عناصر الخطبة
1/ الاهتمام بقضايا الشباب 2/ انخفاض نسبة الانحراف بين الشباب المسلم 3/ نماذج للشباب القدوة من التاريخ وسِيَر المرسلين 4/ إحاطة آداب وتعاليم الإسلام الشباب بالرعاية 5/ نماذج لسلوكيات خاطئة للشباب 6/ بعض التذكير للشباب المنحرفاقتباس
وليس يخفى أن عنصر الشباب محل اهتمامٍ عالمي، وهم -كذلك- محلُّ إشكال دولي، ومعدل الجريمة بينهم أكثر من غيرهم، ومن عجبٍ أن الأنظمة البشرية مهما كانت مُقنَّنةً وصارمةً، والتقنيات البشرية مهما تقدمت في أساليب مكافحة الجريمة، فيأبى الله إلا أن تتزايد نسب الجريمة، وترتفع معدلاتها كلما ابتعد البشر عن منهج الله وشريعته؛ ويتراجع المؤشر وتنخفض نسب الجريمة كلما حكم الناس بشرع الله، وصدق الله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ..
أما بعد: فاتقوا الله -معاشر المسلمين- في أنفسكم، ومَن تحت أيديكم احملوهم على طاعة الله، وجنبوهم مواطن الزلل، واستجيبوا لربكم حيث يخاطبكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
أيها المسلمون: وحديثي إليكم اليوم عن الثروة الغالية، عن الطاقة الحيوية المتجددة في الحاضر، وعن ثروة الأمة ومستودعها المذخور في المستقبل عن الشباب ذكراناً وإناثاً.
ولئن كنا قد اعتدنا الحديث عن الشباب في المناسبات، كحلول الإجازات الصيفية مثلاً، فالحديث عن الشباب أشمل من ذلك وأكبر، وينبغي أن يكون متواصلاً يعكس حجم الاهتمام بالشباب والعناية بهم على الدوام.
ولئن اعتاد بعضنا أن يكون حديثهم عن الشباب مقصوراً على اللوم والتقريع لا أكثر، فمن النصف أن يكون الحديث تلمساً لأسباب الداء، واجتهاداً في وصف الدواء.
إن من السهل على أيٍّ منا أن يلوم الشباب ويُجرِّمهم، ويتحدث عن انحرافهم، ولكن التحدي يكمن في مساهمتنا في حلِّ مشكلاتهم، وتقويم ما انحرف من سلوكياتهم، واقتراح البرامج العملية المفيدة لاستثمار أوقاتهم، وتلبية رغباتهم، والاستجابة لطموحاتهم وفق تعاليم الإسلام، ليس ذلك دفاعاً أبلهَ عن الشباب، ولا تجريداً لهم عن المسؤولية الملقاة على عواتقهم، ولا تبريراً لأخطائهم؛ لكنها المسؤولية المشتركة لا بد من بيانها، والتعرف على حقيقة المشكلة، والأطراف المسؤولة عنها، وتلمُّس أفضل طرق العلاج بعيداً عن التلاوم والمنازعة والخصامِ دون إسهام في العلاج.
إخوة الإسلام: وليس يخفى أن عنصر الشباب محل اهتمامٍ عالمي، وهم -كذلك- محلُّ إشكال دولي، ومعدل الجريمة بينهم أكثر من غيرهم، ومن عجبٍ أن الأنظمة البشرية مهما كانت مُقنَّنةً وصارمةً، والتقنيات البشرية مهما تقدمت في أساليب مكافحة الجريمة، فيأبى الله إلا أن تتزايد نسب الجريمة، وترتفع معدلاتها كلما ابتعد البشر عن منهج الله وشريعته، ويتراجع المؤشر وتنخفض نسب الجريمة كلما حكم الناس بشرع الله، وصدق الله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
ليس ذلك تنظيراً؛ بل الواقع يشهد به، ومهما بلغت نسب انحراف الشباب في المجتمعات الإسلامية، فهي لا تبلغ أو تقارب النسب في المجتمعات الكافرة، وهاكم الدليل والمثال: يقول الرئيس الأمريكي جون كندي: إن الشباب في أمريكا آخِذٌ في الانحراف بصورة مزعجة، حتى أصبح لا يصلح للتجنيد منهم إلا شخصٌ واحدٌ من كلِّ سبعة أشخاص؛ وإذا كان ذلك فيما مضى، فلا نسأل عن جرائم الشباب وانحرافهم في تلك البلاد حاضراً!.
عباد الله: وكيف لا تنخفض معدلات الجريمة في البلاد المسلمة، وشريعة الله عبر رسالات الرسل تهتم بالشباب، وتلفت الأنظار إليهم، وشباب المسلمين يجدون في كتاب الله نماذج للشباب القدوة، فإبراهيم -عليه السلام-، فتى الفتيان، كان أمةً لله في طاعته وعبوديته لله، وكان أمةً في تحطيم الأصنام ودعوة قومه إلى عبادة الواحد الديان.
ويوسف -عليه السلام- نموذجٌ رفيعٌ للشباب المتعفف عن الرذيلة رغم قوة الداعي، وصنوف الإغراء: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون) [يوسف:23].
وأهل الكهف فتية آمنوا بربهم، واعتزلوا قومهم ولم يشاركوهم تخبطهم وانحرافهم: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) [الكهف:13-15].
وفي وصايا لقمان لابنه وهو يعظه ما يؤكد عناية القرآن بتوجيه الشباب، وما أعظمها من وصايا لو عقلها وعمل بها الشباب!.
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]، (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 16-19].
معاشر الشباب: وعناية الإسلام بكم تبدأ قبل وجودكم، والزواج يؤمر بحسن اختيار الزوجة الصالحة: "فاظفر بذات الدين؛ تربت يداك". وفي الحديث الآخر: "تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم".
وتستمر العناية بعد وجودكم، فأول ما ينبغي أن يقرَّ في آذانكم ذكر الله وتوحيده، والشهادتان، إذ من السنة أن يؤذن المولود ويقام في الأخرى.
وتظل آداب الإسلام تحوطكم وترعاكم أطفالاً وبالغين، وفي آداب الاستئذان نموذج لهذه الرعاية والتربية: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور:59]. حتى لا يطلع الشباب على علاقات آبائهم الخاصة فينشغلوا بها قبل أوانها.
ومع كلِّ ألوان التربية وأساليبها، واختلاف مراحلها، يثني الله على الآباء الذين يواصلون التربية بالدعاء للذرية، ويذكر من صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان:74].
وليس ذلك فحسب؛ بل تشهد سنّة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسيرته العملية اهتماماً واضحاً بالشباب، وهل كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا شباباً أحداثاً؟ وسأعرض لنموذجٍ واحدٍ فقط يؤكد مدى العناية بالشباب، علماً، وعملاً، ودعوةً، واحتساباً، وتضحيةً وجهاداً.
ففي قصة السبعين الذين استشهدوا ببئر معونة خيرُ مثال على تكامل التربية وشمولها لشباب الإسلام، وفي قصتهم أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رعلاً وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عدوٍّ، فأمدهم بسبعين من الأنصار، كنا نسميهم (القُرَّاء) في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار ويصلُّون بالليل حتى كانوا ببئر معونة، قتلوهم وغدروا بهم...
وفي صحيح مسلم عن أنس -أيضاً- قال: جاء ناسٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا أَن ابعث معنا رجالاً يُعلّمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار قال لهم القراء... يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل، يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء...
وفي مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك -كذلك- قال: كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً يقال لهم القراء، يكونون في المسجد، فإذا أمسوا انتحوا ناحية من المدينة فيتدارسون ويصلون، يحسبهم أهلوهم في المسجد، ويحسبهم أهل المسجد في أهلهم، حتى إذا كان في وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا من الحطب فجاءوا به فأسندوه إلى حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن مجموع هذه الروايات نستخلص من الأمور التالية: أن هؤلاء السبعين من الشباب، كانت لهم همَّةٌ في قراءة القرآن ومدارسته، وتعلّم العلم والاجتماع عليه، حتى عرفوا بالقراء، ويظهر حرصهم على أوقاتهم، فهم يكونون في المسجد لشهود الصلاة مع المسلمين، فإذا أمسوا انتحوا ناحية من المدينة للمدارسة والصلاة؛ حتى يحسبهم أهلوهم في المسجد، ويحسبهم أهل المسجد في أهليهم، وما أحلى الاجتماع إذا كان على طاعة الله! (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزمخرف:67].
ومع همتهم في تلاوة القرآن ومدارسة العلم، والمحافظة على الصلوات -فرضها ونقلها- وإذا كان لهم نصيبهم في صلاة الليل فلا تسأل عن صلاتهم بالنهار! أقول: مع هذه الهمة في العبادة فلهم همّة بالعمل، فلم يكونوا عالةً على أهليهم أو على المجتمع من حولهم بل كانوا يحتطبون ويبيعون. بل تجاوز نفعهم للآخرين إذ كانوا يشترون الطعام للفقراء، ويوفرون الماء للمحتاجين من المسلمين.
ولم يُقعدهم ذلك كلَّه عن الجهاد في سبيل الله، والدعوة لدينه، ولم يستكثروا أي شيءٍ يقدمونه لهذا الدين...
أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد تأثر لمصابهم، وما وجِد على أحدٍ ما وجد عليهم (أصحاب بئر معونة) كما قال أنس.
وهاك نماذج لمواقفهم وعناية الله بهم، هي وربي قمم في الإيمان، وهي صالحةٌ للاعتبار في أوساط الشيوخ والشبان.
فهذا حرامُ بن ملحان -خال أنس رضي الله عنه- حينما أتاه رجلٌ من خلفه فطعنه برمحٍ حتى أنفذه، قال بالدم هكذا، ونضحه على وجهه ثم قال: فزت ورب الكعبة.
وهذا عامر بن فهيرة -رضي الله عنه- قال عنه أحد الكفار حين قتل: لقد رأيته بعدما قتل رُفع إلى السماء! حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع!.
وقد ذكر الواقدي وابن المبارك: أن الملائكة وارَتْه ولم يره المشركون، قال ابن حجر: وفي ذلك تعظيم لعامر بن فهيرة، وترهيب للكفار وتخويف.
أما قائدهم، كما في رواية ابن إسحاق، المنذر بن عمرو الخزرجي، فكان يلقب المُعْنِق ليموت. وإنما لقب بذلك لأنه أسرع إلى الشهادة.
ولا ينتهي عجبك من هؤلاء جميعاً حين تعلم أنهم سألوا الله أن يبلغ نبيه رسالتهم إليه وفيها: اللَّهُمَّ بَلِّغ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَد لَقِيْنَاكَ فَرَضِينَا عَنكَ وَرَضِيتَ عَنَّا. وقد بلغت، وكانت قرآنا فنسخ.
كذلكَ أخْرَجَ الإسلامُ قومي *** شباباً مـخلصاً حُـرَّاً أمينـا
شبابٌ ذلَّلوا سُبُلَ المعـالـي *** وما عرَفُوا سِوى الإسلامِ دينا
تعهَّـدَهـم فأنبتهم نباتـاً *** كريماً طالَ في الدنيا غصوناً
اللهم ألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت:30-32].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان من نطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يهدي مَن يشاء ويضل من يشاء، ومَن يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أخبر أن ربك يعجب من شاب ليس له صبوة، وأن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: شابٌ نشأ في طاعة الله.
اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.
فبين يدي الحديث عن انحرافات الشباب، أو نماذج سلوكياتهم الخاطئة لا بد من القول أن هناك العديد من الشباب في هذه البلاد -حرسها الله- وفقهم الله لالتزام الطريق المستقيم، فعرفوا حقَّ الله عليهم، وأدركوا قيمة الوقت في حياتهم، واعترفوا بالشكر لكل من أسدى إليهم معروفاً، فحياتهم سعيدة، وقلوبهم مطمئنة، ونسأل الله أن يثبتنا وإياهم والمسلمين على الحقِّ حتى الممات.
وثمة طائفة أخرى بدأت تفيق من سبات نومها، وتتلمس الطريق المنقذ لها والآمن في حياتها، وتلك أدركت، بعد لأيٍ، ألَّا سعادةَ في الحياة الدنيا بعيداً عن هدى الله، ولا نجاة من عذاب الله إلا بسلوك صراط الله المستقيم. وتلك نسأل الله أن يبلغها مأمولها، وأن يسدد في طريق الخير خطاها.
أما الفئة الثالثة فهي التي لا تزال واقعةً تحت تأثير طيش الشباب وغروره، لا تكاد تبلغها الدعوة، وإنْ سمعتها فكأنما على مضض تسمع، وربما خيل لها أن المخاطب بالحديث غيرها.
هذه الفئة يؤنبها الضمير حيناً فتفكر في الإقلاع عما هي فيه من بؤس وشقاء، ولكن سرعان ما يغلبها الهوى وترتكس في حمأة الخطيئة، وتخادع نفسها بتنفس أجواء الحرية المزعومة، وتظن أنها تتقلب في نعيم الشهوة ولو ساعة، ثم تتكشف لها الحقائق بعد حين فإذا بها أسيرةٌ لعبودية الشهوة، وتظل تتجرع مرارة المعصية أياماً طويلة، وربما لم تفق إلا على سياط الجلادين، وضمن مجموعة المساجين، أو هكذا يُذلُّ الإنسان نفسه ويرضى بالعبودية والأسر، بعد الحرية والعافية.
أيها الشباب: ومن الجهل ألا تكتشف المشكلة إلا إذا وقعت الواقعة وانتشرت الفضيحة، وينبغي أن تعلم أنك وإن ستر الله عليك في هذه الحياة، فسيفضحك -إنْ لم تتب- على رؤوس الأشهاد بعد الممات.
ولا بد أن تدرك أن السجن ليس مقصوراً على السجن الحسي المعروف، فثمةَ نوعٌ من السجن لا شك أنك تحس به أكثر من غيرك، إنه سجن الشهوة، وألم المعصية، وأسر الهوى، فالمحبوس حقاً مَن حُبس عن خالقه فلا يتلذذ له بعبودية، ولا ينعم له بمناجاة، والمأسورُ مَن أسره هواه، فهُو يقوده إلى كلِّ هاوية ويقعد به عن أخلاق الإسلام العالية.
أيها الشباب المصرُّ على السفاهة والغرور، وفي ظل تشخيصي لمشكلتك؛ كأني أراك غالِبَ وقتِك مهموماً مغموماً قلِقاً حائراً تضيق بك الدنيا على سعتها، وتكره الناس وهم يحبونك، ويظل الشيطان يلقي في روعك من الوسواس والأوهام ما ليس له في الواقع حقيقة ولا مقام.
أراك تتهرب من رؤية الوالدين، وتخاف كثيراً من المتدينين، وتأنس بالقرب من العابثين، ويطيب لك حديث البطالين، تنام عن الصلوات، وتتساهل بالواجبات، وتكثر من السفر للخارج، وتبالغ في الرحلات.
وكم نظرت إليك بأسى ورحمة وأنت تتسكع في الشوارع وتتخذ لك من الطرقات مجلساً، ومن الخطوط الدائرية مربعاً تقضي بها الساعات الطوال! لا أنت في شغلٍ من الدنيا فتحمد، ولا أنت في عمل للآخرة فتُغبط، تؤذي هذا، وتزعج ذاك، وتعتدي على حرمات ثالث، ثم تعود في الهزيع الأخير من الليل وقد حملت نفسك من الأوزار ما تنوء به.
وربما رجعت وأنت على خلاف وبغض مع أقرب الأصحاب إليك، فإذا البيت الملتزم والصابر على لأوائك وسفهك ينتظرك بالكلمات الغاضبة نصحاً لك وشفقة عليك. وربما أصابتك دعوة من أحد والديك.. وافقت ساعة استجابة فكانت سبباً لشقوتك إلى يوم الدين، وهل تلوم الوالدين إذا فعلا معك المستحيل ثم لم يبق لهما من سلاح إلا الدعاء؟ فاظفر منهما بالدعاء الجميل قبل أن يسخطا عليك ويرسلا عليك سياط العذاب عبر الدعاء. ودعاء الوالدين لا حجاب بينه وبين السماء!.
أيها الشاب والشابة: وكم هو مؤلم لكما وللأمة من ورائكما أن تضيعا أوقاتكما في مشاهدة الأفلام الغازية، والمسلسلات الهابطة، وتُديما النظر في الصور الخليعة، وتتخذا من المجلات الهابطة وسيلة لتزجية الفراغ، وتتيحا لأسماعكما سماع الخنا والغناء والقول الساقط وكلام الزور.
ويتعاظم الخطب إن بلغت بك هذه الوسائل المنحرفة مبلغها، فأَرْدَتْك صريع الشهوة، فتجاسرت على حدود الله، واستحللت ما حرم الله من الزنا واللواط، وانتهكت محارم الآخرين، وأنت لا ترضى ذلك لأمك وأختك، ولا ترضينه لأبيك وأخيك إن كان بكما غيرة وشهامة، وكذلك أظنكما!.
فإن تطور الأمر إلى تعاطي المخدرات وشرب المسكرات فتلك الطامة الكبرى، وتلك المأساة التي يراهن عليها الأعداء، وليس على لبيبٍ جرمُ أمِّ الخبائث يخفَى!.
يا أخا الإسلام: وفي ظلِّ حرب العقائد المعلنة، وصراع الحضارات الحقيقية والمصطنعة، فمن العار عليك أيها الشاب أن تخذل أمتك بتقليد أعدائك في هيأتك أو ملبسك، أو طريق تفكيرك، أو أسلوب حياتك، أو التشكك في معتقدك الحق.
ومن خوارم المروءة أن تتشبه بالنساء، وأن يكون قدوتك سواقط الفنانين والفنانات، ومثلك يأبى أن يستنوق الجمل!.
ومن العار -أختي الشابة- أن تطيري مع كلِّ موضة، وأن تُغرمي بالتقليد لكل ناعق وناعقة، وفي عصر عودة الحجاب إياك أن تنخدعي بدعايات السفور، أو أن تسمعي للمنافقات المستهترات بالحجاب!.
وفي زمنٍ أفلست فيه تجربة الاختلاط، وعادت مجالس الأمة تصوت بأغلبية ساحقة على قرار منع الاختلاط في التعليم، فإياك أن تسمعي للأصوات المخدوعة التي تطرح بوضوح أو بأسلوب ملفوف الحاجة للاختلاط، ولو في الصفوف الدنيا من التعليم، فإذا ابتدأ المرض في أسفل الجسم أو في طرفٍ منه، لحق بأعلاه وشمله كله، والوقاية خيرٌ العلاج، والبداية من حيث انتهى الآخرون دليل العقل والحكمة، والدخول في النفق المظلم بالمحاكاة نوع من الجهل والتبعية والرغبة في محاكاة الآخرين لا أكثر.
وفي الختام؛ عذراً أيها الشباب ذكراناً وإناثاً إن لم أستطع التشخيص لكلِّ أدوائكم، أو قصّرت في تشخيص حلِّ مشكلاتكم، فلست محاكماً هدفي تتبع عوراتكم، ولا مشهِّراً أبغي الوقوف على كلِّ سقطاتكم، وإنما أنا لكم ناصحٌ وعليكم مشفق، واللبيب بالإشارة يفهم، ومن تذكر فإنما يتذكر لنفسه، ومن ضلَّ فإنما يضل عليها.
فإن قلتم: وما بالك شخصت الداء أو بعضه ولم تبيِّن شيئاً من أسبابه وطرق علاجه؟! وما القنوات المسؤولة عن استصلاح الشباب؟ وهل ترى المشكلة ستبدأ وتنتهي بنا أم هناك من سيتحمّل جزءاً من مسؤولياتنا؟ أجبتكم أن ذلك -لأهميته- يحتاج مني لحديثٍ خاص، أرجو من الله العون عليه في الجمعة القادمة بإذن الله.
سددكم الله ورعاكم، وهدانا وإياكم للحقِّ، وجنَّبَنا الشرور ومزالق الردى...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم