الحث على الإحسان في ختام رمضان

عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان

2024-04-05 - 1445/09/26 2024-04-06 - 1445/09/27
التصنيفات: رمضان
التصنيفات الفرعية: الزكاة
عناصر الخطبة
1/الحث على اغتنام ما تبقى من رمضان 2/بعض آثار وعلامات قبول العمل 3/من فضائل ليلة القدر والحث على اغتنامها وتحريها 4/بعض آداب وأحكام زكاة الفطر

اقتباس

ألَا وإنَّ الأعمالَ بالخواتيم، فاجتهِدوا، فما هي إلا أيامٌ معدودةٌ، وساعاتٌ محدودةٌ، ويذهب التعبُ والنَّصَبُ، ويبقى الأجرُ إن شاء اللهُ؛ ما هي إلا أيامٌ يسيرةٌ وتُطوى صُحُفُه، وتُختَم أعمالُه، فيا سعادةَ الفائزينَ، يا حسرةَ المفرِّطين...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعَل طاعتَه سبيلًا لمرضاته، وجعَل رضاه وسيلةً للفوز بجنَّاته، ووفَّق المؤمنينَ لعبادته فهَجَرُوا ملذاتِهم وشهواتِهم وآثَرُوا مرضاتِه، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا وتبجيلًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وكفى به إمامًا ودليلًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فإنَّ خيرَ الحديثِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ نبيِّنا محمدِ بنِ عبدِ اللهِ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فهي وصية الله للأولين والآخرين؛ (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النِّسَاءِ: 131]، ثم اعلموا أن طاعة الله خير مغنَم ومَكْسَب، ورضاه خير ربح ومطلب، والجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات؛ (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)[آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

معاشرَ المسلمينَ: رمضانُ شهرُ عبادةٍ وتوبةٍ، شهرُ تقرُّبٍ وأوبةٍ، شهرُ توبةٍ ورجوعٍ، وإخلاصٍ وخشوعٍ، وسجودٍ وركوعٍ، شهرُ صيامٍ وقيامٍ، شهرُ بِرٍّ وإحسانٍ، وتلاوةٍ للقرآنِ.

 

ألَا وإنَّه قد آذنَ بالرحيل، وما بقي منه إلا القليلُ القليلُ، قد وقَف على ثنيَّة الوداع، وأوشَكَ على الرحيل، فليتَ شِعري مَنِ المقبولُ فنُهَنِّيه، ومَنِ المردودُ فنُعزِّيه؛ فالغنيمةَ الغنيمةَ عبادَ اللهِ، والبِدارَ البِدارَ، تداركوا ما بقي منه، وبادِرُوا بالتوبة والاستغفار؛ وسابِقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

 

ألَا وإنَّ الأعمالَ بالخواتيم، فاجتهِدوا، فما هي إلا أيامٌ معدودةٌ، وساعاتٌ محدودةٌ، ويذهب التعبُ والنَّصَبُ، ويبقى الأجرُ إن شاء اللهُ؛ ما هي إلا أيامٌ يسيرةٌ وتُطوى صُحُفُه، وتُختَم أعمالُه، فيا سعادةَ الفائزينَ، يا حسرةَ المفرِّطين، صَعِدَ رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- المنبرَ، فلمَّا رَقِيَ عتبةً قال: (آمين)، ثُمَّ رَقِيَ عتبةً أخرى فقال: (آمين)، ثُمَّ رَقِيَ عتبةً ثالثةً فقال: (آمين)، ثُمَّ قال: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمدُ مَنْ أدرَك رمضانَ فلم يُغفَر له فأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: ومَنْ أدرَكَ والديهِ أو أحدَهما فدَخَلَ النارَ فأبعَدَه اللَّهُ قل: آمين، فقلتُ: آمين، فقال: ومَنْ ذُكِرْتَ عندَه فلم يُصَلِّ عليكَ فأبعَدَه اللهُ قل: آمين فقلتُ: آمين"(رواه ابن حبان).

 

عبادَ اللهِ: إنَّكم في أيام عظيمة، وأوقات فاضلة، فلا تُضَيِّعُوها في القيل والقال، وفي الغفلةِ والكسلِ واللَّهْوِ واللَّعِبِ، ولا تُضَيِّعوها بالاشتغال بالجوَّالات ووسائل التواصل؛ اغتنِموا أوقاتَكم، اغتنِموها في الصلاة والذِّكْر وقراءة القرآن، اغتنِموها في التوبة والاستغفار والدعاء والابتهال.

 

ألَا وإنَّ طُرُق الخيرات كثيرة؛ فأين السالكون؟ وإنَّ أبوابها لَمفتوحةٌ فأين الداخلون؟ فخُذُوا -عبادَ اللهِ- من كل طاعة بنصيب؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْحَجِّ: 77].

 

أيها الصائمون: للعبادة المقبولة أثرٌ في الإيمان، فأثرُها في القلب والجَنان، إصلاحُ النيَّة، وتزكيةُ النفوس والتقوى، والإخلاصُ والخشوعُ لله الأعلى؛ وأثرُها في الجوارح والأركان، الكفُّ عن المعاصي والمحرَّمات، والمثابَرة على فِعْل الخير والطاعات، وقد قال تعالى عن الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45]، وقال عن الصوم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183]؛ فراقِبوا اللهَ في أعمالكم، فإنَّ اللهَ لا يَنظُر إلى صُوَرِكم ولا إلى أجسامِكم، ولكِنْ ينُظُر إلى قلوبكم وأعمالكم، ورُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلا العطشُ والجوعُ والتعبُ، ورُبَّ قائمٍ ليس له مِنْ قيامِه إلا السهر والنصب، نسأل الله السلامة والعافية.

 

أيها الناسُ: إنَّ مِنْ علاماتِ قَبولِ الأعمالِ، تغيُّرَ الأحوال إلى أحسنِ حالٍ، والاستقامةَ على صالح الأعمال، والتوبةَ إلى الله -عز وجل-، فأَرُوا اللهَ من أنفسكم خيرًا؛ (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الْمُزَّمِّلِ: 20].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي جعَل لمن تاب إليه سبيلًا، ولمن أناب إليه مستقرًّا وأحسن مقيلًا، ولمن نشأ في عبادته ظلًّا ظليلًا؛ (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)[الْإِنْسَانِ: 29].

 

معاشرَ المسلمينَ: في العشرِ الأواخرِ ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ، تَنزِلُ فيها الرحماتُ، وتُستجاب فيها الدعواتُ، وتُكفَّر الخطيئاتُ، وتُغفَر الزلاتُ، مَنْ قامَها إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذنبِه، العبادةُ فيها خيرٌ من عبادةِ ألفِ شهرٍ، وفيها تُكتَب المقاديرُ، ويُفرَق كلُّ أمرٍ حكيمٍ، فاحرصوا على قيامها، واجتهِدوا في تحرِّيها، وجِدُّوا في طلبها، وتضرَّعوا إلى الله فيها، وحريٌّ بمن التمسها ألَّا يخيبَ، والله ذو الفضل العظيم، وهي تُلتَمَس في سائر ليالي العشر، وخاصةً في الوتر منها، وما بقي منها إلَّا القليلُ.

 

ألَا وإنَّ أمامَكم أرجى لياليها؛ ليلةَ السابع والعشرين؛ فعن أُبَيِّ بنِ كعبٍ -رضي الله عنه- أنَّه كان يقول في ليلة القدر: "واللَّهِ الذي لا إله إلَّا هو، إنَّها لَفي رمضانَ، يَحلِفُ ما يَستثني، وواللَّهِ إنِّي لَأعلمُ أيُّ ليلةٍ هِيَ، هي اللَّيلة التي أمَرَنا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بقيامها، هي ليلةٌ صبيحةِ سبعٍ وعشرينَ"(رواه مسلم)، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كان متحرِّيها فليتحرَّها ليلةَ سبع وعشرين -يعني ليلةَ القدرِ-"(رواه أحمد)، وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"(رواه البخاري)، فاحرصوا -عباد الله- على التماسها، وفقكم الله لقيامها، وجعلكم من المقبولين فيها.

 

أيها الناسُ: قد شرَع اللهُ في ختام هذا الشهر الكريم زكاةَ الفطرِ، فتجبُ على كلِّ مسلمٍ تلزمُه مؤنةُ نفسِه إذا فَضَلَ عن قوتِه وقوتِ عيالِه يومَ العيدِ وليلتِه، وتلزَمُ الذَّكَرَ والأنثى والصغيرَ والكبيرَ، وعلى الغنيِّ والفقيرِ، يُخرِجُها المسلمُ عن نفسِه، وعمَّنْ تلزَمُه نفقتُه، والمستحِقُّ لزكاةِ الفطرِ هو المستحِقُّ لزكاةِ المالِ، ومقدارُها صاعٌ مِنْ بُرٍّ أو تمرٍ أو شعيرٍ أو زبيبٍ أو قمحٍ أو أَقِطٍ، أو ما يقومُ مقامَ ذلك مِنْ قوتِ أهلِ البلدِ؛ كالأَرُزّ، والصاعُ مكيالٌ يُقاس به الحجمُ، وليس الوزنَ؛ فعن عبد اللَّه بن عمر -رضي الله عنهما-، أنَّ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- "فرَض زكاةَ الفطرِ من رمضان على كلِّ نفسٍ من المسلمين حُرٍّ، أو عبدٍ، أو رَجُلٍ، أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ، صاعًا مِنْ تمرٍ، أو صاعًا مِنْ شَعِيرٍ"(رواه مسلم).

 

عبادَ اللهِ: قد شرَع اللهُ زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصائمينَ من اللغوِ والرفثِ، وزكاةً للبدن، وطُعمةً للمساكينِ، ومواساةً للفقراءِ يومَ العيدِ؛ وتَجِبُ بغروبِ الشمسِ مِنْ آخِرِ يومٍ مِنْ شهرِ رمضانَ، والسُّنَّةُ إخراجُها يومَ العيد قبلَ الصلاة، ويجوز تعجيلُ إخراجِها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومينِ، ويأثَمُ مَنْ أخَّرَها بعدَ صلاةِ العيدِ مِنْ غيرِ عُذرٍ، ويَلزَمُه إخراجُها؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ‌زَكَاةَ ‌الْفِطْرِ ‌طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وفَّقَكم اللهُ لِمَا يُحِبُّه ويرضاه، وتقبَّل منكم صالحَ الأعمال، وجعَلَكم من الذين يستمعون القولَ فيتبعون أحسَنَه؛ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزُّمَرِ: 18].

 

اللهمَّ استعمِلْنا في طاعتك، ووفِّقْنا لاستغلال الأوقات في عبادتك، وبارك لنا في العمر على طاعتك، ومتعنا بالصحة والعافية يا ربَّ العالمينَ، اللهُمَّ اختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك، اللهُمَّ أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية وأمن وإيمان، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهُمَّ إنك عفو تحب العفو فاعف عَنَّا، اللهمَّ اغفر ذنوبنا وزلاتنا، واستر عيوبنا وعوراتنا، وفرج همومنا ونفس كروبنا، واكلأنا بحفظكَ ورعايتكَ يا ربَّ العالمينَ، اللهُمَّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكَرِّهْ إلينا الكفرَ والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهُمَّ يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهُمَّ يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك؛ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آلِ عِمْرَانَ: 8].

 

اللهُمَّ اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات، اللهمَّ اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا أرحم الراحمين، اللهُمَّ أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، وانصُرْ عبادَكَ الموحِّدينَ، واجعل اللهمَّ هذا البلد آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلاد المسلمين.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرِنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّده بتأييدِكَ، وأعز به دينك، اللهمَّ وفِّقه ووليَّ عهدِه لِمَا تحبُّ وترضى، يا سميعَ الدعاءِ.

 

(رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128].

 

وصَلِّ اللهمَّ وسلِّمْ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات

الحث على الإحسان في ختام رمضان.doc

الحث على الإحسان في ختام رمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات