الحث على التمسك بالدين والبشارة بظهوره وعزة المسلمين وفشل كل دين سواه

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/من أوصاف دين الإسلام 2/ النصرة لمن تمسك بهذا الدين 3/ البشارة بظهور الدين قريبا 4/ من العبر الظاهرة الحرب على الإسلام وازدياده قوة

اقتباس

اعرفوا حقيقة دينكم وتفقهوا فيه، وتمسكوا به واثبتوا عليه، واغتبطوا به وحافظوا عليه، ولا يهولنكم إرجاف المرجفين ووعيد المتسلطين ممن طغى وبغى وجانب الحق والهدى، ولا يفتتنكم زخرف المبطلين وتشبيه المشبهين ممن آثر الدنيا على الأخرى، وانحرف من بعد ما تبين له الهدى، وناب عن الشيطان في الدعوة إلى سبل الردى ..

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وسوء ظنوننا، ونسأله تبارك وتعالى للجميع الهدى والسداد والتوفيق لكل خير في العاجلة ويوم يقوم الأشهاد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي رضي لنا الإسلام ديناً وجعلنا بالتمسك به خير أمة أخرجت للناس، ونحن في الدنيا والآخرة الشهداء على الناس. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، وبشيراً للمؤمنين، ونذيراً للمعرضين المعاندين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه على هداه، الذين يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا راية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى كما أمركم، وتمسكوا بالدين الذي اصطفى لكم، وأخلصوا شكركم له كما اختاركم له.

أيها المسلمون: إن دين الإسلام هو الدين الحق الذي شرف الله به المسلمين (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19]. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]. فهو الدين الحق الذي كتب الله له البقاء إلى آخر الزمان، وحفظه تعالى من التبديل والزيادة والنقصان، وحكم له بالظهور على سائر الأديان، ولو كره المشركون والكافرون من أهل الكتاب وعبدة الأوثان (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:8-9].

ووعد -سبحانه- أهله المتمسكين به بالنصر والتمكين (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:41]. (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور:55-56].

وإن ديناً كتب الله له الظهور ولأهله النصر والتمكين في الأرض - لا بد أن يستعلي ويهيمن، وأن يصبح أهله أهل القيادة والسيادة، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وأن يحرروا الناس من عبودية المخلوقات من الأموات والجمادات والشهوات والطغاة، وأن يوجهوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الذي (فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [غافر:68]. (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت:17]. (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج:78].

أيها المسلمون: اعرفوا حقيقة دينكم وتفقهوا فيه، وتمسكوا به واثبتوا عليه، واغتبطوا به وحافظوا عليه، ولا يهولنكم إرجاف المرجفين ووعيد المتسلطين ممن طغى وبغى وجانب الحق والهدى، ولا يفتتنكم زخرف المبطلين وتشبيه المشبهين ممن آثر الدنيا على الأخرى، وانحرف من بعد ما تبين له الهدى، وناب عن الشيطان في الدعوة إلى سبل الردى، فلقد كان لكم في سلفكم الصالح خير مثال يحتذى؛ في الثبات على الحق، والتمسك بالدين عن إخلاص وصدق، والحذر من مكائد المغضوب عليهم والضالين، ومؤامرات المنافقين والمبتدعين، وتلبيس أئمة السوء المفتونين، فعصم الله السلف من الضلالة، وسلمهم من الغواية، ونجاهم من الفتنة، وأنقذهم من الهلكة.

وإن من يتأمل تاريخ الإسلام الطويل في سائر الأعصار وشتى الأمصار؛ ليتجلى له حفظ الله للإسلام، وصدق وعده ببقائه وظهوره على سائر الأديان، وتحقيق وعد الله جلّت قدرته للمؤمنين بالعز والتمكين، والنصر المبين على سائر أعداء الدين، مهما كانوا عليه من قلة العدد وضعف العُدد، ومهما كان عليه أعداء الدين من كثرة العَدد وقوة في العُدد، وإن ذلك مما يبعد خواطر التشاؤم عن القلوب، ويبعث على التفاؤل بتمكن الإسلام في القلوب، وضرورة غلبته وظهوره وهيمنته على سائر الأمم والشعوب.

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين لا يترك بيت مدر -أي طين- ولا وبر -أي غزل- إلا دخله بعز عزيز وذل ذليل" وبشر صلى الله عليه وسلم بانتصار المسلمين على اليهود والروم آخر الزمان، وبفتح روما عاصمة الفاتيكان (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم:6]. "وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".

أيها المؤمنون: إن هذا القرن المبارك -إن شاء الله- من قرون الظهور والغلبة للدين والعز والتمكين والنصر للمسلمين، فلقد مضى عُشرُه مشتملاً على أحداث ذات عبر، وحاملاً لبشائر بعد النذر، تنبئ عن مستقبل مشرق للإسلام، وهزائم منكرة للمنافقين وأهل الكتاب والكفرة أشباه الأنعام، فلقد ظهر خلال السنوات الماضية فشل الإلحاد، وأعلن أهله إفلاسهم على رؤوس الأشهاد، وتلك خسارة الدنيا، وخسارة الآخرة أعظم لمن لم يعد إلى سبيل الرشاد، ولقد تهاوت فيه عروش الطغاة الظلمة الذين طغوا في البلاد، واضطهدوا العباد، وأكثروا في الأرض الفساد، أخذهم الله على حين غرة، وجعلهم لأمثالهم والمعتبرين بهم عبرة، ومن بقي فإنما أمهله الله ليأخذ مما أصاب أسلافه دراسة، وليستكمل أنفاسه، وليستيقن خيبته وخسارته وإفلاسه، فإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14].

أيها المسلمون: ومن العبر الظاهرة ودلائل قدرة الله الباهرة أن الإسلام والمسلمين يتآمر عليهم أعداؤهم من كل جهة، ويتنادون عليهم من كل صوب، تُسخَّر في حربهم عظيم الميزانيات، وتحشد عليهم أصناف الجيوش والقوات، وتكلفهم بدراسة أحوالهم وتنظيم خطط القضاء عليهم عريق المؤسسات، وتسلط عليهم ظلمة الحكام، ويصدر في حق الدعاة إلى الله والمرشدين لعباده أقسى الأحكام من التعذيب والإعدام، ويكال أنواع السب والشتم والاتهام .. ومع ذلك -ولله الحمد- لا يزداد الإسلام إلا تمكناً من القلوب، وتغلغلاً في الشعوب، وانتشاراً في الأوطان، وظهوراً على الأديان، ولا يزداد أهله إلا إقبالاً عليه ورغبة فيه، والتزاماً به وجهاداً من أجله، وصدق الله العظيم إذ يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأنفال:36-37].

فمع جهود أعداء الإسلام الجبارة لحرب الإسلام وكثرة مؤامراتهم ومؤتمراتهم على أهله على الدوام - فإن الصحوة في المسلمين قد عمت الآفاق، وأغاظت -بحمد الله- الكافرين وأهل النفاق؛ فثقوا عباد الله بوعد الله بالنصر بالإسلام والمسلمين، واستقيموا على الإسلام وادعوا إليه، ودافعوا عنه، تكونوا من أولياء الله المتقين وأحبابه المؤمنين وجنده الغالبين (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38]. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة:54-56].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

المرفقات

859

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات