عناصر الخطبة
1/أهمية حب الله ورسوله وفضل ذلك 2/حب الله لعباده ورحمته بهم 3/لماذا نحب الله ورسوله؟ 4/نماذج رائعة في محبة لله ورسوله 5/أهمية الإخلاص في حب الله ورسوله 6/فوائد وثمرات حب الله ورسوله 7/صفات المحب لله 8/الحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم 9/علامات حبنا لبعضنااقتباس
الحب الرباني هو بلسم وشفاء، وهو معجزة الحياة الدنيا، ومعجزة النفس الإنسانية، ومعجزة التغيير والتبديل، فأي إنسان منا لم يرتبط بربه ارتباط حب، لم يرتبط برسوله ارتباط حب، ولم يرتبط بالمسلمين ارتباط حب، فإنه يشقى ويشقي غيره، ويعيش محروما ويموت محروما، ويحول حياته وحياة المجتمع إلى حياة جافة قاسية، تافهة، ضائعة. فالحب الرباني هو...
الخطبة الأولى:
إن الله -سبحانه وتعالى- خلقنا، وتعبدنا بتوحيده، وبالخضوع له، وبالعمل بكتابه وسنة نبيه، من أجل أن تكون سعداء في الدنيا والآخرة.
وبين لنا أن من أتبع هداه فإنه لن يضل ولن يشقى، وأن من أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكا، وأن السعادة الحقة هي في حب الله، والارتباط به، وإتباع رسوله، وفي صفاء القلب، ونقاء النفس، ومعرفة الخير، والعمل به، ولن نستطيع أن نحب الخير، ونعمل به، ولا أن نخلص لله، ونستقيم على طريقه، ولا أن نتبع محمدا -صلى الله عليه وسلم-، ونتمسك بسنته؛ إلا إذا كان عندنا ذلكم الحب الرباني.
والحب الرباني هو بلسم وشفاء، وهو معجزة الحياة الدنيا، ومعجزة النفس الإنسانية، ومعجزة التغيير والتبديل، فأي إنسان منا لم يرتبط بربه ارتباط حب، لم يرتبط برسوله ارتباط حب، ولم يرتبط بالمسلمين ارتباط حب، فإنه يشقى ويشقي غيره، ويعيش محروما ويموت محروما، ويحول حياته وحياة المجتمع إلى حياة جافة قاسية، تافهة، ضائعة.
فالحب الرباني هو أساس السعادة في الدنيا والآخرة، وهو أساس صفاء النفوس، وأساس انشراح القلوب، وأساس الحصول على رحمة الله، وأساس الدفع إلى العمل الصالح، فأنتم إذا أحببتم ربكم؛ أخلصتم له، وتوكلتم عليه، وطلبتم رحمته، ورجوتموه أن ينجيكم من عذابه، وقلتم له بصدق: ربنا نحن نحبك، ونحن عبيدك، ونحن نعتمد عليك، ليس لنا أحد سواك، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل منها، ولا إلى أحد من خلقك، ربنا نحن نحبك لأنك الكمال كله، ولأنك عادل، ولأنك رحيم، ولأنك مدبر، ولأنك مالك الملك، لا تقع فيه ذرة إلا بحكمتك وإرادتك ومشيئتك، فأنت أنت الذي تقول للشيء كن فيكون، لذلك نحن نحبك، ربنا نحبك، لأننا إذا أغضبنا أحد من الناس ربما قسوا علينا ولم يرحمونا، وربما دعوا علينا، وربما حاولوا تدمير حياتنا، وربما فعلوا بنا الأفاعيل، أما إذا أغضبناك أنت فإنك تقول لنا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
وإن ابتعدنا عنك، ناديتنا وقلت لنا: (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].
وقلت لنا: (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52].
وإن بتنا في الليل في المنكرات، وعشنا النهار في الفحشاء، ثم رجعنا إلى عقولنا، وقلنا: ربنا أذنبنا فاغفر لنا، وتبنا إليك، فأقبلنا، قلت لنا: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الأنعام: 54].
إذن أنت الرحمن الرحيم، وأنت العفو الكريم، لا أحد يرحمنا سواك، ولا أحد يرعانا سواك، ولا أحد ينجينا سواك، ولا أحد ينقذنا سواك، ولو اجتمع العالم كله كي يشقينا، ولم ترض لنا السعادة فلن يستطيع العالم كله إشقائنا، ولو اجتمع العالم كله على أن يسعدنا، ولم ترض أنت لنا السعادة فلن يستطيع العالم كله إسعادنا.
إذن فالأمر لك، والحكم لك، والفعل لك، والمشيئة لك، والقدرة لك، والقوة لك، والكمال لك، والقهر لك، وأنت على كل شيء قدير.
ربنا إنا نحبك، نحبك لأنك أنت ربنا، ونحبك لأننا محتاجون إليك، فأنت القائل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15].
ونحبك لأن نعمك علينا لا تعد ولا تحصى، أنت قلت وقولك الحق: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل: 18].
(وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل: 53].
ونحبك لأن رحمتك وسعت كل شيء، ونحن من الأشياء، نرجو رحمتك يا أرحم الراحمين، ونحن لذلك نحبك ونسألك يا الله أن نكون ممن تحبهم، وصدق رسول الله الذي كان قلبه عامرا بحب الله -تعالى- ومع ذلك كان يدعو دائما، ويقول: "اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وكل عمل يقربني إلى حبك".
لهذا كان سلفنا الصالح يعيشون هذه المحبة بكل معانيها؛ فهذا مالك بن دينار خرج على الناس مرة في صلاة الاستسقاء، ودعا الناس وهو معهم، فلم يمطروا، وفي مرة كان بجوار مالك عبد أسود، يقول وهو يرفع يديه: رب أسألك بحبك لي أن تسقينا، وظل العبد يكررها، فنظرنا فإذا بالسماء غيم، وإذا المطر ينزل على الناس، وهم في صلاتهم، يقول مالك: فأخذت بيد العبد، وقلت له: تقول له ربي بحبك لي وما يدريك أن ربك يحبك، فقال: لقد عرفت شيئاً، وغابت عنك أشياء، أنا أحبه وما أحببته إلا لأنه يحبني، فلولا سبق حبه لي ما أحببته، ألم تقرأ قول الله -تعالى-: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54].
فقدم حبه على حبهم له، فقال مالك: أنصفتني وأنصفت نفسك.
وآسيا امرأة فرعون علقت من شعورها حين آمنت بربها، واتبعت موسى وهارون، فجيء بموسى وهارون ليريا تعذيبها، ثم قال لها زبانية فرعون: إن رجعت إلى ديننا رحمناك من العذاب ومن القتل نشرا بالمنشار، فقالت المرأة المؤمنة: والله لو قطعتموني إربا إرباً، ما ازددت في ربي إلا حباً، وصدق الله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)[البقرة: 165].
وبلال بن رباح الذي كان يقول وهو تحت سياط العذاب، وتحت الصخرة الثقيلة الحارة جدا، كان يقول: "أحد، أحد" ترى ما الذي جعله يقولها؟ إنه حب الله.
"أحد أحد" كلمة قالها اللسان بعد أن انفعل بها القلب، وصارت كل ذرة في بلال تقول: "أحد أحد، لله، ومن أجل الله، إنه الإخلاص في حب الله -تعالى-.
أما إخلاص الحب لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فيكفي أن الله اختار أشرف رسول وأكرمهم على الإطلاق اختاره لنا، وقال لنا: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) [الأحزاب: 6].
إذن فيجب أن يحبوه أكثر من أنفسهم، وأموالهم وأولادهم، ومن كل شيء في الحياة؛ لأنه الوسيلة والسبيل والقائد الذي يوصلنا إلى مرضاة الله -تعالى-.
وهذا الحبيب لا نؤمن الإيمان الصادق إلا إذا أحببناه منتهى الحب؛ لأنه قال عن ذلك: "لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
وللصحابة في حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- آثار تجل عن الوصف؛ فهذا ثوبان كان أحد المحبين الكثر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاه ذات ليلة، وقد تغير لونه، ونحل جسمه، وفي وجهه الحزن الشديد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا ثوبان ما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ما بي وجع ولا ضر، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك، واستوحشت وحشة شديدة، حتى ألقاك، ولو لا أني أجيء فأنظر إليك، لظننت أن نفسي تخرج، ثم ذكرت الآخرة، وأخاف أن لا أراك هناك؛ لأني أعلم أنك في الفردوس الأعلى، وأنا إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذلك حين لا أراك أبدا، فيشق علي، وأحب أن أكون معك، فلم يرد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا؛ لأن الله هو الذي تولى الرد، وقال: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)[النساء: 69].
هل هناك حب أعظم من هذا الحب للرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
إنه الإخلاص في حبه صلى الله عليه وسلم.
أما الإخلاص في الحب للمؤمنين، وهو أيضا من أعظم العبادات، فيقول نبينا –صلى الله عليه وسلم- في ذلك: "من سره أن يجد حلاوة الإيمان، فليحب المرء لا يحبه إلا لله".
وقال: "إن من الإيمان أن يحب الرجل رجلا لا يحبه إلا لله -تعالى- من غير مال أعطاه، فذلك الإيمان"[الترغيب].
وحب المؤمن يمنع التعالي والاستكبار، حب المؤمن يمنع اللغو والهمز والسخرية بالمسلمين والاحتقار، وحب المؤمن يمنع الغش والظلم والاعتداء، حب المؤمن يجعلك تؤثر كل مسلم على نفسك، فإن لم تستطع عاملته بما تحب أن يعاملك به هذا هو الإيمان؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير"[صحيح الجامع].
إذن، بالله عليكم المؤمن الذي يحب الخير لأخيه المؤمن هل يحمل له حقدا؟ هل يحمل له في قلبه حسدا؟
لا، لا يفعل ذلك محب لله أبدا.
إن المحب مصقول النفس، طاهر القلب، نقي الروح، عف اللسان، ومعطاء بكل خير تراه؛ لأنه يحب فإنه يرى الحياة جميلة كل الجمال، يراها جميلة؛ لأنها من صنع الله، لأنه يحب الله لهذا فهو لا يحقد، ولا يحسد، ولا يغش، ولا يعيش في البغضاء.
إن الذين يعيشون في النكد، ويعيشون في البغض، ويحاولون دائما إيجاد الفرقة والخصام والشقاق والنزاع، واحتقار الآخرين، هؤلاء ليسوا محبين لله، وليسوا صادقين في الإيمان؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا...".
سبحان الله، أين نحن من هذا؟
إن المؤسف أن الإنسان إذا خرج من دائرة المسجد وانطلق في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، وانطلق في الشوارع والمجتمعات الإسلامية وجد عند الكثير من المسلمين إلا من رحم الله منهم، وجد الكره والبغض، ووجد النزاع والشقاق، المسلم يحقد على أخيه المسلم، المسلم يريد أن يدمر أخاه المسلم، المسلم يريد أن يقتل أخاه المسلم، المسلم الذي يتزعم، أو يحكم، وهو بعيد عن شرع الله، وعن الحكم به، لا هم له إلا القضاء على إخوانه المسلمين، والفتك بهم، وزاد الطين بله أن البعض انبروا بالمسلمين يكفرونهم، ويفسقونهم، ويضللونهم، ويبدعونهم، ويمنحون الإسلام لمن يشاؤون، وينزعونه ممن يشاؤون، ولا هم لهم إلا نشر البغضاء والحقد بين المسلمين، وتصنيفهم حسب أهوائهم، وكأن بأيديهم صكوك الغفران يمنحونها لمن يريدون، ترى هل هذا هو الإسلام الذي جاء به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ ماذا يريد هؤلاء من المسلمين؟ هل المسلمون اليوم في حاجة إلى من ينشر الحب والرحمة بينهم؟ أم هم في حاجة إلى من يفتك بهم، وينشر الحقد، والبغضاء في صفوفهم؟
إنه لأمر مؤسف جدا أن يدعي البعض التمسك بالإسلام، وهم على هذه الصورة من التنازع والاختلاف الحقد والبغضاء، ما هذا؟!
ما هذا التقاطع بينكم *** وأنتم يا عباد الله إخوان
لمثل هذا يموت القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان
اللهم وحد صفوف المسلمين، وانشر الحب والرحمة بينهم، وانصرهم على أعدائهم، إنك على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية:
لو خرجنا من هذه الخطبة، ومن هذا المسجد بتوبة صادقة، وبعودة إلى الله صالحة نصوحا، وبحب لله ولرسوله وللمؤمنين لكان في ذلك كفاية حياتنا، وكان ذلك بداية سعادتنا، وأنتم أهل خير، والله جمعكم على الخير، ودعاكم إلى الخير، فاحرصوا على هذا الخير، وأحبوا الله ورسوله والمؤمنين حبا صادقا من قلوبكم، حتى تسعدوا في الدنيا والآخرة، وأوصي نفسي وإياكم بهذه الوصايا الثلاث:
الأولى: نحن نعلم أننا كلنا نحب الله، لكن المطلوب تطبيق هذه المحبة عمليا على أرض الواقع، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وحتى تكون محبا لله حقيقة، تعرف على حقيقة هذه المحبة، يقول أحد السلف: في تعريفه للمحب في الله: "عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفا شرابه من كأس مودته، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وأن تحرك فبأمر الله، وأن سكن فمع الله، فهو لله وبالله، ومع الله".
هذه صفات المحب لله، إنه يحب من يحبه الله، ويبغض من يبغضه الله، ويفعل ما يحبه الله، ويترك ما يبغضه الله.
فاسأل نفسك -يا عبد الله-: الله يحب المحسنين، فهل سعيت لتكون منهم، والله يحب المتقين، فهل اتقيت الله حق التقوى، والله يحب التوابين والمتطهرين، فهل أنت حريص على التوبة وعلى الطهارة الحسية والمعنوية بشكل دائم، والله يحب الصابرين، فهل أنت منهم، والله يحب المتوكلين فهل أنت حقيقة منهم، والله يحب المقسطين، فهل أنت عادل مع نفسك وأهلك ومع الناس، والله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا، فهل جاهدت في سبيل الله جهادا شرعيا ولو بمالك، وبالمقابل فالله لا يحب المعتدين، فهل تبت من الاعتداء على غيرك بالكلمة والفعل، والله لا يحب المفسدين فهل تبت من نشر فسادك، ووقفت أمام المفسدين، وتصديت لهم، والله لا يحب الكافرين، فهل أنت أيضا لا تحب الكفر والكافرين المعتدين، والله لا يحب الظالمين، فهل تبت من الظلم وتبرأت من الظلمة، والله لا يحب كل مختال فخور، فهل أنت سالم من العجب والكبر والخيلاء، والله لا يحب الخائنين، فهل أنت أمين مع الناس ومع نفسك ومع شرع الله، والله لا يحب المسرفين، والله لا يحب المتكبرين، ولا يحب الفرحين، ولا يحب الجهر بالسوء من القول، فهل فتشت في نفسك، وعرفت ما يحبه الله، فأحببته وعملته، وعرفت ما يبغضه الله فأبغضته وتركته، هل فعلت؟ إن لم تفعل فأنت مدع لحب الله ولست محبا لله على الحقيقة، والويل لك ثم الويل إن لم تتب، وتعد إلى الله.
ثانيا: في حبك للنبي -صلى الله عليه وسلم- هل أحببته الحب الحقيقي؟ وهل اتبعته؟
إن من أحب اتبع، اتبع واقتدى، من أحب محمدا -صلى الله عليه وسلم- اقتدى به في كل شيء، وسأل عنه كيف كان يعيش؟ وكيف كان في كل شيء؟ وتعلم سيرته، وقرأ أحاديثه وطبقها، واقتدى به في كل صغيرة وكبيرة، ولم يشرع ولم يبتدع، فإن من ابتدع فقد شرع، فهل أنت كذلك؟
إن كنت كذلك فأنت محب فعلا لرسول الله، وإلا فلا؛ لأن الله -سبحانه- قال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31].
ثالثا: في حبك للناس؛ كن محبا للمؤمنين خاصة، وكلما كنت أكثر حبا لأخيك المؤمن، كانت منزلتك عند الله بقدر هذا الحب، فالرسول –صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب رجلا لله -تعالى-، فقال: إني أحبك لله -تعالى- فدخلا جميعا الجنة فكان الذي أحب أرفع منزلة من الآخر والحق بالذي أحب لله"[حديث حسن].
وهذا الحب يكون بصفة خاصة للمؤمنين أما بشكل عام، فينبغي علينا أن نحب وأن نكره، وأن نعادي على أساس من محبة الله -تعالى-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب لله وابغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان".
هذا هو الإيمان، فمن كان قريبا من الله كان قريبا إلى قلوبنا، وإن كان من أبعد الناس نسبا منا، ومن كان بعيدا من الله كان بعيدا عن قلوبنا، ولو كان من أقرب الناس نسبا إلينا، ومن كان معاديا لله ولرسوله وللمؤمنين فهو عدونا؛ لهذا قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لو قام رجل بين الكعبة والمقام يعبد الله سبعين سنة، إلا حشر يوم القيامة مع من أحب".
لذا فلا تعلق قلبك بمحبة ظالم، أو طاغية، أو فاسد، أو داع إلى ضلالة، حتى لا تحشر معهم يوم القيامة.
الخلاصة -أيها الإخوة-: علينا بالحب، الحب لله ولرسوله وللمؤمنين وإن عشنا هذا الحب حقيقة فسنرى بعد ذلك كيف ستتغير حياتنا، وكيف سنشعر بالسعادة في أنفسنا وفي مجتمعنا، فهل نفعل؟!
نرجو هذا ونتمناه، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
اللهم صل على من بلغ البلاغ المبين، نبينا محمد، صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الرحمين.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك وكل عمل يقربنا إلى حبك.
اللهم اجعل حبنا لك أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ.
اللهم أصلح قلوبنا، وانزع الغل والحقد والحسد من صدرونا، واصلح ذات بيننا.
اللهم حسن أخلاقنا، وأصلح نياتنا، وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم