عناصر الخطبة
1/جزاء الإحسان إلى الخلق يوم القيامة 2/من ثمرات وفضائل الصدقة 3/من مجالات الصدقة الخفية 4/الحث على تفقد المحتاجين من الأرحاماقتباس
أليستْ شَربةُ ماءٍ من بغيٍّ زانيةٍ لكلبٍ نجسٍ أثمرتْ دخولَ جنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ؟؛ لأن صاحبَ الثوابِ شكورٌ حميدٌ، جوادٌ كريمٌ، فلا تحتقرْ -أخي المحسنُ- إحسانَك وعطاءَك مهما قَلّ، ولنتصدقْ بصدقاتٍ خفيةٍ ولو قليلةً، ولا نحتقِرْ القليلَ، فإن الحرمانَ أقلُ منه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي مَنّ علينا بشريعةِ الإسلامِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ذُو الجلالِ والإكرامِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ مَن صلَى وزكَى وصامَ، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليماً كثيرًا على الدوامِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ فإننا في شهرٍ تُعظَّمُ فيه التقوَى؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119]، ولنحمدْ ربَنا الكريمَ أنْ تفضلَ علينا بشهرٍ في السنةِ يَتضاعَفُ فيهِ الأجرُ، ويَتَضاءلُ فيه الوِزرُ، فالحمدُ للهِ كثيراً كما تُنعمُ كثيراً.
يا عبدَ اللهِ: تخيلْ (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 6]، وقد دنتِ الشمسُ من الرؤوسِ، وسَبَح الناسُ في بحارِ من العرقِ، وهم عراةٌ حفاةٌ، قد غشيَهم من الغمِ والكربِ ما اللهُ به عليمٌ، وإذا بكَ تؤخذُ من بينِ الخلائقِ، ويكسوكَ اللهُ من لباسِ أهلِ الجنةِ، فتسألُ متعجباً: "لماذا فُعِلَ معيَ هذا؟!"، فيقالُ: "لأنكَ كسوتَ مسلمًا ثوبًا على عُرِيٍّ، أو أطعمتَه طعاماً على جوعٍ، أو فرجتَ له كربةً"، والجزاءُ من جنسِ العملِ.
فإذا طافَ بك طائفٌ من همٍّ، أو ألمَّ بكَ جائحُ غمٍ، فأعطِ محرومًا، أنقذْ مكروبًا، أعِنْ منكوبًا، أسعِدْ محزوناً، أسعِفْ مريضًا، أطعِمْ جائعًا؛ وحينَها ستجدُ السعادةَ تغمرُك من بينِ يديكَ ومن خلفكَ.
ويا مَن أفاءَ اللهُ عليهِ من الموسِرينَ: قدِّمْ لنفسِك ظلاً تستظِلُ به يومَ دُنُوِ الشمسِ من الخلائقِ قدرَ ميلٍ، ولتُكثِرْ من الإنفاقِ ما دُمتَ قادرًا؛ فإن المالَ لا يُبقيهِ حِرصٌ وإملاقٌ، ولا يُذهبُه بذلٌ وإنفاقٌ؛ (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)[الحديد: 7]، ولو لم يكنْ في الصدقةِ إلا تلكَ الفائدةَ التي ذَكرَها ابنُ القيمِ لكفى بها فائدةً، فقد قالَ -رحمهُ اللهُ-: "للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِ أنواعِ البلاءِ، ولو كانت من فاجرٍ، أو من ظالمٍ، بل من كافرٍ"(الوابل الصيب).
أليستْ شَربةُ ماءٍ من بغيٍّ زانيةٍ لكلبٍ نجسٍ أثمرتْ دخولَ جنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ؟؛ لأن صاحبَ الثوابِ شكورٌ حميدٌ، جوادٌ كريمٌ، فلا تحتقرْ -أخي المحسنُ- إحسانَك وعطاءَك مهما قَلّ، ولنتصدقْ بصدقاتٍ خفيةٍ ولو قليلةً، ولا نحتقِرْ القليلَ، فإن الحرمانَ أقلُ منه، ولنُخْفِها حتى لا تَعلمَ شمائلُنا ما تُنفقُ أيمانُنا؛ (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)[المنافقون: 10].
ومن مجالاتِ الجودِ الرمضانيِ التي يُغفَلُ عنها، ولا يُفطَنُ لها: الجودُ على السجناءِ وأُسَرِهِم، وعلى المديونينَ وأُسَرِهِم الذينَ هم ضحايا لا ذنبَ لهم، وهؤلاء بأمَسِّ الحاجةِ أكثرُ من تفطيرِ الصائمِينَ بالمساجدِ، وفي كلٍ خيرٌ؛ ولذا فقد صدرتْ فتوىً من سماحةِ المفتي بجوازِ دفعِ الزكاةِ لِلجنةِ رعايةِ السجناءِ وأُسَرِهِم، عبرَ المنصاتِ الرسميةِ، والتسديدُ سهلٌ ميسرٌ عبرَ منصةِ "فُرِجَتْ".
ألا وإن من نعمةِ اللهِ علينا في بلادِنا ضبطَ وموثوقيةَ وصولِ الصدقاتِ والزكواتِ لمستحقِيها، فلنوصِلْ تبرعاتِنا وصدقاتِنا عن طريقِ المنصاتِ الرسميةِ المعتمدةِ والموثوقةِ كمنصةِ "إحسانٍ"، ومنصةِ "جودٍ" للإسكانِ، ومنصةِ "زكاتي"، ومنصةِ "فُرجتْ".
ومن أوجهِ البرِ والخيرِ: ما قامتْ به وزارةُ الشؤونِ الإسلاميةِ مشكورةً من إتاحةِ المساهمةِ عبرَ منصةِ "إحسانٍ" لبناءِ المساجدِ وصيانتِها، وطباعةِ المصاحفِ ونشرِها، فليكن لنا سهمٌ في مشاريعِ المساجدِ والمصاحفِ، لا سيما في رمضانَ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى.
أما بعدُ: إن الموفقَ في إنفاقِه هوَ مَن وَضعَ صدقتَه في أشدِ الأبوابِ حاجةً، ولذا فلو سألَ سائلٌ: ما الأفضلُ في دفعِ الزكاةِ: ألِلفقيرِ البعيدِ الأشدِّ حاجةً، أمْ للقريبِ المستحقِ الأقلِّ حاجةً؟ فيقالُ: القريبُ المستحقُ الأقلُ حاجةً هو الأفضلُ؛ لأن النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "الصَّدَقةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ"(رواه الترمذي).
فلنتفقدْ أحِبّاءَنا وإخوانَنَا وجيرانَنا، لا سيَما المتعفِفينَ الذين لا يَسألونَ الناسَ إلحافًا، الذين لو قُلتَ لهم رغمَ فقرِهمْ: خذُوا هذهِ زكاةٌ؛ لقالُوا: لا نُريدُها، وأولئكَ همُ الذينَ قالَ ربُنا في وصفِهم: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[البقرة: 273].
أيُها الدائنونَ: اسقِطوا من قِسطِ رمضانَ، أو أجِلُوهُ عن المديونِينَ العاجِزينَ الذينَ أرهقتْهُم مشترياتُ رمضانَ، وملابسُ العيدِ، فحُطُّوا عنهم ليَحُطَّ اللهُ عنكم.
فـ"اللهم إنا نعوذُ بك من غِنىً يُطغِينا، ومن فقرٍ يُنسِينا، اللهم وقنّعنا بما رزقتَنا، وبارك لنا فيه، واخلُفْ علينا كلَ غائبةٍ بخيرٍ"، اللَّهُمَّ إنّا نعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ إلَّا إلَيْكَ، وَمِنْ الذُّلِّ إلَّا لَكَ، اللَّهُمَّ أَعِنّا عَلَى الدُّنْيَا بِالْغِنَى وَعَلَى الْآخِرَةِ بِالتَّقْوَى، اللهم ارحمنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا، اللهم اجعلْنا بالصالحاتِ مِن المُضْعِفينَ، وبالحسناتِ مِن المُقَنْطِرِينَ، اللهم أقبِلْ بقلوبِنا في رمضانَ، ومُنَّ علينا فيه بالرضوانِ، اللهم يَا كَثيْرَ النَّوَالِ، يا حَسنَ الفِعَالِ: نسألكَ خيرَ المسألةِ، وخيرَ الدعاءِ، وخيرَ الثوابِ، ونسألكَ الدرجاتِ العُلى من الجنةِ، اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ، واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم