الحث على الاستعداد للجهاد في سبيل الله (بمناسبة ما سمي بأزمة الخليج)

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الجهاد
عناصر الخطبة
1/وصف لحال المعتدين في أزمة الخليج 2/ أهمية الاستعداد للجهاد في سبيل الله 3/ مراتب الجهاد.

اقتباس

ولقد أشعل نار تلك الفتن وأطار شررها في الآفاق؛ فئة طاغية وشرذمة باغية، اشتهرت بأشنع المآثم، وارتكاب أفظع الجرائم، زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون؛ فارتدوا عن أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى فسوف يعلمون، حيث اشتروا الضلالة بالهدى فبئس ما يشترون ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدِّين وسلم تسليماً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله فيما تأتون وما تذرون، وراقبوه؛ فإنه بصير بما تعملون، وتوبوا إليه؛ فإنه سبحانه يحب التوابين، وأحسنوا إلى عباده؛ فإنه لا يضيع أجر المحسنين (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف:129]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق:3].

أيها الناس: إن المسلمين اليوم في هذا الجزء من العالم أمام فتن عمياء وشدائد مظلمة، ليس لها من دون الله دافع أو مجير؛ فنسأله بعزته وقدرته وجبروته وقهره أن يصرف شررها، وأن يدفع خطرها، وأن يُهلك بها من أَثارها؛ فإنه -سبحانه- على كل شيء قدير، يقول للشيء كن فيكون، وهو -سبحانه- لطيف بعباده، يرزق من يشاء وهو القوي العزيز.

أيها المسلمون: إن تلك الفتن قد نُسجت حلقاتها، وأُحكمت خططها من قبل أعداء الله ورسله، أتباع الشيطان في الإفساد، وإشاعة الفساد، والجد وبذل الوسع في إضلال العباد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأنفال:36-37]. فهي من مكرهم، مَكَر الله بهم. فإنه -سبحانه- توعدهم بقوله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]. وقوله: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [النمل:51].

أيها المسلمون: ولقد أشعل نار تلك الفتن وأطار شررها في الآفاق؛ فئة طاغية وشرذمة باغية، اشتهرت بأشنع المآثم، وارتكاب أفظع الجرائم، زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون؛ فارتدوا عن أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى فسوف يعلمون، حيث اشتروا الضلالة بالهدى فبئس ما يشترون، قد ظلموا أنفسهم ومن تحت أيديهم وجيرانهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، رضوا لأنفسهم الهوان، إذ صاروا كلاباً لليهود وجنداً للشيطان (أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة:19].

زينت لهم أهواؤهم البغي والفساد، وقرروا أن ينشروه بين العباد، فنقضوا العهود، وغدروا بالوعود، وسعوا في الأرض مفسدين؛ إذ روعوا الآمنين، وشردوا المطمئنين، واستباحوا الحرمات، وانتهكوا المحرمات، ونشروا الجاهليات، وبرروا لأنفسهم بالشبهات والحجج الداحضات (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:204-206].

أيها المسلمون: وإذا كنا في زمن تعاقدت فيه قوى الباطل، وتكالبت فيه عناصر الشر، واتفقت على إزهاق الحق، وشن الغارة على أهله بغزو ديار الإسلام، وهدم حصونه الواحد تلو الآخر؛ ليعطلوا عبادة الله، ويصدوا الناس عن سبيل الله، ويقيموا فيها للكفر مناراً، ويرفعوا للباطل فيها شعاراً، لو تم لهم ما يتمنون، فكان من نتائج هذا المكر المبيت والكيد المنظم هذا العدوان الغاشم، وما ارتكب فيه من فظيع الجرائم في أناس لنا مجاورين، وإخوان لنا في الدين، كما تبين أننا بعدهم مقصودون مستهدفون.

فواجب علينا الاستعداد للجهاد في سبيل الله؛ لصيانة الإسلام من عبث العابثين، والدفاع عن حرمات المسلمين، وصد كيد أعداء الدين، وقد أذن الله للمظلوم أن ينتصر، وللحق أن يظهر وينتشر ويشتهر، فشرع فريضة الجهاد في سبيله للانتصار من الظالم، ورد عدوان الآثم، وبتر يد المجرم، وحفظ حرمات وحقوق كل مسلم، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج:39]. وقال سبحانه: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:36].

وقال -جل ذكره-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال:39]. وقال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة:41].

واستنكر -سبحانه- على المتثاقلين، وتوعدهم بالعقوبة في الدارين، كما في قوله المبين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة:38-39].

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:24-25].

فالجهاد في سبيل الله حياة وعزة وكرامة، وظهور للحق وإزهاق للباطل، وسعة في الرزق، ومجلبة للخير، ومدفعة للشر، ومرضاة للرب، ومكفرة للحوب، وسعادة في الدارين (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:251]. (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]. وقال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:14-15].

وكذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم".

وبشر -صلى الله عليه وسلم- الراغبين في الجهاد والصادقين في طلبه، حتى ولو لم يشتركوا فيه وتتهيأ لهم فرصه، فقال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" كما توعد المتخاذلين عن الجهاد والمعرضين عنه بقوله: "من لم يغز ولم يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدِّث به نفسه مات على شعبة من النفاق".

والنصوص في الكتاب والسنة بشأن الجهاد وفضل المجاهدين ووعيد المتخلفين في الدنيا والآخرة أكثر من أن تحصر أو تسرد من على منبر.

أيها المسلمون: وإذا كنا أمة سياحتها الجهاد في سبيل الله، وهمها الفوز برضوان الله، وأنه لا حياة لنا ولا كرامة إلا بالجهاد في سبيل الله؛ فهو الذي تجتمع به الكلمة، ويتحد به الصف، وتظهر به الهيبة، وتنشر به الفضيلة، وتخفى بسببه الرذيلة، ويفرض به الحق، ويذل به الباطل وأهله.
فالجهاد في سبيل الله مرتبتان: أولهما وأفرضهما الدفاع عن حرز الإسلام وحرمات المسلمين، ورد كيد المجرمين، وعدوان الظالمين الباغين. وأكملهما وأعلاهما قتال الكفار كافة؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وهي تلي الأولى في الفرضية، كلاهما في سبيل الله.

فاتقوا الله -عباد الله-، وهبوا للدفاع عن شعائر دين الله وحرمات عباده، وإعلاء كلمته بجهاد البغاة الطاغين، والظلمة المفسدين، وعموم طوائف الكافرين والمشركين، والمغضوب عليهم والضالين، فإن لليوم ما بعده، وإن الموت في ساحة الوغى خير من الموت تحت الذل والاستعباد وامتهان العقيدة والدين، وكما ورد أن الجنة تحت ظلال السيوف فهذا يعني أنها أيضاً تحت قذف القنابل وبين قصف المدافع، فحققوا يا عباد الله ما أراده الله منكم من طاعته، والعمل بما يرضيه، يحقق لكم ما وعدكم به من النصر والتأييد، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:102-103]، وتوجهوا إلى الله بقلوبكم، واستغيثوا به في كشف الضر عنكم، وصرف كيد أعدائكم، فما خاف عبد لجأ إلى الله، واستغاث بمولاه، ولاذ بحماه.

ألا يا عباد الله إن الأمر جد فخذوا له أهبته، والحياة كلها كبد ونهايتها الموت الذي لا ينجو منه من البشر أحد، وخير الأعمال ما جلب عزًّا، وخلَّد ذكراً، وكتب أجراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التوبة:20-22].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقات

857

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات