الحث على الاتباع وعدم الابتداع والتعريض بالكرسمس

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/شروط قبول الأعمال الصالحة 2/فضل الاتباع وأهميته 3/العلاقة بين الاتباع والاعتقاد 4/أحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - 5/التحذير من الابتداع والمبتدعة 6/حكم مشاركةَ الكفار في أعيادهم وتهنئتهم بها

اقتباس

فضل اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأمور المتقررة، والأصول المتأكدة، فلا دين إلا بالاتباع، ولا سعادة ولا فلاح في الدنيا والآخرة إلا به. وما كان الناس بحاجة إلى أن تعقد الفصول، وتؤلف المؤلفات، وتخطب الخطب؛ في بيان فضل اتباعه صلى الله عليه وسلم، ولكن لمَّا عمت في الناس الأهواء، وكثرت البدع والآراء، وفشت الضلالات، احتاج أهل العلم إلى تأليف الكتب، وعقد الفصول، وكتابة الرسائل، وجمع الأدلة، في...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلُّ ضلالة في النار.

 

أما بعد:

 

فيا أيها المؤمنون: إننا نسير على دين سماوي، جاء من عند رب العالمين، ونزل ربه الروح الأمين، على قلب نبينا محمد -عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم-، فليس لأحد أن يأتي بشيء في الدين من قبل نفسه: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) [الشورى: 21].

 

فلا بد أن يكون الدين عن طريق الوحي الذي لا يدرك إلا برسول رب العالمين، وهذا ما يسميه أهل العلم: "الإتباع".

 

فالاتباع لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإخلاص العمل لله هما قاعدتا الدين، لا يقوم إلا عليهما، ولا تقوم أحدهما إلا بالأخرى، فمن هذا الباب صار لزاما على العبد أن يسعى في تحقيقهما، وتأصيلهما في القلوب.

 

ولنعلم أنَّ السعادة إنَّما تنال بالإتباع والسير على نهجه صلى الله عليه وسلم، فلم يبعث الله الرسل إلا ليُتَّبعوا ولتقتفى آثارهم، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) [النساء: 64].

 

وفضل اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأمور المتقررة، والأصول المتأكدة، فلا دين إلا بالاتباع، ولا سعادة ولا فلاح في الدنيا والآخرة إلا به.

 

وما كان الناس بحاجة إلى أن تعقد الفصول، وتؤلف المؤلفات، وتخطب ؛الخطب في بيان فضل اتباعه صلى الله عليه وسلم، ولكن لمَّا عمت في الناس الأهواء، وكثرت البدع والآراء، وفشت الضلالات، احتاج أهل العلم إلى تأليف الكتب، وعقد الفصول، وكتابة الرسائل، وجمع الأدلة، في بيان فضل اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتحذير من الأهواء وأهلها، حتى تستبينَ الجادةُ، وتتضحَ الطريقُ؛ كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 55].

 

فالباطل إذا وُجد في الناس وانتشر يجب أن يحذر منه، وأيضاً إذا ضعف الحق والتمسك به ينبغي أن ينشر بين الناس فضله.

 

وإذا نظرت في كثير من مجتمعاتنا اليوم ترى أنَّهم يحتاجون إلى هذه الأصول، يحتاجون إلى أن تذكر لهم الأحاديث، والأدلة الدالة على فضل اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا عرفوا فضل ذلك، بُين لهم كيف يكون الإنسان متبعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، سائراً على نهجه مقتفياً لآثاره.

 

وأولى ما يكون فيه الاتباع هو الاعتقاد، وإذا قيل: ما علاقة الاتباع بالاعتقاد؟

 

يقال: لا صحة للاعتقاد إلا إذا كان مبنياً على الاتباع؛ كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات(1].

 

أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، فلا يقبل من الناس أي اعتقاد أو عمل إلا إذا كان مبنياً على الاتباع.

 

ولهذا فالاتباع هو أصل أصول الإيمان، وإنما تبنى أصول الإيمان على الاتباع وعلى العلم الصحيح المتلقى من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "من فارق الدليل ضل السبيل، ولا دليل إلا بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-".

 

ويقول ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-: "كيف يرام الوصول إلى علم الأصول بغير ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-".

 

ولهذا ترى عامة المصنفين من أهل السنة أول ما يبدءون المعتقد يبدءونه بالحث على الإتباع، والتمسك بالكتاب والسنة؛ لأنَّ هذا هو الركيزة والأساس الذي يبنى عليه المعتقد، فإن لم يبن على هذه الركيزة لا يكون صحيحاً ولا مقبولاً.

 

وهذا تأصيل مبارك ينبغي أن يغرس في قلب كلِّ مسلم..

 

أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته: "نحمد الله -تعالى-، ونثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة".

 

فقوله: "أحسن الهَدي، هَدي محمد".

 

وتروى أيضاً بلفظ: "الهُدى: هُدى محمد".

 

والهَدي: هو الطريق، والهُدى: هو الدلالة والإرشاد، فأحسن الطرق طريق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحسن الدلالة والإرشاد هو ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم.

 

وفي هذا الحديث بيان أساس ذلك التأصيل المبارك، والمنهج الطيب الذي سار عليه أهل السنة في افتتاح عقائدهم بالإرشاد، والتنبيه على أهمية الإتباع، فهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- في كلِّ خطبة يقرر للناس هذا الأصل: "إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد".

 

تأكيداً على أنَّ العقيدة والعبادة، والأخلاق مبناها على لزوم الكتاب والسنة.

 

وتكرار ذلك في كلِّ جمعة فيه تنويه بهذا الأصل العظيم، والأساس المتين، وأنَّه أصل ينبغي أن يفهم في كلِّ مقام، وهو أنَّ العمدة على أصدق الكلام وهو كلام الله، وخير الهدي وهو هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وقوله: "وشر الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلُّ ضلالة في النار".

 

وهذا فيه التحذير من البدع، وبيان شدة خطورتها، وعظم ضررها، وأنَّها مفضية إلى الضلال، وأنَّ الضلال مفض إلى النار.

 

إنَّ النجاة إنما تكون بلزوم السنة، والتمسك بها، ومجانبة البدع، والبعد عنها.

 

اللهم اجعلنا من أهل سنة نبيك، وممن يحيى عليها ويموت عليها، ويحشر في زمرة صاحبها.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين...

 

أما بعد:

 

فيا أيها المؤمنون: إن بعضا من الناس يعيش في هذه الحياة حسب هواه، ويعبد ربه بما استحسنه عقله، فالشرع عنده ما قبله العقل، ولا مصدر له للتشريع إلا عقله، حتى ما ورد في القرآن والسنة من الشرع لا بد أن يمره على عقله، فإن قبله عمل به وإلا رده، ومثل هذا لا يعرف للاتباع معنى، وإنما مثل هذا؛ كما قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) [الجاثية: 23].

 

ولهذا وأمثاله نقول: الاتباع هو طريق النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما قال تعالى عن نبيه أنه يقول للناس: (إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي) [الأعراف: 203].

 

وهكذا صحابته من بعده، والتابعون لهم بإحسان؛ فمما روي عنهم قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في خطبته: "إنما أنا متبع، ولست بمبتدع" أي: متبع لسنة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، أتقيد بها وأتمسك بما جاء فيها، ولا أتجاوزها، ولا أبتدع في الدين شيئاً من عندي.

 

وإذا كان الصديق -رضي الله عنه- وهو من هو في الإمامة والفضل، ومعرفة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "ولست بمبتدع" فكيف يتجرأ على الابتداع أناس لا شأن لهم في العلم ولا دراية؟!

 

أخرج مالك في موطئه 2/824 عن ابن المسيب: "أنَّ عمر -رضي الله عنه- لما صدر من منى أناخ بالأبطح، ثم كوَّم كومة بطحاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مد يديه إلى السماء، فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني غير مضيع ولا مفرط".

 

ثم قدم المدينة فخطب الناس، فقال: "أيها الناس قد سنت لكم ،السنن وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، إلا أن تضلوا بالناس يميناً وشمالاً... قال سعيد بن المسيب: "فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر -رحمه الله-".

 

ولهذا فإنَّ هذه الوصية تُعد من أواخر وصايا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهي في مجملها وصية بإتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد بين رضي الله عنه أنَّ الدين قد بُيِّن الفرائض والسنن ـ، وأنَّه لا نقص فيه بأيِّ وجه من الوجوه.

 

وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر".

 

وكما قال محمد بن سيرين -رحمه الله-: "ما دام على الأثر فهو على الطريق".

 

قال تعالى: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الملك: 22].

 

وقد جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- آثار كثيرة، ونقول عديدة، في ذم البدع، والتحذير منها، وذلك؛ لأنَّه وقف على بدايات ظهور البدع والمبتدعة ونشأتهم.

 

عباد الله: ما أسعد السير على هدي النبوة، فبه تعظم الأجور، ويسلم العبد من البدع والضلال، فليكن شعارنا في العبادة لا نعمل إلا بدليل، والدليل قبل العمل، وكلما كان العبد مقتدا به، كان لزوم الإتباع له ألزم من غيره، ليكون إمام هدى لا ضلال.

 

معاشر المسلمين: إن من الإحداث في الدين: مشاركةَ الكفار في أعيادهم، وتهنئتهم بها، والرضا بإقامتها في بلاد المسلمين، وهي من الأمور المحرمة، وذلك أن التشبه بالكفار يؤثر في القلب؛ كما قال أحد الصحابة: "ما تشابه الظاهر إلا بعدما تشابه القلب".

 

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم".

 

اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

 

اللهم فقهنا في الدين، وزدنا علما يا كريم.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات...

 

اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا، وأصلح أئمتنا ولاة أمورنا...

 

اللهم أنج...

 

ربنا لا تجعل...

 

 

 

 

المرفقات

على الاتباع وعدم الابتداع والتعريض بالكرسمس

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات