافل عما تعملون.

أيها المسلمون: وكما يبتلي الله العباد بالمكاره والمصائب، كذلك يبتلي بالنعم؛ ليختبر شكرهم وذكرهم من قنوطهم وكفرهم، فكم لله علينا من منة: فكم كشف من غمة، وكم نفَّس من كرمة، وكم أسبغ من نعمة، وكم دفع من عظيم نقمة، أَمَا أوجدنا بعد عدم؟ أَمَا ربَّانا بسابغ النعم؟ أَمَا هدانا بعد ضلال؟ أَمَا أغنانا بعد إقلال؟ أَمَا أعزنا بعد ذلة؟ وكثرنا بعد قلة؟ أَمَا جمعنا بعد شتات؟ ودفع عنا ما لا نحصي من المعضلات؟ أَمَا قوانا بعد ضعف؟ وآمننا بعد خوف؟

( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) [لقمان:20]. ( وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) [إبراهيم:34]. ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) [النحل:18]. أفننسى هذه النعم ويساء الظن بالله تعالى عند أدنى حادث أو وعيد من متسلط مغرور؟! قال تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) [إبراهيم:7].

فاتقوا الله -عباد الله-، واشكروا نعم الله عليكم العظيمة السابغة التي لا تحصى ولا تستقصى، والتزموا الطاعة، وجانبوا المعصية، فالطاعة خير وسيلة لحفظ الخير وتتابع النعم، والمعصية سبيل للشر وسبب لترادف النقم، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، فاستجيبوا لأمر الرب العظيم في قوله الكريم: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) [البقرة:152].

وإن مما يستوجب الشكر للواحد الديان، ويزيد الدين آمنوا من الهدى والإيمان - هذا الغيث الذي حلت بينكم بوادره، ولاحت بشائره، جعله الله شاملاً ومدراراً، نافعاً يغيث به العباد والبلاد بعد طول قحط، فكانت الفرحة به شاملة ووجب عليه الشكر للمولى العظيم، صاحب النعم الضافية ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) [الشورى:28].

فأدوا شكر هذه النعمة تقديراً لها، واعترافاً بمنِّ مسديها، وطلباً للمزيد من بره وخيره وعفوه وسابغ فضله، فشكر المنعم هو قيد النعم، وعامل استدامتها والمزيد منها، وإن الكيّس يا عباد الله هو من لا تزيده النعم إلا انكساراً وذلاً وتواضعاً ومحبة للمنعم جل وعلا، وكلما جدد له مولاه نعمة أحدث لها شكراً وعبودية تليق بها، فكونوا ممن لا تزيده النعم إلا طاعة لله، وإقبالاً عليه، وتوجهاً له، ولا تكونوا ممن أبطرته النعمة، واتبع هواه فكان من الغاوين.

أيها المسلمون: ومن النعم العظيمة المنتظرة للشاكرين الصابرين، المتضرعين إلى الله بالدعاء، المخلصين له بالشكر والثناء والدعاء وعظيم الرجاء، الذين يرحمون مساكينهم، ويعطفون على محاويجهم، ويستغفرونه من ذنوبهم، فيجمعون بين الاعتراف بالخطيئة، والإلحاح بطلب العفو والمغفرة والإحسان إلى الخلق، والاستقامة فيما يستقبلون من أيامهم على الحق - أن يكف الله كيد أعدائهم، وأن يرد شر من أراد بهم شراً إلى نحره، وأن يجعل تدبيره لهم تدميراً عليه، فيتحقق فيهم قوله -سبحانه-: ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) [الأعراف:129]. وقوله جل ذكره-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [المائدة:11].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقات

792

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات