الجريمة: مظاهر وعلاج – أسباب ومقترحات

سليمان بن حمد العودة

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ بعض الظواهر الاجتماعية الإجرامية الغريبة المرفوضة 2/ أسباب نشوء تلك الظواهر 3/ وسائل ومقترحات لمعالجتها 4/ موعظة للمبتلين بشيء منها

اقتباس

إنها ظواهرُ غريبةٌ، ومؤشراتٌ مخيفةٌ، تستحقُّ منا كلَّ عنايةٍ وتعاون، واللهُ تعالى أمرَنا أن نتعاونَ على البرّ والتقوى، وحذَّرنا من السلبيةِ، وضربَ لنا أمثلةً في نجاةِ الذين ينهونَ عن السوء، وأخبر أن خيْريَّتَنا مشروطةٌ بالأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وأولئك هم خيارُ الناسِ، وأولئك همُ المفلحونَ، وأولئك هم المؤمنون ..

 

 

 

 

إنَّ الحمدَ للهِ ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

عبادَ الله: وقعَ في يدي مجموعةٌ من قُصاصاتٍ لعدد من الصُّحفِ المحليةِ تحملُ عناوينَ مثيرةً، وتتضمنُ صيحاتٍ مُحذرةً، وتلتمسُ حلولاً لمشكلةٍ بدأتْ، وظواهرَ أطلَّتْ، حَرِيّةٌ بأن تُعالجَ وتُدرسَ قبلَ استفحالِ الخطرِ وشيوعِ الجرائمِ والفتنِ، وليس يُجدي أن نتجاهلَ ما يقعُ، ونَدُسَّ رؤوسَنا في الرمالِ وكأنَنا لا نرى ولا نسمعُ.

ومن بين هذه العناوين المثيرةِ: [الواردة في صحف: عكاظ، الرياض، الوطن، المدينة]: مُترفونَ يتحرَّشونَ بالفتياتِ/ ضبطُ أشرطةِ فيديو تدعو للتنصيرِ في جدة/ ممارسةُ التهورِ ليس احتفالاً بالعيد/ ظاهرةُ الانتحار إلى أين؟/ التُّجارُ الحراميةُ يسرقونَ بثقةٍ لعدمِ تواجدِ رجالِ الأمنِ في الموقع/ يتورطُ فيها المراهقون.. مُشادةٌ كلامية تحفرُ قبراً/ منتحرُ جدة يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ/ بدرية قتلت والدها بمساعدةِ أمّها ودفنته في الصحراءِ، إلى غير ذلك من أحداثٍ مؤلمةٍ، تكاد تنحصرُ أخبارُها في حدود أسبوعين فقط؟ [من 7 إلى 21/10/1421هـ].

حقاً إنها عناوينُ مثيرةٌ، وأحداثٌ وممارساتٌ غريبةٌ على مجتمعنا، ولا تَمُتُّ بأدنى صلةٍ إلى قيمِنا وتعاليمِ إسلامِنا، نعم! إن نزغاتِ الشيطانِ تجمَعُها؛ ولكنها تخفي وراءها مسبباتٍ وأدواءَ وظواهرَ لا بدَّ من دراستِها ولا بدَّ من الجدِّيةِ في علاجها.

إنها خليطٌ من الفسادِ الخُلُقيِّ، والتهوُّرِ السلوكيِّ، والعنفِ المحموم، والسطوِ على الآخرين، والدعوةِ للرذيلة، بل وللأديانِ الباطلةِ، وفيها من ضعفِ الوازع الديني والعقوقِ لأصحابِ الحقوقِ ما لا يمكن وَصفُه؛ بل ويَصعبُ تصورهُ لولا أن الأحداثَ أثبتَتْهُ!.

معاشرَ المسلمين: إننا جميعاً معنيونَ ومسؤولون عن معالجةِ هذه الظواهر الغريبة؛ ولكن قبلَ العلاج لا بدَّ من استكمالِ توصيفِ الظاهرةِ ومعرفةِ أسبابها، فما هي يا تُرى أبرزُ الأسبابِ لمثلِ هذه الظواهرِ المرفوضةِ؟.

إن البعضَ يتساءلُ: ألسنا في بلدٍ محافظٍ، فكيف يقعُ مثل هذه؟! وأقولُ: نعم، إن مجتمَعَنا -بعمومِه- محافظٌ والحمدُ لله، ويستنكرُ مثلَ هذه الممارساتِ، وهذه المظاهرُ لا تمثلُ المجتمعَ، ولا تلغي محافظتَه؛ ولكن قد يكون للثراءِ والنعمةِ أثرٌ في وجودِ بعضِ هذه الممارساتِ، لا سيِّما حركاتِ الشبابِ اللامسؤولة، ومضايقاتهم للناسِ عامةً وللنساءِ خاصةً، بسدِّ الشوارعِ تارةً، والاعتداءِ على الحُرماتِ تارةً أخرى، وما يَنجمُ عن ذلك من أضرارٍ على الأرواحِ أو الممتلكات.

وهنا يَرِدُ السؤال: ومن أين لهؤلاء المراهقينَ السياراتُ التي يتسكعونَ ويفحطونَ ويضايقونَ الناس بها؟ أليست بتمويلِ الآباء؟ أليست أصداءَ للنعمةِ؟ أليست استغلالاً بشعاً لذوي النعمةِ والثراءِ؟ فهذا سببٌ.

وسببٌ آخرُ، وهو عكسُ سابقِه، إذ تُمثلُ البطالةُ والفراغُ عند بعضِ الشبابِ الذين هم خارجَ المدرسةِ وبدونِ عملٍ عنصراً مهماً في بروز هذه الظواهرِ السيئةِ، فيقضونَ بها فراغَهم، ويعبّرونَ بها عن سُخطهم وفراغِهم بطريقةٍ خاطئةٍ مرفوضةٍ عقلاً وشرعاً.

أما السببُ الثالث المهم فهو ضعفُ الوازع الدينيِّ، واختلال القيمِ الأخلاقيةِ، وعدمُ تقديرِ مشاعرِ الآخرين، بل وتقصُّدُ الإضرارِ بهمِ.

أما السببُ الرابعُ فهو وجودُ عناصرَ مشبوهةٍ من أصحابِ المِللِ والنِّحَلِ والأديانِ الفاسدة، تسعى جاهدةً لإفسادِ هذه البلادِ المباركةِ، متخذةً من الأشرطةِ والمنشوراتِ والكتيباتِ والمدارسِ الأجنبيةِ وسيلةً لترويجِ فِكْرها وبثِّ سُمومها.

خامساً: للإعلامِ السيءِ والقنوانِ الفضائيةِ وبرامجِ العنفِ، والتهتكِ الأخلاقيِّ، والغزوِ الفكري لهذه وتلك أثرُها في صياغةِ العقلياتِ وممارسةِ العنف، وترويجِ السلوكيات الشاذةِ على مستوى الطفلِ والشابِّ والرجلِ والمرأة، إلا من رحمَ ربُّك!.

سادساً: وثمةَ سببٌ يُنمِّي مثلَ هذه الظواهرِ، ويُكثرُ من أصحابها، إنه التساهلُ في معالجةِ الظاهرة في بدءِ نُشوئها، حتى إذا استفحلتْ شكَّلت خطراً يحتاجُ إلى جهدٍ أكبرَ في العلاج، أجل! إن التغافلَ عن حركاتِ الشبابِ البهلوانية المؤذيةِ عند فوزِ منتخبٍ، أو ممارسةِ التفحيطِ على الخطوطِ الدائريةِ، أو على السفوحِ الرمليةِ، أو في مناسباتِ الأعيادِ، واعتبار ذلك تعبيراً عن فرحةٍ وطنيةٍ، كلُّ ذلك يُجرئُ السفهاءَ على خطواتٍ أخرى أحسَّت أجهزةُ الأمنِ -مؤخراً- بخطورتها في احتفالاتِ العيدِ بالرياض.

ثم لا تلبثُ الأمورُ أن تتطورَ إلى سلوكياتٍ إجرامية. لا بد من وضع جزاءٍ رادعٍ لها؛ فاللهُ يَزَعُ بالسلطانِ ما لا يزعُ بالقرآن. وقد أكدَ وزيرُ الداخلية على محاسبةِ المقصرينَ في الأحداثِ المؤسفةِ في احتفالات العيد في الرياض.

وما حدث في الرياضِ يمكن أن يقعَ في غيره إذا لم تكن الجِدِّيةُ في المعالجةِ والمبادرةُ في الحزمِ في تطويقِ هذه الممارسات الخاطئة، ومعاقبةُ الجُناةِ، والتنكيلُ بهم عقوبةً لهم ودرساً بليغاً لغيرهم.

سابعاً: والدعواتُ المحمودةُ التي تُطلقُ بين الفَيْنَةِ والأخرى وتدعو إلى خروجِ المرأةِ وسُفورها واختلاطِها بالرجالِ الأجانبِ، تلك سهامٌ تُشعلُ فتيلَ الفتنِ، وتهتك أستار الفضيلة، وتجرئُ السفهاءَ، ويتنفسُ خلالها مَن في قلبِه مرضٌ، وإذا اعتُديَ على المرأةِ وهي متحجبةٌ، فكيف الحالُ إذا خرجت سافرةً وبالزينةِ فاتنةً؟ وإذا لم تسلم من اعتداءِ الموتورينَ وهي بصحبةِ مَحرمِها، فكيف إذا انفردت وسافرت بالسيارةِ أنّى شاءت وحدَها؟!.

ثامناً: وضعفُ التوعيةِ في المحاضنِ التربويةِ، وفي مقاعدِ الدراسةِ الجامعية، وفي المنزلِ والمسجدِ، وغيابُ بعضِ الآباء والمربينَ والأمهاتِ والمعلماتِ عن مسؤوليتهم، كلُّ ذلك يساهمُ في وجودِ مثلِ هذه السلوكياتِ المنحرفةِ.

تاسعاً: وغفلةُ رجلِ الأمنِ عن مهمتِه، أو عدمُ إخلاصِه في عملِه ومسؤوليته، أو عدمُ دقَّتِه في رصدِ الجريمةِ ومتابعةِ المجرمين والحيلولةِ بينهم وبين ما يَشتهون، ذلك يُفاقمُ الخطرَ ويقوي شوكةَ المجرمين.

عاشراً: والمخدراتُ سببٌ لكلِّ بلاء، والمسكراتُ والخمرُ أُمّ الخبائث، وقَلَّ أن توجدَ جريمةٌ إلا ولهذه الأوبئةِ رأسٌ مُطِلٌّ إنْ ظاهراً أو خفياً فيها، ورفيقُ السُّوء شؤمٌ على نفسِه وعلى الآخرين، كم من برئٍ تورطَ في مزالقِ الجريمةِ نتيجةَ إغواءِ قرين السُّوء!.

أيها المسلمونَ: تلك أسبابٌ عشرةٌ، وقد يكون هناك أسبابٌ أخرى، وقد تختلفُ هذه الأسبابُ وجوداً أو عدماً، قوةً أو ضعفاً.

وفي سبيلِ العلاجِ لا بُدَّ أولاً من معرفةِ هذه الأدواءِ ومعالجتِها، ولا بُدَّ من استشعارِ المسؤوليةِ، والسعي لمحاصرةِ هذه الظواهرِ السيئةِ، فالأمنُ مسؤوليتُنا جميعاً، والحفاظُ على مكتسباتِ البلاد وصونِ الحُرمات شعارُنا وهدفُنا جميعاً، وما لم يشعرْ كلُّ فردٍ منا بالأذى الواقع على غيره، كما لو أن الأذى وقع عليه أو على قريبه، فما حققنا الأخوَّةَ بيننا، ومفهومُ المواطنةِ الصالحةِ مختلّ في سلوكياتنا.

وهنا؛ وفي سبيلِ المعالجةِ لهذه الظواهر وأمثالِها، وفوقَ ما سبقَ، أُشيرُ إلى بعض الآراءِ والمقترحاتِ، وعسى الله أن ينفعَ بها، ويُعينَ كلَّ صاحبِ مسؤوليةٍ على القيامِ بمسؤوليته، فخيرُ الناسِ أنفعُهم للناس، ومن دعا إلى هدًى كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من عملَ به إلى يومِ القيامة، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الوِزْرِ مثلُ من عملَ به، ومن يهدي الله فهو المهتدِ، ومن يُضلل فلن تجدَ له ولياً مرشداً.

اللهم انفعنا بالقرآنِ، وسنةِ خيرِ الأنام، أقولُ ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب.

 

 

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: إن من أولوياتِ طرقِ العلاج لأيِّ مظاهرَ سلوكيةٍ منحرفةٍ تقويةَ الوازع الديني، وذلك عبرَ المنهج الدراسي المُطبق وعبرَ وسائلِ الإعلامِ المقروءةِ والمرئيةِ والمسموعة، عبر المحاضرةِ الجيدة، والندوةِ المشتركة، وعبر توجيهات الآباء والأمهاتِ.

ثانياً: ولا بد من العنايةِ بأوقاتِ الفراغِ لدى الشبابِ والفتياتِ، وملئها بما ينفعُ الفردَ ويخدمُ المجتمعَ، ويساهمُ في رُقيِّ الأمة، وإضافةً إلى المؤسساتِ القائمةِ بتوفير فرصِ العمل للخريجينَ والخريجاتِ يُطالبُ القطاعُ الخاصُّ والشركاتُ والمؤسساتُ بمزيد فتح الفرصِ للراغبينَ في العملِ من أبناء البلدِ، دعماً لهم مادياً، ومساهمةً في مزيدِ تأهيلهم للمسؤوليةِ مستقبلاً.

ثالثاً: وإذا قيل هذا عن العمل، فنحتاجُ إلى مزيد فرصٍ تحتضنُ الشبابَ وتهيئُ لهم من البرامجِ الهادفةِ ما تُستثمرُ به أوقاتُ فراغِهم من جانبٍ، وتبني فيهم الخيريّةَ والإنتاجيةَ من جانبٍ آخر.

وفوقَ ما للمؤسسات الحكوميةِ والجمعياتِ الخيرية -هنا- من جُهدٍ مشكورٍ، فوزارةُ العَملِ والشؤونِ الاجتماعية مؤهلةٌ لأن تزيدَ من فاعليتها ومشاركاتها لخدمة الفتيانِ والفتياتِ عبرَ برامجَ اجتماعية هادفةٍ، وعبر محاضنَ يُشرفُ عليها أهلُ خبرةٍ وصلاح، تُعلّمُ الأخرقَ مهنةً، وتُعنى بتدعيمِ روابطِ الأسرة، وتوفرُ وسائلَ للترويحِ النافع، وتُعنى بصقلِ مواهبِ الشباب على مدى العام لتكملَ ما تقومُ به المراكزُ الصيفية في أوقاتِ الصيف.

رابعاً: وحين لا تستوعبُ الجامعاتُ قبولَ جميع الخريجين، أو لا يكون بعضُ الخريجينَ من الثانويةِ قادراً على مواصلةِ تعليمه الجامعي، فهل تُعنى الجامعاتُ بتوفيرِ دوراتٍ تؤهلُ للعمل وتمنحُ دبلوماتٍ أو شهاداتٍ تهيئُ الفردَ للعيشِ الكريم هنا أو هناك، حتى لا يبقى أعدادٌ من الشبابِ عالةً على المجتمعِ وقد تضطرُّهم الحاجةُ إلى أمورٍ لا تُحمدُ عُقباها؟!.

خامساً: وهل يُفكَّرُ كذلك -وفي سبيلِ معالجةِ عدم توفرِ الوظائف للخريجين- بإيجاد مراكزَ للتجنيدِ والتدريب، يقضي الشابُّ فيها فترةً من الزمنِ ويتقاضى خلالها مرتباً يسدُّ حاجتَه وحاجةَ من يَعُولُ، ويُنظم خلالها محاضراتٌ وندواتٌ تُسهمُ في توجيه الشبابِ ومزيدِ تربيتِهم وجدِّيتِهم، ويكون هؤلاء المُدربونَ جنوداً أوفياءَ للحفاظِ على مُقدراتِ البلدِ وحرماتِه عند الاقتضاء؟.

سادساً: ومع ما تقومُ به وزارةُ الشؤون الإسلاميةِ من جهودٍ في التوعيةِ والدعوة؛ إلا أننا في زمنِ العولمةِ وحربِ الفضائياتِ نحتاجُ إلى مزيدٍ من الدعوةِ والتوعية لتعمَّ المدنَ والقرى، وتُخاطبَ المرأةَ كما تخاطبُ الرجل، وتَستخدمَ تقنياتِ العصرِ لمزيد الفاعليةِ واتِّساعِ حجمِ التأثير.

سابعاً: وتعليمُ البنين والبناتِ حَريٌّ كذلك بمضاعفةِ التوعية، والعنايةِ بتطبيقِ معاني ومفاهيم المناهجِ الدراسية، وألا تكون المهمةُ الحفظَ للمقرراتِ والنجاحِ أو الرسوب في نهايةِ كل فصل؛ بل يكون للقيمِ التربوية، والنواحي السلوكيةِ التطبيقيةِ قدرٌ كبيرٌ من الاهتمام، وهنا اقتراحٌ لطيفٌ يقضي بوجودِ مقررٍ خاصٍ برعايةِ الآدابِ والسلوكيات في المرحلةِ المتوسطةِ والثانوية، يُفرَدُ بالتأليفِ ويُخاطبُ العقلَ والعاطفةَ عن قيمةِ الأخلاقِ والآدابِ والسلوكياتِ الإسلامية، ويحذرُ من أضدادِها.

وحين يكون الحديثُ عن التوعيةِ فلا بدّ أن تُعنى القطاعاتُ الأمنيةُ بهذا الجانب، إذ ليست مهمتُها محصورةً في القبضِ على المجرمين؛ بل يَنبغي أن تُقدِّمَ التوعيةَ عبر المطويةِ الجيدةِ، والإحصائيةِ الدقيقةِ المُحذِّرة، وعبرَ البرامجِ الإعلاميةِ المتكاملةِ، وعبر الملصقاتِ ذاتِ العباراتِ الهادفة، فالوقايةُ خيرٌ من العلاج، وذلك جانبٌ لم يَنَلْ من العنايةِ ما يستحقُّ في نظري.

ثامناً: وأنتم -أيها الآباء وأيتها الأمهات- تحمّلوا مسؤوليتكم كاملةً عن أولادِكم، وتنافسوا في تربيتهم وأدبهم، بدلَ أن تتنافسوا في تأمينِ كلّ ما يطلبونَ، حتى وإن كان على حسابِ المجتمع؛ بل ربما كان على حسابِ حياتهم هم، فكم أهلكَ الطيشُ من فتى! وكم للثراءِ من آثارٍ سيئةٍ إذا لم يُستثَمر!.

تاسعاً: وأنتم -معاشرَ الشبابِ الملتزم- ما هو دورُكم في استصلاح من انحرفَ أو بَدَتْ عليه أماراتُ الانحرافِ من الشباب؟ هل تنكفئونَ على أنفسكم، أم ترونه يكفي أن تختلطوا وترحلوا مع أمثالكم؟ أم ترونَ لإخوانكم الآخرين من الشبابِ حقاً عليكم في النصحِ والتوجيه وحُسنِ المعاشرة والدعوةِ بالحسنى؟ فذلك ميدانٌ رحبٌ للمساهمةِ والدعوةِ والإصلاح.

عاشراً: وعلى وزارةِ الإعلامِ مسؤوليةٌ عُظمى في صياغةِ عقلياتِ الشباب، بل المجتمعِ كلِّه، عبرَ برامجَ هادفةٍ تخاطبُ الرجلَ والمرأةَ، والصغيرَ والكبيرَ، تؤصِّلُ التربيةَ الإيمانيةَ وتزرعُ الخوفَ من الله، تحذرُ من الجريمة، وتُثرِّبُ على المجرمين، وتُثمِّنُ القدوةَ الصالحةَ، وتجري مقابلاتٍ مع الخيِّرين؛ لقد آنَ الأوانُ لأن يُنظَرَ في البرامجِ المقدَّمةِ، ويُقترحَ برامجُ جديدةٌ تتناسبُ والمرحلةَ الحاضرةَ والمستقبلية.

عبادَ الله: إنها -باختصارٍ- مسؤوليتُنا جميعاً أمامَ اللهِ أولاً، وأمامَ المجتمعِ، فنحن جميعاً في مركبةٍ واحدة، والعطبُ في جانبٍ من جوانبها يؤدي إلى غرق الجميع لا قدَّرَ اللهُ.

إنها ظواهرُ غريبةٌ، ومؤشراتٌ مخيفةٌ، تستحقُّ منا كلَّ عنايةٍ وتعاون، واللهُ تعالى أمرَنا أن نتعاونَ على البرّ والتقوى، وحذَّرنا من السلبيةِ، وضربَ لنا أمثلةً في نجاةِ الذين ينهونَ عن السوء، وأخبر أن خيْريَّتَنا مشروطةٌ بالأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وأولئك هم خيارُ الناسِ، وأولئك همُ المفلحونَ، وأولئك هم المؤمنون، ألا فتآمَروا بالمعروفِ وتناهَوْا عن المنكرِ، وليستشعر كلُّ مسؤولٍ وكلُّ ولِيٍّ دورَه في الإصلاحِ والتوجيه.

وهنا؛ وفي نهايةِ الحديثِ، ألتفتُ لمن بُلي بشيء من الجرائم، صغُرت أم كبُرت لأقول له: اتق الله يا أخي في نفسك وفي المجتمعِ من حولك، كم تخسر ويخسرُ الناسُ من حولك بكلِّ جريمةٍ تتلبَّسُ بها! ومهما ظننتَ أنك تنجو من عقابِ الدنيا فاعلم أن عقابَ اللهِ لك بالمرصادِ إن لم تتبْ إليه، تُبْ إلى الله!.

وإذا لم ترضَ أن يُؤذي الناسُ أهلَك أو يعتدوا على شيءٍ من مقدراتك وأموالِ أهلك، فكذلك الناسُ، كم فيك من خصالِ الخير! لكنك استجبت حين مارستَ الجريمةَ لنزغاتِ الشيطان، فتعوَّذ باللهِ منه، وخُطَّ لنفسك مساراً آخرَ تجد السعادةَ وتجد الراحةَ والطمأنينة.

 

 

 

 

 

المرفقات

مظاهر وعلاج – أسباب ومقترحات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات