عناصر الخطبة
1/ المال زينة الحياة الدنيا 2/ العبادات سبل تحصيل التقوى 3/ الصدقة حجاب من النار 4/ينفعك من مالك ما قدمت 5/ فوائد الصدقة 6/ الصدقة تجبر ما يقع من العبد من الزلل 7/ رمضان أعظم موسم للتنافس في عمل الخير 8/ الصدقة سبب لبركة المال 9/ أنواع الصدقات.اقتباس
لقمة تضعها في يد فقير أو مسكين وأنت لا تبالي بها، هذه الصدقة تأتي يوم القيامة وقد رباها الله عز وجل لك حتى إنك لتراها جبلاً عظيمًا فتقول: من أين هذا؟ فيقال لك: تلك اللقمة التي وضعتها في يد المسكين أو المحتاج، إن الصدقات أيها المسلمون تجبر ما يحصل عند المسلمين من الخلل الحاصل في العمل، ومن اللغط، ومن اللغو ومن الرفث، وخاصة...
أما بعد: فإن الله جل وعلا جعل شهر رمضان ميدانًا للتنافس والتسابق في فعل الخيرات، ولذلك فإن مجامع العبادة وأطراف العبادة جاءت في هذا الشهر المبارك الكريم (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 26] فلنر الله عز وجل من أنفسنا عزمًا وقوة في شهر رمضان الذي فيه الصيام وفيه تلاوة القرآن، وفيه الدعاء وفيه تفطير الصائمين، وفيه الإنفاق والصدقة بجميع أنواعها، وفيه زيارة الأرحام والأقارب، وتفقد أحوالهم وفيه زيارة العشر الأواخر، فما أدراك ما العشر الأواخر وفيه الاعتكاف، إن الله تعالى جعل لهذا الإنسان زينة في الحياة الدنيا ظاهرة وباطنة قال الله (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31]، هذه الزينة التي أمر الله تعالى بأخذها وأمر بإبراز هذه النعمة، فإن الله تعالى يحب أن يرى أثر هذه النعمة على عبده.
وقال أيضًا سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26]، يذكر سبحانه وتعالى امتنانه على عباده أنه أنزل عليهم ريشًا يتجملون به، وكان هذا الريش الذي يتجمل به من سمات الملوك. وذلك أن الملك الذي بلغ في النعمة مداها أنه كان يضع على رأسه ريشا ليبرز تمام النعمة التي أنعم الله بها عليه.
وهكذا أيضًا جعل الله سبحانه وتعالى من جملة الزينة لهذا الإنسان المال والولد، فقال سبحانه وتعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف: 46]، فمن ليس له لديه مال فزينته ناقصة ومن ليس له ولد مهما كان ماله فزينته ناقصة فالزينة لا تكتمل إلا بمثل هذا، ولكن الأهم من هذه الزينة هي ما ذكره الله جل وعلا في كتابه العزيز فقال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26].
لباس التقوى الذي يتحصل عليه الإنسان في رمضان وإذا لم يجده الإنسان في رمضان فإنه سيضل الطريق ولن يصل إلى ذلك أبدًا فالله سبحانه حينما فرض الصوم إنما فرضه من أجل تحصيل التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
وتقوى الله تعالى لا تكون إلا بالطريق الذي شرعه الله وشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتحصل على التقوى بالعبادات بالتقرب إلى الله تعالى بهذه العبادة، فالصوم يتحصل بها الإنسان على التقوى، والصلاة عبادة توصل الإنسان إلى التقوى، والزكاة عبادة يحصل بها الإنسان على تقوى الله، وقراءة القرآن عبادة توصل الإنسان إلى تقوى الله، والاعتكاف طاعة وقربة توصل الإنسان إلى تقوى الله عز وجل.
أولئك الناس الذين انحرفوا عن هذا الطريق من أجل تحصيل تقوى الله عز وجل فسلكوا سبلاً ما أنزل الله بها من سلطان وإن زين لهم الشيطان أنهم قد أعطوا من التقوى تمامها، فهذا إنما هو وسوسة من الشيطان الرجيم لهذا الإنسان.
فالتقوى لا يتحصل عليها إلا بعبادة الله تعالى باستثمار مواسم الخير ورمضان من المواسم التي يتحصل فيها الإنسان على تقوى الله عز وجل لتنوع العبادات فيه.
وتقوى الله عز وجل هي باختصار أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، أن تفعل المأمور والمندوب وتنتهي عن المحرم والمكروه، هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى، أن تعمل بشريعة الله تعالى حسب قدرتك وحسب وسعك، ولا يكلف الله تعالى نفسا إلا وسعها.
ومن هنا لما كان الإنسان بحاجة إلى أن يأخذ زينته، وكان بحاجة إلى أن يعينه أخوه على تحصيل هذه الزينة قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال له» الغرض من هذا هو كفاية هذه النفس التي فطرت أصلاً على حب المال (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) [الفجر: 20].
ولك أن تتدبر هذا القول ((حبًّا جمًّا)) أي حبًّا عظيمًا، ولذا فإن الناس جميعًا يسعون من أجل تحصيل هذا المال من حله وحرامه حتى الفقير يسعى من أجل تحصيل هذا المال بشتى الوسائل وبشتى الطرق حتى إن منهم من يريق ماء وجه من أجل أن يتحصل على هذا المال؛ لأنه لا حياة للإنسان بدون المال، فالمال قوام الحياة ولذلك أو جب الله تعالى على الإنسان الغني الذي عنده فضل أن يعود له على من لا مال له (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج: 24- 25].
هل تعلم أيها الأخ في الله أن الصدقة التي تضعها بين يدي المحتاج إنما تضع حجابًا بينك وبين النار ولو كان هذا الأمر بسيطًا، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» أي ولو بنصف تمرة، المهم أن يكون ذلك عن سخاء نفس، المهم أن يقصد العبد بذلك وجه الله، المهم ألا يكون في هذا العمل ما يشعر بالترفع على هذا الفقير والمحتاج والمسكين، فإن هذا الإنسان الذي قبل منك صدقتك إنما هو أيضًا متفضل عليك يفتح لك بابًا من أبواب الخير وبابًا من أبواب الجنة لست أنت المتفضل والوحيد، وإن كانت بدك العليا واليد العليا خير من اليد السفلى، لكن اليد السفلى نعلم أن فيها خيرًا، وأنها تقدم لك فضل وتصور ذلك اليوم الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يخرج بصدقته يجوب بها الآفاق لعله يجد من يأخذها، فكلما وجد إنسانًا قال لو أنك أتيت بها بالأمس حيث يصبح الناس أغنياء جميعًا فلا يجد الغني من يقبل صدقته هذا الذي يأخذ صدقتك إنما يفتح لك بابًا من أبواب الخير، ولهذا كره العلماء أن يطلب الإنسان الدعاء من أخيه إلا في وجه واحد أن يقصد بذلك منفعته، وإلا فلا واسطة في الدعاء فيما بينك وبين الله جل وعلا.
يعني حينما تقول له: لا تنسني من دعائك، ادع الله لي أول ما تقصده أن يأجرك الله عز وجل، ولهذا كان بهذه المثابة يشرع أن تطلب الدعاء من أخيك، أما أنك تجعل وسائط فيما بينك وبين الله ، فلا وسائط بين الله ويبن خلقه ألا الرسل وإلا فإنه قال سبحانه وتعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62]، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
الصدقة أيها المؤمنون لها فوائد جمة، من هذه الفوائد أن الصدقة إنما تضعها في يمين الرب جل وعلا. وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل». والفلو ولد الحصان الصغير كيف يربيه هذا الإنسان وكيف يعتني به وكيف يغذيه حتى يكون فرسًا قويًّا كبيرًا، هكذا يقول أيضًا صلى الله عليه وسلم حتى إن اللقمة ليربها الله جل وعلا لصاحبها حتى تكون مثل الجبل العظيم.
لقمة تضعها في يد فقير أو مسكين وأنت لا تبالي بها، هذه الصدقة تأتي يوم القيامة وقد رباها الله عز وجل لك حتى إنك لتراها جبلاً عظيمًا فتقول: من أين هذا؟ فيقال لك: تلك اللقمة التي وضعتها في يد المسكين أو المحتاج، إن الصدقات أيها المسلمون تجبر ما يحصل عند المسلمين من الخلل الحاصل في العمل، ومن اللغط، ومن اللغو ومن الرفث، وخاصة ما يحدث من الأغنياء ومن التجار؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر التجار! إن هذا البيع والشراء يخالطه اللغو والأيمان والفجور فشوبوه بالصدقة» اخلطوه بالصدقة؛ لأنه يرفع عنكم ذلك اللغو ويرفع عنكم اللف والدوران، ويرفع عنكم الحلف الكاذب ويرفع عنكم التزوير ويرفع عنكم الظلم .
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم للنساء: «يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: بم يا رسول الله ؟ قال : إنكن تكفرن العشير وتكثرن اللعن، أي تكفرن إحسان الزوج لو أحسن إلى أحداكن الدهر كله ثم رأت منه سوء قالت: ما رأيت منك خيرًا قط». أمرهن بالصدقة لأنه يرفع مثل هذا الكلام الذي فيه مؤاخذة وفيه مسائلة ولو لم تتصدق هذه المرأة لكانت تستحق النار بعدل الله عز وجل، «تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار»، تسأل المرأة عن السبب قال: إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير، قالت امرأة: نكفر بالله قال تكفرن العشير أي تكفرن الزوج والزوج يحسن وينفق والزوج يتعب إلى آخره، فإذا وجدت منه أمرًا بسيطًا قالت : ما رأيت منك خيرًا قط.
الصدقات أيها المؤمنون لا يقصد بها صدقة المال أو صدقة الطعام، هذا فهم فيه شيء من القصور، فالواجب علينا أن نفهم الصدقة بفهم واسع، فهذه الحياة كلها صدقة عليك، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة». ابتسامتك في وجه أخيك صدقة على نفسك فلا تحرم هذه النفس من هذه البسمة، ولو كنت في حالة غضب لا تحرمها من هذه الصدقة تصدق على نفسك ولو بالشيء اليسر.
أمرك بالمعروف صدقة نهيك عن المنكر صدقة، وليس المقصود بهذا أن تخرج إلى الشارع لتأمر بالمعروف ولتنه عن المنكر بل في حدود ما تستطيع، فإغاثة الملهوف صدقة نفسك، مسحك لرأس اليتيم صدقة على نفسك. بل قال: صلى الله عليه وآله وسلم: «حتى اللقمة تضعها في في امرأتك لك فيها أجر، ولك فيها صدقة».
هذه اللقمة التي لا تتعبك، ولا تجهدك لكن لما كانت فيها إدخال السرور على نفس زوجتك كان لك فيها أجر، فلا تحرم نفسك من هذه الصدقات، قد تقول: ما عسى أن أجد من الأجر من هذه الصدقة، ما يدريك لعل هذه الصدقة تكون حجابًا لك من النار وتكون سببًا في دخولك الجنة بإذن الله تعالى.
قال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «يعدل بين اثنين صدقة» أي في حكم تحكم به بين متشاجرين صدقة تتصدق بها على نفسك فلا تحرمها في هذا الشهر المبارك.
وباب الصدقة واسع جدًّا فصلاتك النافلة صدقة على نفسك قراءتك للقرآن صدقة على نفسك، بل حتى نومك لأخذ قسط من الراحة صدقة على هذه النفس إعطاؤها ما أباح الله من غير إسراف ولا تبذير ولا مخيلة، كل هذا من باب التصدق على نفسك. فالباب في هذا الجانب واسع جدًّا.
إن رمضان موسم للتنافس في فعل الخير والصدقة منها ما هو واجب والمقصود بذلك الزكاة الواجبة والزكاة الواجبة على نوعين: زكاة في المال، وزكاة في النفس. أما زكاة النفس فقد قال الله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [الشمس: 9] بطاعة الله بتوحيد الله.
والزكاة الواجبة الأخرى: زكاة المال وهناك من الزكاة ما هو مندوب ومستحب، ومن ذلك نوافل الطاعات والعبادات؛ لأنها مما تزكي النفس وكذلك الصدقات الأخرى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 19].
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المسارعين والسباقين إلى فعل الخيرات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفي وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فإن أفضل الصدقات ما تصدق به الإنسان من طيب نفسه، وأفضل الصدقات أن يتصدق الإنسان بأطيب أو من أطيب ما يجد (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران: 92]، كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ».
إن أفضل ما تتصدق به على أقاربك؛ لأن الصدقة على البعيد صدقة وعلى القريب صدقة وصلة، فالصدقة على الأقارب أفضل وهم نوعان: الأصول والفروع: الآباء وإن علوا الأبناء وإن نزلوا هؤلاء أصول وفروع. وما سواهم من الأقارب تجوز لهم الصدقة مثل العم وابن العم والخال وما شاكل ذلك هؤلاء تجوز عليهم الصدقات، وتصلح أن تعطيهم من زكاة مالك، أما الأصول والفروع من وجبت عليك نفقتهم وكانت الزكاة إن أعطيتها لهم سدت على نفسك بابًا من أبواب الإنفاق كالأب لا يكون عنده مال ولا عنده عمل، فإن أعطيته من زكاة مالك حجبت مالك عن الإنفاق عليه؛ لأن الإنفاق عليه هنا واجب، وهكذا الوالد على ولده لا يصلح أن يعطيه من الزكاة؛ لأنه لو أعطاه من الزكاة أغناه ذلك عن أن ينفق عليه النفقة الواجبة لذلك لا يصلح للرجل أن يعطي زكاة ماله لزوجته ولا لأولاده اللهم إلا في باب واحد فيما لو كان على الأب دين أو كان على الولد دين، فإن قضاء الدين ليس واجبًا على الأصل إن كان الفرع غارمًا ولا على الفرع إذا كان الأصل غارمًا، فيجوز في هذه الحالة أن يدفع له شيئًا من الزكاة.
وقد جاء في الحديث الصحيح أن امرأة كانت تريد أن تزكي على مالها فقال لها زوجها: أنا والأولاد أحق فقالت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت تطرق باب النبي عليه الصلاة والسلام ففتح بلال، فسألته فسأل النبي صلى عليه وسلم فقال: «صدق زوجها، إنها صدقة وصلة»، والسبب في هذا أن المرأة لا يجب عليها أن تنفق على أولادها وزوجها بخلاف الزوج فالنفقة عليه واجبة، لذا فإن المرأة الغنية إذا كان زوجها فقيرًا، وكان مرتبه لا يكفي يصلح أن تعطيه زكاة مالها زكاة حليها وهو ينفق على نفسه وعليها وعلى عياله .
هذا أمر مشروع، أن يتصدق الإنسان على الأقارب، فالأقارب أولى والأقربون أولى بالمعروف إن تغنيهم وأن تكفّ أيديهم عن أن يمدوها إلى الآخرين، وأنت أعرف بأحوالهم وأنت أوجب عليك أن تتفقد أحوالهم فهم أحق ولك في ذلك أجران كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إن الصدقة أيها الإخوة ليس كما يتبادر إلى الذهن تنقص من المال، بل العكس هو الصحيح فقد أقسم صلى الله عليه وسلم وهو البار بقسمه أقسم «أنه لا تنقص صدقة من مال»، بل الصدقة تزيد هذا المال وتنمّيه وتطهّره وتبارك فيه، ولهذا الزكاة كما أسلفنا تطهير لهذه النفس من الشح تطهر المال مما دخل فيه مما شابه، وتطهير لهذه النفس عن أن تكون متدنية في أخلاقها لا تنظر إلا إلى ذاتها لا تنظر إلى الفقير ولا إلى اليتم ولا تنظر إلى المحتاج ولهذا فالصدقة تنمّي هذا المال وتبارك فيه وتذهب عنه النوازل بإذن المولى سبحانه وتعالى.
ثم اعلم أن مالك الحقيقي هذا الذي تكون أفقر ما يكون إليه حالك بعد موتك، فأنت بعد موتك إلى أي شيء تفتقر؟ تفتقر إلى ما خلّفته لأولادك أم تفتقر لأعمالك التي قدمتها كأنك تنظر إلى ما قدمت إلى ما أنفقت لا تنظر إلى ما خلفت؛ لأن هذا أمر مضى لا تحب أن تعود إليه إلا على سبيل الاستزادة من الخير.
أما الرجوع إلى ما كنت عليه إن كنت من الصالحين فلا تتمنى بل النفس الطيبة تقول : رب أقم الساعة رب أقم الساعة، أما تلك النفس الشحيحة البخيلة فهي التي تقول : يا ويلها أين تذهبون بها لا تريد أن تقوم الساعة فإلى أي شيء أنت مفتقر هل أنت مفتقر إلى ما تركت أم أنت مفتقر إلى ما قدمت، لذلك صح عنه صلى عليه وسلم أنه قال : «يقول ابن آدم: مالي مالي، وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى، وما لبس فأبلى، وما تصدق فأبقى».
وذُبحت شاة في بيت صلى الله عليه وسلم فتصدقوا بها إلا كتفها؛ لأنه ذلك كان يعجب النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ما بقي منها قالوا : ذهب كلها ولم يبق إلا الكتف فقال صلى الله عليه وسلم: «بل بقي كلها إلا الكتف».
ذلك الذي قدمنا هو الباقي أما هذا ستأكله وسيفنى، وإن كان في هذا صدقة على النفس كما أسلفنا، لكن انظر إلى شاة النبي صلى الله عليه وسلم على ما يحرص الإنسان يحرص على ما قدم، ووالله يا معشر المسلمين لو أن الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم كما فرض الله ما وجدنا سائلاً ولما وجدنا فقيرًا، ولما وجدنا محتاجًا؛ لأن الله تعالى يغنيهم من هذا المال ولو تنظمت قضية الزكاة ووصلت إلى مؤسسات أمينة تنفق هذه الزكوات في مصارفها لما وجدنا متسولاً، ولرأينا الناس كلهم شاكرين ذاكرين لله سبحانه وتعالى، فنسأل الله تعالى أن يغنينا جميعًا من فضله، كما نسأله أن يرقق قلوب الأغنياء والموسرين وأن يوفقهم وأن يأخذ بأيديهم لإخراج زكاة المال، وأن يبارك لهم في أموالهم إنه سميع مجيب .
والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم