الثبات على الدين وأسبابه

عبد العزيز بن داود الفايز

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ نعمة الثبات على الدين 2/ وسائل معينة على الثبات على دين الله

اقتباس

إن الثبات على الدين من أعظم النعم، منحة ربانية يكرم الله -جل وعلا- بها بعض عباده، فيستقيمون على طاعته، ويعبدون الله على بصيرة، وهذا هو منهج الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

عباد الله: إن الثبات على الدين من أعظم النعم، منحة ربانية يكرم الله -جل وعلا- بها بعض عباده، فيستقيمون على طاعته، ويعبدون الله -جل وعلا- على بصيرة، وهذا هو منهج الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30]، وقال سبحانه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) [هود: 112].

 

فالثبات -يا عباد الله- على طاعة الله في زمن المتغيرات، في زمن الفتن، في زمن الصوارف عن الطاعات، في كثرة الملهيات والمغريات، في الافتتان بالدنيا وبحسنها وبجمالها؛ من أعظم نعم الله، وممن يساعد العبد -يا عباد الله- على ذلك أمور، منها:

 

أولا: الإيمان بالله -جل وعلا-، والعمل الصالح، قال الله -جل وعلا-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27].

 

ومن ذلك: الإقبال على كتاب الله تدبرا وفهما وحفظا: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) [الفرقان: 32].

 

فالقرآن -يا عباد الله- يزرع الإيمان في القلوب، ويربط الخالق بالمخلوق.

 

القرآن فيه وعد ووعيد، القرآن فيه توحيد وإفراد لله -جل وعلا-، القرآن -يا أمة القرآن- فيه الحلال والحرام، فيه الدلالة على رب العالمين، فيه الدلالة إلى الصراط المستقيم، فيه الدلالة لجنة عرضها السموات والأرض، فيه قصص الأنبياء والمرسلين: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود: 120].

 

فيقرأ المسلم قصص الأنبياء ومن استجابوا لله -جل في علاه-، واستجابوا لرسله، كيف كانت لهم النجاة في الدنيا والفلاح في الآخرة؟ وكيف كانت نهاية من أعرض عن الله وعن طاعة الله -جل وعلا-؟

 

ومما يساعد -يا عباد الله- على الثبات على دين الله: الدعاء: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران: 8].

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي حديث أم سلمة، وحديث عائشة، وحديث أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من قول: "يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك".

 

عبد الله، أيها المؤمن: أكثِر من قول: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك.

 

أكثِر قول: اللهم أحسن خاتمتي.

 

أكثر من قول: اللهم اجعلني ممن يطول عمره ويحسن عمله، ولا تجعلني ممن يطول عمره ويسوء عمله، أكثر من هذه الدعوات، واسأل الله -جل وعلا- الثبات حتى تلقاه.

 

وممن يعين -يا عباد الله- على الثبات على دين الله -جل وعلا-: كثرة ذكر الله، قال الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب: 41 - 43]، وقال الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45].

 

فمن أسباب الثبات -يا عباد الله- على طاعة الله وعلى ملاقاة أعداء الله: أن يكثر المسلم من ذكر الله -جل في علاه-، والله يقول: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

 

ومما يساعد -يا عباد الله- على الثبات على دين الله: الرفقة الصالحة، قال الله -جل وعلا-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28].

 

وفي قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا عندما سأل العالم، قال: اخرج إلى البلد الفلاني، فإن فيه أناس يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى بلدك كما في صحيح البخاري فإنه بلد سوء.

 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

 

فعليك -يا عبد الله- أن تعنى بجليسك فإنه يساعدك على طاعة الله وعلى الثبات على دين الله حتى تلقى الله -جل وعلا-.

 

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا رب العالمين.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدا يليق بجلال الله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: 102] واسألوا الله الثبات على دينه حتى تلقوه جل في علاه.

 

ومما يساعد -يا عباد الله- على الثبات على دين الله: أن ينصر المسلم دين الله -جل وعلا-، قال الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد: 7].

 

ينصر المسلم دين الله -جل وعلا- بالدعوة إلى الله -جل وعلا-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف: 108].

 

وينصر المسلم دين الله بنشر دين الله، وبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر، وبالذب عن الحق، والدفاع عن الحق، والذود عن الحق ونصرة أهل الحق، كل هذا من نصرة دين الله -جل في علاه-.

 

ومما يساعد -يا عباد الله- على الثبات على دين الله: ترك الذنوب والمعاصي؛ لأن الذنوب -يا عباد الله- شؤم على صاحبها وشؤم على المجتمع كله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا أذنب العبد ذنبا نُكت في قلبه نقطة سوداء، فإن تاب نها صُقل القلب، وإن عاد نُكت في قلبه نكتة أخرى حتى يسود القلب".

 

فالمعاصي شؤم على القلب، شؤم على الإنسان تحُول بين نور القرآن، نعم إنها تحُول بين النور الذي بكتاب الله -جل وعلا- وبسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أن يصل إلى هذا القلب الذي علاه الران: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14].

 

ومما يساعد -يا عباد الله- على الثبات على دين الله: البعد عن الظلم بأشكاله وأصنافه، قال الله -جل وعلا-: (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27].

 

فيحذر المسلم أن يظلم نفسه بمعاصي الله، ويظلم عباد الله -جل وعلا- كأن يظلم زوجته أو أولاده أو شريكه أو جاره أو زميله في العمل أو مديره، أو غير ذلك.

 

فليتق المسلم ربه -جل وعلا-، وليحذر من الظلم؛ لأن الظلم ظلمات في الدنيا وفي القبر ويوم الحشر والنشر؛ لأن المظلوم قد يرفع يداه إلى السماء ويدعو على ذلك الإنسان فيكون سببا لهلاكه وسوء خاتمته -والعياذ بالله-.

 

فعلينا أن نتمسك بأسباب الثبات لا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الصوارف والفتن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

اللهم يا حي يا قيوم يا من ترانا وتسمع كلامنا، وتعلم سرنا ونجوانا، نسألك يا الله أن تثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب والأبصار، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.

 

اجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله يا رب العالمين، ولا تجعلنا ممن يطول عمره ويسوء عمله وتسوء خاتمته -والعياذ بالله-، يا حي يا قيوم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب يا رب العالمين.

 

اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، اللهم حبب إلى قلوبنا الإيمان وزينه في قلوبنا يا رب العالمين، وكره إلى قلوبنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين يا حي يا قيوم.

 

اللهم يا حي يا قيوم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، يا قوي يا جبار يا قهار يا عظيم نسألك أن تنتقم ممن ظلم إخواننا في بلاد الشام، اللهم عليك بهم ومن عاونهم، اللهم شتت ملكهم، اللهم أنزل عليهم عقوبتك، اللهم أنزل عليهم غضبك، اللهم فرق كلمتهم وفرق قلوبهم، اللهم اجعل جندهم جند عليهم، اللهم اقتلهم بسلاحهم يا قوي يا عزيز.

 

اللهم يا حي يا قيوم اللهم انشر الأمن في بلاد اليمن يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم وسدد سهام إخواننا في الحدود الجنوبية، اللهم انصرهم على الحوثيين يا رب العالمين.

 

اللهم يا حي يا قيوم انشر الأمن في العراق وفي فلسطين، اللهم حرر المسجد الأقصى من اليهود الغاصبين، اللهم شتت ملكهم، اللهم شتت أمرهم، اللهم سلط عليهم ما نزل من السماء وما خرج من الأرض، اللهم اجعل بأسهم بينهم شديدا، يا قوي يا عزيز انتصر للمظلومين من المسلمين في كل مكان يا رحمن يا ودود يا رحيم انصر المستضعفين في كل مكان.

 

اللهم أنزل عليهم رحمتك، اللهم أنزل عليهم فرجك، اللهم أعدهم إلى بلادهم آمنين سالمين يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم من أراد بلانا بسوء اللهم يا قوي يا عزيز اللهم أبطل كيده، اللهم أبطل كيده، اللهم اجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، وأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

 

اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، اللهم سدد أقوالهم وسدد أعمالهم، وبارك في جهودهم يا حي يا قيوم.

 

اللهم يا حي يا قيوم كما جمعتنا في بيت من بيوتك، اللهم اجمعنا في أعلى الجنان مع سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام- يا رب العالمين.

 

اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة التوحيد يا رب العالمين، اجعل يا رب قبورنا روضة من رياض الحنة، وأظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك يا حي يا قيوم.

 

اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

 

 

المرفقات

على الدين وأسبابه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات