الثقة بالله

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-06-16 - 1444/11/27 2023-07-25 - 1445/01/07
عناصر الخطبة
1/مكانة الثقة بالله تعالى 2/معنى الثقة بالله 3/أمثلة على ثقة الأنبياء والرسل بالله تعالى 4/أمثلة على ثقة الصحابة وغرس النبي صلى الله عليه وسلم لها في قلوبهم.

اقتباس

1/مكانة الثقة بالله تعالى 2/معنى الثقة بالله 3/أمثلة على ثقة الأنبياء والرسل بالله تعالى 4/أمثلة على ثقة الصحابة وغرس النبي صلى الله عليه وسلم لها في قلوبهم.

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: عِبَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ هِيَ حِصْنُ السَّابِقِينَ، وَمُسْتَرَاحُ الْعَابِدِينَ، وَهِيَ مَزِيجٌ مِنْ قَوْلِ الْقَلْبِ وَعَمَلِهِ، وَلَهَا عَلَاقَةٌ بِأَقْوَالِ وَأَعْمَالِ الْقَلْبِ الْأُخْرَى؛ فَهِيَ ثَمَرَةُ الْعِلْمِ بِاللهِ، وَمِنْ ثِمَارِهَا: حُسْنُ الظَّنِّ، وَالتَّوَكُّلِ، وَبَرْدُهَا بِالْيَقِينِ؛ إِنَّهَا الثِّقَةُ بِاللهِ -تَعَالَى-، وَبِصِدْقِ وَعْدِهِ وَلِقَائِهِ.

 

وَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ تَصْدِيقًا خَاصًّا وَإِقْرَارًا؛ فَالثِّقَةُ بِاللهِ هِيَ أَصْلُهُ وَصُلْبُهُ؛ فَعَلَى أَسَاسِهَا يَقُومُ بُنْيَانُهُ، وَكُلُّ آيَةِ إِيمَانٍ مَهْمَا تَصَرَّفَتْ فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلثِّقَةِ بِاللهِ -سُبْحَانَهُ-.

 

وَمَعْنَى الثِّقَةِ بِاللهِ هُوَ: الْيَقِينُ الثَّابِتُ بِكَمَالِ اللهِ، بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، وَبِصِدْقِ وَعْدِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ هَذَا الْيَقِينُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ؛ فَلَا تَسَلْ عَنْ كَبِيرِ الثِّقَةِ وَتَمَامِهَا فِي هَذَا الْقَلْبِ الْمُؤْمِنِ الْوَاثِقِ بِرَبِّهِ -سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ-.

 

وَالثِّقَةُ بِاللهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، مَنْ تَصْمُدُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ فِي حَاجَاتِهَا؛ الَّذِي لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، وَالْغَنِيُّ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ، بِيَدِهِ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، الْمَالِكُ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، الْمُدَبِّرُ الْمُتَصَرِّفُ فِي كُلِّ خَلْقِهِ وَكَوْنِهِ؛ فَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ؛ (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الحشر: 23- 24].

 

وَمَنْ تَدَبَّرَ قَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَجَدَ أَنَّ عُنْوَانَ الثِّقَةِ بِاللهِ وَبِوَعْدِهِ مَوْجُودٌ بِاضْطِرَادٍ فِي تَضَاعِيفِ أَحْدَاثِ الْقَصَصِ، وَلَوْ تَأَمَّلْتَ الْخَيْطَ الْجَامِعَ لِقَصَصِ الصَّالِحِينَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَمَنْ دُونَهُمْ لَرَأَيْتَ أَنَّ الَّذِي يَنْتَظِمُ ذَلِكَ هُوَ الثِّقَةُ بِوَعْدِ اللهِ وَلِقَائِهِ:

فَآدَمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَابَ مِنْ فَوْرِهِ؛ لِثِقَتِهِ بِرَبِّهِ وَعَظِيمِ حُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ، وَكَبِيرِ خَشْيَتِهِ مِنْهُ، وَجَلِيلِ حَيَائِهِ مِنْهُ؛ فَقَالَ كَلِمَاتِهِ الَّتِي تَلَقَّاهَا مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23].

 

وَخَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ شُعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ لِقَوْمِهِ بَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، وَاتَّهَمُوهُ بِالسِّحْرِ، وَتَحَدَّوْهُ أَنْ يُسْقِطَ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ إِنْ كَانَ صَادِقًا، وَوَصَمُوهُ بِالضَّعْفِ، وَتَهَدَّدُوهُ بِالرَّجْمِ وَغَيْرِهِ؛ فَقَالَ -وَقَدْ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ ثِقَةً وَيَقِينًا-: (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الشعراء:188]؛ فَكَانَ عَذَابُهُمْ أَسْرَعَ وَأَشَدَّ مِمَّا تَصَوَّرُوهُ: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[الشعراء:189].

 

وَقَوْلُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ رَبُّهُ، حِينَمَا خَرَجَ بِقَوْمِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجَيْشِهِ اللَّجِبِ الْكَثِيفِ؛ (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)[الشعراء:60]، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء:61-62].

لَقَدْ نَظَرَ أَصْحَابُهُ لِلْحِسَابَاتِ الْمَادِّيَّةِ الْأَرْضِيَّةِ؛ فَالْبَحْرُ أَمَامَهُمْ قَدْ حَجَزَهُمْ لِعَدُوِّهِمُ الْغَاضِبِ الْبَاطِشِ الْحَاذِرِ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَلَكِنْ لِأَنْبِيَاءِ اللهِ -تَعَالَى- كَلِمَةٌ أُخْرَى، وَلِأَرْوَاحِهِمْ مَوْرِدٌ لَا كَمَوَارِدِ الْبَشَرِ، وَلِقُلُوبِهِمْ تَعَلُّقٌ وَثِقَةٌ مُطْلَقَةٌ تَامَّةٌ وَافِيَةٌ بِحِفْظِ اللهِ أَوْلِيَاءَهُ وَنَصْرِهِ دِينَهُ؛ (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة:21]، فَصَرَخَ بِهَا الْكَلِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِيهِمْ: (كَلَّا)[الشعراء:62]، أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَنْتُمْ بِخِذْلَانِ اللهِ لَكُمْ، وَتَحَدَّثْتُمْ بِكَسْرَةِ حَمَلَةِ دِينِ اللهِ وَفَنَائِهِمْ؛ (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء:62].

 

وَتَأَمَّلْ لَحْظَةَ إِلْقَاءِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي النَّارِ وَتَسْلِيمِهِ أَمْرَهُ للهِ -تَعَالَى- ثِقَةً بِهِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ (الْبُخَارِيُّ) فِي صَحِيحِهِ، عَنَ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آل عمران:173]".

 

وَأَمَّا رَسُولُ الْهُدَى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ- فَلَا تَكَادُ تَمُرُّ عَلَى صَفْحَةٍ مِنْ سِيرَتِهِ الْجَلِيلَةِ حَتَّى تَرَى بَرَاهِينَ الثِّقَةِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فِي حَالِهِ وَمَقَالِهِ، قِفْ مَعَ قَوْلِهِ لِصَدِيقِهِ وَصِدِّيقِهِ: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة:40]: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟!"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ؛ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِنْ أَظْهَرْ، فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا (أَيِ: اسْتَرَاحُوا وَأَخَذُوا وَقْتًا كَافِيًا لِاسْتِعْدَادِهِمْ لِلْحَرْبِ)، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ".

 

فَتَأَمَّل -يَا عَبْدَ اللهِ- هَذِهِ الثِّقَةَ بِاللهِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ نَاصِعِ الْأَمْثِلَةِ بِمَكَانٍ، وَانْظُرْ كَيْفَ أَخَذَهَا صَاحِبُهُ الْأَوَّلُ عَنْهُ حِينَمَا أَتَى بِكُلِّ مَالِهِ صَدَقَةً للهِ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟" فَقَالَ: "أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَتَأَمَّلْ حَالَ الصَّحَابَةِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- فِي بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْأَحْزَابِ، وَمُؤْتَةَ، وَحُرُوبِ الرِّدَّةِ، وَثِقَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَمَوْعُودِهِ، وَثَبَاتِهِمُ الْعَظِيمِ فِي تِلْكَ الْمَوَاقِفِ الْمُزَلْزِلَةِ، حَتَّى اسْتَحَقُّوا أَنْ يُخَلَّدَ ذِكْرُ ثَنَائِهِمْ فِي سِفْرِ الْخَالِدِين، قَالَ –تَعَالَى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب:22].

 

وَقَدْ كَانَ إِمَامُ الْوَاثِقِينَ بِرَبِّهِمْ: رَسُولُ الْهُدَى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- يَعْمَلُ عَلَى غَرْسِ الثِّقَةِ فِي قُلُوبِ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا زَلْزَلَتُهُمُ الْخُطُوبُ: وَجَدُوهَا أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهَا؛ فَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

مَعَاشِرَ الْمُوَحِّدِينَ: إِنَّ مَوْرِدَ عَيْشِ أَرْوَاحِ الصَّالِحِينَ فِي كُلِّ زَمَنٍ: الثِّقَةُ بِالْحَافِظِ الْمُدَبِّرِ الْمُتَصَرِّفِ الصَّادِقِ وَعْدَهُ، فَثِقْ بِاللهِ -أَيُّهَا الْمُوَحِّدُ الْحَنِيفُ-، وَأَبْشِرْ بِأَلْطَافِهِ الَّتِي لَا يُحِيطُهَا فِكْرٌ، وَلَا يَقْتَرِبُ مِنْهَا خَيَالٌ!

 

فَيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، امْلَأْ قُلُوبَنَا ثِقَةً بِكَ، وَإِيمَانًا وَبِرًّا وَإِحْسَانًا، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

الثقة بالله.doc

الثقة بالله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات