الحث على سلامة التوحيد والكسب الرشيد

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2024-01-05 - 1445/06/23 2024-01-06 - 1445/06/24
عناصر الخطبة
1/عقيدة التوحيد هي الحقيقة الكبرى الناصعة 2/بعض فضائل عقيدة التوحيد وآثارها الطيبة 3/التحذير من التعلق بأوهام السحرة والمشعوذين 4/خطورة استخدام مواقع التواصل لنشر الخرافات والخزعبلات 5/نصائح لولاة الأمور من الآباء والأمهات لحماية أبنائهم 6/شروط الرقية الشرعية لتكون صحيحة 7/التحذير من غسيل الأموال وطرق كسب المال المشبوهة 8/الحث على إغاثة المنكوبين من المسلمين المستضعَفين

اقتباس

ويا أيها الواهمون الموهمون عبر مواقع التواصُل الاجتماعيّ: اتقوا الله في الأمة، ولا تبثُّوا إلا الحق والحقيقة، واستثمِروا معطيات العصر وتقاناته، في الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، والحذر من كل ما يثير الفتنة، ويشيع البلبلة، ويخل باجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وأمن وسلامة المجتمع...

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ لِلَّه، تفَرَّدَ بالألوهية توحيدًا وإعظامًا، أحمده -سُبْحَانه- أظْهَر بَدِيع حكمته حقيقةً لا أوْهامًا؛ فهو الإله الحق لا معبود إلا وجهه الأعلى، العظيم الشان، بل كل معبود فباطل من عرشه، حتى الحضيض الداني

 

وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تحقيقًا لديننا وإحكاما، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، زكى الله به أرواحًا وأرشد أفهاما، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغُرّ الميامين، الأُلَى وحَّدُوا الله اعتقادًا واعتصامًا، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ يروم الجِنانَ منزلًا ومقامًا، وسلم ربَّنا تسليمًا كثيرًا، لا انقضاءَ له ولا انصرامَا.

 

أما بعدُ: فاتَّقوا الله -عِبَاد الله-، واعلموا أنَّ تَقْوَاه هي السِّرَاجُ المُنيرُ في حُلَكِ الدُّجَى، والمُعْتصَمُ الوثيقُ لِذَوي الحِجَا، والمِعْرَاجُ السَّنِيُّ عِنْدَ الضَّرَاعَةِ والالتجا، وبها الظَّفر -وأيم الله- بالرَّغَائِب والرَّجَا، فالقَدَرُ محتومٌ، والرزقُ مقسومٌ، ومَنْ لزم التقوى فهو المرحوم، ومن لم يتزود التقوى فهو المغبون المحروم؛ (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[الْبَقَرَةِ: 194].

سرَى أهلُ التُّقَى ليلًا وجَدُّوا *** وفازوا بالوصول ولاحَ وعدُ

ولم تَلحَقْ به أو تستعدَّ ومَنْ *** لكَ بالأمانيِّ وأنتَ عبدُ

 

أيها المسلمون: في عالَمٍ يموج بالتحديات والأزمات، وفي عصر كثرت فيه الأوهام والخيالات، تأتي أهميَّة استجلاء الحقائق والموقف الحقّ ممَّا يُشاع ويذاع ممَّا يخالفها، وإنَّ الحقيقة الكبرى، التي لا تُخالِجُها الخيالات والأوهام، هي توحيدُ الْمَلِك العلام؛ فلقد بعَث اللهُ نبيَّه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، بعقيدة التوحيد الصَّافية الخالصة؛ (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزُّمَرِ: 3]؛ ليُحرِّرَ العقولَ والقلوبَ من رِقّ العُبوديَّةِ لغيرِ اللهِ، ويُثبِت فيها أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، كلمةُ الإخلاص، ومُفردةُ الاختصاصِ، وعُنْوانُ الفوْزِ والخلاصِ، ولِيرفعَ النفوسَ إلى قِمَمِ العزِّ والشَرفِ والإباءِ، ويسموَ بِها عَنْ بُؤرِ الإلحادِ والشِّركِ والوثنيَّةِ والشَّقاءِ، والخُرافَةِ والشعوذةِ والأرْزاءِ، وإنَّ أولَ أركان الإسلام العظيمة، وأوثق عُرى الإيمان المجيدة، وأرسخُ ثوابتِ عقيدةِ السلفِ الصالحِ العتيدةِ، شهادةُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّه -سبحانه- الذي يَملِكُ النَّفْعَ والضُّر وحده؛ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْأَنْعَامِ: 17]، وهو المستحِقُّ للعبادة وحدَه دُونَ سِوَاهُ، وما عداه فإنهم (لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)[الْفُرْقَانِ: 3]، وأنَّه -تعالى- اختصَّ بعلم الغيب، وما خفي ولا ريب؛ (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النَّمْلِ: 65]، وأنَّه جل -تعالى- عن الشبيه والمثيل والنظير؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11]، وأن الخلق مفتقرون إليه وحده، ليس لأحد غنى عنه مثقال ذرة؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فَاطِرٍ: 15]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "‌ومن ‌تدبر ‌أحوال ‌العالَم، ‌وجد ‌كل ‌صلاح ‌في ‌الأرض فسببه توحيد الله وعبادته، وطاعة رسوله، وكلُّ شرٍّ في العالَم، وفتنة وبلاء، وقحط وتسليطِ عدُوِّ وغير ذلك، فسببُه مخالفةُ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والدعوة إلى غير الله ورسوله".

 

إخوةَ الإيمانِ: تلك هي عقيدةُ المسلمِ الصحيحةُ، وهي أعزُّ شيءٍ عليهِ، وأغْلى ما لديه، فلا مُساومةَ عليها مَهمَا كانت المتغيِّرات، ولا تنازُلَ عنها مَهمَا كانت التحدِّيات، فالمؤمنُ الحقُّ ديْدنُه التوكُّلُ على الله، فلا يدعو ولا يرغب ولا يرجو إلا خالقهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، ولا يخاف ولا يرهب إلا منه وحدَه -تبارك وتعالى-؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الْأَنْعَامِ: 162-163].

 

ومن أجلِ ذلك -أيُّها المؤمنون- جاء النهيُ صريحًا في الكتاب العزيز والسنَّة النبويَّة المطهَّرة، عن كلّ ما يخالفُ هذِه الحقيقةَ الثابتةَ ويُضادُّها من الأوهام والانحرافات العقَدية؛ كالتعلُّق بغير الله -سبحانه-، واعتقاد النفع والضرّ بيد غيره -عَزَّ وَجَلَّ-، ويأتي في الطليعة من ذلك؛ التّعلُّق بأوهام السّحرة والمشعوذين والكهنة والعرّافين، سماسرة الخرافة والدجل والتضليل، الذين أرْدَوْا كثيرًا من المسلمين إلى حضيض الشِّرك الدّامس، والجهْل الطّامس، ومنها التعلُّق بالأضرحة والمقامات، والأبراج والطوالع والمطالع والنجوم، واعتقاد تأثيرها في حياة الإنسان، فرَحًا وترحًا، خُمولًا ونشاطًا، كدَرًا واغتباطًا، وأنَّ منْ وُلِدَ في برج كذا، فهو السعيد المحروس، ومن وُلِدَ في برج كذا، فهو التعيس المنحوس، في سَرْدٍ للفضائح، وإعلانٍ بالقبائح، لا يُقرُّها شرعٌ ولا عقلٌ ولا منطق! فسبحان الله عباد الله! كيف تفْتِك الْخرافات والأوهام بعقيدة أُولِي الحِجَا والأفهام، وإنها -وأيمُ اللهِ- لهي الطعنة النجلاء في صميم العقيدة، والشرخ الخطير في صرح التوحيد الشامخ، وإنها الانهيار السحيح، الذي يفري القوة، ويذهب العزة، ويجلب الانتكاسة، ويلحق الهزيمة بالجيل والأمة، ويشكك في الثوابت واليقينيات، ويروج رحماك ربنا لبضاعة التخرصات والخزعبلات.

 

معاشرَ المسلمينَ: ومن القواصم الفاقرات لأزكى الاعتقادات، تَعاطِي السحر والشعوذة، وإتيان السحرة والساحرات، وإنَّه –لعَمر الحق- لَجمعٌ بين الكُفرِ بالله، والإضرارِ بالناسِ، والإفسادِ في الأرض بوَبيلِ الأرْجاسِ، قال صلى الله عليه وسلم محذِّرًا من الذهاب إلى السحرة والكهنة وتصديقهم في الأوهام والبهتان: "مَنْ أتى عرافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفَر بما أُنزِلَ على محمد -صلى الله عليه وسلم-"(أخرجه الحاكم وأهل السنن، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-)، وقدْ عدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السحر من السبع الموبقات المهلكات، كما في الصحيحين، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

 

أُمَّةَ الإسلامِ: وإنَّ ممَّا يَجدُر التنبيهُ إليه، وينبغي التحذير منه: أنَّ هؤلاء الدجاجِلة الأفَّاكين منتشرون في بعضِ الوسائلِ الإلكترونيةِ الحديثةِ؛ من القنوات، والمواقع، والشبكات، فلهم معرِّفاتٌ ودعاياتٌ، تُروِّجُ الأباطيلَ، مع الأسف اللاهب على العامَّة والدَّهماء من الفتيان والفتيات، ولا يُكتَم الخجلُ، تتاجِر ببضاعتها على بعض الموهومين والمتعالِمين، ولهم أسماء وبرامج للحظ زعموا، مِمَّا يفتِن الجُهَّال والأغرار، بل ربَّما يتصدَّى للفتوى كلُّ متعالم مأفون، أو يتطبَّب مَنْ ليس في الطبِّ في قليل ولا كثير، وتَتكلَّم الرويبضةُ في كلِّ فنٍّ، والمُتلقُّون لهذه الأوهامِ يَرْتَعُون فيها بكلِّ وخمٍ وزخَم، دُونَ تمييزٍ بينَ الغثِّ والسمين.

 

وهنا يُوجَّه النداء العاجل، إثر النداء، لمن يهمه الأمر من الآباء والأمهات والمربين والمربيات، والعلماء والدعاة، ورجال الحسبة وفَّقَهم اللهُ وأيَّدهم، أن يبادروا بالتحصين الإيماني لمجتمعاتهم، ضدَّ هذه المزالق الوهمية، والأعمال الشيطانية، والتكاتُف والتعاضد للقضاءِ على هذه الأوهام؛ لِمَا تُمثِّلُه من خطرٍ على الأمة، وإخلالٍ بأمن المجتمع، وإفسادٍ لعقيدةِ المسلمينَ، واستهانةٍ بعقولهم، وابتزازٍ لأموالهم، وتثبيطٍ لهممهم، في متاجَرة خاسرة، وصفقات بائرة، والنصيحةُ مبذولةٌ لكلِّ مَنِ ابتُلي بهذه الأمور المزرية الشنيعة، أن يتوب إلى الله ويؤوب، ويستغفره من هذه الشركيَّات الجاهليَّة، والوضاعة الخرافيّة؛ طاعةً لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحفاظًا على دينه، وعقيدته.

 

أُمَّةَ الإسلامِ: ومِنَ الأوهامِ المتعلِّقةِ بالعقيدة، تأتي الأوهام الفكريَّة، بين الغُلُوّ والجفاء، والتنطُّع والانحلال، في تجافٍ عن تحقيق الوسطية والاعتدال، وكذا المضرة بالعبادات؛ كالرياء والتشديد، والتعصب في التقليد والوسوسة ونحوها، أو التعلق بأذكار وأوراد مخترعة، هي شبه خطافة في أوجه حمالة، وقوال أخاذة، ليست على أثارة من علم من الهدي النبوي.

 

وممَّا يُروَّج به من الأوهام ما عمَّت به البلوى في هذه الأزمان؛ من أمراض نفسيَّة وجسديَّة، ممن ابتُلُوا بالوسوسة في العبادات، ومن هذا الباب ما يتعلَّق بالرقى الشرعية؛ فكم من مريض أَشرَف على الهلكات والممات، استطب بالرقية الشرعيَّة فحقق الله له البُرءَ والشفاءَ.

 

وممَّا هو حري بالتنبيه هنا: أن للرقية الصحيحة المفيدة -بإذن الله- شروطًا ثلاثة، ذكرَها أهلُ العلم؛ أولها: أن تكون بأسماء الله وصفاته، والمجود من آياته، وأن تكون بلغة عربيَّة، واضحة المباني، مفهومة المعاني، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله -تعالى-، فأين هذا؟ أين هذا عباد الله من ممارس الرقى الموهومة، والمروجين لها، والمتاجرين بعلل الناس وأمراضهم وآلامهم؟! مما يذرف العَبرة، ويُوجِب العِبرة على غربة التوحيد والسُّنَّة، وقُلْ مثلَ ذلك في المتصدِّين لتعبير الرؤى وتفسير الأحلام، وما هي إلا أضغاث أحلام، وكم وكم من مروج المقاطع، وناشر المحتوى الإعلاميّ المضلل للحقائق، المروج للأكاذيب والشائعات، والخزعبلات والافتراءات، ومن ذلك التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائصهم.

 

ألا فاتقوا الله -عباد الله- واحرصوا على أخذ الحقيقة والعمل بها على ضوء الكتاب والسُّنَّة، ومنهج سلف الأمة، واحذروا من المتاجرين بالأوهام.

 

ويا أيها الواهمون الموهمون عبر مواقع التواصُل الاجتماعيّ: اتقوا الله في الأمة، ولا تبثُّوا إلا الحق والحقيقة، واستثمِروا معطيات العصر وتقاناته، في الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، والحذر من كل ما يثير الفتنة، ويشيع البلبلة، ويخل باجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وأمن وسلامة المجتمع، ولا تكونوا ممن عناهم الله بقوله: (أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)[النُّورِ: 39]، إلى قوله -سبحانه-: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)[النُّورِ: 40].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعنا بما فيهما من والآيات والذكر والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه كان غفَّارًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، أسبَغ على عباده النعمَ الدررَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يعلم خفيات القلوب من أسرَّ ومَنْ جهَر، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، الشافع المشفَّع في المحشر، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله النجب الغرر، وأصحابه الكِرَم الخِيَر، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوه كما أمر، وصونوا عقيدتكم عن كل ثلم وكدر، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

 

إخوةَ الإسلامِ: ومن مُضِلَّات الأوهام، واستلابات الأفهام، التي بُلِيَ بها فئامٌ من الناس، اللَّهاثُ الماديّ المسعور، خلفَ تُجَّار الكسب السريع، دون تثبُّت من مصادر هذه الأموال، وهل هي من حلال أم حرام، ودون نَظَرٍ إلى عواقب الأمور ومآلاتها، وذلك الذي أودى بكثير ممَّن سلكوا هذه المسالكَ الموبوءةَ، والطرقَ الملتويةَ المشبوهةَ، إلى المصير المحتوم؛ ألَا وهو الإفلاس والعيش المُدقع المأزوم، أو الوقوع في الفساد وغَسْل الأموال والكساد، ويلحق بهؤلاء الأَفْدام الأغرار، أقوامٌ غدَوْا في رقِّ وبيلِ الأوطار، فبحثوا عن الكمال، في صحَّة القامات، وقوّة العضلات، وجَمال القسمات؛ وذلك عن طريق تعاطي المخدِّرات، ويسمونها بالمنشِّطات والخلطات، مجهولةِ المصادر والهُوِيَّات، يُرَوِّجُها ويبيعها أشخاصٌ مجهولونَ، وأفرادٌ منكَرون، من أهل الابتزاز والإفساد، مروِّجو المفتِّرات والمخدِّرات، للمتاجَرة بأوهام القوة والفُتُوَّة، والنشاط والإسعاد، وفي نهاية المطاف يكون هؤلاء المساكينُ رهْنَ المستشفيات والْمِصحَّات؛ للتخلُّص من إدمان المخدِّرات، الذي سلَب عقولَهم وصحتَهم، وأموالَهم وقِيَمَهم، ودمَّر نفسياتِهم، وأشقى أُسرَهم ومجتمعاتِهم.

 

وهنا لفتة للمرأة المسلمة بعدم الاغترار بالدعوات الموهومة، في تحريرها من القيم والمبادئ، في استيقان أن فخرها وعزها إنما هو بعفافها، وحيائها، وحجابها وحشمتها، وحذار حذار من دعاوى الانتصارات الموهومة، أو الانكسارات المزعومة، في إرجاف أو تخذيل، ومنها الدعوات الموهومة والمضللة، ضد بلادنا المباركة، المملكة العربيَّة السعوديَّة، بلاد التوحيد والسُّنَّة، وخدمة الحرمين الشريفين، والنيل من قادتها وعلمائها، -حرسها الله- وأدام أمنها، واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين.

 

أيها المسلمون: ولا يفوت التذكيرُ في هذه الأيام الباردة، والليالي الشتائيَّة القارسة؛ بأنَّ لنا إخوانًا في الدِّين من المحتاجينَ والمتضررينَ والنازحينَ واللاجئينَ، ولا سيما في فلسطين، يفترشون الأرضَ ويلتحفون السماءَ، في مخيَّمات لا تتوفَّر فيها أدنى مُقوِّمات الحياة، ولا يجدون ما يَقِيهم عواصفَ الشتاء الباردة؛ مِنْ لباسٍ ودواءٍ، وغذاءٍ وكساءٍ، إلَّا ما تجودُ به أيدي إخوانهم في الله. فاللهَ اللهَ عبادَ اللهِ، وأنتم تعيشون الأمنَ والرخاءَ: أَسهِمُوا في تخفيفِ آثارِ هذا الشتاءِ القارسِ على إخوانكم؛ وذلك بغوثِهم عن طريق المؤسَّسات الموثوقة، والمظلَّات المأمونة؛ لتنالوا الأجرَ العظيمَ، من المولى الكريم -سبحانه-، نسأل اللهَ أن يُنزِلَ من لطفه ودفئه على المستضعَفينَ والمتضررينَ، في كل مكان، إنه جواد كريم.

 

هذا واعلموا -رحمكم الله- أن الله -جل وعلا- أمركم بالصلاة والسلام على أشرف أنبيائه، وأفضل رسله، فقال في محكم قيله، وأصدق تنزيله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

فصلَّى اللهُ والأملاكُ جمعًا *** على داعي البرية للرشادِ

وآلٍ صالحينَ لهم ثناءٌ *** بنورِ القلبِ سطَّرَهم مدادي

 

اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، اللهمَّ وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ وعن سائر الصحابة والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهمَّ وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهمَّ وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهمَّ وفقهم للبطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهمَّ احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهمَّ اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهمَّ اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.

 

حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلتُ وهو ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا أنتَ برحمتكَ نستغيث، فلا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.

 

اللهمَّ انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهمَّ تقبل شهداءهم، اللهمَّ اشف مرضاهم، وعاف جرحاهم، وردهم سالمين غانمين.

 

(رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

 

المرفقات

الحث على سلامة التوحيد والكسب الرشيد.doc

الحث على سلامة التوحيد والكسب الرشيد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
11-02-2024

جزاك الله خير