الجرح النازف: الشام

صلاح بن محمد البدير

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/ قضايا أمتنا بين المؤامرة والمتاجرة 2/ زيادة الحروب وتعدد الصراعات في العالم 3/ جرحنا النازف في الشام 4/ عاقبة القتل والظلم

اقتباس

وإننا نُناشِدُ القادةَ والساسةَ، وأنصارَ العدل، ومُحبِّي السلام في العالَم أن يأخُذوا بعالَمنا من مُستنقعَات الحروب والصراعاتِ، والبُؤس والفقر، والجهل والدمار والخرابِ إلى ساحةِ السِّلم والأمن، والعدلِ والرحمةِ والإنصافِ، وأن يرحَموا الشعوبَ من ويلات الحُروب، وإلا فلا بُدَّ أن يأتي يومٌ يصطَلِي فيه بالنار من أشعلَها، وبالحروب من أوقدَها، ويقعَ في الألغام من زرعَها. ..

 

 

 

 

 

الحمد لله، الحمد لله النافِذِ أمرُه، العزيز نصرُه، يقضِي ما يشاءُ ويحكُمُ ما يُريد، الأمرُ له والخلقُ بيديه، والاستعانةُ به، والتفويضُ إليه، ولا اعتمادَ إلا عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كاشِفُ البلاء، وقامِعُ أهل الظلمِ والجَور والاعتِداء، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله سيدُ الأولياء، وخاتمُ الأنبياء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه معادن التقوى وينبوع الصفا، صلاةً تبقَى وسلامًا يترَى.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون) [آل عمران: 102].

أيها المسلمون: في أوضحِ صُور المُكاشَفة والمُجاهَرة قضايا أمتِنا بين المُؤامرة والمُتاجَرة، وأهلُ السَّمسرة لا يُصغُون إلى مآسِي أهلِ الإسلام إلا بمسمَعٍ أصمّ، والذين يُروِّجون أسلحَةَ القتلِ والدمار، ويُتاجِرون بدم الأبرياء، ويتلاعَبون بمصيرِ الشعوب لا شيءَ يعنيهم سوى المصالحِ والمطامِع والعقود والصفقاتِ.

أما مشاهِدُ القتلِ والتمثيلِ، والتشويه والتعذيب، ورائحةُ الدم التي تخرُجُ من أروِقةِ الموت فلا تُحرِّكُ منهم المشاعِر، ولا تُؤرِّقُ منهم الضمائر.

وصرخاتُ الأبرياء، وصيحاتُ النساء، وشلالاتُ الدماء، وقِطعُ الأشلاء لا ترقَى عندهم لخسارةِ عقدٍ أو صفقةٍ أو غنيمةٍ أو استثمارٍ، حتى صار الظالمُ يُشايِعُ الظالمَ، والقاتلُ يُوالِي القاتِلَ، والمُستبِدُّ يُطابِقُ رأيَ المُستبِدّ، ولم يعُد لحكوماتٍ تقودُ المحافِلَ الدولية ضميرٌ حيٌّ يحمِلُ على إحقاقِ العدلِ، ورفعِ الظلم، وإرساء السلام، ونزعِ فتيلِ الحُروبِ والنزاعات والصراعات.

وها هي بلادٌ تُعاني من ويلاتِ الحروب منذ عشراتِ السنين، وبلادٌ تُعاني من ويلات الفقر والجهل والمرض ردحًا من الزمن، وبلادٌ تُعاني فتنةَ الانقسامات والشِّقاقات عقودًا من الدهر؛ فماذا قدَّمَت تلك الدول التي تدَّعي قيادةَ العالَم، وحفظَ الأمن، ورعايةَ السِّلم؟! ماذا قدَّمت لتلك الدول وقضاياها؟!

ولو كانت هناك إرادةٌ صادقةٌ، وعدلٌ وإنصافٌ لما أعجزَ حلُّها، ولا أعوَزَ أمرُها.

ويُشعَل فتيلُ الحروب في بلادٍ متى كانت مصالحُ تلك الدول تقتضِي إشعالَها، وتُفرضُ خياراتُ التقسيمِ عليها متى كانت مصلحةُ تلك الدول تقتضِي تقسيمَها.

وتُطلَقُ يدُ زعماء ورُؤساء يسُوسون شعوبَهم بالسيفِ والحَيف، والظلم والجَور، والتجويعِ والترويعِ، والإرهابِ والإرعاب، والنار والحِصار، والبَطشِ والقتلِ ما دام ذلك الزعيمُ يضمَنُ لتلك الدول مصالِحَها، ويُقتلُ آلافُ البشر من شعوبِ العالَم، ويذهبُون ضحايا صِراع طُغاةٍ جبابِرةٍ على السُّلطة والحُكم والثروةِ والمال.

والحروبُ في العالَم تزداد، والصراعات تتضاعَف، والسِّلمُ يتضاءَلُ؛ لأن قِيَم العدل والحقِّ والإنصاف لم تكن يومًا حاكِمةً في قضايا عالَم اليوم، والعالمُ لم يفشَل يومًا في حلِّ قضاياه ولم يعجِز إلا لأن من يقُودُه لا يُريد لتلك القضايا أن تنقضِي، ولا لتلك الحروب أن تنتهي.

وإننا نُناشِدُ القادةَ والساسةَ، وأنصارَ العدل، ومُحبِّي السلام في العالَم أن يأخُذوا بعالَمنا من مُستنقعَات الحروب والصراعاتِ، والبُؤس والفقر، والجهل والدمار والخرابِ إلى ساحةِ السِّلم والأمن، والعدلِ والرحمةِ والإنصافِ، وأن يرحَموا الشعوبَ من ويلات الحُروب، وإلا فلا بُدَّ أن يأتي يومٌ يصطَلِي فيه بالنار من أشعلَها، وبالحروب من أوقدَها، ويقعَ في الألغام من زرعَها.

ولا يحيقُ المكرُ إلا بمن مكَرَ، ولا يقعُ في حُفرته إلا من حفَر، سُنَّةٌ ماضِية، وحقيقةٌ قاضِية: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه؛ فقد فاز المُستغفِرون، وسعِد الآيِبون.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله العظيمِ في قدره، العزيز في قهرِه، يسمعُ أنينَ المظلوم عند ضعف صبره، ويجُودُ عليه بإعانته ونصره، أحمدُه على القدر خيرِه وشرِّه، حُلوِهِ ومُرِّهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رافِعَ لما وضعَ، ولا واضِعَ لما رفع، ولا مانِعَ لما أعطَى، ولا مُعطِيَ لما منَع، وما شاءَ ربُّنا صنَع، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله إمامُ المُجاهِدين، وقُدوةُ الصابرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحُلفاء اليقين، صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدّيْن مُتلازِمَيْن إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فقد نجَا من اتَّقى، وضلَّ من قادَه الهوَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أيها المسلمون: إن العينَ لتدمَع، وإن القلبَ ليحزَن، وإنا على مُصابِك يا شامُ لمحزُونون.

عظُمَ البلاءُ ولا مُغيثَ لشامِنا *** ربِّي أنت المُرتجَى لبلائِنا
كـلُّ جُـرحٍ سـوف يبرَا *** فامتطِي يـا شامُ صبرًا
أهلَنـا فـي الشـام صـبرًا *** إن بعـد العُسر يُسرًا
أهـلَنا فـي الشـام صـبرًا *** إن بـعد الصبر نصرًا

أيها الطُّغاةُ الظلَمَة: بحَيفِكم تورَّطتُم، ولحَتفِكم تأبَّطتم، وبدماء الأبرياء تلطَّختُم، فثيابُ الذلِّ تلفُّكم، وأكفانُ الهزيمةِ تحفُّكم.

يا قاتِلُ: لا مهربَ ولا مناصَ، ستُقادُ إلى ساحةِ القِصاص، يا ظالِمُ يا مُبير: أبشِر بسُوءِ المصير، يا غادِرُ: ستُغادِر، فصولتُك آفِلة، وجولتُك خاسِرة، يلُفُّك الخُذلان، ويحُوطُك الخُسران، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39]، وإن الله ليُملِي للظالِم حتى إذا أخذَه لم يُفلِته، ونصرُ الله قريبٌ، وآمالُ الظالِم تخيبُ: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].

اللهم احفَظ أهلَنا في سوريا من الفتن والشرور والمِحَن يا رب العالمين، اللهم احفَظ أهلَنا في الشام من الفتن والمِحَن والشرور يا رب العالمين، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، اللهم صُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم، وادفَع عنهم مكرَ الماكرين، وعُدوانَ الظالمين يا رب العالمين، اللهم اشفِ مرضاهم، وداوِ جرحاهم، وتقبَّل موتاهم في الشُّهداء يا سميعَ الدعاء.

اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين، اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين الذين قتَلوا الأبرياء، وسفَكوا الدماءَ، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اهزِمهم يا قوي، زلزِلهم يا قادِر، أنزِل عليهم عذابَك ورِجزَك وبأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين يا سميعَ الدعاء.

يا سميعَ الدعاء، يا سميعَ الدعاء: نجِّ إخواننا المُستضعفين في الشام عاجلاً غير آجلٍ يا رب العالمين، اللهم عجِّل بالفَرَجِ والنصر لهم يا رب العالمين.

اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
 

 

 

 

 

المرفقات

النازف الشام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات