الجوانب المغفول عنها في التربية

عبد العزيز بن محمد السعيد

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/عظم مسؤولية تربية الأولاد 2/جوانب يغفل عنها أولياء الأمور عند تربية الأولاد 3/وجوب العناية بتربية الأولاد

اقتباس

ثمة جوانب في تربية الأولاد يغفل عنها كثير من الآباء والأمهات، وهي أساس في التربية الصالحة، ومن أنجع أسبابها، بل هي لبها وخلاصتها، وهي بين يديك لا تحتاج منك إلى استيراد، ولا شراء، ولا تدريب مدرب، ولا اكتساب مهارات، ولكنها منحة الرب الكريم فاقبلوها وأقبلوا عليها، بصدق وإخلاص وعزيمة. إنها جوانب ثلاثة غاية في الأهمية، غاية في...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

تربية الأولاد مسؤولية من أعظم المسؤوليات المناطة بالوالدين، والاجتهاد في التربية بر وأجر، وإضاعة الولد والتكاسل عن الواجب قطيعة وإثم؛ ولذا ترى هذه التربيةَ نصبَ عيني العاقل من الوالدين، وهاجسا لا يفارق باله.

 

ولا شك أن هناك جوانب في التربية يُعنى بها أكثر الناس، ويبذلون من أجلها الجَهد والنفيسَ من الوقت والمال، ويبحثون عن أسبابها ووسائلها، ولا ضير عليهم في ذلك، وهم مأجورون مع حسن القصد، ما لم يكن محظور شرعي، ولكن ثمة جوانب في تربية الأولاد يغفل عنها كثير من الآباء والأمهات، وهي أساس في التربية الصالحة، ومن أنجع أسبابها، بل هي لبها وخلاصتها، وهي بين يديك لا تحتاج منك إلى استيراد، ولا شراء، ولا تدريب مدرب، ولا اكتساب مهارات، ولكنها منحة الرب الكريم فاقبلوها وأقبلوا عليها، بصدق وإخلاص وعزيمة.

 

إنها جوانب ثلاثة، غاية في الأهمية، غاية في اليسر، غاية في الحق، غاية في عظيم الأثر، لكن لمن فعلها موقنا لا مجربا ولا شاكا، ولمن ألقى السمع وهو شهيد.

 

أحدها: شكر الله على نعمة الولد؛ إذ الولد نعمة من نعمه سبحانه وتعالى، ذكره في سياق امتنانه على عباده؛ كما قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) [النحل: 72].

 

والنعم تستدعي شكر الله، وشكره جل وعلا يكون بامتثال أمره فيها، وفي الولد يكون باستصلاحه والقيام على شأنه، وعندئذ يوجب الله لك الزيادة بوعده الصادق: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 

ومن ذلك: أن يجعله ولدا صالحا، ينفعك الله به في حال حياتك، وبعد مماتك، وتلك الغاية المطلوبة في الولد؛ ولهذا وقعت البشارة به؛ كما في قوله تعالى مبشرا خليله إبراهيم بإسحق -عليهما السلام-: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات: 112].

 

ومبشرا زكريا بيحيى -عليهما السلام-: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 39].

 

ومبشرا الصديقة مريم بعيسى -عليه السلام-: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 46].

 

وقال صلى الله عليه وسلم في بيان أثر الوالد الصالح على والده، وفي ذلك إشارة إلى استصلاح الولد: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له" [أخرجه مسلم].

 

فكن شاكرا لهذه النعمة: نعمةِ الولد، بأداء حق الله عليك فيها، فذاك من أعظم السبل التي يصلح الله بها لك ذريتك.

 

وثانيها: دعاء الله بصلاح الذرية قبل وجودها وبعده؛ فإن الهداية والصلاح بيد الله وحده لا شريك، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، من شاء هداه ومن شاء أزاغه؛ ولهذا توجه النبيون والصالحون لربهم يسألونه صلاح ذرياتهم؛ كما في قوله تعالى مخبرا عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35].

 

وقولِه تعالى عنه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم: 40].

 

وقوله تعالى عنه: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات: 100].

 

وقوله تعالى عنه وعن إسماعيل -عليهما السلام-: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة: 128].

 

وقوله عن لوط -عليه السلام-: (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) [الشعراء: 169].

 

وعن زكريا -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38].

 

وعن امرأة عمران حين وضعت مريم: (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران: 36].

 

وعن أهل الصلاح من عباده: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].

 

(وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف: 15].

 

وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدَكم قال إِذا أراد أن يأتي أهله: بسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان، وجنب  الشيطان ما رزقتنا ، ثم قُدِّر بينهما في ذلك ولد، لم يضُره شيطان أبدا" [أخرجه البخاري ومسلم].

 

وثالث الجوانب التي غُفل عنها: تقديم حظ الآخرة على حظ الدنيا في التربية، على معنى أنه يجب على المرء أن يعنى أصالة في تربية أولاده على طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم خلقوا لذلك، لكن كثير من الناس يعكس القضية، أو يهمل حظ الآخرة، فيسلط اهتمامه على أمر الدنيا ويغفل عن أمر الآخرة، فترى بعض الوالدين يحرص على دراسة الولد ووظيفته ونظافته وصحته ووسائل رفاهيته، لكنه لا يحرص على عقيدته وصلاته وصيامه وبعده عن الفواحش والمنكرات وأسبابها، فانظر مثلا إلى الوالد الذي يحرص على إيقاظ الولد للدراسة أو الوظيفة، ولكنه لا يحرص على إيقاظه للصلاة، وانظر إلى الوالد الذي يحرص على أن يحصل ولده على شهادة، أو يحقق إنجازا، أو يكون ممن يشار إليه بالبنان لتفوقه في مجال من المجالات، ولكنه لا يحرص على أن يكون سباقا إلى الصف الأول، ولا مستكثرا من النوافل، ولا شاهدا لحلق القرآن والعلم، ولا كافا عن حرمات الله، وانظر إلى الوالدة التي تحرص على أن تكون ابنتها محصّلة أحسن الثياب، متجمّلة بأفضل أدوات الزينة، فائقة صواحبها في ذلك، ولكنها لا ترعى سترها وحجابها وعدم خلوتها بالأجانب من سائق ونحوه، والأمثلة ليس له حصر، وكلنا شاهد على نفسه مع أولاده، وكلنا لا يجهل هذا، ولكن حب الدنيا قد يطغى فيعمي ويصم.

 

والواجب عليك -أيها الوالد- أن تعنى بحياة ولدك الباقية، وهي حياة الآخرة؛ إن كنت صادقا في محبة ولدك، وتريد له الحياة السعيدة، وتريد أن ينالك برُه، وتبرأ ذمتك من تبعاته، لكن لا يعني ذلك إهمال ما يصلح حاله في الدنيا، فإن من ذلك ما هو واجب عليك، ومنه ما هو من المستحبات، وإنما المقصود إعطاء الأمرِ الديني حظه من التربية، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].

 

والوالد مأمور بفعل الأسباب، فإذا فعل ما أُمر به، فقد أدّى الأمانة، وبرئت ذمته، صلح الولد بعد ذلك أو لم يصلح، قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص: 56].

 

 

المرفقات

المغفول عنها في التربية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات