الجد والاجتهاد في خير الأوقات

صلاح بن محمد البدير

2024-03-29 - 1445/09/19 2024-03-30 - 1445/09/20
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/الحث على اغتنام العشر الأواخر من رمضان 2/التحذير من التثاقل عن العبادات والتفريط 3/ليلة القدر ليلة الخير والرحمة والمغفرة فاغتنموها

اقتباس

هذه العشر الزاهيات الزاكيات قد بَدَتْ، هذه ليلة القَدْر المبجَّلة المجلَّلة المخَّمة قد دَنَتْ، فاجهَدْ جُهدَكَ، وجافِ عن النومِ جَنبَكَ، ووجِّهْ إلى الله -تعالى- وجهَكَ وقلبَكَ، وابلُغْ غايتَكَ، وابذُلْ طاقتَكَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.

لكَ الحمدُ يا مَنْ بالهداية أَنْعَمَا *** وللفضلِ أَوْلَى والمحامدِ أَلْهَمَا

لكَ الحمدُ يا ربِّ كما أنتَ أَهْلُهُ *** كثيرًا دوامًا يملأ الأرضَ والسَّمَا

على نِعَمٍ قد أسبغتَ كلَّ لحظةٍ *** فسبحانَكَ اللهمَّ مَوْلًى ومُنعِمَا

 

وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى عليه ربنا وسلم، ما لاح نجمٌ نَيِّر وسطَ السَّما، وعلى جميع الآل والأصحاب، صلاةً وسلامًا دائمينِ إلى يومِ المآبِ.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها الصائمون: اتقوا الله في زمان فطركم وصومكم، وراقِبوه في سركم وجهركم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183].

 

أيها الصائمون: لقد مضَتْ من شهرِكم بَواكِرُه، وطلَّت أواخرُه، وذهبت فواتحُه، وحلَّت خواتمُه، ويُوشِكُ ضيفُكم على الارتحال والانتقال، فاغتنِموا بواقيَه، قبل أَنْ تذهَب أيامُه وتُقوَّض خيامُه؛ فإنَّ الخاسرَ المحرومَ مَنْ أضاع موسمَ الهبات والنفحات، وفرَّط في شهر البركات والرحمات، فما أخسرَ متجرَه ونصيبَه، وما أعظمَها عليه من مصيبة.

 

أيها الصائمون: طُوبى لمَنْ رتَّل القرآنَ وتَلَاه، طوبى لمَنْ أعطى الفقيرَ وأغناه، طوبى لمن صام وكف عن الناس شره وأذاه، طوبى لمن أحيا ليالي رمضان بالقيام، وصان صومه عن الآثام، طوبى لمن يسارعون في الخيرات، ويرغبون في الطاعات، ويستكثرون من الحسنات، ويبادرون إليها خوف الفوت بالموت، وقد مدح الله أهل الإيمان بأجل الصفات وأعظم الحسنات، ومنها المسارعة إلى الخيرات، والجد والرغبة في الطاعات، قال جل وعز: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 113-114]، ومدح زكريا وأهله وولده بذلك فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 90].

 

ولا قبيحة يقبح عليها المرء كالتثاقل في الفروض والواجبات، والتكاسل في الطاعات، والمسارعة في المحرمات، والمسابقة إلى المنكَرات، قال الله جل وعز: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ في الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْمَائِدَةِ: 62].

 

فيا مُصِرًّا على الذنوب: أمَا آنَ لكَ أن تتوبَ، يا غافلًا عن ذكر مولاه، إلى متى أنتَ محجوب، يا غافلًا عَنْ شهرِه، يا منشغلًا بلهوه، يا من يسحب رجلًا لا تكاد تنسحب، يا من إذا دعي إلى الخير لم يستجب، بادِرِ الشهرَ العظيمَ، وأقبِلْ على الربِّ الكريمِ، وخلِّصْ نفسَكَ من الفتور والتواني، ومَحِّصْ طبعَكَ من الكسل والتباطؤ والتراخي، وأقلِعْ عن تفريطِكَ وآثامِكَ، وتُبْ ممَّا جنيتَ في سائر أيامِكَ، واقصد بابَ التوبة تجده مفتوحًا، وأقبل على الله ما دام الأجل مفسوحًا، وأصلِحْ منكَ قَلْبًا ونفسًا وروحًا، فقد فاز من شمر وجرى، وأفلح من جد وسرى، وخاب من تقدم العبادُ وهو رَاجِع إلى ورا.

 

يا عبدَ اللهِ: تُبْ من نوبك على عَجَل، وكُنْ مِنْ تفريطِكَ على وَجَل، وأقلِعْ عَنْ آثامِكَ قبلَ حلولِ الأجلِ، فإنَّ اللهَ يتوبُ على التائبينَ، ويغفِرُ زلاتِ الآيبينَ.

 

أقول ما تسمعونَ وأستغفِر اللهَ فاستغفِروه، ويا فوز المستغفرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله آوى مَنْ إلى لُطفه أوى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامه مَنْ يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، مَنِ اتّبَعَهُ كان على الْهُدَى، ومَنْ عصاهُ كان في الغواية والرَّدَى، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى، وسلامًا يَترَى.

 

أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

 

يا عبدَ اللهِ: هذه العشر الزاهيات الزاكيات قد بدت، هذه ليلة القدر المبجَّلة المجلَّلة المخَّمة قد دَنَتْ، فاجهَدْ جُهدَكَ، وجافِ عن النومِ جَنبَكَ، ووجِّهْ إلى الله -تعالى- وجهَكَ وقلبَكَ، وابلُغْ غايتَكَ، وابذُلْ طاقتَكَ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها"(أخرجه مسلم)، وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلَتِ العشرُ شدَّ مئزرَه، وأحيا ليلَه، وأيقَظ أهله"(مُتفَق عليه).

 

فقوموا في هذه الأسحار، على أقدام الانكسار، وأكثِروا الاعتذارَ والاستغفارَ، فربُّكم يحب أن يرى عبدَه بينَ يديه منكسرًا، وإليه مفتقرًا، ومن ذنوبه معتذرًا، فأظهِروا الاستكانةَ والتذللَ بينَ يديه، والفاقةَ والمسكنةَ إليه، وارْجُوا فضلَه ورحمتَه، بأقوالكم وأفعالكم، فمَنْ أصابَتْه رحمةُ ربِّه وسيدِه ومولاه، نالَ السعادةَ العاجلةَ والآجلةَ.

 

اللهُمَّ أَيقِظْنا من الغفلاتِ، وارزُقْنا الفوزَ في شهر الرحمات.

 

وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيع الورى طُرًّا، فمَنْ صلى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، ذوي الشرف الجلي والقدر العلي، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدينِ، واحفظ بلادنا، وبلاد المسلمين من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرِنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهده وسائر ولاة المسلمين لِمَا فيه عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمينَ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَمْ موتانا يا ربَّ العالمينَ، اللهُمَّ تقبل طاعاتنا وزكها، وارفع درجاتنا وأعلها، وتقبل صيامنا وقيامنا، ووفقنا لقيام ليلة القدر، وأجزل لنا المثوبة والأجر، وامح لنا الخطأ والزلل والوزر.

 

اللهمَّ اجعل دعاءنا مسموعًا، ونداءنا مرفوعًا، يا كريم يا عظيم يا رحيم.

 

 

المرفقات

الجد والاجتهاد في خير الأوقات.doc

الجد والاجتهاد في خير الأوقات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات