الثبات في زمن الشبهات والشهوات

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-02-26 - 1442/07/14 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الثبات وأهميته وحاجتنا إليه. 2/مظاهر الافتتان بالشهوات والشبهات. 3/وسائل الثبات والوقاية من الزيغ والزلل. 4/صور للثابتين في فتن الشهوات والشبهات.

اقتباس

اثْبُتُوا كَمَا ثَبَتَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ حِينَ أَوْقَدُوا لَهُمْ نَارًا وَأَلْقَوْهُمْ فِيهَا مَا صَدَّهُمْ ذَلِكَ عَنْ إِيمَانِهِمْ... اثْبُتُوا كَمَا ثَبَتَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حِينَ ضَرَبُوهُ بِالسِّيَاطِ عَلَى ظَهْرِهِ لِيُجِيبَهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَثَبَتَ ثَبَاتَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ أَنَّ يَمْتَحِنَ النَّاسَ فِي دُنْيَاهُمْ وَيَخْتَبِرَهُمْ، فَرَصَدَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ أَصْنَافَ الشَّهَوَاتِ وَزَيَّنَهَا لِلنَّاسِ، وَأَطْلَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ...)[آلِ عِمْرَانَ: 14]، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِشَهَوَاتِهِ جَرَّتْهُ -لَا مَحَالَةَ- لِفِتَنِ الشُّبُهَاتِ... وَلَقَدْ طَلَبَ -تَعَالَى- مِنَّا الثَّبَاتَ فِي وَجْه الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَجَنَّبُهَا فَهُوَ الْمُوَفَّقُ السَّعِيدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَارِيهَا فَتَتَلَاعَبُ بِهِ فَهُوَ الشَّقِيُّ الْمَخْذُولُ.

 

فَالثَّبَاتَ الثَّبَاتَ -عِبَادَ اللَّهِ- تَنْجُوا وَتَسْعَدُوا، وَالثَّبَاتُ كَمَا قَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ: هُوَ الدَّوَامُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْهِدَايَةِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ دُونَ مَيْلٍ أَوِ انْحِرَافٍ أَوْ عِوَجٍ، وَالصَّبْرُ عَلَى عَقَبَاتِهِ...

 

وَنَحْنُ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَحْرِ الْهَائِجِ الَّذِي تَتَلَاطَمُ فِيهِ الشَّهَوَاتُ وَالشُّبُهَاتُ؛ تَأْتِي الشَّهْوَةُ فَتَطْوِي الْمَرْءَ فِي طَيَّاتِهَا وَمَا تَزَالُ تَتَقَاذَفُهُ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَى شُبْهَةٍ تُهْلِكُهُ، وَكَأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرَى زَمَانَنَا حِينَ قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَالشَّهْوَةُ طَرِيقُ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ رَغْبَةٌ شَدِيدَةٌ إِلَى شَيْءٍ مَا، تُلِحُّ عَلَى الْإِنْسَانِ لِإِشْبَاعِهَا غَيْرَ عَابِئَةٍ حُدُودَ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، كَشَهْوَةِ الْمَالِ وَالطَّعَامِ وَالْفَرْجِ وَشَهْوَةِ الشُّهْرَةِ وَحُبِّ الظُّهُورِ، وَيُوَضِّحُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطُورَةَ الشَّهَوَاتِ وَصَدَّهَا عَنِ الْجَنَّةِ وَتَقْرِيبَهَا صَاحِبَهَا مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: "حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

أَمَّا الشُّبْهَةُ فَهِيَ فِتْنَةٌ تَطْرَأُ عَلَى الْقَلْبِ فَتُثِيرُ فِيهِ الشَّكَّ وَالرِّيبَةَ فِي صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ الْوَحْيُ فَيَتَرَدَّدُ فِي قَبُولِهِ وَالْإِذْعَانِ لَهُ، وَقَدْ تَأْتِي الشُّبْهَةُ وَيُقْصَدُ بِهَا أَمْرٌ يَدُورُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَلَيْسَ مِنْ نَجَاةٍ وَلَا مَهْرَبٍ مِنْ كِلَيْهِمَا إِلَّا بِالتَّمَسُّكِ بِدِينِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ حَتَّى الْمَمَاتِ، فَلَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 74]، فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسُهُ فِي حَاجَةٍ إِلَى الثَّبَاتِ وَالتَّثْبِيتِ، فَمَا بَالُكَ بِنَا وَنَحْنُ الْمُذْنِبُونَ الْخَطَّاؤُونَ؟!

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: كَمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ صَالِحِينَ غَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ بِغُرُورِهَا وَخَدَعَتْهُمْ بِزُخْرُفِهَا فَمَرَّتْ أَيَّامُهُمْ وَخَرَجُوا مِنْهَا صِفْرَ الْيَدَيْنِ إِلَّا مِنْ أَوْهَامِهَا، وَلَقَدْ حَكَى الْقُرْآنُ عَنْ قَوْمٍ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُصَلُّونَ، لَكِنَّهُمُ انْتَكَسُوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ بِسَبَبِ اتِّبَاعِهِمْ لِشَهَوَاتِهِمْ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مَرْيَمَ: 59]... وَقَصَّ عَلَيْنَا قِصَّةَ "بِلْعَامَ بْنِ بَاعِرٍ" الَّذِي خَصَّهُ اللَّهُ وَحَبَاهُ، ثُمَّ سَقَطَ فِي وَحْلِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ حَتَّى أَرْدَتْهُ وَأَهْلَكَتْهُ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ)[الْأَعْرَافِ: 175].

 

وَحَذَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ آخَرَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْتَكَسَ فِي شُبَهَاتِهِ حَتَّى صَارَ سَهْمًا فِي نَحْرِ الْمُسْلِمِينَ، قَائِلًا: "إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ).

 

وَلَقَدْ ظَنَّ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا رَأَى الشَّهَوَاتِ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ سَيَدْخُلُونَ النَّارَ بِسَبَبِهَا؛ فَقَدْ دَعَا اللَّهُ -تَعَالَى- جِبْرِيلَ "ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَمَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ يَسْمَعُ بِهَا، فَحُجِبَتْ بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: عُدْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا"(رَوَاهُ أَحْمَدُ)... فَمَا أَخْطَرَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ!

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنْ سَأَلْتُمْ: وَكَيْفَ النَّجَاةُ؟ قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أَنْ جَعَلَ لَنَا وَسَائِلَ تُعِينُنَا عَلَى الثَّبَاتِ، وَمِنْهَا: الِاسْتِجَابَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَالِانْتِفَاعُ بِمَوَاعِظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)[النِّسَاءِ: 66]، فَالطَّاعَةُ مِنْ وَسَائِلِ الثَّبَاتِ، كَمَا أَنَّ الْمَعْصِيَةَ مِنْ أَسْبَابِ الزَّلَلِ: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 155].

 

وَمِنْهَا: تَجَنُّبُ الْفِتَنِ وَالْبُعْدُ عَنْهَا: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحُذَيْفَةَ عَنْ زَمَانِ الْفِتَنِ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَذَلِكَ أَسْلَمُ مِنَ التَّعَرُّضِ لَهَا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرُهُ: وَهَذَا مِنْ أَنْجَعِ وَسَائِلِ الثَّبَاتِ: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)[فُصِّلَتْ: 44]، وَقَالَ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)[الْفُرْقَانِ: 32]، فَلَيْسَ كَمِثْلِ كَلَامِ اللَّه مُثَبِّتًا عَلَى الطَّرِيقِ: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا)[النَّحْلِ: 102].

 

وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ: فَلَقَدْ كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ رَبَّهُ الثَّبَاتَ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَكَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)... وَنَحْنُ أَحْوَجُ لِذَلِكَ.

 

وَمِنْهَا: صُحْبَةُ الصَّالِحِينَ الثَّابِتِينَ: فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَمَنْ صَحِبَ الثَّابِتِينَ ثَبَتَ، وَمَنْ صَاحَبَ الْمُذَبْذَبِينَ انْتَكَسَ وَارْتَكَسَ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: فَلْتَثْبُتُوا عَلَى دِينِ اللَّهِ حَتَّى تَلْقَوْهُ، اثْبُتُوا وَلَوْ كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ جَمِيعًا ضِدَّكُمْ، اثْبُتُوا مَهْمَا كَانَتِ الْمُغْرِيَاتُ وَالتَّحَدِّيَاتُ...

 

اثْبُتُوا كَمَا ثَبَتَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ حِينَ أَوْقَدُوا لَهُمْ نَارًا وَأَلْقَوْهُمْ فِيهَا مَا صَدَّهُمْ ذَلِكَ عَنْ إِيمَانِهِمْ، فَخَلَّدَ الْقُرْآنُ ذِكْرَهُمْ: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ)[الْبُرُوجِ: 4-5].

 

اثْبُتُوا كَمَا ثَبَتَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حِينَ ضَرَبُوهُ بِالسِّيَاطِ عَلَى ظَهْرِهِ لِيُجِيبَهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَثَبَتَ ثَبَاتَ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ، وَلَفَظَهُمْ.

 

وَاثْبُتُوا فِي وَجْهِ الشَّهَوَاتِ كَمَا ثَبَتَ نَبِيُّ اللَّهِ يُوسُفُ إِذْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: (هَيْتَ لَكَ)، فَأَجَابَهَا: (مَعَاذَ اللَّهِ)[يُوسُفَ: 23].

 

بَلِ اثْبُتُوا كَمَا ثَبَتَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَغْرَوْهُ بِالْمَالِ وَالْجَاه وَالْمُلْكِ... فَقَالَ لَهُمْ: "وَاللَّهِ مَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ مَا بُعِثْتُ بِهِ مِنْ أَنْ يَشْتَعِلَ أَحَدُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ).

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذَكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

الثبات في زمن الشبهات والشهوات.doc

خطبة الثبات منسقة.docx

خطبة الثبات منسقة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات