عناصر الخطبة
1/الفرحة برمضان والشوق لإخوة حسبهم العذر 2/مواساة للصائمين الذين لا يجدون ما يفطرون عليه 3/الحث على مواساة المحتاجين في رمضان 4/استنكار الشجار والتنازع في رمضان 5/الوصية بالإحسان في شهر الخير والإحسان 6/احتساب أجر الرباط في المسجد الأقصىاقتباس
اتقوا الله واتخِذُوا رمضان شهرًا للمواساة والتكافل، فالسنوات العجاف التي تتنزل بشعبنا كم فيها من جائع! وكم فيها من مشرَّد! وكم فيها من مريض! وكم فيها من مُبتَلًى! وكم فيها مَنْ هُدِمَ بيتُه! وكم فيها من هو بدون مأوى يظله! فواسوا أبناء شعبكم بزكاتكم، بصدقاتكم، بفضول أموالكم...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، منَّ عليكم بصيام شهر رمضان، في المسجد الأقصى، فاشكروه على هذه النعمة، وخصكم بنعمة الرباط في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه، فاصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، قال وهو أصدق القائلين: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آلِ عِمْرَانَ: 140]، وشهر رمضان من أيام الله المعدودات، التي يداولها الله في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه، فتارة تكون هذه الأيام لشعبنا عزًّا ونصرًا، وطورًا تكون للكفار تمحيصًا لنا واختبارًا، فمرة نفرح، ومرة نغتم، ومرة نصح، ومرة نسقم، ومرة نجوع ونظمأ ونعرى، ومرة نطعم من جوع، ونأمن من خوف.
فيوم لنا ويوم علينا *** ويوم نُساءُ ويوم نُسَرّ
وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، روى الشعبي عنه في الحديث الموقوف عليه قوله: "الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر"، فصوموا يا مرابطون شهر رمضان تغفر لكم ذنوبكم، وتعتق من النار رقابكم، فهلموا يا صائمون إلى جنة تفتح أبوابها للصائمين، وللمصابرين، وللمرابطين، وللمجاوِرينَ للمسجد الأقصى والعاكفين فيه، والزموا هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي صلى وصام وقام، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه، وعلى التابعين لهم بإحسان، إلى يوم القيامة.
أمَّا بعدُ، أيها المرابطون: تعوَّدْنا في شهور رمضان التي مضت أن يشاركنا شدَّ الرحال إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه العديد من أبناء شعبنا من كافَّة المحافظات، واليوم نفتقدهم بيننا، حبسهم العذر، فنسأل الله -تعالى- أن يفرج عن أهلنا في غزَّة، أن يفرج عن أهلنا في الضفة، وأن يرفع عن شعبنا هذه النوازل التي تتنزل به، وأن يجعل لشعبنا فرجًا عاجلًا قريبًا ومخرجًا.
أيها الصائمون: فئات من أبناء شعبنا حين يؤذن المغرب ليفطر الصائم من صيامه لا تبتل عروقهم، ولا يذهب ظمؤهم؛ لأنهم لا يجدون ما يفطرون عليه، لكن أجر صيامهم ثابت عند الله، أما سائر المسلمين من أبناء أمتنا وجِلْدتنا فتبتل عروقهم، ويذهب ظمؤهم، ولكن يبقى السؤال المهم الذي عليهم أن يجيبوا عليه؛ وهو: هل ثبت أجرهم عند الله؟! وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله"، وقد جاء في الأثر: "ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
أيها المؤمنون: اتقوا الله واتخِذُوا رمضان شهرًا للمواساة والتكافل، فالسنوات العجاف التي تتنزل بشعبنا كم فيها من جائع! وكم فيها من مشرَّد! وكم فيها من مريض! وكم فيها من مُبتَلًى! وكم فيها مَنْ هُدِمَ بيتُه! وكم فيها من هو بدون مأوى يظله! فواسوا أبناء شعبكم بزكاتكم، بصدقاتكم، بفضول أموالكم، وَاسُوهُم بالتوجع لمصابهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة"، وقال علي -رضي الله عنه-: "خير المسلمين من وصل وأعان ونفع".
أيها المؤمنون، أيها الصائمون: أين ذهبت عقولكم وأنتم تفتتحون شهر رمضان بالشجارات، والنزاعات، التي تزهق فيها الأرواح، وتهرق فيها الدماء، وأنتم تعلمون أن المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه؟! فليس منا ولا من شعبنا من أشهر حديدة في وجه أخيه المسلم ليقتله أو يجرحه، وليس منا ولا من شعبنا من ساء خلقه واعتدى على غيره، هذا شهر رمضان الذي أمرنا -صلى الله عليه وسلم- أن نقول فيه لمن جهل علينا أو شتمنا: "اللهمَّ إني صائم"، فمن منكم يكون مؤمنًا حقًّا ويملك الشجاعة ليرد الإساءة بالعفو والمسامحة، فهذه هي الشجاعة؛ لأن الشجاع هو الذي يملك نفسه عند الغضب.
أيها المسلمون: تحللوا من المظالم؛ فرمضان شهر البراءة من حقوق العباد، وأنتم تؤمنون أن شر البطون ما أتخمت من الحرام، وامتلأت بنار جهنم، فكيف يجهل صائم وهو يسمع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش"، فاخلعوا ثوب الحرام، فهو ثوب عار، وهو ثوب نار.
أيها الصائمون: اتقوا الأرحام أن تقطعوها، فقطع الأرحام من كبائر الذنوب، وقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
أيها الصائمون: أحسِنُوا صيامكم، لا تجعلوا أيام صومكم وأيام فطركم سواء، احبسوا ألسنتكم وأبصاركم، وأسماعكم، وفروجكم، وبطونكم عن كل ما حرم الله، وأقبلوا على طاعة الله، وعلى طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا فعلتم ذلك قبل صيامكم، وفرج الله عنكم ما أنتم فيه من النوازل، فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهمَّ تقبل صيامنا، وقيامنا، ورباطنا، وصبرنا، ومصابرتنا، وكن معنا يا ربنا ومولانا، وارحمنا فأنت أرحم الراحمين.
أيها المرابطون: هذا اليوم؛ الجمعة، الذي تجتمع فيه حشودكم المبارَكة في المسجد الأقصى من كل مدينة وقرية ومخيم، هو يوم شاهد على الأمة المسلمة التي رضيت بالصغار بعد العز، والتي قبلت بالهوان بعد المجد، وهو يوم شاهد لكم عند الله يوم القيامة، شاهد على صبركم، شاهد على مصابرتكم، شاهد على جلدكم على اللأواء التي تتنزل بكم، وفي هذا اليوم الذي زحفت فيه جموعكم لتحتشد في المسجد الأقصى ورحابه مرابطين ومجاورين أنتم فيه شهود على عرب ومسلمين خذلوكم خذلان القادر لا خذلان العاجز، وخذلان المنافق لا خذلان المؤمن، وأنتم تعلمون أن صيام شهر رمضان جنة من النار، جنة للصائمين المرابطين، وليس جنة من النار ومن العار للمخذِّلين والمنافقين والمعوَّقين، فخذوا جنتكم من نار جهنم، وكونوا قلبًا واحدًا دقاته واحدة، وأمانيه واعدة، تسابقوا يا شعبنا، تسابقوا يا أهلنا الكرام، إلى رص الصفوف وتوحيد الكلمة طاعة لله، وطاعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهذه الطاعة فوز ونصر، ووحدتكم عليها عز وظفر، يقول ربنا -تعالى- ذِكْرُه: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 46].
أيها المؤمنون: شد الرحال إلى المسجد الأقصى من السنن القوليَّة والفعليَّة لرسولنا -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد شد -صلى الله عليه وسلم- رحاله إليه، في الإسراء والمعراج، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"، فاقتدوا برسولكم -صلى الله عليه وسلم-، وشدوا رحالكم إلى البيت المُقدَّس فشد الرحال إليه سنة ماضية إلى يوم القيامة، ولعل شد الرحال إليه في هذا الزمان من الفرائض الغائبة؛ لوجوب المحافظة عليه والالتفاف حوله، فمن شد رحاله إلى بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه نال أجر الرباط، وأجر الصلاة، وأجر المجاورة، بل فاز بالأجر كله فكيف إذا كان شد رحالكم إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان حينها تزداد أجوركم حيث يجتمع لكم أجر الرباط، وأجر المجاورة في المسجد الأقصى، وأجر شد الرحال إليه، ألم يقل ربنا -عز وجل- في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به"، ألم يقل رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رابَط يومًا وليلة في سبيل الله كان له أجر صيام شهر وقيامه"، فهنيئًا لمن علم وعمل، وهنيئًا لمن جاور ورابط.
أيها المرابطون: جموعكم التي تملأ كل شبر، من المسجد الأقصى هي استفتاء حقيقي على أنكم أصحاب هذا البيت المُقدَّس، منذ أن كانت القدس وحتى تقوم الساعة، ترابطون فيه، جيلًا بعد جيل، صائمين صابرين، مصابرين محتسبين، فيا سعدكم، ويا كمال حظكم عند الله، تذهبون بالأجر كله، وتحوزون الشرف كله، فأنتم بشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي قال فيها: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ".
يا مسلمون، يا مرابطون: فتح الصحابة العراق وبلاد الشام، وغيرها من البلاد في زمن الفاروق عمر -رضي الله عنه- ولم يخرج أمير المؤمنين عمر إلى أي بلد من هذه البلاد المفتوحة إلا لبيت المقدس، إلا للمسجد الأقصى المبارَك؛ لأنَّه يعلم مكانة القدس، ومكانة المسجد الأقصى عند الله، وعند المسلمين، وهنا وعلى تراب القدس قال لنا أميرنا عمر قولته المشهورة: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"، فما بال جموع أمتنا يدخل عليها رمضان وثياب عزها رثة، وثياب مجدها بالية، ابتغت العزة في غير دينها، فذلت لعدوها، نسمع جعجعتها، ولا نرى طحينها، صارت غثاء السيل، وقصعة الأكَلَة، ولم يعد فيها من يخاف على بغلة تعثر في العراق، ولم يعد فيها من يخاطب السحابة أن تمطر حيث شاءت؛ لأن خراجها رَاجِع إلى بيت مال المسلمين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
أيها الصائمون: إن الأمل معقود أن تفرحوا بفطركم من الصيام كل يوم، وأن تفرحوا بفطركم من صيام شهركم آخر رمضان، وأن تنالوا جائزة ربكم عن الصيام والقيام، والمواساة والصدقات وصلة الأرحام، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ".
أيها المؤمنون: وإن الأمل معقود بصبركم، ومصابرتكم، ورباطكم لتنالوا جائزة الطائفة التي لها تميزها عن باقي المسلمين عبر الأجيال، وإلى قيام الساعة، فأنتم الطائفة التي حظيت بمواصفات خصكم الله -تعالى- بها، لتؤهلكم لما ستلاقونه في تاريخكم الطويل من الكفار والمنافقين، فأنتم شعب مؤهل لتأهيل الله له، ليكون على قدر الرباط الذي يمارسه إلى يوم القيامة صبرًا ومصابرة وإيمانًا وتقوى.
وصيام شهر رمضان يجمع لكم تلك الصفات كلها، فأعطوا صاحبكم "رمضان" حقه من هذه الصفات؛ فإن صحبته لنا غالية، وقدومه علينا عزيز، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200].
أيها الصائمون، أيها المؤمنون: شهد لكم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكم من أمته، حين قال: "لا تزال طائفة من أمتي"؛ وهذا يعني أنكم ستكونون في صحبته يوم القيامة إلا من نكص ونافق، فأبشروا ستكونون معه على الحوض، أبشروا، ستشربون من يده الشريفة، ولن تظمؤوا بعدها أبدًا، فلا تبدلوا ولا تنقصوا ولا تخذلوا، فرمضان شهر الثبات على الدين، رمضان شهر التميُّز بالإيمان الصادق، رمضان شهر الهجرة إلى الله بالطاعات، وهو شهر المبادرة إلى الوحدة على كتاب الله وعلى سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المؤمنون: جاءت مولاة لعبد الله بن عمر -رضي الله عنه- فقالت له: "اشْتَدَّ عَلَيَّ الزَّمَانُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرَجَ إِلَى الْعِرَاقِ. فقَالَ لها: "فَهَلَّا إِلَى الشَّامِ، هلا إلى بَيْت الْمَقدسِ؟! هلا إلى أرض المنشر؛ فإني سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ عن الشام: مَنْ صبَر على شِدَّتِها ولأْوَائِها كنتُ له شهيدًا -أو شفيعًا- يومَ القيامةِ"، وهذه البشرى من رسولنا -صلى الله عليه وسلم- على أنَّه سيشفع لكل من سكن القدس وأكنافها مجاورا ومصابرًا إيمانًا بالله، واحتسابًا للثواب منه -سبحانه-.
فاللهم اكتب لنا شهادة رسولك لنا برباطنا، وارزقنا شفاعته وصحبته، وانصرنا وانصر بنا يا رب المستضعَفين.
عبادَ اللهِ: جاء في الحديث الشريف: "إن الله لا يستجيب دعاء مِنْ قلبٍ غافلٍ ساهٍ لاهٍ" فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، هو حسبنا وكافينا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ هو مولانا ونصيرنا، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة.
أمَّا بعدُ، أيها المؤمنون: قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صفة وجودكم ببيت المقدس وأكنافه: "لا تزال طائفة من أمتي" جاء بصيغة الفعل المضارع، التي تفيد الوجود الحالي، والوجود الدائم لكم إلى يوم القيامة، والتاريخ يشهد على صدق هذا الوجود لكم، على هذه الأرض مهما اجتمعت عليكم الأمم، فقد كان الغزو الصليبي هنا واندثر، وبقيتم أنتم وكانت بريطانيا هنا وخرجت، وأمَّا أنتم فباقون إلى يوم القيامة، هنا على هذه الأرض المقدَّسة، وفي المسجد الأقصى المبارَك.
وكما أن شهر رمضان باقٍ في المسلمين ما بقي الإسلام في الدنيا، فكذلك وجودُكم في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه دائمٌ حتى يأتي اللهُ بأمره، صبرًا ومصابرةً ورباطًا ومجاورةً، ولهذا لم يجعل الله أقصاكم حرما، بل جعله أرض رباط، فأنتم الذين تستقبلون الخليفة الذي ينزل ببيت المقدس، وأنتم الذين تستقبلون المسيح ابن مريم ويصلي معكم في صفوفكم، هنا في المسجد الأقصى المبارَك، وأنتم الوارثون لأرض المحشر والمنشر، تحشر الخلائق إلى قدسكم، ومنها ينشرون إلى منازلهم، الصائمون والمرابطون في الجنة، والكافرون والمنافقون في النار، والمخذِّلون في النار، فلا ضيعة عليكم يا مؤمنون، لا ضيعة عليكم يا مرابطون يا صائمون؛ فصومكم وصلاتكم وقيامكم وصدقاتكم وتكافلكم حفظ لكم من عذاب الله وسخطه، وجراحاتكم وجوعكم وظمؤكم ومصابكم الجلل حماية لكم من نار جهنم، فأبشِروا فإن الله اختاركم واجتباكم، تحملون دينكم ويحملكم، تصبرون على الجوع والعطش في رمضان، وتصبرون عن الشهوات في شهر الصيام؛ ليغفر الله لكم ذنوبكم، ويكفر عنكم سيئاتكم، وتصبرون في بَيْت الْمَقدسِ على اللأواء لتناولوا وافر الحظ من الرباط الذي ينجيكم من فتنة القبر، والذي به تكونون في ظل الله، والذي به تنصرون، لا يضركم خذلان مخذل، ولا نفاق منافق، فأنتم أهل الحق المحتسبون الذين تتلاقهم الملائكة يوم القيامة، من أبواب الجنة، فتدخلون منها ويقال لكم: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 24].
أيها المصلون: وقبل أن تغادروا مصلَّاكم، شمُّوا في القدس والمسجد الأقصى عطر الصحابة والتابعين، الذين جاؤوا إليه فاتحين، وعطِّروا به أبناءكم وأحفادكم، وقبل أن تخرج أقدامكم من المسجد الأقصى تعاهدوا معه على شد الرحال إليه من جديد، فهو بيتكم، الذي تأوون إليه، والسقف الذي يظلكم حين تتنزل بكم النوازل.
من لم يكن في القدس يعشق ما بها *** فهو الزمانُ الآفلُ الكذابُ
فالقدسُ تعطيكَ الجَمالَ وحسبُها *** أن الجمال سجية وشبابُ
والمسجدُ الأقصى على وجناتها *** قنديلُ حقٍّ تالدٌ وشهابُ
فاللهمَّ انصر الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، واهزم الكفرة والمنافقين، وفرق جموع المُخذِّلينَ، اللهمَّ ارفع ما نزل من البلاء عن أبناء شعبنا في غزَّة والضفة، وأينما كانوا وحلوا، اللهمَّ أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، اللهمَّ تقبَّلْ شهداءنا، وأبرئ جراح مصابينا، وأطلق سراح أسرانا، اللهمَّ اقض الدين عن المدينين، وارفع الحصار عن المحاصرين، وفرج هموم المهمومين، وأنعم بالزواج على شباب وبنات المسلمين، اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من القلة والذلة، ونعوذ بك من الصغار والهوان، اللهمَّ احفظ شعبنا بحفظك، واكلأه بعنايتك، واحرسه بعينك التي لا تنام.
اللهمَّ اجمع كلمتنا على طاعتك، ووحد صفوفنا على مرضاتك، وامكر لنا ولا تمكر علينا، اللهمَّ تقبل صيامنا وقيامنا، وصلاتنا ورباطنا، وشد رحالنا إلى المسجد الأقصى، اللهمَّ اجعل أقصانا آمِنًا بأمانك، عزيزًا بعزك، منصورًا بنصرك المبين، اللهمَّ ثبت أقدامنا، وثقل موازين حسناتنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.
اللهمَّ اغفر لزوجاتنا، وبناتنا، ونساء المؤمنين، اللواتي يخدمننا في بيوتنا، في رمضان وغير رمضان، المؤمنات، الصالحات، القانتات، المؤمنات، اللهمَّ اغفر لنا ولوالدينا ولأبنائنا ولأهلينا ولمن لهم حق علينا، واغفر اللهمَّ للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وتوفنا وأنت راض عَنَّا.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، واستغفِرُوه يغفر لكم، واسألوه يعطكم، وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم