عناصر الخطبة
1/من خصائص يوم الجمعة 2/من فضائل صلاة الجمعة 3/التحذير من ترك صلاة الجمعة 4/من آداب صلاة الجمعةاقتباس
وَللجُمعةِ آدابٌ عَدِيدَةٌ، رَتَبَ عَليهَا الشَارِعُ أجُورَاً جَليلَةً مُضَاعَفةً، فَالمَشرُوعُ للمُسْلمِ أنْ يَمْشِيَ إِلَيْهَا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَيُبَادِرَ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ قُرْبَ الْإِمَامِ، وَيُصَلِّيَ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، وَيَشْتَغِلَ بِمَا يَنْفَعُهُ مِنَ الْقُرَبِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ خَيْرَ بِقَاعِ الْأَرْضِ الْمَسَاجِدَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَرَّفَ بُيُوتَهُ لِكُلِّ رَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ مِنْ آلٍ وَصَحْبٍ وَمَاجِدٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمٍ تَعْظُمُ فِيهِ الْأَهْوَالُ وَالشَّدَائِدُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّ الْفَوْزَ فِي أَنْ تَتَّقُوا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بَحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَتَفَرَّقُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ اخْتَصَ هذهِ الأمةَ المَرحُومَةَ بِيومٍ عَظِيمٍ، وَخَصَهُ بِخَصَائِصَ عُظمَى، وَمَزايَا كُبرَى، يَقولُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَومَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذا يَوْمُهُمُ الذي فُرِضَ عَليهِمُ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيِه تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا، والنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
يَوْمُ الْجُمُعَةِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْخَصَائِصُ، وَتَنَوَّعَتْ فِيهِ الْفَضَائِلُ، فَهوَ خَيرُ الأيَّامِ، وَعِيدُ الأُسبوعِ، قَالَ النَبيُ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ،؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
صَلاةُ الجُمعَةُ مِنْ آكَدِ فُروضِ الإسلامِ، يَجْتَمِعُ لَهَا الْمُسْلِمُونَ، تَزْكُو نُفُوسُهُمْ، وَتَتَآلَفُ جُمُوعُهُمْ، وَتَتَصَافَى قُلُوبُهُمْ؛ قَالَ -تَعَالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الجمعة: 9]، وصَلاةُ المُسلمِ فِي هَذَا اليومِ كَفَارَةٌ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْعَظِيمَةِ، وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَة، حَذَّرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَارِكَهَا وَالْمُفَرِّطَ فِيهَا، بِالطَّبْعِ عَلَى قَلْبِهِ، وَالْبُعْدِ عَنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ، فَقَالَ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ -أَيْ: تَرْكِهِمُ- الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَترْكُ الجُمعةِ مِنْ غيرِ عُذْرٍ كَبِيرَةٌ مِنْ كبَائرِ الذنُوبِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَرَكَ ثلاثَ جُمَعٍ تَهَاوناً بِهَا طَبعَ اللهُ عَلى قلبِهِ"(رَوَاهُ أبُو دَاودَ).
وَللجُمعةِ آدابٌ عَدِيدَةٌ، رَتَبَ عَليهَا الشَارِعُ أجُورَاً جَليلَةً مُضَاعَفةً، فَالمَشرُوعُ للمُسْلمِ أنْ يَمْشِيَ إِلَيْهَا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَيُبَادِرَ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ قُرْبَ الْإِمَامِ، وَيُصَلِّيَ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، وَيَشْتَغِلَ بِمَا يَنْفَعُهُ مِنَ الْقُرَبِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا"(رَوَاهُ الترمذيُ وغيرُه)، قَالَ بعضُ الأئمَّةِ: لم نَسْمَعْ فِي الشرِيعَةِ حَدِيثَاً مُشْتَمِلاً عَلى مِثلِ هذا الثوابِ، فهذَا الحَدِيثُ الشرِيفُ كَثيرُ الثوَابِ مَعَ قِلَّةِ العَمَلِ.
وَالتَبكِيرُ لِلجُمُعَةِ مِنْ جَليلِ القُرُبَاتِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وقَفَتِ المَلَائِكَةُ علَى بَابِ المَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، ويَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَكَمْ مِنْ جُمعَةٍ تَطْوَي المَلائِكَةُ صُحفَهَا وأقوامٌ لمْ يُسَجْلُوا مِنَ السَابقينَ، فلا حَولَ ولا قوةَ إلا بِاللهِ!.
وَمِنْ آدَابِ الجُمُعَةِ: الاغتسَالُ وَالتَطيبُ وَالسِواكُ واللبَاسُ الحَسَنُ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ، وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
ومِنْ آدَابِهَا: الإنْصَاتُ وَالاسْتِمَاعُ للخُطبَةِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ فَقَدْ لَغَوْتَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ آدَابِهَا: تَجنُّبُ أذَى المُصلِّينَ بِتخَطِي الرِقَابِ، دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْلِسْ؛ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ).
اللَّهُمُّ بِكَ آمَنَّا وَعَلَيْكَ تَوَكّلْنَا فَاسْتَجِبْ دَعْوَاتِنَا وَاقْضِ حَاجَاتِنَا وَيَسْرِ أمُورَنَا وَاسْعَدْنَا سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ يَاذَا الْجَلَاَلِ وَالإكْرَامَ.
أقوُلُ قَوْلِي هَذَا، وأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم ولسَائرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَحِيمُ.
الخُطبَةُ الثَّانيةُ:
الحمْدُ للَّهِ وَكَفَى، وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطَفَى.
وَبَعْدُ: فَاتَّقَوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاحْرِصِوا فِيِ هَذَا اليَوْمِ عَلَى كَثْرَةِ الدُّعَاءِ؛ رَجَاءَ إِصَابَةِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ، فَفِي الصَحيحينِ أنَّ النَبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ فِي الْـجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ"، فَاجْتَهِدُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَضِيلِ، وَاغْتَنِمُوا نَفَحَاتِ رَبِّكُمُ الْجَلِيلِ، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ قَبْلَ يَوْمِ الرَّحِيلِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلدَ آمِنَاً مُطمَئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينِ الشَريفينِ، وَوَليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وَترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ، وَالْـمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم